استراتيجية المملكة المغربية في مواجهة الإرهاب
الأحد 21/فبراير/2021 - 02:28 م
طباعة
حسام الحداد
شاركت المملكة في قمة دول الساحل الإفريقي (مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) وفرنسا إلى جانب شركاء دوليين، وذلك من أجل بحث مكافحة الحركات الجهادية والتنظيمات الإرهابية، التي يزداد انتشارها مع وجود تحالف خفي بين القاعدة وداعش في الغرب الأفريقي.
وتبقى المسألة الأمنية حاضرة بقوة في اجتماعات دول الساحل الأفريقي، خاصة أن مراكز استراتيجية دولية عديدة كانت حذرت من الارتباطات بين الجماعات الإرهابية العاملة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وميليشيات البوليساريو التي يتم تجنيد أفرادها في مخيمات تندوف، مشيرة إلى تزايد وتيرة وجود تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة التابعة له في المنطقة.
كل هذا ضمن استراتيجية المغرب المحددة سلفا لمواجهة الإرهاب وخلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر تم استضافته بالعاصمة المغربية الرباط، حول موضوع: "مكافحة التطرف العنيف: استجابات جديدة لتحديات جديدة”، نظمه المرصد المغربي حول التطرف والعنف، بالشراكة مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومعهد السياسات من أجل الجنوب الجديد، والرابطة المحمدية للعلماء.
وقال يونس جبران، الكاتب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون بالمغرب، إن المغرب يتبنى استراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، وهي الاستباقية، والتحصين الديني، والإدماج الاجتماعي.
وأضاف، أن السلطات المغربية تقوم بتوزيع المعتقلين بحسب عدة معايير موضوعية، تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الجنائية، ودرجة الخطورة، والجنس، إعمالا بالمبدأ الدولي في قانون السجون".
وتابع، أن المغرب يعمل على تصنيف هؤلاء المعتقلين إلى ثلاث فئات، الأولى، المتشددون الذين لهم قناعات صلبة وليست لديهم قابلية للحوار، أما الفئة الثانية، فتضم السجناء في منطقة بينية، والثالثة، السجناء المستعدون للحوار.
وأرجع الكاتب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون بالمغرب هذا التوزيع إلى تفادي تكتلهم، ويسهل التحكم في تحركاتهم داخل السجون.
وأشار يونس جبران إلى أن تكتل هؤلاء يطرح مشاكل الاستقطاب، لكون بعضهم يملك قدرة على الإقناع، ويمارسون الاستقطاب والتجنيد في صفوف السجناء، خاصة الخطيرين.
وشدد جبران على ضرورة معالجة ملف المعتقلين المحكومين بقانون الإرهاب وفق مقاربة شمولية، قائلا: “التدبير الأمني وحده لا يكفي، لذلك فإن استراتيجية المندوبية تعتمد أيضا على الإدماج، من أجل مصالحة السجناء مع أنفسهم والمواطنين والمجتمع".
وأشار يونس جبران إلى أن برنامج إعادة تأهيل السجناء المحكومين بقانون الإرهاب، يرتكز أيضا على البعد الديني، ويسهر عليه خبراء مغاربة تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبالشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء.
وتابع، هذا بجانب برنامج يهتم بالجانب الاقتصادي، حيث يتم تلقين السجناء مفاهيم حول بلورة أفكار مشاريع اقتصادية لإدماجهم في المجتمع، مشيرا إلى أن هناك طلبا من الدول للاستفادة من التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب.
نتائج هذه الاستراتيجية كانت واضحة على أرض الواقع، إذ مكنت مراراً من تفكيك خلايا إرهابية كانت في المراحل الأخيرة من الإعداد لهجماتها، الشيء الذي عكسته المحجوزات الخطيرة لدى أفرادها، وأيضاً الاعترافات التي أدلوا بها عند التحقيق معهم من طرف السُلطات الأمنية المُختصة.
ولم تسجل المملكة سوى ثلاثة اعتداءات إرهابية منذ عام 2003، أولها التفجيرات التي استهدفت الدار البيضاء 16 مايو 2003.
وفي العام نفسه، وقع الهجوم الذي استهدف مطعما بساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش عام 2011، ووصولاً إلى آخر عملية نفذتها "ذئاب مُنفردة"، من خلال ذبح سائحتين إسكندنافيتين بجبال إمليل نواحي مراكش عام 2018.
وغير هذه الاعتداءات الثلاثة، لم تشهد المملكة أي هجمات أخرى، لكن في المُقابل، لم يتوقف نشاط هذه التنظيمات الإرهابية، بل ظل مُستمراً من خلال التخطيط والاستقطاب، الشيء الذي تجند له عناصر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ونجحوا في إفشاله مراراً.
وحول قمة الساحل التي شاركت فيها المملكة المغربية أكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الشأن الأمني الاستراتيجي، أن “قمة دول الساحل الأفريقي تأتي في سياقات متعددة من بينها تطور العمليات الإرهابية في المنطقة برمتها”، مبرزاً أن الضربات الإرهابية لجماعات “نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة إياد أغ غالي، وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى لعدنان أبو وليد الصحراوي، شهدت ارتفاعاً مهولاً في موبتي، كيرينا وغوسي وشمال غرب بوركينا فاسو، خصوصاً بارسولوخو. زيادة على أن تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا والساحل عرف تغيير القيادة من خلال تولي يوسف العنابي، الذي أبدى استعداداً لشن ضربات إرهابية في المنطقة.
وأورد الروداني، أن “هناك ملامح صراع كبير بين التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة وتلك التابعة لداعش في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء، وهو ما يشكل تحولاً جديداً من شأنه خلق تنظيمات أخرى في المنطقة، على غرار تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى، الذي أصبح يشمل دول تنزانيا والكونغو الديمقراطية وموزنبيق”، موضحاً، أن “ملامح شريط إرهابي جديد أصبحت تظهر وقد يهدد مجموعة من الدول في البحيرات الكبرى إن لم يكن هناك تحرك دولي محكم واستراتيجي يعالج جميع محددات قوة الجماعات المسلحة والإرهابية”.
وأوضح، أن “الأجوبة الأمنية منذ عمليات سرفال برخان وعمليات دولية أخرى لم تعط أكلها في محاربة الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء، ومن ثم فإن وجود مقاربات جديدة لاستعادة دور دول المنطقة ومركزيتها في محاربة نشاطات الجماعات الإرهابية أصبح مهماً”.
كما قال الروداني، إن “مشاركة المملكة المغربية في مثل هذه القمة لدول الساحل الأفريقي تأتي في سياقات مختلفة، فهي أولاً أصبحت دولة فاعلة في محاربة الإرهاب والتطرف على المستوى الإقليمي القاري والدولي، ولعل تجنيب الولايات المتحدة الأمريكية ضربة إرهابية من خلال توفير المؤسسات الأمنية المغربية معلومات دقيقة للمؤسسات الأمنية الأمريكية يبرز الدور الريادي الذي أصبحت تلعبه الرباط في محاربة الإرهاب والتطرف والشبكات الدولية للاتجار بالمخدرات والسلاح”.
ويقر الروداني بأن الأمن القومي للمملكة المغربية مرتبط بأمن هذه الدول، التي تعد عمقاً استراتيجياً لها، على اعتبار أن لها علاقات ثنائية متميزة مع جميع دول الساحل وغرب أفريقيا، كما أنها شريك في عمليات التنمية المهيكلة لاقتصادياتها، لأنها أول دولة ذات استثمارات ضخمة في المنطقة، كما أن المشروع الجيواستراتيجي للغاز بين نيجيريا والمملكة المغربية محدد في بنية اقتصاد العديد من الدول.