باحث امريكي: النهضة سهلت تجنيد الارهابيين في تونس
الإثنين 22/فبراير/2021 - 11:11 ص
طباعة
روبير الفارس
في السنوات العشر منذ الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، مرّت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. لكن العدد الهائل من المواطنين الذين تم تجنيدهم في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي تحت ظل حكم حزب النهضة الاخواني يشير إلى أن التداعيات ستظل محسوسة لسنوات قادمة.
ورصد الباحث هارون ي. زيلين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له هذا التهاون مع التجنيد والذى بدا
في 19 فبراير 2011، حيث أعلنت تونس عفواً عاماً عن السجناء بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، مما سمح بعودة 1200 جهادي إلى الشوارع لتنظيم صفوفهم. ومن بين أولئك الأفراد 300 عنصر حاربوا سابقاً في أفغانستان والجزائر والعراق والصومال واليمن.
وفي السنوات العشر منذ ذلك الحين، مرّت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ويعكس الوضع الراهن حالة الحركة في حقبة ما قبل الثورة بطرق أخرى أيضاً، إذ يتواجد معظم مقاتليها على جبهات أجنبية، ويتّخذ معظم المخططين للهجمات في صفوفها من الغرب مقراً لهم، كما أن أعضاءها مسجونون في عدة دول. أما الفرق الرئيسي الآن فهو أن أعداد المنضمّين إليها أصبح أكبر بكثير. ويقول زيلين انه بعد العفو، نفّذ الجهاديون الذين أُطلق سراحهم ما كان يخططون له في السجن منذ عام 2006، وهو: إنشاء جماعة جديدة تسمى "أنصار الشريعة في تونس". وبسبب انعدام شرعية الحكومة الانتقالية في ذلك الوقت، ركزت معظم السلطات على إعداد البلاد للانتخابات، لذا كان أمام «أنصار الشريعة في تونس» مجال كبير للعمل من دون أن تخضع للكثير من الرقابة. وقد منح هذا الأمر أعضاء الجماعة فرصة التواصل مع الجهاديين في ليبيا والاحتجاج دفاعاً عن حقوق زملائهم من المقاتلين التونسيين في السجون العراقية، في حين استولوا بالقوة على 400 مسجد في جميع أنحاء تونس وبدأوا بمضايقة الفنانين والناشطين والسياسيين العلمانيين.
وحظيت جماعة «أنصار الشريعة في تونس» بحرية عمل أكبر بعد الانتخابات، مما جعل حزب "النهضة" الإخواني يفوز برئاسة البرلمان الجديد. وقد تعاطف الحزب مع «أنصار الشريعة» نظراً إلى تجاربه الخاصة مع عمليات القمع التي تعرّض لها خلال العقود السابقة. كما اعتقد بسذاجة أنه يمكن استمالة هذه الجماعة إليه بحجة التعامل مع النظام الديمقراطي الجديد - على الرغم من أن الديمقراطية محرمة في الإيديولوجيا الجهادية. وبالتالي، سُمح لـ «أنصار الشريعة في تونس» بتنظيم أكثر من 900 فعالية بين عاميْ 2011 و 2013، شملت محاضرات دينية ومنتديات دعوة وتسيير قافلات خيرية.
ومع ذلك، حتى عندما زعمت الجماعة أنها تفضل نهج الدعوة أولاً، شارك أعضاؤها بشكل غير رسمي في أنشطة الحسبة ودعموا جناحاً عسكرياً سرياً درّب أفراداً في ليبيا. وفي أعقاب الهجوم على السفارة الأمريكية في عام 2012 واغتيال سياسيين يساريين في عام 2013،
وكان أحد آثار حملة القمع في الساحة المحلية هو إقدام «أنصار الشريعة» على زيادة تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى الخارج. وفي نهاية المطاف، ذهب إجمالي 3 آلاف تونسي تقريباً إلى العراق وسوريا، في حين توجّه ما يصل إلى 1500 إلى ليبيا (من بينهم بعض العائدين من سوريا). ونظراً إلى الخبرة التي اكتسبها التونسيون مع «أنصار الشريعة»، فقد أصبحوا مكوناً أساسياً داخل «جبهة النصرة» - الفرع السوري التابع لتنظيم «القاعدة» - ولاحقاً ضمن الدعوة والمجالات الإدارية في تنظيم «داعش». كما ساعد بعض الأعضاء على التخطيط والتوجيه والتدريب لتنفيذ العمليات الخارجية لـ تنظيم «داعش» في أوروبا وتونس.
وبفضل النهضة الاخواني استمر النشاط الجهادي في الجبال بالقرب من الجزائر في التدهور في عام 2020، إذ تأكّد مقتل خمسة قياديين إضافيين من تنظيم داعش باسم الغنيمي، ومحمد حبيب حاجي، وحافظ رحيمي، وناظم الذيبي، ومحمد ونيس بن محمد الحاج. وعلى الأرجح، لا يزال أكثر من 12 مقاتلاً من تنظيم «داعش» مختبئين في الجبال. وفي المقابل، لم يُقتل أي من قادة «كتيبة عقبة بن نافع»، الفرع التونسي التابع لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خلال العام الماضي، مما يشير إلى أن حوالي أربعين من أعضائه لا يزالون ناشطين في الجبال
واكد زيلين انه من غير المرجح أن تحتل القضايا الأمنية الأولوية ضمن أجندة تونس في عام 2021 نظراً إلى القضايا الأخرى التي تشغل الدولة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية للوباء، مروراً بعدم الاستقرار المستمر في البرلمان، ووصولاً إلى الخلاف مع الرئيس قيس سعيد. ومع ذلك، حتى عندما أصبح تذليل المشاكل الأمنية الفورية أسهل في السنوات الأخيرة، فإن العدد الهائل من التونسيين المجندين في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن تداعيات هذا الأمر ستستمر لسنوات أخرى، إذ يقضي الأفراد عقوباتهم بالسجن، أو يعيدون تنظيم صفوفهم في خارج البلاد.