الإعلام الإرهابي والإرهاب الإعلامي

الخميس 25/فبراير/2021 - 12:33 م
طباعة الإعلام الإرهابي حسام الحداد
 
قادَ الاستخدام الغزيرُ لوسائل الإعلام المختلفة، ومِنصَّات التواصل الاجتماعي، من قِبَل المنظَّمات الإرهابية، لنشر دعاياتها وأفكارها الهدَّامة، إلى ما يمكن تسميتُه الإعلام الإرهابي. أما الإرهابُ الإعلامي فهو ما تمارسه وسائلُ الإعلام العامَّة من نقل أخبار الإرهابيين وعملياتهم، وطرائق تواصلهم، وتضخيم نتائج إجرامهم؛ مما يثير الذُّعرَ لدى المشاهدين والمتابعين، ويحقِّق لتلك الجماعات دعاياتٍ مجانيةً، ويسهم في إرهاب المجتمعات.
حول هذا الموضوع المهم في مجال مكافحة الارهاب يدور تقرير عاشور بن إبراهيم الجهني، رئيس تحرير مجلة (التحالف)، والتي يصدرها التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، والمنشور في العدد الأخير للمجلة.
يقول عاشور في مقدمة التقرير عن الإعلام الإرهابي: "ظهر كثيرٌ من الشبكات والمنتديات التي أصبحت واجهةً إعلامية للتنظيمات الإرهابية، تنشر كلماتٍ مرئيةً لقياداتها، وتبثُّ المقاطع المصوَّرة لبعض عملياتها، ثم تطوَّرت الآلةُ الإعلامية لتلك التنظيمات مع زيادة فروعها، حتى أصبح لكلِّ فرع مؤسستُه الإعلامية، وتنوَّعت رسائلهم بلغات مختلفة كالعربية، والإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، حتى الأوردو والهندية. وتفاوتت قوة هذه المؤسسات واختلف محتواها وجودته.
لقد أصبح الإعلامُ الإرهابي عابرًا للحدود والثقافات والعقول والمعتقدات المتطرفة؛ بسبب مهارته العالية في تسخير الإنترنت ومُخرَجاته التقنية، لتحقيق أهداف تلك الجماعات الإرهابية.
وللهرَب من الملاحقة والحصار وجدَ الإرهابيون في تطبيقات التواصل ملاذاتٍ للتفاهم والالتقاء من أماكن مختلفة في أرجاء العالم في وقت واحد؛ لتبادل الأفكار والخبرات، ومناقشة الدروس المستفادة، وعقد الاتفاقات في منتديات الحوار وغرف النقاش، ولذلك أصبح للتنظيمات والجماعات والمتعاطفين آلافُ المواقع على الشبكة الإلكترونية.
أما عن الإرهاب الإعلامي يقول: لا جدالَ في أن مُهمَّة الإعلام هي الإخبارُ والتثقيف، والشرحُ والتحليل، والإمتاعُ والترفيه. وعلى الرغم من تعدُّد نظريات الإعلام عن أثره وما ينبغي له القيامُ به فإن ما يهمُّنا في هذا السياق هو نظريةُ المسؤولية الاجتماعية التي تُلزم وسائلَ الإعلام المختلفة بمجموعة من المواثيق الأخلاقية؛ لإيجاد توازن بين حرية الفرد ومصالح المجتمع. أي: ما يسمَّى بالحرية المسؤولة، ويتحقَّق ذلك بخضوع وسائل الإعلام لرقابة الرأي العامِّ في المجتمع بمواثيق الشرف الإعلامية، والالتزام بأخلاقيات المهنة، بمعنى أن يمارسَ العاملون في المجال الإعلامي وظيفةَ الرقابة على أنفسهم قبل أن يبثُّوا نِتاجَهم، وقد قيل: «أنت حُرّْ، ما لم تضُرّْ، وحريتك تتوقَّف عند حدِّ حريات الآخرين ». هنا يأخذنا الموضوعُ إلى العبارة الشهيرة «السَّبق الصحفي » أو الانفراد بالمتابعة الإعلامية؛ لزيادة عدد القرَّاء أو المستمعين أو المشاهدين، ورفع أسهُم الوسيلة الإعلامية لدى منتجي السِّلع والخِدْمات لعرض إعلاناتهم فيها.
بيدَ أن المسؤولية الاجتماعية القائمة على رفض أن يكون الخبرُ هو فقط تلك المعلومة التي تثير اهتمامَ عدد من الناس، بل يتناول الأحداثَ الجارية بعيدًا عن معايير الإثارة وَفقَ منظومة من القيم الإخبارية المختلفة. لكنَّ ما يحدث هو تهافتُ أكثر وسائل الإعلام على متابعة الأخبار، ومنها أخبارُ التنظيمات الإرهابية في سياق من السرعة والتنافس والبحث عن الإثارة، إلى درجة أصبحت معها بعضُ وسائل الإعلام كأنها أبواقٌ تردِّد دعايات تلك التنظيمات، فتنشر بياناتها، وتتحدَّث عن عملياتها، وتُذيع أسماءَ وسائلها الإعلامية، وتتناول قادتها من القتَلة والمجرمين وكأنهم أبطال.
وفي نهاية التقرير يقدم عاشور معالجات وحلول لهذه الإشكالية  أهمها:
أولا: رفع كفاءة متتبِّعي الإرهاب إعلاميَّا حيث يقول "نادرًا ما تجد تخصُّصًا في المؤسسات الإعلامية المتتبِّعة للإرهاب إعلاميًّا، وفي كثير من الأحيان لا يتصف الصَّحفيون بفهم عميق للإرهاب، وأحدُ الحلول المطروحة لمعالجة أخطاء المتابعة الإعلامية للإرهاب والإرهابيين هو رفعُ كفاءة الصحفيين والإعلاميين الذين يقومون بتلك المهمَّة؛ لأن متابعة الإرهاب إعلاميًّا تتطلَّب قدُرات خاصَّة في مجالَي التحقيق والتحليل بشأن موضوعات معقَّدة تؤثِّر في السياسات الدَّولية، أو عَلاقات القوى السياسية الداخلية والخارجية، أو الدين، أو الجرائم العابرة للحدود. وربما يكون الإرهابُ أحد المجالات التي تتطلَّب أكبرَ قدر من الكفاءات المِهنية، ومن الأقوال المأثورة: إن وسائل الإعلام تعرف كيف تتابع الأزَمات إعلاميًّا، ولكنَّها لا تعرف بالضرورة الأزمةَ التي تتابعها.
ثانيا: المبادئ التوجيهية بديلً عن الرقابة ويقول في هذه النقطة: هناك مكوِّنان لمشكلة الرقابة؛ محلِّي وعالمي، وإذا بدَت السيطرةُ على وسائل الإعلام المحلِّية ممكنةً من معظم الحكومات، فإنها تصبح مشكلةً فيما يتعلَّق بشركات الإعلام العالمية، ولا سيَّما مِنصَّات التواصل الاجتماعي، وهو ما يُدركه الإرهابيون ويهتمُّون به، فيزيدون مستوى العنف من أجل التثبُّت من أن وسائل الإعلام العالمية لن تكونَ قادرةً على تجاهل العمل الإرهابي، فهم يعرفون أن هناك كتلةً حرجة من الإرهاب الذي يخترق الحواجزَ في وسائل الإعلام.
ويتفق كثيرٌ من الخبراء أن التأثير السلبيَّ للتقارير الإعلامية عن الإرهاب يمكن تخفيفُه بالرقابة الذاتية، إذا كانت المؤسساتُ الإعلامية على استعداد لإعطاء الأولوية للمبادئ التوجيهية الداخلية، وليس للمنافسة والسَّبق. ويجب أن تُقِرَّ هذه الإرشاداتُ بأن الإرهابيين يسعَون للدعاية المجانية بأعمال العنف، وأن المتابعةَ الإعلامية الغزيرة لجرائمهم يمكن أن تزيدَ من التأثير السلبي للإرهاب، ويجب على المسؤولين عن وضع إرشادات داخلية أن يأخذوا في الاعتبار حقيقةَ أن المتابعة الإعلامية يمكن أن تسبِّبَ ضررًا مباشرًا بالتدخُّل في أعمال الشرطة، أو التسبُّب في تعطيل النظام العامِّ، أو نشر الخوف.
ثالثا: تحديد إطار الإرهاب حيث يقول: من المهمِّ جدًّا تأطير متابعة الإرهاب، وهو يتعلَّق بالهياكل التفسيرية التي يستخدمها الصحفيون لوضع أحداث معيَّنة في سياقها الأوسع، ويتضمَّن ذلك اختيارَ جوانب محدَّدة عند وصف الموضوع الذي تجري متابعته وتعريفه، وتفسيره وتقويمه على المستوى الأخلاقي. ويُعبَّر عن التأطير باختيار الموضوعات أو رفضها، وتسلسلها، وموضع عرضها، واختيار المتحدِّثين والصور، واستخدام بعض الكلمات وبعض النعوت.
وتتناول نظرية الأطُر في المجال الإعلامي قدرةَ وسائل الاتصال على وضع الرسائل المقدَّمة في قوالبَ معيَّنة، تجعل الجمهورَ يفكر فيها كما يريدُ القائمون على بناء المضمون الإعلامي، ومن ثَمَّ يمكن لهذا المضمون أن يبنيَ معانيَ لقضايا معيَّنة في إطار عَلاقتها بقيم اجتماعية واقتصادية وثقافية في سياق الواقع المَعيش. وتنبني النظريةُ على مقولة رئيسة فحواها: إن لوسائل الإعلام قدرةً عالية على اختزال الوقائع والأحداث، وتقديمها للجمهور بأطُر محدَّدة تحمل من المعاني والأفكار ما يساعد الجمهورَ على فهم تلك الوقائع والأحداث المعقَّدة وتفكيكها.

شارك