ضرورة تغيير استراتيجيات نيجيريا لمواجهة إرهاب بوكو حرام

الإثنين 08/مارس/2021 - 04:41 م
طباعة ضرورة تغيير استراتيجيات حسام الحداد
 
تم تصنيف بوكو حرام في الآونة الأخيرة على أنها الجماعة الأكثر وحشية على مستوى العالم، وفي ظل الضغط الأمني على الحركة زاد توحشها، بعد أن قلت مواردها في الأونة الأخيرة فاتجهت لعمليات نوعية جديدة لزيادة أموالها وهي خطف تلاميذ المدارس وطلب فدية نظير عودتهم أو الإفراج عنهم.
ويشير الهجوم الصاروخي الأخير على مدينة مايدوجوري ، عاصمة ولاية بورنو، إلى بُعد خطير آخر في التمرد الإرهابي المستمر منذ 11 عامًا والذي يجتاح البلاد. في الهجوم المميت، أطلقت قذائف صاروخية من أطراف المدينة على أحياء مكتظة بالسكان، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا وإصابة العشرات بجروح ونشر الذعر بين سكان مدينة محصنة تعج باللاجئين الفارين من الهجمات في أجزاء أخرى من المدينة، وكان من المفترض على قوات الأمن في الولاية كأولوية قصوى، تحييد قدرة الإرهابيين على شن مثل هذا الهجوم بعيد المدى على عاصمة الولاية ووضع حد لهذا الكابوس الدموي.
حتى بالنسبة لمدينة أصيبت بصدمة جراء سنوات من الإرهاب، كان وابل الصواريخ مرعبًا، ذكرت تقارير إعلامية أن الإرهابيين انتهكوا الدفاعات الواسعة للمدينة، وخلافا لما حدث في الماضي، عندما هاجموا القرى النائية بالأسلحة الصغيرة، أمطروا بالقنابل اليدوية على سكان المدينة الذين زاد عددهم عن 1.2 مليون نسمة، أصابت إحداها ساحة لعب للأطفال، مما أسفر عن مقتل تسعة صبية ودفع إلى تعديل التقرير الرسمي الأولي عن 10 قتلى و 47 مصابًا إلى 16 حالة وفاة مؤكدة، وأعلنت جماعة بوكو حرام منذ ذلك الحين مسؤوليتها عن الهجوم.
وهذا ينذر بالسوء، إذ يشير إلى حصول الجماعة الإرهابية على أسلحة متطورة، ولم يكن هذا الهجوم الأول على المحور السياسي والتجاري للشمال الشرقي، فقد شنت بوكو حرام وفروعها العديد من الهجمات على المدينة، مسقط رأسها، منذ طردها من هناك قبل عقد من الزمان، لكن هذه كانت اعتداءات على القرى والمزارع المحيطة، في الماضي، قامت في عدة مناسبات أيضًا بتسلل مقاتلين وانتحاريين إلى المدينة، بما في ذلك غارات جريئة على حامية الجيش النيجيري وهجوم محرج على محطة سلاح الجو النيجيري أدى إلى إلحاق أضرار بعدة طائرات مقاتلة، وأسفر هجوم على المزارع في نوفمبر الماضي 2020، في زبرماري على مشارف المدينة عن مقتل 76 من مزارعي الأرز، في كل هذا، لم يتمكن الجيش من التغلب على المهاجمين، حتى الآن.
ومع القدرة المكتشفة حديثًا على إحداث الفوضى من بعيد، هناك مخاوف من أن الإرهابيين قد يتسببون في الذعر، والتسلل إلى المدينة بأعداد كبيرة، وإثارة نزوح جماعي واجتياح العاصمة. سيكون هذا مخيفا لدرجة كبيرة بل كارثي، حيث يمكن مقارنته باستيلاء داعش على الموصل في العراق والرقة في سوريا في عام 2014 وإنشاء الدولة الإسلامية التي لم تدم طويلاً، ويجب منع هذا بأي ثمن. فالإرهابيون يتنامون ويتكاثرون على الصدمة والرعب، ويعيشون على الاعتداءات والأعمال المروعة من المذابح وإراقة الدماء، على عكس الجيوش التقليدية، فلا يحتاجون إلى السيطرة على الأرض لفترة طويلة لتحقيق أهدافهم: القدرة على خلق الخوف والدمار والذعر الجماعي كافية لجذب مئات المقاتلين والمجندين الجدد إلى رايتهم، فالموت في القتال أو التفجير الانتحاري في ظل الفكر السلفي المروع يضمن النعيم في الآخرة، وفي هذا السياق قال مركز دراسات الإرهاب والأمن، هولندا، أن التفجيرات وعمليات الاختطاف والخطف الجماعي والمذابح الجماعية والهجمات الصاروخية تبقيهم على الدوام في الأخبار، وينشرون أيديولوجيتهم القائمة على الكراهية والهيمنة الجهادية.
فالقذائف الصاروخية المتكررة دون رادع يمكن أن تضعف معنويات السكان وتضغط على الحكومة للتفاوض مع المتمردين، بدأ هذا السيناريو في أفغانستان حيث تجري الحكومة والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة محادثات مع جماعة طالبان المتمردة التي تزداد ثقة بأن هجماتها المنتظمة على كابول، العاصمة، وسيطرتها على 54 في المائة من البلاد، قد أفسدت السيطرة على حركة طالبان، وأفادت صحيفة "غارديان أوف لندن" أن طالبان نفذت في الأشهر الستة حتى نوفمبر الماضي 53 هجومًا انتحاريًا و 1250 تفجيراً أسفر عن مقتل 1210 مدنيًا وإصابة 2500 آخرين.
لا تستطيع نيجيريا تحمل المزيد من التصعيد؛ وبالمثل فإن قطاع الطرق والرعاة القتلة يريقون أنهارًا من الدماء؛ اختطف البعض حوالي 300 تلميذة في ولاية زامفارا قبل إطلاق سراحهن بعد بضعة أيام، على عكس طالبان التي حكمت أفغانستان ذات يوم وتسعى لطرد القوات الأجنبية من وطنها، فإن بوكو حرام وفروعها وغيرهم من الإرهابيين تحت ستار "قطاع الطرق" ورعاة الفولاني ليس لديهم شرعية، تم تصنيف الثلاثة من بين الجماعات الإرهابية الست الأكثر فتكًا في العالم من خلال مؤشر الإرهاب العالمي.
كما ذكر تقرير مشترك صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن الإرهاب في الشمال الشرقي، واللصوصية في الشمال الغربي، و "صراع المزارعين / الرعاة" في الشمال الأوسط، أوجدوا أكثر من مليوني لاجئ، بعضهم في البلدان المجاورة، تضيف بي بي سي أن بوكو حرام و اسواب قتلا أكثر من 36000 شخص ودمروا الأنشطة الاقتصادية في جميع أنحاء الشمال.
لذا يجب على رؤساء الخدمات الجدد ابتكار مبادرات جديدة لكسر الحصار على مايدوجوري وعواصم الولايات والمدن الأخرى في المنطقة، ومؤخرا أثار علي ندومي، عضو مجلس الشيوخ، جرس الإنذار من عدم وجود طريق آمن يؤدي إلى مايدوجوري أو الخروج منها، وأكد ذلك الكمين الأخير والقبض على مسافرين على طريق مايدوجوري-داماتورو، البوابة الرئيسية للمدينة لبقية نيجيريا وهي محاطة بالمتمردين الذين هاجموا باما بشكل متكرر على بعد 80 كيلومترًا، ودامبوا 50 كيلومترًا وكوندوغا، على بعد 30 كيلومترًا فقط، علاوة على ذلك، كانت مايدوجوري ملجأ لأولئك الفارين من أجزاء أخرى من الولاية؛ بحلول عام 2019، كان هناك 22 معسكرًا للنازحين داخليًا في المدينة، بحسب برنامج الغذاء العالمي.
وبؤكد محللون أنه يجب على الرئيس، اللواء محمد بخاري، تغيير استراتيجيته وتكتيكاته، هذه الحرب لا يمكن أن تكسبها الكتائب العسكرية وحدها، هناك حاجة ماسة إلى ذكاء فائق، بشري وإلكتروني، وهذا يتطلب أدوات تقنية متطورة وبسيطة لتحديد مواقع المتمردين وتعقبهم واعتراض وتدمير اللوجيستيات ومراكز الإمداد الخاصة بهم، يجب على الوكلاء تتبع مصادر تمويلهم وأسلحتهم وكذلك الممولين، يجب أن تكون هناك ضربات قطع رأس لتدمير القيادة الإرهابية من خلال ضربات الطائرات والطائرات بدون طيار والمدفعية وغارات الكوماندوز بالاعتماد على جمع المعلومات الاستخبارية الفعالة، أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها في مكان آخر، كما يجب على الجيش ووكالات الاستخبارات التعاون والقضاء على خطر الإرهاب بشكل نهائي.

شارك