الصومال بين حركة الشباب الإرهابية وأطماع أردوغان التوسعية
الخميس 11/مارس/2021 - 01:30 م
طباعة
حسام الحداد
لا يكاد يمر يوم على البلد الإفريقي الذي يعاني حزمة من الأزمات الكبرى منها الاقتصادي والسياسي والأمني، إلا وتسمع في نشرات الأخبار عن عملية قتل هنا أو تفجير هناك، فقد انتشر إرهاب حركة الشباب الصومالية إلى أن تجاوز حدود هذا البلد الذي يعاني الكثير.
ومن بين هذه الأحداث الإرهابية ما حدث اليوم حيث قتل مدني وأصيب ثلاثة من عناصر الأمن الصومالي في تفجير استهدف حملة للتوعية من مخاطر فيروس كورونا في العاصمة الصومالية مقديشو، فيما أعلنت قوات بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال «أميصوم» إحباطها هجوماً لحركة «الشباب» الإرهابية على قاعدة عسكرية في جوبا السفلى جنوب الصومال.
ووفق إعلام محلي، فإن مجهولين زرعوا عبوة ناسفة على جانب الطريق في مديرية «كاران» جنوب شرقي مقديشو، واستهدفت سيارة تعمل ضمن حملة للتوعية من مخاطر الوباء.
ووصلت قوات الأمن إلى موقع الهجوم، حيث فرضت طوقا أمنيا، كما قامت بانتشال جثة القتيل وهو سائق السيارة، أما المصابون الثلاثة فهم من عناصر الأمن الذين كانوا يرافقون السائق.
ويعتبر هذا الانفجار الأول من نوعه الذي يستهدف القائمين على الحملة التي انطلقت منذ مارس الماضي عقب اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في الصومال.
من جهة أخرى، أعلنت قوات بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام بالصومال «أميصوم» إحباطها هجوماً لحركة «الشباب» الإرهابية على قاعدة عسكرية بجوبا السفلى جنوب البلاد.
وفق وسائل إعلام صومالية، جاءت عملية الإحباط بعد شن الجماعات الإرهابية هجوما عنيفا على قاعدة «قوقاني» المشتركة التي تضم قوات صومالية وكينية العاملة ضمن «أميصوم».
وقالت القوات الكينية، إنها قتلت عدداً من المهاجمين، واستولت على أسلحة وذخائر كثيرة خلال العملية.
الشباب والأزمة السياسية:
وتتّبع حركة الشباب الإسلامية المتشددة طريقتين لفرض أجندتها على سكان القرى والبلدات جنوب ووسط الصومال، عبر فتح قنوات اتصال مع أعيانها لإخضاعهم ليكونوا حبل التواصل مع السكان عند جمع الإتاوات مقابل تأمين أموال الأعيان، بينما تلجأ للقوة في حال امتناع قاطنيها.
ووفق مراقبين تجمع حركة الشباب سنويا الملايين من الدولارات عن طريق فرض إتاوات على التجار والرعاة والمزارعين في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويخوض الصومال حربا منذ سنوات ضد حركة الشباب التي تأسست مطلع 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكريا تنظيم القاعدة، تبنّت العديد من العمليات الإرهابية التي أودت بحياة المئات.
حركة الشباب أحرقت ثلاث بلدات وهجّرت سكانها بعد رفضهم دفع إتاوات كانت تفرضها عليهم باسم الزكاة
وتعد حركة الشباب في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم القاعدة، رغم الصعود القوي لتنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة بوكو حرام النيجيرية، إلا أن حركة الشباب ظلت متمسكة بولائها لتنظيم القاعدة، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.
وتسعى قوات دولية إلى مساعدة الصوماليين في حربهم ضد الإرهاب وضد حركة الشباب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة الحركة الإرهابية.
ويعبّر مراقبون عن مخاوفهم بشأن قدرة الجيش الصومالي المتعثر على الصمود في وجه حركة الشباب المتشددة، إثر رحيل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي من البلاد.
وبالرغم من تلقيها ضربات موجعة في السنوات الأخيرة لاسيما بعد طردها من العاصمة مقديشو، إلا أن الحركة المتطرفة لا تزال تنفذ هجمات دموية باتت تؤرق القوات الصومالية والقوات الأميركية.
وتظهر هجمات حركة الشباب قدرتها على إلحاق أضرار بالغة في الصومال والمنطقة، رغم خسارتها السيطرة على مناطق مدنية رئيسية في الصومال.
وخسرت الحركة أبرز معاقلها بعد طردها من مقديشو في عام 2011، إلا أنها لا تزال تسيطر على مناطق ريفية واسعة وتقود انطلاقا منها حرب عصابات وينفذ عناصرها هجمات انتحارية. ويقدّر عدد المقاتلين في صفوف الحركة بين 5 آلاف و9 آلاف مقاتل.
وحذر مراقبون في وقت سابق من سقوط البلاد في حرب أهلية جديدة مدمّرة بسبب الخلافات بشأن الانتخابات، ما سيخلق أرضية خصبة للتنظيمات الإرهابية على غرار جماعة الشباب التي تستغل تلك الخلافات السياسية لتصعيد هجماتها التي وصلت إلى المجمع الرئاسي في العاصمة مقديشو.
ويعيش الصومال على وقع أزمة سياسية تهدد بتفكك الدولة حيث عمّت الفوضى مقديشو الأسبوع الماضي عندما حاولت المعارضة الخروج في مسيرة ضد تأخّر تنظيم الانتخابات، ما فجّر الوضع السياسي المتأزّم منذ شهور.
وترفض المعارضة الصومالية استمرار الرئيس محمد عبدالله فرماجو في السلطة لحين تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية واعتبرته في وقت سابق “غير شرعي”.
وتجاوز الصومال مهلة نهائية كانت محددة لإجراء انتخابات بحلول 8 فبراير، ما أدى إلى أزمة دستورية.
ولم يتمكن الرئيس الصومالي وزعماء الولايات الفيدرالية من حل خلافاتهم بشأن كيفية إجراء الانتخابات، بعدما تم التخلي عن آمال إجراء أول انتخابات منذ العام 1969 بالاقتراع المباشر، على خلفية مشاكل أمنية وسياسية.
ومن أبرز النقاط الخلافية بين الحكومة ورؤساء الأقاليم هو تشكيل اللجان الانتخابية وإقليم جدو. وأجرى الإقليم المذكور انتخابات في أغسطس أُعيد فيها انتخاب رئيسه أحمد محمد إسلام لولاية ثالثة.
وترفض الحكومة الفيدرالية الاعتراف برئاسة إسلام، وهو موالٍ لكينيا التي توجد بينها وبين الصومال ملفات خلافية، بينها نزاع حدودي.
أطماع أردوغان:
وحول الاطماع التوسعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الصومال، ذكر تقرير لموقع نورديك مونيتور السويدي كيفية استغلال الحكومة التركية رأس المال السياسي والعسكري والاقتصادي الذي تضخه في الصومال لدعم الجماعات المتطرفة في الدولة التي عانت منذ فترة طويلة من الحرب الأهلية والصراعات العشائرية.
وسلطت العديد من المقالات، التي كتبها صفر توران، كبير مستشاري الرئيس التركي، في مجلة إسلامية راديكالية في التسعينيات حول الصومال والتي نُشرت في مجلة يروز (الأرض) المتوقفة عن الصدور حاليًا الضوء على كيفية تصور الرئيس رجب طيب أردوغان ورفاقه الإسلاميين لمستقبل الصومال.
كانت المجلة، التي تنُشر باللغة التركية، تتلقى تمويلها سراً من النظام الإيراني للترويج لآراء متطرفة بين الأتراك في ذلك الوقت، وواجهت تحقيقًا جنائيًا أدى إلى إغلاق المجلة.
وجرى لاحقًا توجيه تهم وإدانة العديد من الأشخاص المرتبطين بالمجلة بتهم تتعلق بالإرهاب.
رؤية توران للصومال مهمة للغاية لأنه ليس مستشارًا لأردوغان، بل لأنه كان صاحب تأثير واضح في تشكيل استراتيجية علاقات تركيا مع الدول الإسلامية والعربية والأفريقية لسنوات ويتمتع بعلاقات وثيقة معه.
دافع توران في مقالاته عن حركة الاتحاد الإسلامي، وهي منظمة تم تصنيفها باعتبارها جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ونيوزيلندا، ودافعت عن القتال المسلح للتنظيم باستخدام المساعدات العسكرية من إيران.
وكان هدف حركة الاتحاد إقامة دولة إسلامية، وكان بعض قاداتها على صلة بتنظيم بالقاعدة. ومع حل الحركة في عام 2001، انضم بعضهم إلى حركة الشباب.
وفي مقال نشر في أكتوبر 1992، طرح توران آراء متطرفة، زاعما أن بعض الأيتام في الصومال اختطفتهم عصابات يهودية مسلحة واقتيدوا قسراً إلى إسرائيل.
كما زعم تنصير آخرين من قبل مبشرين مسيحيين غربيين جاءوا إلى الصومال بحجة إيصال مساعدات إنسانية.
ولا تزال هذه النقاط التي قيلت في التسعينيات يتم تداولها بين الإسلاميين الأتراك حتى اليوم، ويجرى ترويجها لدعم القاعدة الأساسية لأردوغان في تركيا، كما دافع عن إيران لتسليحها الاتحاد الإسلامي.
وفي مقال نشر في يناير 1993 انتقد توران عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ووصفها بأنها احتلال إمبريالي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ضد كتلة بقيادة إيران والسودان.
وأشاد بمعارضة حركة الاتحاد الإسلامي لعملية الأمم المتحدة في الصومال، كما رحب بإعلان الجماعة أنها ستقاتل بكل الوسائل المتاحة ضد ما أسمته غزوًا.
وفي عدد ديسمبر 2012 ويناير 2013، نشر مقالات معادية بشدة لأمريكا تحت عنوان "رامبو في الصومال"، متهماً الولايات المتحدة باحتلال البلاد بذريعة تقديم المساعدة.
وفي عام 2011 اتخذ أردوغان قرارًا محسوبًا بتعيين جمال الدين كاني تورون، كسفير غير مهني إلى الصومال، حيث تواصل تورون مع شخصيات سابقة في الاتحاد الإسلامي، كما التقى سراً بقادة إرهابيين من حركة الشباب وباع لهم أسلحة.
وبمساعدة أردوغان في عام 2014، تم تسليم إدارة مرافق ميناء مقديشو إلى مجموعة البيرق، وهي تكتل تركي متهم بممارسات فاسدة في تركيا وخارجها.
ويعتقد أنه تم تحويل بعض الأموال التي تحصلت عليها مجموعة البيرق من الكسب غير المشروع والرشاوى إلى الجماعات المسلحة في البلاد أيضًا. كما تنتشر تجارة السلع المقلدة على نطاق واسع على حدود الصومال، كما تشكل مصدر تمويل للجماعات المتمردة المسلحة مثل حركة الشباب.
وتدعم السفارة التركية مجموعة البيرق ومشاريعها المربحة في الصومال مثل تمويل المشاريع السكنية على حساب دافعي الضرائب الأتراك.