إسبانيا بين خطر ذئاب داعش المنفردة واليمين المتطرف
الخميس 18/مارس/2021 - 02:38 م
طباعة
حسام الحداد
كشفت صحيفة "لا راثون" الإسبانية في تقرير لها الاثنين الماضي عن وجود توقعات باستهداف الجماعات المتطرفة لدول أوروبية خلال الفترة القادمة، معتبرة أن إسبانيا تعد من الأهداف الرئيسية لهذه الجماعات وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.
وأرجعت الصحيفة هذه التوقعات إلى مقطع فيديو نشره "داعش" مؤخرًا، وتضمن ترجمة باللغة الإسبانية لأحد أناشيده الموجّهة إلى "الذئاب المنفردة"، يحثهم فيه على "الموت المجيد" أو "الموت بعزة" ـ كما يدعي ـ ، وذلك من خلال تنفيذ عمليات انتحارية بما هو متاح من أدوات مثل السكاكين والأسلحة والمتفجرات والسيارات، وما إلى ذلك.
ويأتي ذلك الفيديو في وقت يزداد فيه قلق المسؤولين الغربيين من تخطيط بعض العناصر المتطرفة لتنفيذ هجمات إرهابية بشكل فردي في أوروبا بصفة عامة، وإسبانيا على وجه التحديد.
جدير بالذكر أن الشرطة الإسبانية اعتقلت في يناير الماضي 2021، ثلاثة متطرفين في برشلونة، اثنان منهم وصلوا إلى البلاد على متن قارب، وأحدهم ينتمي إلى تنظيم "داعش" الإرهابي.
كما يحذر عدد من الخبراء والباحثين في مجال الاسلام السياسي من محاولة تنظيم داعش وغيره من تنظيمات إرهابية استغلال انشغال الدول في مواجهة جائحة كورونا لتنفيذ هجمات إرهابية؛ لتعويض خسائره السابقة في سوريا والعراق. مؤكدًا في الوقت ذاته أن هذه الدعوات التي أطلقها التنظيم تشير إلى تغير واضح في إستراتيجيته وفقًا للظروف العالمية الطارئة، ومحاولة منه للتأقلم مع تلك المتغيرات، وهو ما يستوجب اليقظة واستمرار التأهب الأمني لمواجهة مخططات التنظيم الإرهابية.
وليست الذئاب المنفردة والتطرف الإسلامي هو ما يواجه البلد الأوروبي وفقط بل هناك مشكلة ربما تضاهيها في الخطورة وهي مشكلة اليمين المتطرف حيث أنه في مطلع عام 2021 تصاعد مؤشر خطاب الكراهية لتيار اليمين المتطرف في إسبانيا متمثلًا في حزب "فوكس"، على نحو متكرر، كإشادة الحزب بذكرى سقوط غرناطة، منذ 529 عامًا، ويتم الاحتفال بها في الثاني من يناير من كل عام. وجاء على لسان "سانتياغو أباسكال" رئيس حزب "فوكس": "أعتز بكل فخر بهذا العمل الفذ الذي ساعد في استعادة إسبانيا". وأشار حزب فوكس إلى الاحتفال بهذه الذكرى على حسابه على موقع "تويتر".
وفي تقرير له لمناقشة ظاهرة اليمين المتطرف في اسبانيا، يلاحظ مرصد الأزهر أن محاولات الحزب لاستغلال مناسبات بعينها لإثارة الأحقاد هي محاولات فاشلة تنم عن ضعف في استراتيجيته، ما يضع علامة استفهام على خطابه السياسي غير المسوَّغ. إلى جانب أن إثارة موضوعات بعينها سينعكس سلبًا على مفاهيم المواطنة داخل أبناء الوطن الواحد. وهذا ما رآه مرصد الأزهر يسلتزم الوقوف بحزم أمام جميع الآراء التي تثير الكراهية؛ لأنها المدخل الأول للتنظيمات المتطرفة.
لذا، يواجه أعضاء حزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا -الحاليون والسابقون- عددًا من التهم الخاصة بإثارة الكراهية والترويج للعنصرية مع فتح تحقيقات قضائية ضدهم. ومن هذه التهم إدانة زعيم الحزب السابق في إقليم "أندلوثيا" بالاحتيال، والمحادثات العنصرية لقادة التدريب في مدينة "سبتة"، ومحاولة الاعتداء على مركز للقُصَّر غير المصحوبين في برشلونة، وانتهاك حقوق المرأة.
وردًا على تصاعد الخطاب العدائي لحزب "فوكس"، قرر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تعليق الحساب الرسمي لحزب «فوكس» بشكل مؤقت؛ وذلك بعد تغريدة معادية للمسلمين نشرها الحزب ضمن سلسلة تغريدات تحت هاشتاج بعنوان: «أوقفوا الأسلمة». وقال «تويتر» في بيان له في 28 يناير: إن هذه التغريدة تنتهك أحد معاييره التي تحظر التهديد أو التشجيع على العنف على أساس العرق أو الدين، أو السن أو الإعاقة أو المرض.
كان حزب «فوكس» اليميني المتطرف قد أطلق الهاشتاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي عشية بدء الحملة الانتخابية للانتخابات الإقليمية القطلونية، ووصف في تغريداته المسلمين والإسلام بالإرهاب. ويؤكد مرصد الأزهر على أهمية خطوة حجب حساب حزب «فوكس» اليميني المتطرف على موقع «تويتر»؛ لنشاطه العدائي ضد الإسلام والتحريض الدائم على كراهية المسلمين لتحقيق مكاسب انتخابية، وهو الأمر الذي لا يشكِّل انتهاكًا لمعايير مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، بل يُعدُّ خرقًا للقوانين والأعراف الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
وعلى صعيد الهيئات الإسلامية في إسبانيا، أعلنت الاتحادات الثلاثة الممثلة للجمعيات الإسلامية في إقليم قطلونية وهي: اتحاد الجمعيات الإسلامية (UCIDAT) واتحاد المجلس الإسلامي (FCIC) والاتحاد الإسلامي (FIC) - أنها ستقدم إلى النيابة العامة مقاطع الفيديو التي أصدرها حزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا، والتي تشتمل على جرائم "إسلاموفوبيا" مع التحريض وإثارة الكراهية ضد المسلمين.
وفي بيان مشترك، أدانت الاتحادات الإسلامية الثلاثة مقاطع الفيديو التي نشرها حزب "فوكس" عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "أوقفوا أسلمة قطلونية".
وقد نددت هذه الهيئات بحملة الترويج التي ينظمها "فوكس" للتحريض على كراهية الإسلام والمسلمين في إسبانيا، واعتبرت أن استخدام الإسلام في دعايا "فوكس" هو عمل غير مسؤول واعتداء على الحرية الدينية والاعتقاد بوصفه أساسًا حقوقيًّا في البلاد. وأضاف البيان أن ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب إستراتيجيةً يمينية لطلب التصويت هو عمل همجي من جانب حزب "فوكس"، يهدف إلى تأجيج العنصرية وكراهية الأجانب وكراهية المسلمين وازدراء الدين.
كما دعا البيان المؤمنين بالعدل والديمقراطية والسلام إلى أن يكونوا أكثر اتحادًا لمواصلة العمل من أجل الصالح العام للإنسانية، ونبذ الكراهية والعنصرية بأشكلها كافة، ورفض كراهية الإسلام أو تخويف المسلمين وتشويه صورتهم. وعلى خلفية هذا التنديد والمطالبة من الجمعيات الإسلامية بمحاسبة حزب "فوكس" على ممارساته العدائية ضد المسلمين في إسبانيا، قرر مكتب المدعي العام في إقليم قطلونية التحقيق في هذه الوقائع وتحليل الفيديوهات وعرضها على القضاء حال ثبوت احتوائها على جرائم كراهية وازدراء.
وعلى الصعيد الشعبي، استقبل سكان مدينة "ريبول" الواقعة في إقليم قطلونية - الثلاثاء 2 فبراير 2021- وفدًا من حزب "فوكس" بملصقات وصيحات احتجاجية، حيث أشار المرشح لحكومة قطلونية، "إغناسيو غاريغا" ورئيسة الحزب في مدريد، "روسيو موناستيريو"، إلى مدينة "ريبول" في تصريحاتهما على أنها "مهد الإرهاب والتطرف". واستغل وفد "فوكس" زيارته للبلدية، التي كان يقيم بها إمام "خلية ريبول" الإرهابية التي نفذت هجمات برشلونة في أغسطس 2017، لإعادة ربط بلدية "ريبول" بالإرهاب والهجرة. وقد ندد "غاريغا" مرة أخرى بـ"الأسلمة المتنامية في قطلونية، وأصر على التنديد بـ "سماح بقية الأحزاب بالراديكالية" التي يؤكد أنها راسخة في مدينة "ريبول"، دون المساهمة ببيانات موضوعية أو حقائق تُظهر اهتمامًا حقيقيًّا في البلدية بوجود ظواهر قريبة من "التطرف".
كما ذكر الوفد أن "فوكس" قد جاء إلى البلدية للدفاع عن حق المرأة في السير في شوارع "ريبول"، دون الاضطرار إلى ارتداء البرقع أو الحجاب، وهو الأمر الذي يؤكد على عنصرية الحزب وتشويه لصورة الإسلام وتعاليمه، وتصديره كما لو كان دينًا توسعيًّا، يسعى إلى قمع المرأة وفرض أنماط معينة من المأكل والملبس والمشرب على المواطنين، وأن الحزب قد جاء لتحرير هذه البلدية، وهو أمر مرفوض تمامًا، ولا يعبر عن حقيقة الإسلام ولا تعاليمه السمحة.
وعلى المستوى القضائي، طالب مكتب المدعي العام بمعاقبة سبعة من أعضاء حزب «فوكس» اليميني المتطرف في إسبانيا، بينهم نائب رئيس الحزب جوردي دي لا فوينتي، بالسجن لمدد تتراوح من عامين إلى أربعة أعوام، وفرض غرامات تصل إلى 3600 يورو. وأرجع مكتب المدعي العام سبب مطالبته بتلك العقوبات إلى ارتكاب المتهمين هجومًا في يوليو 2019 على مركز للقُصَّر الأجانب غير المصحوبين في «برشلونة»، والسعي إلى إثارة الكراهية والعداء وممارسة التمييز والتحريض عليه.
وأشار مكتب المدعي العام إلى أنه إضافة إلى تحريض نائب رئيس حزب «فوكس» ورفضه الواضح «للهجرة والإسلام والحركات النسوية»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخلال المقابلات في وسائل الإعلام، فإنه شارك في التعبئة ضد المراكز الإسلامية، وضد مراكز للقُصَّر المهاجرين غير المصحوبين. كما أشار مكتب المدعي العام إلى أن من بين الاتهامات التي وجِّهت لـ«دي لا فوينتي» تصدير خطابات تحمل أيديولوجية اليمين المتطرف.
وأكد مرصد الأزهر في تقريره المشار إليه سابقا أن الفكر اليميني المتطرف يشكِّل تهديدًا خطيرًا لأمن المجتمعات واستقرارها، كما أنه لا يقل خطورة عن أفكار الجماعات المتطرفة التي ترتكب جرائمها باسم الدين؛ فكلا التيارين وجهان لعملة واحدة. كما يقدِّر المرصد التحركات القضائية التي تسعى إلى مواجهة تنامي خطر تيار اليمين المتطرف؛ للحفاظ على تماسك المجتمعات وحمايتها من كل فكر أو سلوك يهدِّد أمنها واستقرارها.
كما يهيب المرصد بالحكومات اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وسن قوانين لمواجهة هذه التيارات التي زاد خطرها، داعيًا الجهات المسؤولة إلى قطع سبل الدعم عن هذه التوجهات المتشددة، التي تسعى لإحداث الشقاق داخل المجتمع الواحد، بما يهدد عملية التعايش السلمي والاندماج المجتمعي.