مركز الامارات للسياسات يرصد سيناريوهات التحالف العابر لمكونات العراق
الإثنين 22/مارس/2021 - 12:41 م
طباعة
روبير الفارس
في إطار تحضيرات القوى السياسية لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في العاشر من أكتوبر 2021، كثّف زعيمُ تيار "الحكمة الوطني" عمار الحكيم تحركاته لتشكيل تحالف سياسي انتخابي عابر للمكونات " مختلف عناصر الشعب العراقي " تحت شعار "الإيمان بالدولة ومؤسساتها الشرعية ورفض السلاح المنفلت والمليشيات"، راسماً الخطوط العريضة لشكل الصراع المرتقب بين الفرقاء السياسيين، لاسيما أقطاب البيت الشيعي. وقد رصد مركز الامارات للسياسات السيناريوهات المحتملة لمستقبل التحالف العابر للمكونات . في ورقة بحثية وتضمن السيناريوهات.
السيناريو الأول: فشل تشكيل التحالف الموسع والاكتفاء بنسخة مصغرة تضم عدداً من الكيانات السياسية الشيعية والسنية والكردية الثانوية: يستند هذا السيناريو على جملة من الاعتبارات، أهمها:
مشاعر عدم الثقة في جدوى التحالف في كيان انتخابي سياسي متعدد المكونات، لاسيما مع تجربة "القائمة العراقية" عام 2010 التي انهارت بعد القفز على حقها بتسمية المرشح لرئاسة الوزراء، بسبب الصراع على المناصب بين القوى والأحزاب المنضوية فيها.
عدم فائدة التحالفات الواسعة في ظل نظام الدوائر الصغيرة المتعددة، لاسيما بعد هندسة الدوائر في المحافظات المختلطة طائفياً وعرقياً لجعل التنافس داخل كل منها يقتصر غالباً على أبناء المكون الواحد، من دون أدنى اعتبار للتباين في عدد السكان. فضلاً عن عدم تغيير المادة (76) من الدستور التي تنص على حق الكتلة البرلمانية الأكبر، وليس الكتلة البرلمانية الفائزة الأولى، بحق تسمية المرشح لرئاسة الحكومة، وهو ما سوف يفتح أبواب المساومات والضغوطات على الأحزاب المكونة لكل تحالف من أجل تبديل ولائها، مثلما حصل مع "ائتلاف النصر" في انتخابات عام 2018، حين انشق أكثر من نصف نوابه ليلتحقوا بكتلة "البناء" بقيادة تحالف الفتح، مما أجهض مشروع كتلة "الإصلاح والإعمار" في تكوين الكتلة الأكبر.
طبيعة التكوين الهوياتي للقوى السياسية العراقية، الذي حبسها تلقائياً في إطار تمثيل محدد، وربط وجودها بالتشدد في رفع شعار الدفاع عن مصالح الطائفة أو القومية، في مواجهة المنافسين من ذات المكون. وهو ما ظهرت أولى ملامحه في الخلاف الذي نشب داخل "تحالف القوى العراقية" بين زعيمه محمد الحلبوسي وبين أحد أقوى حلفائه محمد الكربولي، بسبب معارضة الأخير لقرار الحلبوسي الأوّلي بالانضمام إلى التحالف العابر للمكونات.
صعوبة التوفيق المتوقع بين شروط الأحزاب الكردية والسنية وبين ضرورات الدعاية الانتخابية للقوى والأحزاب الشيعية التي تعوّل على الناخبين الشيعة في الوصول إلى البرلمان بأكبر عدد ممكن من المرشحين، لاسيما على صعيد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل فيما يخص الموازنة وتصدير النفط والمناطق المتنازع عليها، ومطالب القوى السنية بإخراج الحشد الشعبي من مناطقها.
الموقف الإيراني المعادي لأي مشروع سياسي يتجاوز الطائفية والعرقية في العراق لما سوف يشكله ذلك من خطر على نفوذها الذي تستمده من تغذية الانقسامات بين المكونات السياسية والاجتماعية والدينية، وقدرتها على الذهاب بعيداً في الضغط اقتصادياً وامنياً على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وتوجيه حلفائها الولائيين الذين يحكمون قبضتهم على المحافظات المحررة نحو ترهيب القوى السنية كافة، وخاصة أطراف تحالف القوى العراقية.
السيناريو الثاني: نجاح تشكيل تحالف انتخابي سياسي موسع عابر المكونات بمشاركة الأحزاب والقوى الكردية والسنية الرئيسة. يستند هذا السيناريو على جملة من المعطيات، أهمها:
تواتُر معلومات عن توصل كلٍّ من عمار الحكيم وحيدر العبادي ومحمد الحلبوسي وبرهم صالح، فضلاً عن محمد شياع السوداني، على اتفاق مبدئي بمباركة جواد الخوئي، لتشكيل تحالف عابر للطائفية بهدف مواجهة قوى اللادولة واستعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات، وتحييد المليشيات والقوى التي تميل إلى استخدام العنف السياسي.
توسُّع هجمات الفصائل الولائية لتشمل إقليم كردستان، وتنامي قدراتها على شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من مسافات بعيدة، لن يدع مجالاً للحزبَين الكرديين الكبيرين، سيما الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لمواصلة اعتبار الصراع بين "قوى الدولة" و"قوى اللادولة" في بغداد صراعا شيعياً-شيعياً لا مصلحة للإقليم في الانحياز إلى أحد طرفيه. فضلاً عن الحاجة إلى استعادة الدور الكردي المحوري في تشكيل الحكومة العراقية وتوزيع المناصب والموارد، بما يضمن لها حلحلة أزمة الإقليم المالية التي باتت تهدد باندلاع احتجاجات شعبية كبيرة.
تسرب الشك إلى نفس مقتدى الصدر في إمكانية فوزه تياره بالمقاعد المئة التي تحدث عنها سابقاً، مع احتدام الصراع بين نخبة أتباعه على حجز مواقعهم على قوائم التيار الانتخابية، وهو ما تحدث عنه علانية في إحدى تغريداته. فضلاً عن المؤشرات على حصول تصدعات في قاعدته الشعبية منذ انقلابه على الحركة الاحتجاجية، مما يزيد من احتمالات انضمامه إلى التحالف المقترح كوسيلة للتمويه على مشاكل التيار الداخلية، وتجنّب الدخول في صفقة ثنائية أخرى مع تحالف الفتح ستكون كفيلة بتكريس سلطة الولائيين وسيطرتهم الكاملة على القرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد؛ وهو ما يفسر التسريبات المنفصلة التي تحدثت عن موافقته المبدئية على الانضمام إلى التحالف العابر للمكونات.
قرار حلف الناتو زيادة قواته في العراق إلى أكثر من أربعة آلاف جندي، بإيحاء من الولايات المتحدة وموافقة أوروبية، لمساعدة الحكومة العراقية في تأهيل وتدريب القوات المسلحة النظامية، يؤشر إلى وجود رغبة دولية ملحة في نشوء حكومة عراقية ذات قاعدة سياسية عريضة، بما يمكّنها من مقاومة الهيمنة الإيرانية.
وجاء في نتائج الورقة البحثية لمركز الامارات للسياسات
يبدو أن عمار الحكيم ضَمن حتى الآن انضمام رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والرئيس برهم صالح إلى تحالفه العابر للمكونات المقترح، وحصل على موافقة أوّلية من محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب، في حين لا يُعرف بالضبط موقف رئيس الحكومة الكاظمي، أما مسعود بارزاني فلم يعطه موافقةً رسمية، إذ يفضل الانتظار إلى حين تبلور المشهدين السياسي والانتخابي، خصوصاً في الساحة الشيعية.
ومع أن تمديد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات موعد تسجيل التحالفات الانتخابية حتى الأول من شهر مايو المقبل، جاء متطابقاً مع مصالح الأطراف المعنية بتشكيل التحالف العابر للمكونات، إلا أن المؤشرات توحي بصعوبة مَهمة الحكيم بضم قوى كردية وسنية رئيسة إليه قبل الانتخابات. أما ما بعد الانتخابات، فإن التحالفات ستكون محكومة بهدف تشكيل الكتلة الأكبر، والتي ستكون مفتوحة على سيناريوهات عدة، قد يكون أحدها إعادة تكرار ما حدث ما بعد انتخابات عام 2018.