الإخوان وأوروبا.. بين اللجوء والطرد
الإثنين 22/مارس/2021 - 03:21 م
طباعة
حسام الحداد
لجأت جماعة الإخوان إلى الجامعات المنتشرة في دول الغرب، خاصة في الجامعات التي يتواجد بين طلابها جاليات عربية واسلامية، ورصدت جماعة الإخوان المسلمين في الدول الأوروبية أموالاً طائلة بهدف تشكيل عدد من اللجان الإدارية تكون مهمتها التنسيق مع بعض الجامعات الغربية وخاصة البريطانية والأميركية من أجل عقد ندوات ومؤتمرات للوفود الإخوانية التي تزور تلك الدول، وذلك من خلال ثلاثة تشكيلات دولية وهي: الائتلاف العالمي للحقوق والحريات، والائتلاف المصري الأميركي من أجل الشرعية، والائتلاف العالمي للمصريين في الخارج من أجل الديمقراطية، وجميعها تسعى إلى هدف واحد وهو التحريض ضد الحكومات العربية التي صدت المشروع الإخواني المدمر في المنطقة ومنعت الإخوان من تحقيق أهدافهم الوصولية وتدمير الشعوب العربية، أي أن هدف هذه التشكيلات الثلاث هو الانتقام من الأنظمة والشعوب العربية على حد سواء.
ويقول المراقبون إن المواضيع التي تروج لها مؤتمرات الإخوان في تلك الجامعات تتنوع بين المواضيع التحريضية على الأنظمة العربية وخاصة مصر، وبين مواضيع تخص مستقبل التنظيم السياسي، وتحاول جماعة الإخوان أن تظهر صورة حضارية لأفكارها أمام طلاب الجامعات الأجنبية بعد أن انكشف زيف أفكارهم أمام الشعوب العربية، وتسعى إلى إقناع بعض المؤسسات الضاغطة في الدول الغربية بسلمية أنشطتها وقدرتها على التأثير من خلال تقديم تنازلات تسهم في تحقيق المشروع والمصالح الغربية في الشرق الأوسط لكسب التأييد والدعم المالي والسياسي من قبل الحكومات الغربية، وتستخدم هذه المراكز المؤسسات من أجل تسريب التقارير المفبركة وإيصالها إلى صناع القرار للتأثير عليهم بما يصب في مصلحة المشروع الإخواني الوصولي.
والسؤال الجوهري هنا هل تستطيع الجماعة أن توفر لها ملازا آمنا في أوروبا بعد التطورات الاقليمية خصوصا التقارب المصري بين كل من مصر وقطر وتركيا؟
خصوصا بعد أن فشلت جماعة الإخوان في استغلال العواصم الأوروبية لإعادة تنشيط التنظيم، كما جرت العادة عبر مراحل تاريخية شهدت أزمات كبرى كادت أن تعصف بالجماعة وتكتب نهايتها.
ولولا قدرة بعض قيادتها على إعادة دورها من الخارج، بدءا من تأسيس التنظيم الدولي على يد سعيد رمضان صهر المؤسس الأول حسن البنا في خمسينات القرن الماضي، مرورا بهجرة قيادات بارزة مثل يوسف ندا وعصام العطار، وصولاً إلى الهجرة الثالثة التي أعقبت ثورة 30 يونيو في مصر وتولي إبراهيم منير مرشدا للتنظيم من الخارج لأول مرة في تاريخه.
يرى مراقبون أن أوروبا لن تسمح بوجود الإخوان والكيانات الداعمة لها كجزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب، التي دشنتها عدة بلدان أبرزها فرنسا والنمسا، بعد تعرضهما لهجمات إرهابية، أدين فيها عدد من الأشخاص والمؤسسات على علاقة وثيقة بالتنظيم.
ويقول رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد في تصريحات صحفية لسكاي نيوز، إن دول الاتحاد الأوربي لن تسمح بمزيد من الإرهاب عبر تواجد وتنامي التنظيمات المتطرفة على أراضيها، وكذلك لن تسمح بوجود كيانات ممثلة أو داعمة للتيارات المتشددة.
لكنه يشير في الوقت ذاته إلى إشكالية واجهها الأوروبيون في التعامل مع هذا الملف على مدار السنوات الماضية، وهو أن جماعة الإخوان لم توضع حتى اليوم على قوائم التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، وإن كانت أجهزة الاستخبارات تصنفها بأنها أكثر خطورة من تلك التنظيمات، لكن الحكومات الأوروبية، لاتزال ترصد وتتابع هذا الملف عن كثب لحين اتخاذ القرار.
وحول تأخر الخطوة رغم التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تشير لتورط الإخوان في العنف، يقول محمد إن الإشكالية التي تواجه أجهزة الاستخبارات وكذلك الحكومات في تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي، هو أنها لا تعمل تحت كيان يحمل اسم الإخوان، لكنها تندرج تحت عدة مؤسسات تعمل تحت مظلة القانون، لذلك فإن التحدي الذي يواجه الحكومات هو إثبات العلاقة بين الجماعة وتلك المؤسسات، وفي هذه الحالة يتم حظر المؤسسة على الفور.
ويؤكد رئيس المركز الأوروبي أن جماعة الإخوان تمر بأزمة كبرى بسبب التضييق الكبير على أنشطتها داخل أوروبا بعد الإجراءات المشددة، التي اتخذتها عدة دول ضدها، أبرزها مراقبة نشاط التنظيم والمؤسسات التابعة له، وتقليص التصاريح الممنوحة لإقامة مؤسسات جديدة، وكذلك رصد ومتابعة التمويل الخارجي، وكذلك إيقاف التمويلات للجمعيات "المشتبه بها"، مع مطالبة الجماعة بالكشف عن أنشطتها بشكل واضح وشفاف وهو ما يضعها تحت ضغط كبير.
ويشير محمد إلى أن أوروبا انتبهت لخطر تنظيم الإخوان في الفترة منذ 2014، وذلك بالتزامن مع تزايد أعداد عناصر التنظيم المتواجدين بها بعد سقوط الجماعة عن الحكم في عدة دول عربية، وما تبعه من تصاعد وتيرة العنف والتطرف داخل تلك الدول.
وتوقع محمد أن تلحق عدة دول أوروبية بفرنسا والنمسا في اتخاذ إجراءات صارمة ومباشرة في التعامل مع ملف الإرهاب وفي القلب منه تواجد جماعة الإخوان على أراضيها، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد وضعا أكثر تعقيا للتنظيم الذي فقد أهم ملاذاته، بسبب الصحوة الأوروبية ضده.
وجهات بديلة للجماعة
من جهته، يقول الكاتب السياسي المصري هاني عبدالله إن تنظيم الإخوان الدولي عادة ما يغير واجهاته الحركية ويتحايل بشكل مستمر من أجل الحفاظ على بقاءه.
وأوضح في تصريح صحفي أن منطقة القوقاز، وشمال آسيا ووسط وشرق أوروبا كحواضن بديلة له خاصة بعد الإجراءات الأخيرة ضده في بريطانيا وفرنسا وألمانية وكذلك الولايات المتحدة، والتي مثلت تضييق كبير على تواجده في تلك المناطق.
واستدل الكاتب المصري على كلامه بأن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) المتمركز في بروكسل، وهو الذراع الأقوى لتنظيم الإخوان في أوروبا قد أسس في نهاية عام 2020 مركزين له في وسط وشرق أوروبا كإجراء احتياطي من التنظيم تفاديا لأي خطوة.
ويفسر الكاتب المصري تصريحات وزير شئون الشرق الأوسط البريطاني، جيمس كليفري حول مدى قدرة جماعة الإخوان على استغلال أزمة كورونا منذ مطلع 2020 لتوسيع نفوذها، بأنها تعكس تقارير استخباراتية لدى الحكومات الأوروبية عن زيادة نشاط الجماعة عبر شبكات الإنترنت لتجنيد مزيد من الأعضاء في مناطق التمركز الجديدة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعب التي خلفتها الجائحة.
ويحدد عبدالله 5 دول كنقاط لتمركز التنظيم الدولي للإخوان في المناطق المؤهلة جغرافيا لاستضافته في وسط وشرق أوروبا، وتشترك هذه الدول في أنها أرض خصبة للجماعة من خلال عدة أذرع، وهى التشيك، التي ينتشر فيها التنظيم عبر اتحاد الطلبة المسلمين، البوسنة من خلال جمعية الثقافة والعلوم والرياضة المعروفة باسم "أكوس"، مقدونيا التي تمثل فيها جمعية سنابل الخير الإخوانية واجهة مثالية للتنظيم، وبولندا، التي يتنشر فيها التنظيم من خلال جمعية التعليم والثقافة، بالإضافة لاتحاد المؤسسات الاجتماعية الذي يعتبر بوابة انتشار التنظيم في أوكرانيا.
ويتوقع عبدالله أن تشهد لندن التي تحتضن مقرا رئيسا للجماعة منذ سنوات، مزيدًا الإجراءات ضد الجماعة، خاصة بعد صدور عدة تقارير أمنية واستخبارتية تحذر من خطر انتشار الجماعة على المجتمعات الداخلية والتوقعات بزيادة وتيرة العنف الناتج عن دعم التنظيمات المؤدلجة، وهو النهج الذي تسير عليه أوروبا بشكل عام في التعامل مع هذا الملف.