أفغانستان بين رحيل القوات الأمريكية وعودة طالبان
الأحد 25/أبريل/2021 - 02:37 م
طباعة
حسام الحداد
قال متحدث الأمن القومي الأفغاني، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"، أمس السبت 24 أبريل 2021، ردا على ما قد يسببه انسحاب القوات الأجنبية من أزمات، إنه "منذ العام الماضي، نفذت قوات الأمن والدفاع الأفغانية 96 في المئة من العمليات بنفسها ضد طالبان".
وتابع: "القوات الأفغانية ليس لديها مشكلة في القتال مع طالبان"، مضيفا: "طالبان غير قادرة على القتال مع القوات الأفغانية خارج منازل الناس والقرى. ومن السابق لأوانه الحديث عن المشاكل المحتملة الآن".
وأوضح أنه "لا يزال أعضاء تنظيم القاعدة (الإرهابي المحظور في روسيا) والجماعات الإرهابية الأجنبية الأخرى ينشطون في صفوف طالبان، والقتال محتدم في المناطق التي يمكن فيها لطالبان الوصول إلى تجارتهم المحرمة".
تلقي هذه التصريحات وغيرها الضوء على التخوفات من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، خصوصا وأنه بدء سحب القوات الأمريكية قبل أيام، وقوامها 3500 جندي، ليكتمل الانسحاب في 11 سبتمبر المقبل، وقالت سفيرة أفغانستان لدى واشنطن، رويا راحماني إن طالبان ظلت تستخدم ذريعة وجود القوات الأجنبية في أفغانستان منذ 20 عاماً، لشن الهجمات، ومع رحيل القوات الأجنبية فستنتهي تلك الذريعة، وأضافت «سيكون عليهم وقف القتل والعودة لمحادثات السلام، ليكونوا جزءاً من المجتمع الأفغاني.»
وفي تصريحات نشرتها مجلة «فورين بوليسي»، تعقيباً على فشل محاولة عقد محادثات سلام في مطلع شهر أبريل الجاري مع طالبان، قالت راحماني «الكرة الآن في ملعب طالبان».
مستقبل مكاسب المرأة
وحول المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الماضيين ومستقبل ذلك، قالت راحماني «يجب على الحكومة الأفغانية مواصلة ما قامت به خلال العقدين الماضيين، وخاصة آخر 5 سنوات، لإفساح المجال أمام المرأة للمشاركة في صنع القرار، على كل المستويات، في الحكومة والمجالس التشريعية، وتسهيل طريقها لتكون جزءاً من القطاع الخاص، وفي جميع المجالات الأخرى، إلا أن ذلك يرتبط بالأوضاع الأمنية، فتدهور الأمن ينعكس سلباً على المرأة».
وأضافت «الوجود العسكري الأمريكي كان له انعكاس جيد على شعور المواطنين الأفغان بالأمن، وخاصة المرأة، وفي حال تدهور الأمن، ستتعرض المرأة لأكبر ضربة، وليس هناك شك في هذا، ستعاني المرأة وستكون هناك قيود على حرية تنقلها تعرقل تعليمها وعملها، وستواجه العديد من القيود والعراقيل».
مستقبل الأوضاع الأمنية
وحول رؤيتها للأوضاع الأمنية خلال الأشهر القليلة المقبلة، قالت «قوات الجيش والشرطة الأفغانية في مقدمة الصفوف، وتقوم بحوالي 96% من العمليات الحالية، وتتزايد تلك النسبة، وهي على قدر التحدي، ونأمل الحصول على دعم إضافي للتعامل مع الفراغ الذي سيخلفه رحيل القوات الأمريكية».
وحول عمليات طالبان قالت «هجماتهم ظلت تستهدف الأفغان، وبعد الاتفاقية بينهم وبين الأمريكيين، توقفت طالبان عن استهدافهم واستهداف الحلفاء، وكان هناك ارتفاع في وتيرة هجماتهم ضد القوات الأفغانية والمدنيين، ولن نشعر بالمفاجأة إذا زادت هجماتهم خلال شهور الربيع، ولكن ذلك سيشير إلى أنه ليس لديهم أية نية في تحقيق السلام».
وحول احتمالات المستقبل في أفغانستان بين تحقيق السلام أو الوقوع في فخ الحرب الأهلية، أوضحت «أريد أن أكون متفائلة، أتمنى أن أرى السلام، وأن يكون هناك نافذة لتحقيق فرصة السلام.. إننا في لحظة شديدة الحساسية، وعلينا أن نأخذ حذرنا، لأن هذه اللحظة لن تحدد فقط ما سيحدث الآن، وإنما ستحسم أيضاً أي طريق ستسير فيه أفغانستان».
شهادات وحقيقة الوضع
وحول حقبقة الوضع في أفغانستان كتب د.عبد المنعم سعيد تقريرا وافيا يشرح فيه الوضع الأفغاني في ظل سياسات بايدن مستندا لبعض شهادات خبراء في سياسات الشرق الأوسط والحركات الإرهابية، من بينها شهادة لأحد الخبراء أوردتها صحيفة "واشنطن بوست" في 13 أبريل الجاري ورد فيها: "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لديها مصالح استراتيجية كبيرة في العالم، مثل منع انتشار الأسلحة النووية؛ مثل روسيا التي تزداد حزما؛ مثل كوريا الشمالية وإيران، التي تشكل برامجها النووية تهديدا للولايات المتحدة؛ مثل الصين"
التهديدات الرئيسية للوطن الأمريكي هي في الواقع من أماكن أخرى: من أفريقيا، من أجزاء من الشرق الأوسط - سوريا واليمن. قال الخبير: "أفغانستان فقط لا ترقى إلى مستوى تلك التهديدات الأخرى في هذه المرحلة. هذا لا يعني أننا نبتعد عن أفغانستان. سنبقى ملتزمين تجاه الحكومة، وسنبقى ملتزمين دبلوماسياً. ولكن فيما يتعلق بالمكان الذي سنستثمر فيه وضع القوة ودماءنا وأموالنا، نعتقد أن الأولويات الأخرى تستحق هذا الاستثمار".
مقال آخر جاء في نفس الصحيفة ومنشور في 14 أبريل يشير إلى أن بايدن سوف يعلن بشكل صارخ إيمانه بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحويل تركيزها إلى أجزاء أخرى من العالم، خاصة آسيا. يأتي الإعلان مع استضافة رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، أول زعيم أجنبي يزور البيت الأبيض في عهد بايدن، في جلسة من المتوقع أن تركز بشدة على التهديدات القادمة من الصين. ويأتي ذلك أيضا في الوقت الذي يُتوقع فيه أن يصبح مبعوث الولايات المتحدة للمناخ جون كيري أول مسؤول كبير في إدارة بايدن يزور الصين قريباً، وبعد يوم من دعوة بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور قمة مستقبلية. كما دعا بايدن كلاً من بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ لحضور قمة المناخ التي رعتها الولايات المتحدة. ونقلت الصحيفة عن مستشارين في إدارة بايدن أن هذه الجهود تمثل تحديا كافيا دون عبء الصراعات القديمة التي أعاقت الرؤساء لعقود، حيث حاول ثلاثة رؤساء وفشلوا في الخروج من الحرب في أفغانستان، وكان بايدن نائبا للرئيس عندما انتهى الأمر بأحدهم، باراك أوباما، إلى توسيعها بشكل كبير بدلاً من ذلك.
ويقول سعيد عارض بايدن خطة وزارة الدفاع لبدء إضافة قوات في عام 2009، العام الأول لإدارة أوباما وبايدن، وأبقى على شكوكه مع تضخم الحرب. الآن لدى بايدن الفرصة للتصرف بناءً على آرائه الراسخة، وبعد أقل من ثلاثة أشهر في إدارته. "يؤمن الرئيس بشدة بأنه في مواجهة التهديدات والتحديات في عام 2021 - على عكس تلك التي حدثت في عام 2001 - نحتاج إلى تركيز طاقاتنا ومواردنا وموظفينا ووقت سياستنا الخارجية وقيادة الأمن القومي على تلك التهديدات. القيام بذلك يتطلب من الولايات المتحدة إغلاق الكتاب حول الصراع المستمر منذ 20 عاما في أفغانستان والمضي قدما بعيون واضحة واستراتيجية فعالة لحماية مصالح الأمن القومي لأمريكا والدفاع عنها".
تنطبق نفس النظرية على جهود بايدن لتقليل مرتبة الشرق الأوسط كأولوية مركزية، باستثناء التركيز على برنامج إيران النووي. لقد نأى بنفسه عن القادة في الشرق الأوسط ولم يتخذ أي خطوات لإطلاق محادثات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين على عكس العديد من أسلافه الذين تولوا المنصب مصممين على أن يكون كل منهم الرئيس الذي يجلب السلام إلى الشرق الأوسط. على عكس معظم الرؤساء الجدد، جاء بايدن إلى البيت الأبيض مع عقود من الخبرة في مشاهدة الرؤساء الآخرين ينجحون ويفشلون، وقد أوضح أنه يحاول تعلم الدروس من تجاربهم.
هذا التقدير لسياسة بايدن الخارجية يبدو مبكراً للغاية، وبسيطاً أكثر مما يجب، خاصة أن العالم لا يسير وفق التخطيط الذي تضعه الولايات المتحدة وحدها. فـ"طالبان" التي تبدو طرفاً آخر في المعادلة الأفغانية وقفت في مواجهة الخطة الأمريكية التي تحقق السلام في أفغانستان، التي كان مقرراً التفاوض حولها في تركيا؛ كما أعلنت أنها لن تقبل بأي تأخير في الانسحاب الأمريكي أو قوات حلف الأطلنطي.
"طالبان" وقد عرفت الآن أن الولايات المتحدة سوف تنسحب في كل الأحوال، فإنها لا تبدو مضطرة لقبول دولة تقوم على الدستور والانتخابات والمساواة بين الرجل والمرأة والمراجعة من قبل علماء دين إسلامي يقوم تفسيرهم على الاعتدال. "طالبان" تريد كابول كما تركتها قبل عقدين، وهناك سوف تستأنف مسيرتها مع العالم ومع قوى الإرهاب المختلفة.