اجتماع خبراء الأمم المتحدة.. ملامح عالمية لاستراتيجية جديد لمكافحة الإرهاب
ذكر تقرير بحثي
أمريكي أن الخبراء في مجال مكافحة الإرهاب والدبلوماسيون يتفاوضون على مراجعة استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة
الإرهاب التي تجرى في العادة كل سنتين ولكنها تأجلت عام 2020 بسبب جائحة كورونا.
وستواجه الدول هذا
العام عددا من المسائل المعقدة التي نشأت على خلفية وباء عالمي لم يسبق له مثيل. وعلى
الرغم من أن القرار، الذي اعتمد بتوافق الآراء في الجمعية العامة، لا يتمتع بقوة القانون،
فإنه يوفر إطارا معياريا لمنظومة الأمم المتحدة في التصدي للتهديدات الإرهابية والتوجيه
الذي يشكل عمليات ما يقارب أربعين كيانا مختلفا من كيانات الأمم المتحدة، وفقا
لمركز مركز صوفان لدراست الأمريكي.
وتميزت استراتيجية
الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب الأصلية التي اعتمدت عام 2006 بتوفير بعض التوازن
لطريقة عمل مجلس الأمن الذي يفرض التزامات قانونية على جميع الدول لفترة غير محددة.
فمما تميزت به الاستراتيجية الجمع الدقيق بين التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية
إلى انتشار الإرهاب، أو «الأسباب الجذرية»، والتدابير القانونية والامنية، مع الاعتراف
بأن تعزيز حقوق الإنسان هو في حد ذاته تدبير هام لمكافحة الإرهاب.
وعلى مدى العقد الماضي،
قدمت عملية المراجعة وثيقة طويلة وغير عملية، وهي مراجعة عام 2018 التي تحمل الرقم (A / Res/72 / 284)
والتي سجلت أكثر
من 80 فقرة مرقمة ذات متطلبات عملية، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول تستخدم
الوثيقة بالفعل ولا كيفية تستخدمها. ومع ذلك، ففي عملية التفاوض نفسها تحصل العديد
من المعارك الأيديولوجية والمعيارية. ولرسم صورة مبسطة، تود مجموعة من الدول أن تنظر
إلى مكافحة الإرهاب على أنها «شيك» يعطى على بياض لاتخاذ تدابير قمعية، بينما تريد
مجموعة أخرى إدراج مجموعة من الضوابط والتوازنات التي تؤكد على الوقاية وحقوق الإنسان.
وتركز مجموعة أخرى على عملية تحصيل الدعم في مجالي التنمية وبناء القدرات. وبالنسبة
لكيانات الأمم المتحدة، بما في ذلك الصناديق والوكالات والبرامج التي لها عمليات كبيرة
في الميدان، فإن للاستراتيجية تداعيات تشغيلية، خاصة من حيث توجيه الأنشطة والتمويل.
وعلى سبيل المثال، سهل التركيز على الوقاية أو «منع التطرف العنيف» المزيد من المشاركة
الفعالة للعديد من الكيانات مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة أو برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي في تنفيذ الاستراتيجية.
وقد استخدمت الدول
مراجعة الاستراتيجية التي تجرى كل سنتين لتحديث إطار مكافحة الإرهاب ليشمل التحديات
الناشئة والديناميات السياسية، مثل التركيز على تدابير التصدي للمقاتلين الإرهابيين
الأجانب والتركيز على مكافحة التطرف العنيف. ولطالما كانت الوقاية قضية مثيرة للجدل
في مفاوضات السلام والأمن التابعة للأمم المتحدة، حيث ترى العديد من الدول فيها إمكانية
توسع المهمات وفرصا لهيمنة «الإمبريالية الغربية». وقد أرخى هذا الشك بظلاله على المناقشات
حول جهود منع الإرهاب، والتي تركز على معالجة المظالم والمشاركة المجتمعية وحقوق الإنسان.
وهذا العام، تواجه الدول في الأمم المتحدة ثلاث قضايا حاسمة وهي مسألة إعادة الرعايا
الأجانب المرتبطين بـداعش من المخيمات في شمال شرق سوريا إلى أوطانهم، ومسألة التطرف
اليميني العنيف والإرهاب، وضمان أن يحقق الهيكل المؤسسي أهدافه في ظل تطور التهديدات
الإرهابية.
وأوضح مركز
صوفان" ثبت أن مسألة العودة إلى الوطن مسألة صعبة، رغم التوافق غير العادي بين
الولايات المتحدة وروسيا في دعوة الدول إلى استعادة مواطنيها، ولا سيما الأطفال، من
أجل محاكمتهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في بلدانهم. وقد تبنت الدول الأوروبية والمملكة
المتحدة وبعض الدول الأخرى موقفا قويا ضد قضية العودة إلى الوطن، بحجة ضرورة إجراء
المحاكمات في دول قريبة من المكان الذي ارتكبت فيه الجرائم".
وتابع قائلا
:"ومع ذلك، فقد أحرز تقدم ضئيل بسبب الخلافات حول عقوبة الإعدام. كما أن عدة دول
تشعر بالقلق من أن الأدلة المطلوبة لإجراء محاكمات فعالة لا تزال في ساحة المعركة أو
في أيدي الجيش، مما يؤدي إلى تلويث سلسلة الأدلة، مما يحتّم عدم مساءلة العائدين. وقد
خلق هذا شرخا استثنائيا بين الحلفاء التقليديين من الأعضاء الدائمين، أي فرنسا والمملكة
المتحدة والولايات المتحدة، وهو يزيد من مخاطر تقويض الأولويات الأوروبية القائمة منذ
فترة طويلة حول قضايا النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان والوقاية في مفاوضات مراجعة استراتيجية
الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب".
وأشار الأمين العام
في التقرير الدوري عن تنفيذ الاتفاقية إلى أن «التهديد العابر للحدود من الأفراد الذين
يحملون دوافع عرقية أو عنصرية أو أيديولوجية ويلجؤون إلى التكتيكات الإرهابية، ومن
الجماعات المماثلة، ممن يطلق عليهم «العنصريين البيض» أو «اليمين المتطرف» قد ازداد
أيضا، وأن العديد من الدول في أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا تعده اليوم
التهديد الأمني المحلي الأسرع نموا أو حتى الأبرز التي تواجهه».
كما برز اندفاع متزايد بين العديد من الدول لدفع
الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، إما عن طريق العقوبات أو غيرها من التدابير،
للتصدي لمثل هذه الجماعات كما فعلت مع القاعدة وداعش. وتجادل عدة دول بأن عدم القيام
بذلك يؤدي إلى ازدواجية المعايير مع تصنيف الجماعات الإسلامية وحدها على أنها إرهابية
والنظر إلى الأعمال الإرهابية التي ترتكبها جماعات أخرى على أنها أقل خطورة. وفضلا
عن ذلك، ففي حين اعتُمدت التشريعات والتدابير المحلية للتصدي لهذه الجماعات في بلدانها
الأصلية، فإن زيادة الشواهد على الروابط العابرة للحدود الوطنية لهذه الجماعات تستوجب
أن تتصدى الأمم المتحدة لها تصديا كاملا. وقد طلب الأمين العام من الدول أولا أن تدين
مثل هذا العنف بلا مواربة، ولكن لا ينبغي للأمم المتحدة أن تكتفي بالإدانة. فيمكنها
أن ترشد المؤسسات القانونية والجنائية، وأن تبني القدرات، وتدعم الدول من خلال توفير
التوجيه والنصح بشأن الممارسات الجيدة.
وأخيرا، يشهد العالم
عاما استثنائيا مع تعدد مفاوضات الأمم المتحدة (فبعضها كان مقررا وبعضها تأجل من العام
الماضي بسبب الوباء). ويتيح هذا التزامن للدول فرصة نادرة لإعادة تقويم استجابة الأمم
المتحدة المؤسسية والتنفيذية للإرهاب الدولي، بعد ما يقارب عشرين عاما من هجمات 11
أيلول / سبتمبر 2001، وبعد عشر سنوات من وفاة أسامة بن لادن، وفي ظل انسحاب الولايات
المتحدة من أفغانستان.
وخلال مراجعة الاستراتيجية في الجمعية العامة، سيتعين
على الدول تحديد ما إذا كان مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب سيتلقى دعما إضافيا
من ميزانية الأمم المتحدة، أو أنه سيظل يعتمد على التبرعات الطوعية من خارج الميزانية.
وقد تكون الدول متحفظة بشكل متزايد بشأن توسيع ميزانية الأمم المتحدة في ظل المناخ
القائم.
ولكن بقاء الوضع
الراهن يعني ألا يحدد برنامج العمل بالضرورة من خلال تقويمات مكافحة الإرهاب واحتياجاتها
بل من خلال تفضيلات المانحين وسياساتهم. وفي أعقاب ذلك، سيتعين على مجلس الأمن تحديد
ولايات هيئتين هامتين من هيئات الخبراء، فريق مراقبة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة
وداعش والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب.
وهذه أيضا فرص حاسمة للتفكير في التوجهات السياسية
والتشغيلية والموضوعية لهذه الهيئات، والنظر في تكامل أوثق للجهود مع مكتب الأمم المتحدة
المعني بالمخدرات والجريمة، وفرع منع الإرهاب التابع له في فيينا. ولكن، نظرا لتطور
التهديدات الإرهابية، ومشاكل الموازنات في الدول المختلفة، وعودة المنافسة بين القوى
العظمى، ستحتاج الدول إلى تحديد ما إذا كانت الأمم المتحدة مناسبة لتحقيق الغرض المنشود
بالنسبة للمشهد الإرهابي، وسيشمل ذلك التأكد من توفر مواردها اللازمة لفعاليتها وكفاءتها
في بيئة العمل الحالية هذه.