تعمير 1700 منزلا.. الفرنسيسكان في حلب يتحدون اثار الارهاب

الأربعاء 16/فبراير/2022 - 03:01 م
طباعة تعمير 1700 منزلا.. روبير الفارس
 

رغم أن أضواء العالم لم تعد تركز على الأزمة السورية، يواصل أهل حلب معركتهم اليومية لإعادة بناء منازلهم وعائلاتهم وقلوبهم. من ناحيتهم، كشف الرهبان الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأرض المقدسة، والذين يخدمون الرعية اللاتينية في حلب، عن المعاناة العمياء والأفراح التي لا أمل في تحققها التى تعد اثارا مباشرة منمعارك الارهاب الاسود علي سوريا .

 

وفي تقرير نشرته مجلة "حراس الارض المقدسة "- التى يصدرها الرهبان-  يقول كاهن الرعية الأب إبراهيم الصباغ، -  الذي يعيش في حلب منذ أكثر من سبع سنوات برفقة ثلاثة رهبان آخرين: "لم أشعر قط، مثلما شعرت خلال هذه السنوات، باليأس الذي يسود قلوب الشعب. أتذكر أنه مقابل كل شخص مات بسبب الصواريخ، التي سقطت بين عامي 2014 و2016 ، كان علي أن أعمل بكل الطرق الممكنة، لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل، لإعادة الرجاء إلى قلوب أولئك الذين تُركوا ورائهم. لم أسمع في حياتي قط، حتى هذا اليوم، الكثير من كبار السن يقولون: "دعني أموت" أو "لا أريد أن أعيش أكثر من ذلك." لقد سمعت الكثير من الناس يلعنون يوم ولادتهم، وفي أيامنا هذه، تكمن الصعوبة التي نواجهها، أو بالأحرى التحدي الذي نواجهه، في إعادة إحياء الرجاء لديهم". قبل الأزمة السورية، كانت رعية اللاتين في حلب تضم 1800 عائلة، ولكن بعد هجرة حوالي ثلثي العائلات، يوجد اليوم حوالي 3000 شخص(608 عائلة). وتابع الأب ابراهيم قائلاً: "لسوء الحظ، ساءت أوضاع الناس، ووفقًا لإحصاءاتنا، فإن 92٪ منهم يعيشون تحت خط الفقر. هناك أسباب عديدة لهذا الوضع الاقتصادي غير المستقر، منها: تقسيم البلاد، والاستغلال المحموم لمواردها الجوفية من الغاز والنفط، والأزمة التي لا نهاية لها التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، وتدمير المنشآت الصناعية في حلب، والفساد، وكورونا، وأزمة لبنان. كل هذه العوامل تساهم في جعل الظروف المعيشية للناس غير إنسانية".في حلب، حيث يكون الشتاء شديد البرودة، لا يوجد وقود للتدفئة أو غاز للطهي، بينما لا يمكن شراء الخبز إلا بكميات قليلة وبعد الوقوف في الطوابير لساعات. خلال الشهرين الماضيين، وبسبب البرد واستحالة الدفء، توفي 60٪ من كبار السن الذين حمل لهم الرهبان المناولة إلى منازلهم.في ظل استحالة وجود أي تأمين صحي، وبينما تظل المستشفيات شبه مدمرة وبدون أدوية، يستمر فايروس كورونا في إصابة وقتل العديد من الأشخاص. وتابع كاهن رعية حلب قائلاً: "أولئك الذين يريدون إنقاذ أنفسهم يذهبون إلى العيادات الخاصة، لكننا نعرف أمثلة لأشخاص اضطروا، لدفع ثمن الإقامة لبضعة أيام في العناية المركزة، إلى بيع منازلهم، بنصف سعرها الحقيقي".

 

الدعم الروحي والمادي

في كل أسبوع، تخاطب قداديس يوم الأحد الستة والخدمات الرعوية أكثر من ألفي شخص، يعتني بها 11 موظفًا  و104 متطوعًا. إلى جانب الدعم الروحي، فإن الدعم المادي أيضاً قوي جدًا. كان هناك 42 مشروعًا نشطًا في عام 2021 ، 25 منها لجميع المسيحيين من مختلف الطقوس، و"بتنسيق متطور" مع كنائسهم من أجل تنمية الشركة وتجنب تنفيذ مبادرات موازية. نحن نتحدث عن مشاريع تستهدف الاحتياجات الأساسية: كالدعم الاقتصادي للأسر، وتوزيع الطرود الغذائية، وتمويل النفقات والعمليات الطبية، وتبني الأطفال عن بعد، وتقديم المشورة القانونية وتغطية النفقات القانونية.وتابع الأب ابراهيم قائلاً:"هناك مشروع ملموس للغاية قائم حالياً يدعى:"خمسة أرغفة وسمكتان"، يضمن تقديم  وجبات طعام ساخنة لألف شخص يومياً. كما أنه يستهدف أيضاً إخواننا المسلمين المحتاجين. نحاول أيضًا مساعدة الشباب الراغبين في الزواج من خلال مشروع "هدية العرس"، الذي يمكنهم من دفع الإيجار لمدة عام أو شراء أثاث لمنزلهم".

 

وتعتبر المبادرات التي تدعم المسيرة التعليمية، أمراً أساسياً أيضًا، من خلال التحفيز على اقامة أنشطة لامنهجية لـ 90 تلميذًا، وتقديم منح دراسية لطلاب الجامعات.وفقًا للإحصاءات التي قدمها الرهبان الفرنسيسكان، فإن 568 شخصًا يتوجهون شهريًا إلى مختلف مراكز المساعدة والإغاثة في الرعية، التي تدعمها أيضًا جمعية الأرض المقدسة غير الربحية 

العمل على إعادة الإعمار

تشمل مشاريع إعادة الإعمار تلك المبادرات التي تهدف إلى تغطية تكاليف إصلاح المنازل المتضررة (منذ عام 2016 تم إصلاح حوالي 1700 منزل) ، والقروض الصغيرة للشباب والعاطلين عن العمل ودعم المبادرات للرعايا والكهنة المحتاجين.ويشرح ذلك كاهن رعية كنيسة القديس فرنسيس، قائلاً: "إن نزيف الهجرة الذي أثر على مجتمعنا (هاجر ثلثا العائلات الأكثر غنى) قد توقف تقريبًا في العامين الماضيين. وإننا نحث أولئك الذين غادروا وأولئك الذين يستعدون للمغادرة على عدم إهمال إيمانهم وهم بعيدون، وعلى المشاركة في حياة الكنيسة المحلية، وعدم نسيان والديهم وأقاربهم الذين ما زالوا في حاجة إليهم".

على الرغم من الصعوبات، فإن لدى الأب إبراهيم أيضًا قصصاً تحملا لأمل، يرويها لنا: "منذ سنوات عديدة، بعد لقاء مع طلاب جامعيين شباب كنت قد شجعتهم على الحلم والتخطيط لزواجهم في المستقبل، أخبرني شاب يبلغ من العمر واحدا وعشرين عامًا أن لديه صديقة تبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا وكان على استعداد للزواج منها في أسرع وقت ممكن. لقد منحني هذا الأمر عزاء كبير وجعلني أبتسم أيضًا، لأنه جعلني أفكربأنه، وبعد كل القصف الذي تم في تلك الفترة، لا يزال هناك بعض الأشخاص الطبيعيين". بعد مرافقة دامت عدة سنوات، تزوج الشاب والفتاة وتم استقبال طفلتهما في الكنيسة مؤخرًا، خلال عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل.

 

وأضاف كاهن رعية حلب قائلاً: "مازحاً مع بعض أبناء الرعية مؤخرًا، قلت إننا رعية مليئة بالألم و"المأساة"، ولكنها في الوقت نفسه "مليئة بالنعمة"، إذ لم يتركنا الرب أبدًا. معاناتنا، التي امتدتلأكثر من عشر سنوات، لم تنته بعد. لا تزال الغيوم السوداء موجودة فوق بلادنا. نحن أمة على الورق، واحدة من بين العديد من الدول، في أيدي "لاعبين عالميين عظيمين" يشنون "الحرب العالمية الثالثة المجزأة" (اقتباس من البابا فرنسيس).

شارك