مرصد الأزهر: "أطفال داعش" في ميزان الطب النفسي

الأحد 06/مارس/2022 - 02:13 م
طباعة مرصد الأزهر: أطفال
 
في أحدث تقارير وحدة رصد اللغة الفرنسية قال مرصد الأزهر أنه في الآونة الأخيرة، أصبحت صور ضحايا الحروب من الأطفال مادة إعلامية دسمة تهز مشاعر المجتمع الدولي وتحركها، وبالرغم من ذلك فإنها لم تحسم الأمر قط لصالح الطفولة، بل باتت تُمثل "تجارة رابحة" لأصحاب المصالح على المستويين الإقليمي والدولي، وكان من بين تلك المواد الإعلامية صور لأطفال محتجزين داخل معسكرات بسوريا والعراق وسط ظروف احتجاز قاسية يعجز عن تحملها أعتى الرجال، هؤلاء الأطفال هم ضحايا لتنظيم "داعش" الإرهابي، وأيضا باتوا ضحايا للمجتمع الدولي؛ لرفض العديد من الدول استعادتهم من مناطق الصراع التي كان يسيطر عليها التنظيم، بحُجة خطورتهم على المجتمع الذي سيعودون إليه، ما يُمثل شكلًا خطيرًا من أشكال العنف ضد الأطفال. 
وتابع المرصد "كثيرًا ما حثت القوات الكردية والعديد من الأكاديميين بالدول الأوروبية على اتخاذ تدابير فورية لاستعادة جميع رعاياها المحتجزين في العراق وسوريا إلى بلدانهم الأصلية، حيث تُشير التقديرات الحالية إلى أن هناك قرابة (640) طفلًا أوروبيًّا، و(400) شاب في مخيمات "الهول" و"الروج" في سوريا، ويمثل هذا العدد جزءًا من (40.000) طفل غالبيتهم دون سن الثانية عشرة، و(20.000) شاب يعيشون في هذه المخيمات ويعانون من سوء المعيشة والتغذية. 
وفي دراسة بعنوان «الرعاية النفسية لأطفال الجهاديين: الطرق والتحديات» - وقد شارك في إعداد الدراسة كل من: Maurween Veyret-Morau، عالمة نفس، Alesandra Mapelli، عالمة نفس، Anaelle Klein، متخصصة في طب نفس الأطفال، Dalila Rezzoug، متخصصة في طب نفس الأطفال، وThiery Baubet، أستاذ الصحة النفسية في جامعة السربون-باريس-الشمالية. بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠٢١م: العدد ٣١٨ (يناير- فبراير ٢٠٢١م)، أوضح بعض الأكاديميين وخبراء علم النفس أن الرفض الواضح من قِبل الدول الأوروبية لاستعادة هؤلاء الأطفال يُشكل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويُعرض حياتهم للخطر، محذرين من أن ترك هؤلاء البالغين والأطفال خارج نطاق القانون وتركهم في طي النسيان، ليس حلًّا سواء من منظور حقوقي أو أمني. 
وفي فرنسا على سبيل المثال، حذر بعض هؤلاء الأكاديميين المتخصصين في مجال "الطفولة"، من بينهم "بوريس سيزولنيك"، والسيدة "موروين فيريه مورو"، والتي قالت في الدراسة سالفة الذكر : "إن فرنسا ما زالت تُصر على ترك أطفالها يضيعون في المخيمات السورية، في حين أنهم ليسوا أطفال داعش، وإنما هم أولادنا، أطفالنا الفرنسيون"، ولكن هناك نحو (٢٠٠) طفل فرنسي سجين بصحبة أمهاتهم داخل مخيمات بشمال شرق سوريا، ويعيش هؤلاء الأطفال في خيام مؤقتة، محاطة بأسلاك شائكة في البرد والوحل، فهم ليسوا متعلمين، ولا يتلقون أية رعاية، وإنما هم ضحايا حرب، يشاهدون رفاقهم من جنسيات أخرى وهم يعودون إلى أوطانهم. 
وأضافت المحامية "ماري دوزيه" (Marie Dosé)، "أن هؤلاء الأطفال يعيشون في المخيمات منذ أكثر من (٣) سنوات، ولا يحصلون على الرعاية المناسبة، فهم أطفال مصابون بصدمات نفسية ويعانون أشد المعاناة، علاوة على أن بعضهم ولدوا هناك، ومعظمهم وصل هناك وهم في سن الثانية أو الثالثة أو الرابعة، لذا لن يتذكروا سوريا أو "داعش"، بل ستكون ذكرياتهم الصدمات الأولى التي تعرضوا لها عند وصولهم للمخيمات. وكلما طال انتظارنا في استعادة هؤلاء الأطفال، كلما زادت الصدمات النفسية التي نُحدثها لهم، وستكون الرعاية النفسية أكثر تعقيدًا، كما أن العنف في المخيمات مؤلم، والطفولة المسروقة منهم صدمة إضافية؛ فيجب علينا الآن أن نتحرك بسرعة، فالصدمات تتجذر في نفوس الأطفال، والوضع الجيوسياسي على الأرض مقلق بشكل متزايد، ومناخ التوتر والخوف في ذروته، فيجب استعادتهم وأخذهم على الفور إلى المتخصصين، فهم أحوج ما يكون إلى أن يجدوا بلدهم. فبماذا نحكم على هؤلاء الأطفال؟ ولماذا هم مذنبون؟! وفيما يتعلق بتقديم الرعاية النفسية لهؤلاء الأطفال من قبل المهنيين الصحيين، أوضح السيد "تيري بوبيه" (Thierry Baubet)، أستاذ الطب النفسي للأطفال في جامعة "باريس ١٣"، أنه ربما يكون هناك الكثير من التخوفات، وقد يكون هناك أيضًا أشياء أخرى، مثل: الشعور بأنك في مهمة مع هؤلاء الأطفال والرغبة في بذل الكثير من الجهد أكثر مما نبذله مع الأطفال الآخرين الذين يُعانون من نفس الاضطرابات النفسية، وربما يكون هناك شكل من أشكال السخرية المرَضية بأن ترغب في رؤية هؤلاء الأطفال على أنهم وحوش غريبة، وهذه نقطة مهمة للغاية، حيث يجب اعتبار هؤلاء الأطفالِ أطفالًا عاديين لهم الحق في الحياة بشكل طبيعي، وأن يكون المستقبل مفتوحًا لهم. وحيال هذا الأمر، أكدت السيدة "مورين فيريه مورو" (Maurween Veyret-Morau) الأخصائية النفسية، أن رعاية هؤلاء الأطفال تعتمد في الأساس على حسب كل حالة؛ حيث يتم التعامل مع الأطفال وفق ما يمكن أن نتصوره عن تاريخهم والأحداث التي مروا بها وكذلك ما نتخيله عن آبائهم؛ بما سيؤثر على تحديد موقف المتخصصين من قدرتهم أو عدم قدرتهم على تقديم الرعاية المناسبة لهؤلاء الأطفال بحسب طبيعة كل حالة.. فأعتقد أننا بوصفنا متخصصين في رعاية هؤلاء الأطفال معنيون بتلك الأحداث (من هجمات إرهابية على سبيل المثال)، والتي بسببها نتعرض لصدمة جماعية، ولذا من الصعب علينا أن نرحب بهؤلاء الأطفال ونستقبلهم كما هم، باحتياجاتهم، وصدماتهم، وقصتهم، وأحيانًا بأسمائهم". 
ومن جانبه أضاف السيد "تيري بوبيت" (Thierry Baubet)، أن مسألة الصدمة والحرمان العاطفي ونقص الدعم للأطفال ليست بجديدة؛ فقد عرف ذلك علماء النفس منذ أمد بعيد، وأن مدة العيش داخل بيئة غير منظمة وغياب الرعاية الكافية والدعم التنموي، يتناسبون عكسيًّا مع فرص تعافي هؤلاء الأطفال من خلال توفير الدعم وخلق البيئة المناسبة لهم". 
كما طالب الطبيب النفسي والعصبي الشهير "بوريس سيرولنيك"، الرئيس "إيمانويل ماكرون" يوم الأحد الموافق 16 يناير ٢٠٢٢م، باستعادة نحو (200) طفل فرنسي من أبناء المقاتلين الفرنسيين المحتجزين في سوريا، إضافة إلى أمهاتهم، لأنهم يشكلون "تهديدًا لأمننا هناك". وأكد ذلك السيد "بوريس سيرولنيك" في أعمدة جريدة "جورنال دو ديمانش" (Journal du dimanche)، قائلًا: "كلما طالت مدة بقائهم هناك، كلما قلَّ حبهم لفرنسا، ولكن يمكن استعادتهم إذا اعتنينا بهم الآن". وأضاف "أعتقد أن الرئيس يخشى أن يُصبح الأطفال العائدون إرهابيين. لكنني أقول لا، وفكرتي لا تسقط من السماء، فهي تستند إلى ملاحظات علمية.. فإذا اعتنينا بهم في سن مبكرة جدًّا، لن يُصبحوا خطرين". 
كما طالب "سيرولنيك"، رئيس اللجنة المعنية بـ"أول ألف يوم من حياة الطفل" باستعادة أمهات هؤلاء الأطفال أيضًا؛ مفسرًا ذلك الأمر بقوله: "بالنسبة لهؤلاء الأطفال، فإن والدتهم هي الأساس الوحيد للشعور بالأمن، وإعادتهم بمفردهم إلى الأراضي الفرنسية دون أمهاتهم هو بمثابة عدوان وعزلة إضافية، وربما يكرهون البلد الذي سبب لهم هذه المعاناة؛ ما يدفعهم إلى الخروج على القانون، ويجعلهم فريسة سهلة للأيديولوجيات المتطرفة، فنحن نُجازف بصنع قنابل موقوتة من هؤلاء الأطفال". وأوضح أن استعادة الأمهات والأطفال معًا، يمكن أن يُطلق عند الأطفال عملية المرونة العصبية، التي يمكن للدماغ من خلالها التغلب على الصدمات. و"كلما أسرعنا، كان ذلك أسهل، فعدم تحفيز الدماغ يؤدي إلى تضخم المنطقة التي تولد الدوافع الغرائزية. وهو ما يُترجم عند الأطفال الصغار في صورة غضب، يتحول إلى فظاظة منتهيًا إلى تكليف الدولة ثمنًا باهظًا. وإذا انتظرنا وقتًا طويلًا، فستستغرق التغييرات وقتًا طويلًا، ولن يكون لدى الأطفال سوى العنف باعتباره سبيلهم الوحيد للتعبير". 
وبناء عليه يرى مرصد الأزهر أن التأهيل النفسي لهؤلاء الأطفال سيساعد في تحسين قدرات ضبط النفس ومنع الانحرافات السلوكية والإجرامية في المستقبل، خاصةً أن بعض الدراسات في مجال علم النفس تشير بوضوح إلى أن التعرض للإساءة في مراحل الطفولة يعطل المسار الطبيعي لنموهم العاطفي. فالأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة معرضون لخطر الإصابة بمجموعة متنوعة من مشاكل الصحة العقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات والجريمة وأشكال أخرى من السلوك العاطفي غير المنظم وهو ما أكدته الدراسة المنشورة بتاريخ يناير ٢٠٠٥م في موسوعة تنمية الطفولة المبكرة بعنوان «تأثير المعاملة السيئة على النمو النفسي والاجتماعي للأطفال.»، كما أن مظاهر العنف التي يتعرض لها الطفل سواء اللفظي أو الجسدي تعمل على انتاج شخصية مستقبلية تتسم بالبلطجة والتنمر، وتكون مثل هذه الشخصية مرشحة بدرجة كبيرة للميل نحو التطرف والإرهاب والجنوح، والذي يتسبب بدوره للأسرة والمجتمع في الكثير من المشكلات التي يصعب حصرها وهو ما أكدته تصريحات الدكتور/ عاصم عبد المجيد حجازي مدرس علم النفس التربوي كلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، لبوابة أخبار اليوم في ٢١ نوفمبر ٢٠٢٠م  ولهذا يحذر المرصد من أن يصبح هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة تهدد أمن المجتمعات والدول واستقرارها، بل ربما يصبح هؤلاء الأطفال عناصر فاعلة في التنظيمات الإرهابية في المستقبل القريب.

شارك