«بلاد المشانق المُعلّقة ».. حالة حقوق الإنسان في إيران عام 2021
الجمعة 18/مارس/2022 - 12:15 م
طباعة
علي رجب
صدر الجمعة 18 مارس، التقرير السنوي «بلاد المشانق المُعلّقة: حالة حقوق الإنسان في إيران عام 2021»، الذي يرصد الأوضاع الحقوقية في البلاد، من واقع الأخبار اليومية وتقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
تضمنّ التقرير أشكالًا عديدة من الانتهاكات الجسيمة والمروّعة، والإعدامات، والقمع السياسي والاجتماعي المستمر، إلى جانب رصد مظاهر الحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية في العيش الكريم، فضلًا عن تصاعد الوضع الوبائي في البلاد جرّاء تفاقم الأوضاع الصحية، بسبب فشل النظام وتخبّطه في التعامل مع جائحة كورونا.
وكشف التقرير عن وقوع آلاف الانتهاكات الجسيمة خلال 2021، والتي أكدت أن نظام الملالي يلجأ إلى أساليب العصور الوسطى في السجون والمعتقلات، وأنه مسؤول عن أكبر عدد من حالات الإعدام على مستوى العالم.
وتعاملت قوات الأمن مع الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت نتيجة غياب الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باستعمال بالقوة المفرطة وغير القانونية، بما فيها القوة القاتلة، واعتقلت آلاف المحتجين، بينما استخدمت الملاحقات القضائية والسجن كأداة لإسكات المعارضين والحقوقيين البارزين.
وحسب التقرير، فقد تزايدت خلال العام عمليات الإعدام في إيران بنسبة 26%، وتم إعدام 229 شخصًا، من بينهم 4 أطفال، ونُفذت 88٪ من هذه الإعدامات سرًا، ودون علم وسائل الإعلام. وضمن هذا العدد الكبير، أعدمت السلطات الإيرانية 15 امرأة، وكان باقي المعدومين رجالًا، أكثر من نصفهم تم إعدامهم بتهمة القتل العمد، كما حُكم على أكثر من 16531 شخصًا بالسجن، بينما تم جلد 6982 شخصًا.
وبينما ارتفع عدد الإعدامات منذ أن أصبح إبراهيم رئيسي، رئيسًا للنظام، أنهت حكومة حسن روحاني فترة حكمها التي استمرت ثماني سنوات، مع ما يقرب من 5000 عملية إعدام، بما في ذلك 144 حالة إعدام في عام 2021 وحده.
وأُعدم العديد من السجناء السياسيين في إيران خلال عام 2021. ومن بينهم جافيد دهقان الذي تم إعدامه في سجن زاهدان المركزي في 30 يناير/كانون الثاني 2021. كما أعدم النظام الإيراني علي مطيري في 28 يناير/كانون الثاني 2021. وتم إعدام حسن دهفاري وإلياس قلندرزيهي في 3 يناير/كانون الثاني 2021. وفي 28 فبراير/شباط 2021، أُعدم النظام أربعة سجناء سياسيين من عرب الأحواز.
وقُتل ما لا يقل عن 77 إيرانيًا في عام 2021 بسبب عمليات القتل التعسفي. وكان معظم هؤلاء الضحايا عتالين محرومين في إقليم كردستان إيران وعاملين وقود في سيستان وبلوشستان. إلى جانب ذلك، أصيب ما لا يقل عن 107 أشخاص بسبب إطلاق النار العشوائي من قبل حرس الحدود.
ووفق التقرير، أصدر القضاء في إيران خلال الفترة نفسها أحكامًا بالسجن 16531 شهرًا و6982 جلدة وغرامة بنحو 800 مليون تومان، واعتقلت القوات الأمنية والعسكرية 1676 مواطنًا وأطلقت النار على ما مجموعه 242 مواطنًا، قُتل منهم 94 شخصًا، بينهم 23 عتالًا، و31 ناقل وقود.
واعتقلت سلطات نظام الملالي 1676 شخصًا بسبب أنشطة مناصرة الحقوق السياسية أو المدنية. كما أظهر التقرير وقوع 26 حالة اعتقال لناشطين في النقابات العمالية، و445 حالة اعتقال في فئة الأقليات العرقية، و57 حالة اعتقال في فئة الأقليات الدينية، و1043 حالة اعتقال في فئة حرية التعبير، و25 حالة اعتقال تتعلق بحقوق الأطفال.
وكشفت الإحصائيات المختلفة التي أوردها التقرير عن وقوع 2018 حالة إساءة معاملة الزوج أو الزوجة، و24 حالة قتل النساء بدافع «الشرف»، و2117 حالة إساءة معاملة الأطفال، و15 حالة اغتصاب واعتداء جنسي على الأطفال، و54 حالة انتحار أطفال، وحالتي اعتداء بالحمض «ماء النار»، و29 حالة اتجار بالأطفال، وزواج أكثر من 9000 طفلة، وخلال هذه الفترة تم اعتقال 25 شخصًا تقل أعمارهم عن 18 عامًا من قبل قوات الأمن.
وأدى اشتداد حملات القمع والاضطهاد، وزيادة الإعدامات والاعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، إلى وجود حالة من السخط والاستياء الشعبي في أوساط الرأي العام. وفيما زادت الرقابة واشتدت القبضة الحديدة ضد الشعوب الإيرانية، وصلت تقارير أمنية إلى رأس النظام علي خامنئي وقيادات «الحرس الثوري»، تؤكد وجود إحباط واستياء شعبي من سياسات النظام قد يتحول بين ليلة وضحاها إلى مظاهرات، أو حتى ثورة شعبية.
وأكد التقرير أن الأقليات العرقية والدينية والأقليات الأخرى في إيران، كانت معرضة بشكل خاص لخطر الانتهاكات والاختفاء القسري والإعدام، حيث وثق التقرير الاستخدام غير الملائم للقوة من قبل عناصر الأمن ضد المتظاهرين والمارة، فضلًا عن الترهيب والاحتجاز التعسفي والملاحقة الجنائية لمواطني الأقليات. وسُجلت زيادة كبيرة في اعتقال أبناء هذه الأقليات القومية بنسبة 55٪ مقارنة بالعام الماضي. واستدعت السلطات الأمنية والقضائية 103 أشخاص من الأقليات الدينية، فيما حكمت على 61 شخصًا على الأقل بالسجن لأكثر من ألف شهر.
ومن بين أبناء الأقليات الدينية في إيران، تم اعتقال 144 شخصًا واستدعاء 39 آخرين، ومُنع 11 من ممارسة النشاط الاقتصادي، ومُنع 24 شخصًا من الدراسة، كما قامت السلطات أيضًا بتغريم عدد من الأقليات الدينية وجلدهم وحرمانهم من حقوقهم. وتم اعتقال أكثر من ألف شخص لحرمانهم من الحق في حرية التعبير.
وإلى ذلك، ووفق التقرير، مُنع 17 شخصًا من مغادرة إيران، وحُكم على 64 شخصًا بالسجن بسبب أنشطتهم في مجال الفكر. ومقارنة بالعام الذي سبقه، يظهر اعتقال الإيرانيين زيادة بنسبة 12٪ في مجال الفكر وحرية التعبير. وخلال الفترة نفسها، سجلت منظمات حقوق الإنسان الإيرانية والدولية 1173 بلاغًا من نقابات ومهن، أظهرت اعتقال 26 ناشطًا نقابيًا، والسجن لمدة 67 شهرًا لآخرين، و74 جلدة لثلاثة أشخاص.
من جهة ثانية، كان وباء كورونا أكثر فتكًا وأشد وطأة على الإيرانيين خلال 2021، جراء فشل النظام في مواجهة الوباء، وتزايد أعداد الإصابات والوفيات، وعدم قدرة المستشفيات في عموم البلاد على استقبال المزيد من المصابين بمضاعفات الفيروس.
وكانت استجابة الحكومة للوباء سيئة ومسيّسة، لا سيما خطتها الوطنية لشراء اللقاحات في الأشهر الأولى من عام 2021، التي كانت بطيئة وغير شفافة. منذ أغسطس/آب، اعتقلت السلطات الإيرانية مهدي محموديان، ومصطفى نيلي، وأراش كيخسروي، وهم ثلاثة نشطاء حقوقيين بارزين كانوا يستعدون لتقديم شكوى ضد سوء إدارة الحكومة لأزمة كورونا. وسجلت إيران خلال العام أرقامًا قياسية في أعداد الوفيات والإصابات، وصلت في بعض الأحيان إلى قرابة 800 حالة وفاة يوميًا، مع تسجيل أكثر من 50 ألف إصابة في الوقت ذاته.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني 2021 كان العدد الكلي لوفيات الفيروس في إيران قد بلغ 55 ألفًا و337 حالة، فيما بلغ عدد الإصابات مليونًا و231 ألفًا و429 مصابًا. أما في مطلع ديسمبر/كانون الأولى 2021 فقد بلغت الأرقام أكثر من 6 ملايين و144 ألف حالة إصابة، بينما بلغ عدد الوفيات الكلي 130 ألفًا و446 شخصًا.
وذكر التقرير أن الاقتصاد المتدهور في إيران، بالإضافة إلى تدهور مستويات المعيشة وزيادة الضغوط الاجتماعية والسياسية الناجمة عن جائحة كورونا، أججت استياء الشعب وأدت إلى تنامي الاحتجاجات الفئوية، حيث تم تنظيم ما لا يقل عن 1261 تجمعًا نقابيًا و192 إضرابًا رفضًا للأزمة الاقتصادية وعدم كفاءة المؤسسات الحكومية، حيث نظم النشطاء العماليون ما لا يقل عن 618 مسيرة، ومنعوا 9 منها، كما أضرب العمال 339 مرة خلال هذه الفترة، غالبًا بسبب مطالبهم بالأجور والرواتب.
وبالتزامن مع زيادة الاحتجاجات النقابية والعمالية، تم اعتقال 64 شخصًا، وحكم على 9 نشطاء عماليين أو مدافعين عن حقوق العمال بالسجن 276 شهرًا. وجرى خلال عام 2021 تنظيم 2541 تجمعًا وإضرابًا، بما في ذلك 1261 تجمعًا و192 إضرابًا للنقابات، و618 تجمعًا و339 إضرابًا عماليًا و131 إضرابًا عن الطعام من قبل السجناء.
واجه النظام هذه التجمعات بحملات قمع من قبل المؤسسات الحكومية، وبالإضافة إلى التجمعات الكبيرة مثل احتجاجات أصفهان، التي شهدت حملات قمع واسعة النطاق، تم اعتقال 64 ناشطًا عماليًا، وحكم على 9 نشطاء عماليين أو مدافعين عن حقوق العمال بـ 276 شهرًا من السجن، و124 جلدة وغرامة قدرها 23 مليون تومان، وزاد اعتقال العمال بنسبة 53 في المائة مقارنة بالعام السابق.
وركزت الاحتجاجات على مطالب النقابات بزيادة الأجور، والاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية السيئة، والاحتجاجات على الإدارة غير الفعالة للمؤسسات الحكومية. وفي الأسابيع الأخيرة من العام، نظمت عدة مجموعات من المعلمين والمتقاعدين والعمال عددًا كبيرًا من الاحتجاجات والإضرابات.
وفي عام 2021، تحركت السلطة التشريعية لتقليص حقوق المواطنين بشكل إضافي. وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني، أقر مجلس صيانة الدستور مشروع قانون «تجديد شباب السكان ودعم الأسرة»، والذي وقّعه الرئيس ليصبح قانونًا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني. ويزيد مشروع القانون من تقييد الحصول على وسائل منع الحمل والإجهاض، ما يعرض صحة المرأة وحياتها للخطر.
كما عمل البرلمان الإيراني أيضًا على مشروع قانون سعى إلى زيادة القيود على ولوج الأشخاص إلى الإنترنت في إيران. حيث راقبت السلطات مستخدمي الإنترنت وحاكمتهم على الآراء التي يعبرون عنها في الفضاءات الإلكترونية، وفرضت رقابة على هذه الفضاءات.
وتصاعدت خلال عام 2021 حدة الرقابة الأمنية في إيران، بشكل لافت وغير مسبوق، ورافقتها زيادة كبيرة في عمليات القمع والاعتقالات، واستخدام وسائل متنوعة في القضاء على أي شكل من أشكال المعارضة والمظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي تزايدت بقوة في المدن الإيرانية، الأمر الذي يثبت ازدياد رقعة الغضب الشعبي وارتفاع مستوى الإحباط والاستياء من سياسات نظام الملالي، الذي حاول بكل الطرق والأساليب الناعمة والقمعية السيطرة على الأوضاع، ومنع اتساع دائرة الغضب الشعبي ضد النظام بشكل عام.