طالبان بين التضييق على المرأة وصراع البقاء

الأربعاء 04/مايو/2022 - 12:57 م
طباعة طالبان بين التضييق حسام الحداد
 
منذ أن استولت طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس الماضي، ووعدت بنظام أكثر مرونة مما كان عليه أثناء فترة حكمها السابقة بين 1996 و2001، والتي تميزت بانتهاكات حقوق الإنسان، لكنها قيدت بشكل متزايد حقوق الأفغان، لاسيما النساء اللواتي مُنعن من العودة إلى المدارس الثانوية وشغل العديد من الوظائف الحكومية.
وتعيش حركة طالبان حالة من حالات الصراع السياسي التي لم تكن في حساباتها حال محاولتها السيطرة على الحكم وصراعها العسكري مع القوات الأمريكية، فقد تحول هذا الصراع إلى أشكال متعددة بديلا عن الصراع مع جهة واحدة، أصبح صراعا مع جهات متعددة وبمستويات متعددة أيضا، فمن ناحية صراع على الوجود والاعتراف الدولي، وصراع سياسي داخلي اهم قضاياها المرأة، وصراع مع الجماعات السياسية والعسكرية الأخرى العاملة في الداخل الأفغاني وأهمها "داعش خراسان"، هذا بجانب الصراع الداخلي في الحركة نفسها بين قياداتها الدعوية والعسكرية.
قضايا المرأة تعتبر اهم القضايا الضاغطة على حركة طالبان حتى الأن والأكثر استخداما من قبل المجتمع الدولي للضغط على الحركة وتكاد تكون هي المعرقل او حجر العثرة لاعتراف الغرب بحكومة طالبان حيث تماسها مع ملفات حقوقية أخرى، ولم تستطع الحركة حتى الأن حل هذه القضية بل لا يكاد يمر يوم الا وتتخذ قرارات ضد المرأة الأفغانية وأخرها طلب مسؤولون في حركة طالبان في هرات، أكثر مدن أفغانستان تقدّما، من المدرّبين في مدارس تعليم قيادة السيارات بالتوقف عن إصدار تراخيص للنساء، بحسب ما أكد متخصصون في المجال لوكالة فرانس برس.
وقال مدير معهد إدارة المرور في هرات، جان آغا أشاكزاي، الذي يشرف على مدارس تعليم القيادة: "تلقينا تعليمات شفهية بعدم إصدار تراخيص قيادة للنساء.. لكن لم نتلق تعليمات بمنع النساء من القيادة في المدينة".
وأفغانستان بلد محافظ جداً، لكن ليس نادرا أن تقود النساء في المدن الكبرى، وبينها هرات في الشمال الغربي، التي لطالما اعتُبرت تقدمية نسبيًا مقارنة بباقي أنحاء البلاد.
وأكد رئيس دائرة الإعلام والثقافة في المحافظة نعيم الحق حقاني، عدم صدور أي أمر رسمي.
وامتنعت طالبان إلى حد كبير عن إصدار مراسيم وطنية مكتوبة، وتركت للسلطات المحلية إصدار مراسيمها الخاصة، في بعض الأحيان شفهياً.
وقالت مدربة القيادة عديلة عديل (29 عاماً) إن طالبان تريد أن لا يحصل الجيل المقبل على فرص أمهاتهن، وأضافت: "طُلب منا عدم إعطاء دروس في القيادة وعدم إصدار تراخيص".
واشتكت شيماء وفا، وهي تتجه إلى سوق محلي لشراء هدايا لعائلتها بمناسبة عيد الفطر، قائلة: "أريد أن أكون قادرة على اصطحاب عائلتي إلى الطبيب في سيارتي من دون انتظار عودة أخي أو زوجي إلى المنزل".
وقالت فيريشتة يعقوبي، وهي امرأة تقود سيارتها منذ سنوات: "في الواقع، قيادة المرأة لسيارتها الخاصة أكثر أماناً".
وتقدمت زينب محسني (26 عاماً)، مؤخرًا، بطلب للحصول على ترخيص، لأنها تعتبر أن النساء يشعرن بالأمان في سياراتهن أكثر من سيارات الأجرة التي يقودها رجال.
وترى الشابة أنّ الإجراء الجديد يعدّ علامة إضافية على أن النظام الجديد لن يتوقف عن منع النساء الأفغانيات من التمتع بالحقوق القليلة المتبقية لهن.
الارهاب والعزلة:
ومنذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تعيش حركة طالبان الأفغانية وضعاً لا تحسد عليه فمن ناحية تواجه الحركة عزلة دولية خانقة مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تجعل قضية المحافظة على السلطة والولاء الشعبي أمراً غير مضمون. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الحركة يتمثل في العمليات الإرهابية واسعة النطاق التي يقف خلفها تنظيم «داعش» الإرهابي وتستهدف بشكل رئيسي المدنيين الأبرياء. ومن شأن هذا النشاط الإرهابي المتنامي التشكيك في كفاءة الحركة في إدارة الملف الأمني وقدرتها على حماية حياة المواطنين من الهجمات الدموية.
ويمكن ارجاع عدم قدرة حركة طالبان على مواجهة “داعش” في الوقت الراهن إلى مجموعة من الأسباب أهمها، أن الحركة لا تمتلك منظومة أمنية قوية ومتناغمة من جيش وشرطة واستخبارات وغيرها، يمكنها تتبع تحركات التنظيم، والحيلولة دون تنفيذ هجماته قبل وقوعها.   كما أن طالبان ليست مُتفرغه حالياً لمواجهة التحديات الأمنية فقط؛ فثمة تحديات أخرى تُؤرق الحركة وتضع حكومتها أمام اختبار حقيقي حول قدرتها على إدارة الدولة الأفغانية، أبرزها: مواجهة الانهيار الاقتصادي، ومحاولة كسب ثقة الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي والحيلولة دون سقوط البلاد في براثن حرب أهلية. وأخيرا أن الحركة لا تمتلك حتى الآن استراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن افتقارها للموارد المادية اللازمة لإنشاء منظومة أمنية متكاملة. وقد أشرنا من قبل في مقالة بعنوان “عقبات قائمة .. ماهي التحديات التي تواجه حكومة طالبان الجديدة؟” إلى أن ما تمتلكه طالبان من موارد مادية يكفي فقط لبقائها كحركة مسلحة على الساحة الأفغانية، لكنها لا تكفي بالتأكيد لتمويل إنشاء جيش وأجهزة امنية نظامية قادرة على إرساء الأمن والاستقرار في البلاد
ويعود فشل الحركة في السيطرة على واحتواء العمليات الإرهابية لتنظيم «داعش»، إلى طبيعة تركيبة التنظيم نفسه الذي لا يخوض حرباً مفتوحة مع القوات الحكومية لكنه يتسلل إلى المناطق الآمنة وينفذ تفجيراته المروعة التي تنشر الدم والموت والفوضى. 
 ويدرك قادة طالبان بحكم الأمر الواقع الخطورة التي تمثلها العزلة الدولية والأزمة الاقتصادية وهجمات «داعش»، على استقرار واستمرار بقائهم في السلطة. كما يدركون أن الخروج من هذا الوضع الخانق يتطلب الإيفاء باستحقاقات محددة تتيح فك الحصار المفروض على الاعتراف بشرعية السلطة القائمة، الذي يقود مباشرة إلى تدفق التمويل والاستثمارات، وأيضاً تلقي الدعم والمساندة الدولية في مجال الأمن للسيطرة على أنشطة الجماعات الإرهابية.
 ويدرك قادة الحركة أنه لم يعد بحوزتهم أوراق كثيرة للعب، وأن الحركة التي تتخبط وسط دوامة من المشكلات فقدت قدرتها على الابتزاز وتوجيه الإنذارات إلى الآخرين، في حين أن تسوية الأزمة الاقتصادية والقضاء على موجات الإرهاب أمران ممكنان في حال الاندماج مع المجتمع الدولي وتلقي دعمه ومساعداته.
 وفي كل الأحوال، فإن الوصول إلى مرحلة الاعتراف بضرورات الأمر الواقع من شأنه أن يدفع باتجاه التعاطي الإيجابي مع الاستحقاقات المطلوبة للخروج من عنق الزجاجة. ويتعين على قيادة طالبان في هذه الحالة التحرك بجدية وإنهاء تناقضاتها الداخلية في ما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية وقسمة السلطة من أجل استعادة ثقة المجتمع الدولي والمجتمع الأفغاني المحلي.

شارك