صراع "أردوغان" و"كولن" .. هل اقتربت نهاية الإسلام السياسي في تركيا؟

الإثنين 15/ديسمبر/2014 - 12:30 م
طباعة صراع أردوغان وكولن
 
ارتفعت وتيرة الصراع بين التيارات والجماعات الإسلامية في تركيا، مع حملة الاعتقالات التي يقوم بعا حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحت غطاء الحفاظ على الأمن وإفشال "مؤامرة" على حكمه والدولة التركية.
ما يحدث في تركيا الآن هو تكرار لمشاهد لافتة لصراعات مستعرة بين جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، فقد ظهرت بوضوح قبل سقوط حكم الإخوان، وتجري الآن بصورة أقل، وبدرجة أقل حدية في العراق وتونس، وبصورة دمويَّة في سوريا بين التنظيمات الجهادية. 
فالصراع بين الأجنحة الإسلامية هي ليست المرة الأولى التي تأكل فيها نار الإسلاميين بعضها، فعقب انتصار المجاهدين في أفغانستان على السوفيت، سرعان ما اندلع الاقتتال بين فصائل المجاهدين حتى انتهى بسيطرة حركة طالبان على معظم الأراضي الأفغانية، وليس بعيدا وخافيا أن أجنحة ثورة الإنقاذ الوطني بقيادة المشير عمر البشير المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين قاد انقلاب 1989، سرعان ما تفكك ونشب صراع بين اطراف الإنقاذ انتهي بانفراد البشير بحكم السودان؛ لذلك فيما يبدو أن الإسلام السياسي في تركيا لا يختلف كثيرا عن مصير الإسلام السياسي في عدد من الدول العربية والإسلامية.

حملة الاعتقالات ليست النهاية

حملة الاعتقالات ليست
حملة الاعتقالات التي تقوم بها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليست النهاية في حلقات الصراع بين مجموعة حزب "العدالة والتنمية" وجماعة "فتح الله كولن"، فهي مرحلة، المنتصر فيها خاسر بصورة مؤكدة.
فقد وجهت السلطات الأمنية لحكومة رئيس التركي ضربة قاسية إلى جماعة "فتح الله كولن" باعتقالات طالت نحو 23 شخصية، بينهم شرطيون وإعلاميون بارزون من قادة وسائل الإعلام المحسوبة على حركة "خدمة" التي يقودها العدو اللدود للرجب طيب أردوغان الدكتور فتحي كولن، كمجموعة "سمانيولو" التي تعتبر ثاني أكبر تكتل إعلامي في تركيا، بالإضافة إلى رئيس تحرير صحيفة "زمان" أكثر الصحف التركية انتشارا وأكثرها معارضة لحكومة حزب "العدالة والتنمية".
وشنت السلطات التركية خلال الساعات الماضية حملة مداهمات شملت 13 ولاية تركية، أسفرت عن توقيف 23 شخصا بينهم شرطيون وإعلاميون، أصدرت النيابة العامة في إسطنبول أمرا بتوقيفهم على ذمة قضية "الكيان الموازي المتهم بالتدبير لانقلاب ضد الحكومة". وأوقفت قوات الأمن "هداية كراجا"، مدير البث في قناة سمانيولو، التابعة لجمعية "فتح الله كولن" ومدير عام صحيفة "زمان" (التابعة للجماعة) أكرم دومانلي، وكاتب سيناريو المسلسل التركي "تركيا واحدة" السيناريست علي كراجا. كما أوقفت طوفان أركودر، الذي شغل سابقا منصبي مدير شعبة مكافحة الإرهاب في ولاية إسطنبول، ومدير الأمن في ولاية هكاري.
وتوقيت اعتقالات المعارضين للرئيس التركي أو اصحاب الكيان الموازي، جاءت في قبيل الذكرى السنوية الأولى لعملية للاعتقالات التي قامت بها الشرطة التركية العام الماضي لأبناء مسئولين كبار في حكومة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان بتهمة "الفساد"، والتي طالت تسريبات لاحقة بشأنها أردوغان نفسه، بالإضافة إلى نجله بلال ومقربين منه. 
وقد اتهم "أردوغان" حينها جماعة كولن باستغلال نفوذها في الشرطة والقضاء للقيام بذلك مطلقة على هؤلاء وصف "الكيان الموازي"، وباشرت عملية قاسية لاستئصال نفوذ الجماعة الكبير دفع ثمنه أكثر من 50 ألف موظف رسمي وشرطي تم تغيير أماكن عملهم أو أقيلوا.

الاعتقالات ترفع وتيرة الغضب

الاعتقالات ترفع وتيرة
مع هجمة الاعتقالات داخل المعارضة التركية وخاصة من أعضاء جماعة "فتح الله كولن"، شهد الأوضاع السياسية التركية وتيرة غضب، وسط توقعات باشتعال المظاهرات الرافضة لحكومة أردوغان في تركيا، و التي لم تهدا فيها الأوضاع عل خلفية المظاهرات التي اجتاحت الشارع التركي لموقف جكومة ادروغان من الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، و في ظل السياسيات التي ينتجها ضد معارضيه، بالإضافة إلى اتهامه بدعم تنظيم إرهابي.
رأى رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو، أن ما تشهده تركيا اليوم "وتيرة وعملية انقلابية"، قائلا: "إن هذه الفترة التي نعيشها لا يمكن تسميتها بفترة ديمقراطية سليمة، وإنما هي فترة وعملية انقلابية" مشددا على أن "احتجاز الصحافيين في الصباح الباكر، واقتحام مقارّ الجرائد والقنوات التلفزيونية.. لا يمكن لنا أن نتقبل كل ذلك أو أن نسكت عنه أبدا".
وفي نفس السياق أصدرت صحيفة "زمان" بيانا اعتبرت فيه أن حملة الاعتقالات هو يوم "مرير جدا بالنسبة للديمقراطية وحرية الصحافة في تركيا". 
وقالت في بيانها: "لقد تمّ احتجاز زملائنا الصحافيين، وفي مقدمتهم رئيس تحرير صحيفتنا أكرم دومانلي استنادا إلى اتهامات لا سند لها من الصحة. إن بلادنا تشهد في الفترة الأخيرة انخفاضا حادا من حيث حرية الصحافة. وفي هذا السياق، فإن قرارات الاعتقال الجماعية الصادرة، الاثنين، هي خطوة كبرى جديدة إلى الوراء". ورأى البيان أن "الضغوط التي تتعرض لها الصحافة الحرة في تركيا اليوم، بما فيها صحيفة (زمان)، تزداد يوما بعد يوم، بدءا من عدم اعتماد صحافيين معيّنين لمتابعة الأحداث الرسمية والمحظورات المفروضة على النشر، وانتهاء إلى إرهاب الصحافيين، بل طردهم من البلاد، ومنع الشركات من نشر إعلاناتها على صفحات الصحف المصنفة ضمن المعارضة".
الرئيس التركي واصل عناده للمعارضة واسلبوه الذي وصفه معارضيه بالدكتاتورية، قال: إن الحملات التي نفذها "الكيان الموازي" ضد الحكومة التركية خلال العام ونصف العام الأخيرين، لم تستهدفه شخصيا وحسب، و"إنما تستهدف تركيا الحديثة"، متابعا " الحملات تدار بشكل ممنهج للغاية، وهدفها تقويض الدولة وإسقاط الحكومة، والعودة إلى تركيا السابقة، مبينا أن الشعب التركي كشف الهدف الحقيقي من هذه الهجمات.
لكن الأمر لم يتوقف عند جماعة الكيان الموازي حسبما يروق للرئيس التركي، ولكن يقود أردوغان فيما يبدوا حملة ضد ابناء تياره الإسلامي على اتساع مشاربه واتجاهاته، فالسلطات التركية تضيق الخناق ومنذ أكتوبر 2010 على  حركة "النور" الإسلامية- المحسوبة على التيار السلفي- التابعة لشيخ الدين، الملا محمد دوغان، من خلال اعتقال العشارات منهم بتهمة انتمائهم لتنظيم القاعدة المتشدد.

جماعة كولن

جماعة كولن
هي الجماعة الأبرز في تركيا بمؤسساتها ومشاريعها المختلفة فيها منتشرة في صفوف الشعب التركي، وتنافس حزب العدالة والتنمية في تواجدها بين مختلف طبقات الشعب التركي، وفي مقدمتهم الطبقة الفقيرة.
وصنعت جماعة كولن في تركيا ومن خلال شبكتها التربوية والتعليمية نخبة تربوية وتعليمية من المحافظين الجدد. 
كما تعد جماعة كولن على المستوى الدولي حركة مجتمع مدني قادرة على الشروع في مناقشات واتخاذ مواقف. وتحظى هذه الحركة- خاصة في الولايات المتَّحدة الأمريكية- بسمعة حسنة إلى حدّ ما؛ وذلك لأنَّها تعتبر هناك بمثابة تيار إصلاحي داخل الإسلام يدعو إلى التعليم العلماني والتعاون مع الكنائس وكذلك إلى الحوار بين الأديان. ولكنها لا تملك في الخارج أية سلطة سياسية.
و من الناحية الإيديولوجية لا توجد بين جماعة كولن وحزب "أردوغان" تقريبًا أية اختلافات، فالفريقان لديهما هوية إسلامية قوية وتوجّهاتهما الاجتماعية والأخلاقية محافظة، وهما يشدِّدان على الأدوار التقليدية للجنسين وعلى الهوية القومية التركية، ويمجّدان ماضي تركيا العثماني.
جماعة طون تعتبر المنافس القوي والطبيعي لحزب أردوغان، لذلك يسعي الرئيس التركي لمحاربتها بشراسة من اجل تحجيم دورها في تركيا، الا حرب أردوغان لم تنجح حتى الآن فقد عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها في أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة. وفي الوقت نفسه لا تتكوّن حركة كولن فقط من العاملين في المدارس والكوادر الإدارية، بل كذلك أيضًا من رجال أعمال يرغبون في جني المزيد من الأرباح من ثمار الدولة- أي من المناقصات والأشغال الحكومية ومن تخصيص الأراضي لغرض البناء أو كذلك من برامج دعم التجارة الخارجية. وهذا يعني أنَّ هناك الكثير من الثروة التي يمكن توزيعها، وحول هذه الثروة اختلف الطرفان أيضًا إلى حدّ ما.

صراع الحلفاء

صراع الحلفاء
بينما كان أنصار الداعية التركي فتح الله كولِن حلفاء سياسيين في السابق لحزب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، صار يدور بين هذين المعسكرين صراع على السلطة، وهو ما يصفه البعض بصراع الإخوة الأعداء، عندما ظهر حزب العدالة والتنمية التركي من رحم الانشقاق الذي ضرب حزب الفضيلة الإسلامي بعد أن اختلفت الرؤى الإصلاحية لقيادات الإسلاميين الجديدة في تركيا (أردوغان وكولن) مع الرؤية المتشدِّدة لنجم الدين أربكان على إثر قرار المحكمة الدستورية بحل حزب الفضيلة عام 2001 حملة اعتقالات.
فخلافات حكومة أردوغان وجماعة فتح الله كولن- وإن كانت تعود إلى عام 2010 على إثر تباين مواقفهم تجاه حادثة أسطول الحرية- إلا أن ظهورها بهذا الشكل العلني المكشوف بدأ بعد نجاح أردوغان في تحييد المؤسسة العسكرية التركية التي ظلت تاريخيًّا الحامية للدستور العلماني للدولة والرادع للأحزاب الدينية. وهو النجاح الذي لم يكن ليحدث من دون مساعدة جماعة كولن. فهذه الجماعة الدينية المتصوفة تملك قاعدة عريضة من البيروقراطيين الذين نجحوا في اختراق أجهزة الدولة في تركيا (الشرطة والقضاء)، وسهلوا بالتالي من عملية إقصاء المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية عبر قضايا ومحاكمات "إيرغونيكن" و"المطرقة". كما أنها تملك قاعدة من رءوس الأموال الإسلامية قوامها رجال الأعمال العصاميين ذوي الميول المحافظة الذين يطلق عليهم لقب "نمور الأناضول" والذين كان لهم دور في نمو الاقتصاد التركي خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، ودور في تحقيق أردوغان وحزبه لانتصارات كبيرة في انتخابات 2007 و2011.
فقد جاءت حملة الاعتقال الآن لتعيد ذكرى الحرب التي اشتعلت في نهاية 2013، بانتصار مؤقت لحكومة أردوغان، وهو ما يؤكد إلى أردوغان يسير في طريق النهاية، مع بداية الانشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه الرئيس التركي، فمنذ صيف 2013 تتحدث صحف ووسائل الإعلام عن تذمر بعض أعضاء الحزب من سياسات أردوغان التصادمية، والتي تحرق الجسور مع جميع الأطراف داخليًّا وخارجيًّا. وظهرت بوادر فردية لتشققات داخل الحزب، فقد قدم اللاعب المعتزل والنائب في البرلمان "هاكان شكور" استقالته من الحزب احتجاجًا على قرار الحكومة التركية إغلاق المؤسسات التعليمية الخاصة التي تديرها جماعة "فتح الله كولن"، وبعدها بأيام هاجم وزير الثقافة السابق وعضو الحزب الحاكم "أرطغرل غوناي" حكومة أردوغان بسبب أسلوبها السيئ في إدارة الأزمة التي خلفتها فضيحة الفساد.

المشهد الحالي

المشهد الحالي
صراع أجنحة التيار الإسلام السياسي في تركيا تأكل نفسها بنفسها في ظل غياب قوى أخرى تسيطر على الساحة السياسية، وصارت حكومة العدالة والتنمية في الطريق الذي صار فيه أقرانها في عدد من الدول العربية والإسلامية، بخوض حرب شرسة ضد تيار إسلامي آخر.
وصراع الرئيس التركي مع جماعة "كولن" هو حتما ستكون نتيجته حتى ولو انتصر خسارة فادحة تضعف الآن أردوغان وحزبه. ومن خلال الكشف عن قضايا الفساد هذه في محيط أسر بعض وزراء حزب العدالة والتنمية- أصيبت سمعة حكومة حزب العدالة والتنمية بأضرار كبيرة لدى المواطن التركي. 
أثار أردوغان من خلال ردوده القاسية على المظاهرات التي خرجت في الصيف غضب الأتراك الليبراليين ضده- والآن باتت أيضا ثورته وحملة الاعتقالات ضد تيارات إسلامية تشكل نهاية سيئة ومتوقعة لحزب أردوغان.
والآن مع اشتداد وتيرة الصراع على السلطة بين حكومة العدالة والتنمية وجماعة فتح الله كولن.. هل اقتربت نهاية الإسلام السياسي في تركيا؟

شارك