جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)
مدخل
إن قضية تكفير المسلم قضية قديمة، ولها جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي منذ عهد الخوارج، ومع انتشار الفساد والإلحاد في المجمعات الإسلامية ومحاربة الحركات الإسلامية الإصلاحية وظهور الكتب الإسلامية التي تحمل بذور الغلو، بالإضافة إلى عدم فهم حقيقية الدين ونصوصه والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة فكان طبيعا أن تظهر جماعات التكفير وتجهيل المجتمع.
تعد أفكار "التكفير" و"الحاكمية" التي ابتدعها الإخواني ”سيد قطب” هي البذرة الأولى للعنف والإرهاب في مصر، فبعد أن روجت جماعة الإخوان لهذه الأفكار انتقلت من مرحلة الترويج إلى الفعل التنظيمي من خلال عدد من الشباب وفر لهم الإخوان البيئة الحاضنة للعنف والقتل وتكفير المجتمع عند تلامذة قطب واجبة ما دام لا يحتكم أفراده إلى شرع الله وإلى تحكيم شريعة الله، فهم كفار مهما نطقوا الشهادتين او أدوا الأركان الخمسة.
جماعة المسلمين أو التكفير والهجرة نموذج مثالي للفكر التكفيري فهذه الجماعة قامت بإحياء فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل؛ لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفر المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام.
واعتبروا أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير الجماعة من خلال اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية من خلال اعتزال معابد الجاهلية "المساجد" ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين وإشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام في مخالفة واضحة لأفكار منهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان.
النشأة
ومع ما أثير خلال هذه الفترة من حديث حول التعذيب والقتل ولد الغلو، ونبتت فكرة التكفير، ووجدت البيئة الحاضنة لها في هؤلاء المعتقلين الذين سأل البعض الكثيرين منهم: هل من يقومون بتعذيبنا مسلمون؟ وإذا لم يكونوا كذلك، فهل من يأمرهم بالتعذيب يعد من زمرة المسلمين؟ وهكذا نشأت فكرة التكفير في سجون عبد الناصر.
وفي عام 1967م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر، فانقسم المعتقلون إلى عدة فئات؛ الأولى: سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه؛ بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم، وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة، والثانية: جمهور الدعاة المعتقلون الذين لجئوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا؛ باعتبار أنهم في حالة إكراه، والثالثة: رفضت موقف السلطة، وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه، بل واعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام، ومن لم يكفرهم فهو كافر، والمجتمع بأفراده كفار؛ لأنهم موالون للحكام، وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة.
ومن هنا ظهرت جماعة التكفير والهجرة وكان إمام هذه الفكرة الشيخ الأزهري علي إسماعيل الأخ الشقيق لعبد الفتاح إسماعيل، الذي أعدم مع سيد قطب، وقام علي إسماعيل بتشكيل أول مجموعة صغيرة، وسرعان ما أفتى بكفر مرتكب الكبيرة، ولكنه تراجع عن أفكاره ليتولى "شكري مصطفى" الذي كني بـ"أبو سعد" قيادة المجموعة وتطوير أفكار الشيخ علي إسماعيل، وتجذيرها، وبلورتها في الشكل الذي انتشرت به من الدعوة إلى الله، وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الاعتزال والهجرة، ثم استخدام العنف.
المرتكزات الفكرية
فكرة الهجوم
أما فكرة الهجرة فتقوم على التالي:
1- هجرة ما نهى الله عنه من آلهة تعبد غير الله وهجرة المعاصي التي نرتكبها.
2- هجرة معابد غير المسلمين، والمسلم عندهم هو المنتمي لجماعه المسلمين فقط.
3- هجرة العادات والتقاليد والملابس والأزياء ودور اللهو والنوادي، واعتزال الناس.
4- هجرة الوطن كلة لأرض لا يعبد فيها إلا الله، ونتبرأ من كل شيء فيها فتنزل اللعنات على المجتمع الكافر الماجن، وتنجو فقط "جماعة المسلمين".
5- هجرة "مصر" حتى يتمكنوا من الإعداد في أرض أخرى للعودة ومقاتلة الكفار ومهاجمة النظام للاستيلاء على الحكم بالقوة.
6- الإسلام هو دعوة تنتشر ثم هجرة أرض الكفار لأرض أخرى (قد تكون صحراء سيناء مثلا) لا يعبد فيها إلا الله ثم إعداد لقتال الكفار، ثم عودة وجهاد وقتال الكفار.
7- أن تهجر الزوجة زوجها إذا أرادت أن تنضم للجماعة بدون طلاق، ثم تتزوج من غيره؛ بشرط أن يكون من أعضاء جماعة المسلمين "التكفير والهجرة".
8- تكفير مرتكب الكبيرة، كما هو مذهب الخوارج قديمًا.
أبرز القيادات
علي إسماعيل
الشيخ علي عبده إسماعيل وهو أحد خريجي الأزهر وكان أول إمام لجماعة التكفير والهجرة داخل السجن الحربى وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، أحد الستة الذين تم إعدامهم مع سيد قطب، وقد صاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة، ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين: المكية والمدنية متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.
ماهر عبد العزيز زناتي
ماهر بكري عبد العزيز زناتي الملقب (أبو عبد الله) ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر وكان يشغل منصب المسؤول الإعلامي للجماعة أعدم مع شكري في قضية الشيخ الذهبي وله كتاب الهجرة.
أشهر العمليات
وقال أيضا: "إننا نرفض ما يأخذون من أقوال الأئمة والإجماع وسائر ما تسميه الأصنام الأخرى كالقياس. وبيان ذلك أن المسلم ملتزم فقط بما ذكر في القرآن الكريم والسنة المطهرة، سواء أكان أمراً أو نهياً وما يزيد عن ذلك عن طريق الإجماع أو القياس أو المصالح المرسلة. فهو بدعة في دين الله.
وتابع: "إن الالتزام بجماعة المسلمين ركن أساس؛ كي يكون المسلم مسلماً، ونرفض ما ابتدعوه من تقاليد، وما رخصوا لأنفسهم فيه، وقد أسلموا أمرهم إلى الطاغوت وهو: الحكم بغير ما أنزل الله، واعتبروا كل من ينطق بالشهادتين مسلماً.
وإن الإسلام ليس بالتلفظ بالشهادتين ولكنه إقرار وعمل، ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافراً. الإسلام الحق هو الذي تتبناه "جماعة المسلمين" وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط- وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن. حياة الأسرة داخل الجماعة مترابطة ببعضها بحكم عدم الاختلاط بالعالم الخارجي.
وفي صباح يوم 30 مارس عام 1978 وفي سجن الاستئناف بالقاهرة تم تنفيذ حكم الإعدام في كل من شكري أحمد مصطفى وأحمد طارق عبد العليم وأنور مأمون صقر وماهر عبد العزيز بكر ومصطفى عبد المقصود غازي.
الانتقادات الموجهة للتكفير والهجرة
هناك انتقادات عدة موجهة للتكفير والهجرة، ومنها على سبيل المثال:
1- اعتبار أن أفكارها فهم غريب وشاذ للإسلام وبدون أساس أو سند.
2- إن الإسلام يتمثل في جملة من الفرائض التي يلزم أداؤها، ولكن هذا لا يعني أنه لا يطلق اسم الإسلام إلا على من قام بها جميعًا، كما أن من قصّر في أداء بعضٍ منها لا يسلبه هذا اسم الإسلام ولا يخرجه منه.
3- صنف العديد من علماء الأمة هذه الجماعة على أنها جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة، وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل وإشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام.
4- مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان، وغير ذلك مما سبق بيانه.
5- لم يرد شرعا ما يفيد هذا الربط بين قول الشهادة وما في السرائر لنكفر المسلم، وإن من يشترط هذا الربط يكون قد أتى بشرط زائد وخالف هدي النبي، واستحدث في الدين ما لم يرد به نص من كتاب الله أو سنة رسوله.
6- اشتراط جماعة المسلمين أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه ثبت فساده؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف الإيمان بالله وحده بأنه شهادة أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، واعتبر النطق بالشهادتين عملا.
7- قضية اعتبار الجماعة مرتكب الكبيرة كافرا، فورد عن عمر أن الكبائر هي: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمى المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف (القتال) والسحر، والإلحاد في البيت الحرام .
8- إنه لا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب وإنه من الثابت أن الرسول قد أتى له الزاني والزانية والسارق وشارب الخمر، فلم يعتبرهم كفارا، ولم يقم عليهم حد الردة وهو القتل.
9- اعتبر الشيخ الذهبي تكفير الجماعة للمسلم بأنه (فسوق)- أي خروج عن الدين- واستدل بحديث للرسول يقول: "لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".
10- مدى خطورة تعرض الشباب بدون علم لتفسير القرآن واستخراج الأحكام منه من غير تأهيل لذلك.
11- على أئمة المساجد ووعاظ الأزهر تصحيح عقيدة الشباب الدينية وفقا للكتاب والسنة.