"مركز المناصحة".. سلاح السعودية لمواجهة الإرهاب بالفكر
الأحد 04/يناير/2015 - 02:19 م
طباعة

يعتبر مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة أحد أبرز المراكز التي تقوم بعمل مراجعات فكرية للأعضاء المنضمين إلى الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة.
ويقوم المركز بدور كبير في إعادة الشباب المنضمين إلى الجماعات الإرهابية إلى حياتهم الطبيعة والفكر الإسلامي الصحيح، ولكن هناك بعض الحالات التي حدث فيها انتكاسة وهذه الحالات لا تتخطى نسبة الـ13% من الذين خرجوا من المركز، وعادوا إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي واندمجوا مع المجتمع المحيط بهم.
التأسيس

بدأت فكرة تأسيس محمد بن نايف للمناصحة والرعاية في أبريل 2003م، بتوجيه من الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي.
وبدأ عمله عام 2006م لاستيعاب المتورّطين في الفكر الضال وإعادة إدماجهم في المجتمع وتصحيح مفاهيمهم عن طريق الاستفادة من برامج المركز المختلفة والوصول بالمستفيد منه لمستوى فكري آمن ومتوازن له ولمجتمعه، ومساعدة المستفيد منه أيضاً على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي قد تواجهه بعد إكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه، كما تساعد برامج المركز من غرر بهم لإدراك أخطائهم والعودة لجادة الصواب، ولاندماج بالمجتمع مواطنين صالحين ومنتجين لصالحهم وأسرهم ووطنهم.
ويعتبر المركز مؤسسة إصلاحية تربوية تُعْنَى بتنمية المهارات المعرفية والسلوكية من خلال مجموعة من البرامج التي يقوم عليها نخبة من أصحاب العلم والخبرة في التخصصات العلمية المتنوعة.
ويسعى القائمون على مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية ليكون نموذجًا عالميًّا لتحقيق الأمن الفكري، المرتكز على وسطية الإسلام وتعزيز روح الانتماء الوطني.
ووضع المركز العديد من الأهداف، في مقدمتها الإسهام في نشر مفهوم الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والأفكار المنحرفة.
تحقيق التوازن الفكري والنفسي والاجتماعي لدى الفئات المستهدفة، وإبراز دور المملكة في مكافحة الإرهاب والتصدي للأفكار المنحرفة والضالة ورعاية وإصلاح أبنائها، والإسهام في جهود المملكة الوقائية للتصدي للأفكار المتطرفة والمنحرفة، والتعرف على نوعية الانحرافات الفكرية الموجودة لدى الفئات المستهدفة، وكذلك تأهيل الفئات المستهدفة للاندماج التدريجي في المجتمع ورعايتهم، بالإضافة إلى التواصل مع أسر الفئات المستهدفة وتقديم المساعدة لهم.
ومن أهم المهام التي يسعى المركز إلى الوصول إليها عبر أكاديميون على مستوى عال من الخبرة والكفاءة تم استقطابهم من الجامعات والمراكز التدريبية: إعداد وتنفيذ اللوائح التنظيمية والخطط التطويرية لأعمال وأنشطة المركز، وكذلك إعداد وتنفيذ برامج المناصحة الوقائية والعلاجية للفئات المستهدفة، بالإضافة إلى إعداد وتنفيذ برامج الرعاية والتأهيل للمستفيدين داخل المركز، وإعداد وتنفيذ برامج الرعاية اللاحقة للمستفيدين.
كما تأتي من أهم المهام أيضا إعداد وتنفيذ الخطة الإعلامية للمركز واستقبال الضيوف والزائرين، ومتابعة جميع الإجراءات الإدارية والأمنية الخاصة بالمركز، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات لكافة أعمال وإجراءات ومعلومات المركز والإشراف على تحديثها بشكل مستمر وتنظيم آلية استفادة الوحدات الإدارية بالمركز منها.
وإجراء الدراسات والبحوث العلمية ذات العلاقة بطبيعة عمل المركز والتعاون مع المؤسسات العلمية الأخرى في هذا الشأن وإعداد تقرير سنوي عن أنشطة المركز ومقترحات تطوير العمل به ورفعه للمدير العام.
مواجهة التطرف والإرهاب

وفي اطار التقارير الدورية والمهام التي يقوم بها المركز، كشفت وزارة الداخلية السعودية أن عدد الذين عادوا إلى الفكر الإرهابي بعد مناصحتهم من الموقوفين في قضايا أمنية داخل المملكة بلغوا نحو 368 مستفيدا، يمثلون ما نسبته 13 % من المستفيدين، فيما استفاد منه أكثر من 5 آلاف شخص.
واعتبر اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية، أن برنامج "المناصحة" ناجح، وأنه خلال العامين الماضيين التحق به نحو 2500 مستفيد وحمى 88 % من الملتحقين به من العودة لما كانوا عليه قبل الانخراط في البرنامج.
وعرض القائمون على المركز أعداد المستفيدين من مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة، حيث بلغ عدد المستفيدين من المركز العائدين من معتقل جوانتانامو 120 مستفيدا، انتكس منهم 23 شخصا وعادوا إلى الفكر الإرهابي، يمثلون ما نسبته 19 %، فيما بلغ عدد المستفيدين من موقوفي الداخل في المركز 2820 مستفيدا، عاد منهم إلى الفكر الإرهابي نحو 368 مستفيدا، يمثلون ما نسبته 13% تقريبا، حيث قتل عدد منهم في مناطق القتال في اليمن والعراق، عوضا عن آخرين انضموا إلى التنظيمات الإرهابية الجديدة التي ظهرت أخيرا في سوريا، وضمنها "داعش"و"جبهة النصرة".
وأوضح القائمون على المركز أن نسب الانتكاسة تبقى حول معدلاتها الطبيعية، كما شرحوا أسباب الانتكاسة أو العودة للجريمة الإرهابية، واهتمام المركز بمعالجة هذه الأسباب مع مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة، فيما استعرض ثلاثة من المستفيدين تجربتهم مع المركز.
وأكدوا أن متوسط المدة التي يبقى فيها المستفيد في المركز تصل لنحو ثلاثة أشهر، مبينا أنه يمكن قياس مدى الاستفادة من برامج المركز من خلال عدة وسائل؛ بينها رسومات النزيل على اللوحات التشكيلية.
وأشار اللواء سعيد البيشي مدير «مركز محمد بن نايف للمناصحة» إلى تنفيذ 8916 جلسة مناصحة داخل السجون استفاد منها أشخاص من 41 جنسية، مبينا أن أعضاء المركز الذي يعمل به 220 أكاديميا من مختلف التخصصات يقومون بالتوجه لمناصحة بعض الحالات بناء على رغبة أقاربهم الذين يقومون بإبلاغ المركز عن ملاحظاتهم على أفكار ذويهم.
وأوضح أن برنامج المناصحة الخارجي حقق نجاحا في أكثر من 13 محافظة بالمملكة، لافتاً إلى أن هناك 11 امرأة استفادت من برنامج المناصحة السنوي بواقع 71 جلسة، كذلك المناصحة الإلكترونية.
وأضاف، أن هناك 3 مسارات يُعْنَى بها المركز تتعلق بالزواج والتوظيف والتعليم، مشيرا إلى أن نسبة الاستفادة من البرنامج مشجعة، على الرغم من تعقيد المسألة، "حيث يتم التعامل مع فكر وهو مكمن الصعوبة".
حماية السعوديين من التطرف

اعتبر اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية أن برنامج المناصحة في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية استطاع أن يحمي السعودية والمواطنين من العمليات الإرهابية، التي قد تنفذ من قبل الخارجين من السجون ومن أصحاب الفكر الضال، لافتا إلى أنه لا يمكن لأي برنامج تأهيلي أن يؤهل على نحو كامل.
و استبعد أن يكون برنامج "المناصحة" سببا في انتكاسة بعض المستفيدين، والمشاركة في الأعمال التخريبية داخل السعودية، مؤكدا أنه دون هذا البرنامج كان التعامل سيشمل الآلاف ممن تم إطلاق سراحهم وسيكونون مهيئين لأن يكونوا عرضة للاستغلال من قبل المنظمات الإرهابية.
ويعتبر مركز الأمير نايف للمناصحة رؤية سعودية تحمل عنوان "الأمن الفكري"، التي نقل فيها استراتيجية التعامل مع المتشددين والمتطرفين من السلاح إلى التعامل الفكري بتجفيف منابع التطرف.
وأكد المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للأمن الفكري في جامعة الملك سعود الدكتور خالد الدريس، أن فكرة الأمير نايف تحولت لاستراتيجية تطبق على أرض الواقع، هدفها تحصين المجتمع من الأفكار المنحرفة والمتطرفة والدعوة إلى الوسطية والاعتدال. وأشار مدير إدارة الأمن الفكري في وزارة الداخلية الدكتور عبدالرحمن الهدلق إلى أن 66 جهة حكومية وأهلية تطبق الاستراتيجية الوطنية للأمن الفكري في المملكة، في سبيل تحصين المجتمع، وكان لها ثمار إيجابية في محاربة الفكر الضال الذي يحاول زعزعة الأمن والاستقرار.
واكتسب مركز محمد بن نايف للمناصحة شهرة عالمية واسعة لتميزه في إعادة تأهيل الموقوفين في قضايا لها علاقة بالإرهاب، وأبدى العديد من الدول رغبتها في إنشاء مثل هذا المركز والاستفادة من التجربة السعودية ذات البعد الفكري في مجال مكافحة الإرهاب.
تجربة المركز

تعتبر تجربة المركز رغم وجود العديد من حالات الانتكاسات هي تجربة مواجهة الفكر بالفكر، وهو أسس هزيمة أي تنظيم إرهابي، في ظل حالة انتشار الجماعات الإرهابية وارتفاع معدل الانضمام لها عقب ثورات الربيع العربي، وهو ما أدى إلى ظهور العشرات من الجماعات الإرهابية في الوطن العربي وخاصة في مناطق النزاع، فتجربة تستحق الدراسة، وهذا ما أكده التقرير الصادر عن (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي)، والذي أعده الباحث (كريستوفر بوشيك)، وأطلق على برامج المناصحة والتأهيل (استراتيجية السعودية اللينة)، و(القوة الناعمة)، وذكر أسماء دول قد استفادت من تجربة المملكة بعد أن نقلتها إليها في برامج مشابهة.
وقد طبقت القوات الأمريكية في العراق برنامج المناصحة المعمول به في المملكة على المعتقلين العرب في السجون التابعة لها في بغداد والبصرة. وقال سعدي عثمان مستشار قائد القوات الأمريكية في العراق: إن برنامج المناصحة الذي طبقته الداخلية السعودية على المعتقلين مفيد جداً في إعادة هؤلاء الشباب إلى مجتمعاتهم بشكل طبيعي.
ولذلك تعتبر تجربة السعودية رغم وجود بعض الإخفاقات إلا أنها بشكل عام هي تجربة تستحق إلقاء الرؤية عليها، والاستفادة من إيجابياتها وسلبياتها في مواجهة الأفكار المتطرفة وإعادة المنتكسين ومعتنقي الأفكار المتطرفة والمتشددة إلى الطريق الصحيح.