سيد سابق مفتي "الدم"
الخميس 27/فبراير/2020 - 10:00 ص
طباعة
يكتسب يوم 27 فبراير عام 2000م أهمية خاصة في انحسار الفكر المتطرف بوفاة السيد سابق، صاحب كتاب فقه السنة وعضو جماعة الإخوان التي دفعته إلى الإفتاء بجواز قتل "فهمي النقراشي" وهو ما أكسبه لقب (مفتي الدماء).
ولد الشيخ السيد سابق، في يناير عام 1915، بقرية إسطنها مركز الباجور بمحافظة المنوفية، على الرغم من حفظه القرآن الكريم كاملا في سن 9 والتحاقه بالأزهر الشريف. إلا أنه انضم إلى جماعة الإخوان بأفكارها المليئة بالرغبة الجامحة في الوصول للسلطة، وحصل على درجة العالمية "الدكتوراه" في الشريعة عام 1947، ثم حصل بعدها على الإجازة من الأزهر الشريف، وعمل بالتدريس بعد تخرجه في المعاهد الأزهرية، ثم عمل واعظا بالأزهر، ثم أستاذا بجامعة الملك عبد العزيز، ثم رئاسة قسم القضاء بكلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم رئاسة قسم الدراسات العليا ليعمل بعدها أستاذا غير متفرغ، وسابقا عضو بالجماعة يبث من خلال مواقعه سمومها.
وبالعودة إلى الوراء نجد أن "سابق" عرف حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان عمره لا يتجاوز 19عاما، وتقرب منه حتى أصبح مسئولا عن تعليم شباب الإخوان وإعداد الدروس الفقهية ليتم تأهيله إلى التنظيم الخاص "الجناح العسكري" للجماعة ولا زالت صورته التي تصدرت غلاف مجلة "الإخوان المسلمين" وهو يتدرب على حمل السلاح ماثلة في الأذهان؛ ليصبح مفتيا ومعلما للأحكام الشرعية، ومشاركا في التدرب على حمل السلاح واستعماله،
لتأتي المحطة الأهم في حياته، عندما أفتى بمقتل فهمي النقراشي باشا عام 1948، وهو ما أكده قاتله عبد المجيد حسن كعقوبة على حل الإخوان، ليحظى بـ (مفتي الدماء) وتم اعتقاله مع أعضاء الجماعة في سجن الطور وظل يؤدي دوره في الحفاظ على لحمة التنظيم من خلال تعليم وتلقين أعضاء الجماعة المستمر لمبادئ التنظيم وأفكاره، أفرج عنه، وسرعان ما تم القبض عليه مع قيادات الإخوان عم 1949م.
سابق والسندي
الرغبة في السيطرة على المواقع داخل الجماعة بعد وفاة حسن البنا دفعت به إلى الدخول في صراع مع حسن الهضيبي وعبد الرحمن السندي على منصب المرشد، وكان مقربا من السندي؛ ليجمد الهضيبي عضويته في الجماعة بعد فوزه بمنصب المرشد الثاني للجماعة.
سابق وعبد الناصر
ادعى سابق أن الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" كان عضوا بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وبايعها على المصحف والمسدس وكان تابعا للخلايا السرية، حتى نجاح ثورة يوليو، وأن ما حدث منه مع الإخوان والعكس كان "خلافا" حول مقاليد وزمام الحكم.
الإخوان وتكفير سابق
يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث": "ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب الإخوان المسلمين أثاره بعضهم بتشاؤم هو هل نحن جماعة المسلمين، أم جماعة من المسلمين؟ والإجابة على هذا السؤال لها نتائج ذات بال، بل نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة الأستاذ حسن الهضيبي ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً ممهدة إلى النار وبئس القرار، وقد كنت أسير مع زميلي الأستاذ سيد سابق قريباً من شعبة المنيل، فمر بنا اثنان من أولئك الشبان المفتونين وأبيا إلا إسماعنا رأيهم فينا، وهو أننا من أهل جهنم، وصادف ذلك منا ساعة تبسط وضحك فمضينا في طريقنا وقد سقط طنين الكلمة النابية على الثرى، قبل أن يتماسك في آذاننا، إلا أنني تذكرت بعد أيام هذا العداء المر والأوامر التي أوحت به، وتابع "عزَّ عليَّ أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة وأن تتجدد سياسة الخوارج مرة أخرى، فيلعن أهل الإيمان ويترك أهل الطغيان ؟ باسم أن الرئيس وبطانته هم وحدهم أولو الأمر! وأن لهم حق السمع والطاعة؟ وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن رأى مِن أميره شيئاً فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية"، وقوله: "من خلع يداً من طاعة لقي الله لا حجة له". و"من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يُحدثها الخارجون على الحكام، وقد عانى المسلمون وعانت خلافتهم الكبرى أقسى الآلام من ثورات الحانقين والناقمين، وربما كان سقوط الحكم الإسلامي في الأرض بسبب هذه الانتفاضات الهائلة، أما أن جماعة أنصار السنة أو جماعة الشبان المسلمين أو جماعة أهل الصفة يجرون هذه الأحاديث إلى دورهم ويطبقونها على من يبقى معهم أو يخرج عليهم، فهذا جنون، بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس!! فمن المضحك أو المبكي أن يخطب الجمعة في مسجد الروضة عقب فصلنا من المركز العام من يؤكد أن الولاء للقيادة يكفر السيئات، وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا القيادة عادوا الجاهلية الأولى؛ لأنهم خلعوا البيعة.
منهج سابق "بعد الإخوان"
اعتمد الشيخ سيد عقب انفصاله عن الجماعة منهاجا يقوم على طرح التعصب للمذاهب مع عدم تجريحها، والاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، وتبسيط العبارة للقارئ بعيدًا عن تعقيد المصطلحات، وعمق التعليلات، والميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، والترخيص لهم فيما يقبل الترخيص، وحتى يحب الناس الدين ويقبلوا عليه، كما يحرص على بيان الحكمة من التكليف، اقتداء بالقرآن في تعليل الأحكام وذلك من خلال البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لا بد منه، وذكر الأقوال في المسألة، واختيار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحيانًا ترك الأمر دون أن يرجح رأيًا، حيث لم يتضح له الراجح، أو تكافأت عنده الأقوال والأدلة، وكان يرى أنه من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ يتحمل مسئولية اختياره، أو يسأل عالمًا آخر.
مؤلفاته
كان له العديد من المؤلفات في العقيدة والفقه وعلم الحديث، من أهمها:
1- فقه السنة وكان حسن البنا هو من وضع مقدمته.
2- مصادر القوة في الإسلام.
3- الربا والبديل.
4- رسالة في الحج.
5- رسالة في الصيام.
6- تقاليد وعادات يجب أن تزول في الأفراح والمناسبات.
7- تقاليد وعادات يجب أن تزول في المآتم.
8- العقائد الإسلامية.
9- إسلامنا.
وفاته
كان مساء يوم الأحد 23 من ذي القعدة 1420هـ الموافق 27 من فبراير 2000م هو نهاية الشيخ سيد سابق ليتوفى عن عمر يناهز 85 سنة.