المعتزلة.. قضايا العقل والتنوير في الفكر العربي الجزء الثاني
الأحد 14/أكتوبر/2018 - 11:05 ص
طباعة
حسام الحداد
المعتزلة الجدد
تناولنا في الجزء الأول من "المعتزلة.. قضايا العقل والتنوير في الفكر العربي" المحاور الآتية:
1- النشأة والتسمية
2- السبب السياسي لظهور المعتزلة
3- مذهب المعتزلة
4- ما اتفقت عليه المعتزلة
5- نظرية الحكم عند المعتزلة
6- شروط الخروج على الإمام والثورة عليه
7- المعتزلة والفلسفة اليونانية
8- دفاع المعتزلة عن الإسلام
9- طريقة المعتزلة في الاستدلال على العقائد
10- مناصرة بني العباس لهم
11- محنة خلق القرآن
وسوف نتناول في هذا الجزء الثاني والأخير من دراستنا عن المعتزلة:
1-بدايات المعتزلة الجدد
2-منهجهم في التفسير
3-أصولهم في التفسير
4-موقفهم من الحديث النبوي
5-أهم الشخصيات
أدرك العرب المسلمون منذ مطلع عصر النهضة أهميّة النقد، باعتبار أنّ مراجعة الموقف من الماضي ومن السلف مراجعة نقديّة شرط من شروط التخلّص من حالة التخلّف الحضاري عن الحضارة الغربيّة خاصّة؛ ولهذا أشاد محمد عبده بالنقد معتبرا أنّه "نفثة من الروح الإلهي في صدور البشر تظهر في مناطقهم سوقا للناقص إلى الكمال وتنبيها يزعج الكامل عن موقفه إلى طلب الغاية ممّا يليق به"، وقد كان مصلحوعصر النهضة، وفي مقدّمتهم محمد عبده، واعين بأنّ النقد مسلك أساسي يترتّب على سلوكه توسّع المعارف والعلوم وتفتّق القرائح وتيقّظ الأذهان "فلولا الانتقاد ما شبّ علم عن نشأته، ولا امتدّ ملك عن منبته، أترى لوأغفل العلماء نقد الآراء وأهملوا البحث في وجوه المزاعم أكانت تتّسع دائرة العلم؟ وتتجلّى الحقائق للفهم ويعلم المحق من المبطل".
إنّ النقد خروج عن السائد والمستقرّ من المسلّمات والبديهيّات، إنّه إبداع خلاّق ينشئ أفكارًا جديدة قد تستهجن في البداية، لكنّها ما تلبث أن تنضج وتكتسب أنصارا وتأخذ في التوسّع إلى أن تصل إلى حدّ اختراق المنظومات المنافسة السائدة وإزاحة الأفكار القديمة التي أسبغت عليها ظلال من القداسة، الفكر النقدي إذًا، هو فكر إشكالي شكّاك يطرح الأسئلة المحرجة ويراجع الآراء الموروثة والتصوّرات الرائجة والمستقرّة، ويسعى إلى بناء أفكار جديدة قد تكون لبنات لنظريّة في الفكر أو في الاجتهاد الديني أو السياسي أكثر استقامة وعدلا ومثالية في نظر أصحابها من النظريات السائدة، أو أكثر قربا من الناس، وَأَوْفَى التزاما بقضاياهم.
البدايات
جمال الدين الأفغاني
ترجع بداية ظهور المعتزلة الجدد أو ما يسميه البعض بالعقلانيين أو العصرانيون الى جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وتلامذته والذين عرفوا فيما بعد بالمدرسة الإصلاحية؛ ذلك لتبنيهم تأويل بعض النصوص الدينية بما يتوافق مع العصر الحديث.
ويرى البعض أن جمال الدين الأفغاني هو مؤسس هذه المدرسة حيث إنه- كما تشير الكثير من المصادر- باعث نهضة الشرق وزعيمها في أواخر القرن التاسع عشر، وكان مقاومًا للاستعمار الغربي، ومفجرًا لروح الحرية في الشرق.
بينما يرى كثيرون أن المؤسس الحقيقي لهذه المدرسة هو تلميذه محمد عبده، حيث سار على طريق الإصلاح في المجالات المختلفة: التعليم والقضاء، وأصلح الأزهر، وعمل على إحياء كتب الأوائل.. إلخ.
واتجه محمد عبده بعد عودته من المنفى إلى التقريب بين الإسلام وبين الحضارة الغربية، واتخذ اتجاهه هذا أشكالا مختلفة، فظهر أحيانا في صورة مقالات أو مشاريع أو برامج تدعو إلى إدخال العلوم العصرية في الجامع الأزهر، وظهر تارة أخرى في صورة تفسير لنصوص الدين من قرآن أو حديث يخالف ما جرى عليه السلف في تفسيرها، ليقرب بها لقيم الغرب وتفكيره، لكي يصل آخر الأمر إلى أن الإسلام يساير حضارة الغرب ويتفق مع أساليب تفكيره ومذاهبه.
ويقول الكاتب الألماني توماس هيلد براندت مؤلف كتاب "المعتزلة الجدد" وهو أول من دشن هذا المصطلح: إنَّ مفهوم المعتزلة الجُدُد لا يدل على تيار فكري مُعين أو معسكر يُمكن تسميته بهذا الاسم، وفي مُحاولة لإعطاء هذا المصطلح المطاطي شيئًا من التحديد، وَضَعَ الكاتبُ عِدَّة معايير للحكم على أحد المفكرين بانتمائه العام لهذا التيار موضوع البحث، وهي:
1- اهتمام الكاتب عن طريق التَّأليف والكتابة عن المعتزلة، مع تأييده لبعض أفكارهم، أو الدعوة إلى إعادة التفكير فيها من جديد، أو الحديث عنها بشكل إيجابي، ذكر من هؤلاء "أحمد أمين، محمد عبدالهادي أبوريده، علي مصطفى الغرابي، زهدي جار الله، البير نصري نادر والمغربية فاطمة ميرنيسي".
2- الكُتَّاب الذين يتناولون قضايا مثل حرية الإنسان، وتقديم العقل، وغيرها من المفاهيم المتقاربة مع فكر المعتزلة والمتأثرة بها بطريق غير مُباشرة، ولكن بأسلوبِ الكاتب ولغته الخاصَّة، من هؤلاء: "الرّوائي محمد كامل حسين، هشام جعيط، الطالبي، محجوب بن ميلاد، خلف الله وحسن حنفي، كما ذكر من بينهم سيد قطب والمودودي"، وقد ذكر المؤلف أنَّ هذا المعيار أوسعُ من المقصود، حيثُ إنَّ القائمة التي نتجت من تطبيق هذا المحدد على المفكِّرين العرب قد أنتجت مُثقَّفين من جميع التيَّارات، ربَّما كان بعضها مناوئًا تمامًا لمدرسة المعتزلة، وفي إشارةٍ تدُلُّ على الحرص في تتبُّع المفهوم في الوسط العربي، فقد أشار الكاتب إلى ما كتبه محمد العبده، وطارق عبدالحليم عن المعتزلة، ورصدهم للمعتزلة الجُدُد، وقد نَبَّه المؤلف إلى أن الكاتِبَيْن- السنِّيَّيْن- قد استعملا مصطلحَ المعتزلة الجُدُد بمعنى سلبي.
3- الكُتَّاب الذين يؤمنون بأفكار المعتزلة، لكنَّهم لا يُصرِّحون بذلك لأسبابٍ تكتيكية- حسب تعبير الكاتب- وقد ذكر أنَّ أوضح مثالٍ لهذا الصنف هو مُحمد عبده، حيثُ وَصَفه بمحاولة إيجاد طُرُق وصياغات وسطية بين الأشاعرة والمعتزلة؛ مما أدَّى إلى إخفاء تأيِيده للمعتزلة صراحة، وقد ذكر في هذا السِّياق موقفَ جابر عصفور أثناء تأييده لتلميذه نصر حامد أبوزيد، ممثلاً الصِّراع بينه وبين مُخالفيه على أنَّه صراع بين أهل العقل "المعتزلة" وأهل النَّقل.
4- الكُتَّاب الذين يقرُّون صراحةً بانتمائهم إلى مدرسة الاعتزال، وقد رأى المؤلف أنَّ قلة من الكتاب يتَّخذون هذا الموقف الصَّريح لعدة أسباب، منها أنَّ سمعة الجماعة خلال القرون الماضية تثبِّت في عقول المسلمين فكرةً سلبية عن المدرسة والمنتسب إليها، كما أشار إلى أن معنى كلمة الاعتزال وما تحويه من انغلاق وتفريق للأُمَّة جعل الاتِّصاف بها غير مرغوب فيه لدى كثير من الناس، إلاَّ أنَّه أشار إلى أن السير أحمد خان، وحسن حنفي، من هذه القلة التي تعلن عن تأييدها وانتمائها الفكري إلى هذه المدرسة، وقد تزايدت هذه الدَّعوى في السنوات الماضية، فقد تَحدَّث بها كثيرون.
وتلك الأصوات كانت وما زال الكثير منها يسعى لإعادة إحياء الفكر المعتزلي والتعريف به بعد أن صار غائبا أو نخبويا على أحسن الأحوال، مؤسسة بذلك لفكر معتزلي حديث دون الانفصال عن مرتكزات خطابات آبائه المؤسسين بدأت عملية إحياء التراث المعتزلي حسب الدكتور "هيلدبرانت" في سوريا مع طاهر الغزالي، جمال الدين القاسمي ومحمد كرد علي؛ ليصل ذلك ذروته بين العشرينيات والستينيات من القرن الماضي مع أحمد أمين، وبعد فترة الستينيات مع أسماء عديدة كزهدي حسن جار الله، قدري حافظ توقان والشيخ بوعمران، فالإسلام كما يتمثله المعتزلة الجدد لا يجب اختزاله في الإيمان، العقيدة والتعبد لأنه يتجاوز كل ذلك إلى ممارسة سياسية / اجتماعية وإلى خطاب يشجع على إعمال العقل وعلى التحرر من معيقات ذلك، لتحقيق ذلك عمل المعتزلة الجدد على إعادة إحياء مرتكزات الفكر المعتزلي القديم كمفاهيم: "العدل والتوحيد"، "الحرية والعقل" وربطها بمبدأ "الاختيار". خلافا للخطاب المعتزلي الكلاسيكي، فالمعتزلة الجدد لم يجعلوا مواضيع الآخرة والجزاء والعقاب في صلب اهتماماتهم.. ما يأخذ حيزا كبيرا في الفكر المعتزلي الحديث هو تذكير المسلمين بأن العديد من القيم التي يتم التعامل معها كالحرية والعقلانية على أساس أنها قيم غربية هي قيم لها جذور في البنية الإسلامية، قصدهم في ذلك الرغبة في إيصال رسالة مفادها أنهم لا ينادون بأشياء غريبة عن البنية الإسلامية بل بقيم إسلامية تم التخلي عنها.
من جهة أخرى فالفكر المعتزلي الحديث- كما يرى الدكتور "هلدبرنتد"ـ عبارة عن قنطرة وصل بين العالمين الشرقي والغربي.
منهجهم في التفسير
رشيد رضا
يحدد رجال هذه المدرسة أن المطلوب من التفسير هو: "فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا، وحياتهم الآخرة.. وما وراء ذلك من المباحث تابع له أو وسيلة لتحصيله"، ويرى رشيد رضا "أنه من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما في كتب التفسير، يشغل قارئه عن هذه المقاصد العالية، فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب، وقواعد النحو، ومصطلحات البيان، ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين وتخريجات الأصوليين، واستنباط الفقهاء والمقلدين، وتأويلات المتصوفين.. وبعضها يشغله عنه بكثرة الروايات، وما مزجت به من خرافات الإسرائيليات". (تفسير المنار ج1 ص 7)، وقد وضع الأسس الأولى لهذه المدرسة.
أبرز أصولهم في التفسير
1- القرآن هو المصدر الأول في التشريع
حيث يقول محمد عبده "وعلى أي حال فلنا، بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه في عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل". (تفسير جزء عم ص180،181 مكتبة محمد علي صبح).
2- المنهج العقلي في التفسير
حيث يقول محمد عبده "الأصل الأول للإسلام النظر العقلي، لتحصيل العلم، وهو وسيلة الايمان.. والأصل الثاني للإسلام تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض". (الإسلام والنصرانية ص 74، 75 ج 7 تفسير المنار).
3- التقليل من شأن الدين بالمأثور
فيقول رشيد رضا حول هذه النقطة: "وأما الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء التابعين في التفسير، فمنها ما هو ضروري أيضا؛ لأن ما صح من المرفوع لا يقدم عليه شيء، ويليه ما صح من علماء الصحابة، مما يتعلق بالمعاني اللغوية، أو عمل عصرهم، والصحيح من هذا وذاك قليل، وأكثر التفسير المأثور قد سرى إلى الرواة من زنادقة اليهود والفرس، ومسلمة أهل الكتاب". (تفسير المنار ج1 ص 7،8 وج 1 ص 16).
4- التحذير من التفسير بالإسرائيليات
والمقصود بالإسرائيليات: الروايات المنسوبة إلى بني إسرائيل والمسيحيين، وللسلف منها موقف يتلخص في:
• أن ما وافق شريعتنا تجوز روايته للاستشهاد، لا للاعتقاد؟
• أن ما خالف شريعتنا لا تصح روايته.
• أن ما ليس في شريعتنا من الأمور التي لا توافقها ولا تخالفها، فلا بأس من حكايتها من غير تصديق ولا تكذيب.
إلا أن أصحاب المدرسة العقلية شنوا حملة شعواء على هذه الإسرائيليات، وحذروا من الخوض فيها، وذموا على المفسرين السابقين تناولهم لها.
5- إنكار التقليد والدعوة لفتح باب الاجتهاد
يقول الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر في هذا الخصوص: "إن الدين في كتاب الله غير الفقه وإن من الإسراف في التعبير أن يقال عن الأحكام التي استنبطها الفقهاء، وقرعوا عللها واختلفوا فيها.. إنها أحكام الدين؛ الدين هو الشريعة التي أوصى الله بها إلى الأنبياء جميعا، أما القوانين المنظمة للتعامل والمحققة للعدل، فهي آراء للفقهاء مستمدة من أصولها الشرعية، تختلف باختلاف العصور والاستعدادات، وتبعا لاختلاف الأمم ومقتضيات الحياة فيها، وتبعا لاختلاف البيئات والظروف". (الكتاب ص 53).
6- موقفهم من المعجزات وأخبار الغيب
قام رواد هذه المدرسة بتفسير النصوص القرآنية حول أحوال القيامة على أنها تمثيل وتصوير، لا حقيقة واقعة، فحمل عرش ربك، تمثيل لكمال عزته وأخذ الكتاب باليمين يراد به الاسستبشار والابتهاج، والتناول بالشمال يراد به العبوس، وكذلك فإن النفخ في الصور هو تمثيل وتصوير لما سيجري ولا يقصرون هذا على أخبار المستقبل، بل عمموا به الأخبار القرآنية في الماضي أيضا، وهي القصص القرآنية، وهذا ما نجده عند محمد عبده وكذلك رشيد رضا والشيخ أمين الخولي وطه حسين ومحمد أحمد خلف الله وغيرهم من هذه المدرسة.
موقف المعتزلة الجدد من الحديث
محمد عبده
لقد تأثر رجال هذه المدرسة بالمعتزلة في رأيهم في الحديث النبوي أشد تأثير
1- ردوا أحاديث الآحاد، وقالوا بأنها لا تبني العقائد حيث قال رشيد رضا: "أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمنا.. لا يتوقف شيء منها على أحاديث الآحاد".
وكان محمد عبده يرى في الاعتماد على المنطق والبرهان العقليين خير سلاح للدفاع عن الإسلام.
2- نقد بعض ما في الصحيحين
يقول رشيد رضا: "ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة بالمعنى، لا يسهل على أحد إثباتها، ولكنه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامات الوضع، وأن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه، فإذا تأملتم هذا وذاك، علمتم أنه ليست من أصول الايمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، فالعلماء الذين أنكروا صحة بعض تلك الأحاديث، لم ينكروها إلا بأدلة قامت عندهم، قد يكون بعضها صوابا، وبعضها خطأ، ولا يعد أحدهم طاعنا في دين الإسلام".
وتبعه أحمد أمين ومحمود أبو رية في كثير من هذا الرأي، بل قاموا بتفنيد الكثير من الأحاديث في الصحيحين.
3- التشكيك في تدوين الحديث النبوي
ولأن الحديث لم يكتب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نهى الرسول كثيرا عن كتابته، فقد أدى هذا إلى التلاعب والفساد؛ ولذا طرأ على السنة التبديل والزيادة، كما طرأ على أهل الكتاب، لعدم كتابتها في عهده، وعدم حصر الصحابة لها في كتاب معين، وعدم تبليغها للناس بالتواتر، وعدم حفظها لهم جيدا في صدورهم.
4- تقسيم السنة إلى عملية وغير عملية
حيث لا يلتزم رجال هذه المدرسة إلا بالسنة العملية دون القولية، وقد قال الشيخ رشيد رضا: "إن سنته صلى الله عليه وسلم التي يجب أن تكون أصل القدوة هي ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم وخاصة أصحابه عملا وسيرة، فلا تتوقف على الأحاديث القولية" وقال: "فالعمدة في الدين هو القرآن، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم المتواترة وهي السنة العملية كصفة الصلاة، والمناسك مثلا، وبعض الأحاديث القولية التي أخذ بها جمهور السلف، وما عدا هذا من أحاديث الآحاد التي هي غير قطعية الرواية أو غير قطعية الدلالة فهي محل اجتهاد".
شخصيات بارزة في هذه المدرسة
محمد عبده
رائد المدرسة العقلية الحديثة "المعتزلة الجدد" محمد عبده، عالم دين وفقيه ومجدد إسلامي مصري، يعد أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي ومن دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، أسهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية؛ لتواكب متطلبات العصر.
ولد محمد بن عبده بن حسن خير الله سنة 1849م في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة. لأب تركمانى وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة (بني عدي) العربية، في سنة 1866م التحق بالجامع الأزهر، وفي سنة 1877م حصل على الشهادة العالمية، وفي سنة 1879م عمل مدرساً للتاريخ في مدرسة دار العلوم وفي سنة 1882م.
اشتغاله بالسياسة
اشترك في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز رغم أنه وقف منها موقف المتشكك في البداية؛ لأنه كان صاحب توجه إصلاحي يرفض التصادم إلا أنه شارك فيها في نهاية الأمر، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884م، وأسس صحيفة العروة الوثقى، وفي سنة 1885م غادر باريس إلى بيروت، وفي ذات العام أسس جمعية سرية بذات الاسم، العروة الوثقى.
تأثيره الثقافي
يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، فقد أسهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد تأثر به العديد من رواد النهضة مثل عبد الحميد بن باديس ورشيد رضا وعبدالرحمن الكواكبي.
رأيه في التصوف
يقول: "إنه لم يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفية في علم الأخلاق وتربية النفوس وإنه بضعف هذه الطبقة فقدنا الدين". ويقول : "قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التي شوَّهت جماله السبب في سقوط المسلمين في الجهل فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب وليس الأمر كما ظنوا...".
حياته بعد الثورة العرابية
في سنة 1886م اشتغل بالتدريس في المدرسة السلطانية وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى. وفي سنة 1889م عاد محمد عبده إلى مصر بعفو من الخديوي توفيق، ووساطة تلميذه سعد زغلول وإلحاح نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو وقد كان، وقد اشترط عليه كرومر ألا يعمل بالسياسة فقبل. وعين قاضياً بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم ارتقى إلى منصب مستشار في محكمة الاستئناف عام 1891م. وفي 3 يونيه عام 1899م عين في منصب المفتي، وتبعاً لذلك أصبح عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى.
استقلال منصب الإفتاء
في 3 يونيه سنة 1899م صدر مرسوم خديوي وقعه الخديوي عباس حلمي الثاني بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية وهذا نصه:
"صدر أمر عال من المعية السنية بتاريخ 3 يونيو1899م - 24 محرم 1317 هـ نمرة 2 سايرة، صورته. فضيلة حضرة الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية: بناء على ما هو معهود في حضرتكم من العلامية وكمال الدراية، قد وجهنا لعهدكم وظيفة إفتاء الديار المصرية، وأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية، والقيام بمهام هذه الوظيفة وقد أخطرنا الباشا رئيس مجلس النظار بذلك".
كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفتي مستقل لمصر معين من قبل الخديوي عباس حلمي وعدد فتاوى الشيخ محمد عبده بلغ 944 فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته 198، كما استغرقت 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث.
وفاته
تُوفي الشيخ محمد عبده مساء يوم 11 يوليو 1905 بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء.
محمد رشيد رضا
محمد رشيد رضا
محمد رشيد بن علي رضا ولد 23 سبتمبر 1865 في قرية "القلمون (لبنان)"، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وتوفي بمصر في 22 أغسطس 1935م.
كان أبوه "علي رضا" شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُني بتربية ولده وتعليمه. حفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، ثم المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس التي كانت تهتم بتدريس اللغة العربية والعلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، وقد أسس هذه المدرسة وأدارها الشيخ حسين الجسر، وكان يرى أنه من الضرورة لرُقي الأمة الجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة الأوروبية الحديثة مع التربية الإسلامية الوطنية.
وحين أُغلقت المدرسة، توثقت صلة رشيد رضا بالشيخ الجسر، واتصل بحلقاته ودروسه، حيث أحاط الشيخ الجسر "رشيد رضا" برعايته، ثم أجازه سنة 1897 لتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية، وفي الوقت نفسه درس "رشيد رضا" الحديث على يد الشيخ "محمود نشابة" وأجازه أيضًا لرواية الحديث، كما واظب على حضور دروس نفر من علماء طرابلس مثل: الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، وغيرهم.
ويعتبر محمد رشيد رضا مفكراً إسلامياً من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا مطلع القرن العشرين، وبالإضافة إلى ذلك، كان صحفيا وكاتبا وأديبا لغويا، هو أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، أسس مجلة المنار على نمط مجلة "العروة الوثقى" التي أسسها الإمام محمد عبده، ويعتبر حسن البنا أكثر من تأثر بالشيخ رشيد رضا.
محمد مصطفى المراغي
محمد مصطفى المراغي
هو محمد بن مصطفى بن محمد بن عبد المنعم المراغي القاضي الحسيني من مركز المراغة، محافظة سوهاج بصعيد مصر. ولد في 7 ربيع الآخر سنة 1298 هـ الموافق لـ9 مارس سنة 1881م، وينتهي نسبه الشريف إلى الحسين بن علي وفاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله وعليه وسلم . وقد كان على قدر من العلم والثقافة، حفظ القرآن، وتلقن نصيبا من المعارف العامة ولنجابته بعث به والده لطلب العلم في الأزهر بالقاهرة فتلقى العلم علي كوكبة من علمائه وتأثر بأصحاب التيار المجدد ومنهم شيخه الشاب علي الصالحي الذي درس عليه علوم العربية، وتأثر بأسلوبه في البيان والتعبير.
اتصل بالشيخ محمد عبده وكانت النقلة النوعية التي حددت مكانته العلمية، ومستقبله في مدرسة الإحياء والتجديد والإصلاح فلقد تتلمذ على محاضرات الأستاذ الإمام في تفسير القرآن، وتأثر بمنهجه في التوحيد وما يراه تنقية للعقائد الإسلامية من ترف المتكلمين القدامى، وكذلك الحال في البلاغة واللغة العربية عرفت نقلة في أسلوب تقديمها في وقته وقد صار بعد ذلك أحد أهم أعلام مصر والعالم الإسلامي وأحد أهم من شكلوا قوانينها ومسارها التشريعي والفقهي والوطني وقد أسهم بمجهودات كبيرة ليتبوأ الأزهر مكانته رغم قلة كتبه.
أمين الخولي
أمين الخولي
الشيخ أمين الخولي (131 مايو1895 - 9 مارس 1966) هو أديب مصري من كبار حماة اللغة العربية، ومناضل شارك في ثورة 1919 ونُفي مع سعد زغلول إلى سيشيل. عرف الشيخ أمين الخولي بزيه الأزهري المميز، ووقاره المهيب، وبريق عينيه وملامحه المتفردة. وبحكم رئاسته للقسم ووكالته لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول والقيام بأعمال العميد لفترات قصيرة.
ولد الشيخ أمين الخولي في أول مايو عام 1895 في قرية شوشاي في مركز أشمون بمحافظة المنوفية. دخل مدرسة لافيسوني في القاهرة ثم مدرسة المحروسة. حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره. وتخرج من مدرسة القضاء الشرعي تزوج الدكتورة عائشة عبد الرحمن وأنجب منها 3 أبناء.
عمله
- عُين مدرسًا في مدرسة القضاء الشرعي في 10 مايو عام 1920.
- في 1923، عين إماماً للسفارة المصرية في روما.
- نقل إلى مفوضية مصر في برلين عام 1926.
- عاد عام 1927إلى وظيفته في القضاء الشرعي.
- انتقل إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب 1928، وأصبح رئيسا لقسم اللغة العربية، ثم وكيلا لكلبة الآداب في 1946.
- عين عام 1953 مستشارا لدار الكتب.
- عمل مديراً عامًا للثقافة حتى خرج إلى المعاش أول مايو 1955.
- كتب في عديد من الصحف والمجلات وأصدر العديد من الدراسات والأعمال الإبداعية.
- أسس جماعة الأمناء عام 1944، ومجلة الأدب عام 1956.
- عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1966.
وفاته
تُوفي الشيخ أمين الخولي في 9 مارس عام 1966 ودفن في قرية شوشاي.