حتمية دخول مصر عالم الطاقة النووية(1من2)

الخميس 12/مارس/2015 - 11:39 م
طباعة
 
من المفارقات التاريخية أن المشروع النووي المصري بدأ في نفس التوقيت مع المشروع النووي في الهند، وتحت رعاية من قبل الزعيمين جمال عبدالناصر ونهرو لما كان يتمتع به الزعيمان من حرص على مستقبل بلديهما ورؤية ثاقبة للمستقبل، وبينما نجحت الهند في برنامجها النووي حتى أصبحت الآن قادرة على تصنيع محطة نووية بأكملها دون الحاجة إلى الخارج، فضلا عن أنها تمتلك ما يزيد عن 30 قنبلة نووية، فسنجد أن المشروع النووي المصري قد مر طوال هذه الفترة بثلاث محاولات كان من الممكن أن تحقق فيها النجاح لولا مسارت اقتصادية وسياسية وكارثية عملت على عرقلة المشروع، كذلك وقوف الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها اسرائيل بالتصدي لأي محاولة جادة من مصر لدخول عالم الطاقة النووية حتى يظل ميزان القوى لصالح اسرائيل .
ومن المفيد هنا ان نتحدث عن موقف مصر من التعاون مع وكالة الطاقة النووية العالمية مع حرص القيادات السياسية على عدم التوقيع على الملحق الخاص بحظر انتشار الأسلحة النووية شريطة أن توقع اسرائيل على هذا الملحق، ولكن اسرائيل ترفض التوقيع والعالم كله يعلم أن اسرائيل تمتلك القدرة على انتاج السلاح النووي !ولكن العالم يعجز عن اتخاذ موقف موحد ضد اسرائيل وذلك بسبب الدعم المطلق  من امريكا وبعض الدول الأوربية.
محاولات تنفيذ البرنامج النووي المصري 
في عام 1955 بالقانون رقم 259 تم تأسيس هيئة الطاقة النووية وبدأ التفكير في إنشاء أول مفاعل نووي، في منطقة سيدي كرير 1963،كماتم دراسة بعض المواقع البديلة في إنشاص ومديرية التحرير، وكان المستهدف من إنشاء المحطة توليد 150 ميجا وات ،لتكون أول محطة في العالم ذات استخدام مزدوج تعمل لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بطاقة تعمل بمعدل 20 الف متر مكعب يوميا. وتتبع مدينة سيدي كرير محافظة الاسكندرية وهي تقع على بعد 36 ك غرب الاسكندرية في طريق مطروح وهي الآن منطقة سكنية عبارة عن قرى سياحية وفيلات، وجاءت حرب 1967 وعرقلت فكرة انشاء محطة سيدي كرير بعد أن رسى العطاء على اكبر الشركات الامريكية العاملة في بناء المحطات النووية.
بعد حرب 1973 ومع اجراء الدراسات حول احتياطيات النفط في مصر والتأكد من ضعف هذه الاحتياطيات النفطية تقرر انشاء 8 محطات نووية لتغطي احتياجات مصر من الطاقة وتعوض نقص احتياطياتها البترولية وبناء على ذلك فقد تم توقيع اتفاقاً مع لجنة الطاقة النووية الامريكية لتوفير خدمات اثراء الوقود النووي اللازم للمحطة وصاحب ذلك قرار جمهوري بانشاء هيئة المحطات النووية للإشراف على بناء المحطة ،وصدر قرار جمهوري بتخصيص 50 ك متر مربع على ساحل البحر الابيض المتوسط بطول 15 كم وعمق 3 كم في منطقة الضبعة.
وقد رسى عقد انشاء المحطة على نفس الشركة التي كانت بصدد انشاء محطة سيدي كرير قبل عام 1967. ومع زيارة الرئيس نيكسون لمصر أعلن موافقة الولايات المتحدة على تزويد مصر بمحطتين نوويتين قدرتهما 1800 ميجا وات. إلا أنه في عام 1978 أجرت الهند أول تفجير نووي أختباراً لقنبلتها النووية الأولى والتي فاجأت العالم. وهنا أشترطت الولايات المتحدة على مصر توقيع الملحق الخاص بحظر انتشار الاسلحة النووية والذي ينص على أن تقبل مصر اخضاع نشاطها النووي لرقابة الوكالة الدولية ومع أصرار السادات على الرفض على التوقيع ما لم توقع اسرائيل وتلتزم بما جاء بالرقابة على نشاطها النووي.. وبالتالي فإن الولايات المتحدة سحبت وعدها وتم إجهاض المشروع النووي المصري مرة ثانية وعلى أيدي الولايات المتحدة.
في فبراير 1981 أعاد خبراء الطاقة في مصر ملف المحطات النووية وطالبوا من السادات إزالة العراقيل من أمام البرنامج النووي المصري والذي تم تطويره بحيث يهدف إلى إنشاء 8 محطات تبدأ بتنفيذ محطتين في منطقة الضبعة وكان مطلب علماء الطاقة هو زيادة حصة إثراء اليوارنيوم اللازم لتشغيل المحطات النووية ورفع طاقتها من 600 ميجا وات إلى (4000) 4 الاف ميجاوت موزعة على اربع محطات كل محطة الف وات. غير أن الانفجار الذي وقع في عام 1986 في مفاعل تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي أدى  لتجميد إنشاء المشروع مرة أخرى.
في عام 2007 أعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عن استئناف البرنامج النووي المصري على أرض الضبعة. ولكن الجدل المثار بين أصحاب النفوذ ومحاولة استغلال منطقة الضبعة كمنطقة سياحية ومع حشد أهالي الضبعة لمقاومة المشروع من ناحية التأثير البيئي وفي عام 2009 تم التعاقد مع شركة استرالية لمراجعة الدراسات الخاصة بالمشروع ومدى ملائمة منطقة الضبعة للمفاعل النووي وجاءت نتائج الدراسات بالتعاون مع هيئة الطاقة النووية ايجابية حيث أقرت بأن موقع الضبعة مناسب وانها لا تمانع في اقامة محطة نووية في المنطقة .. غير أن الحكومة لم تتخذ الخطوات الايجابية التنفيذية لإقامة المشروع.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 ومع الفراغ الأمني الذي استصحب سقوط معظم مؤسسات الدولة. وبالتحديد في 18 يناير 2012 اقتحم اهالي الضبعة موقع المشروع وعملوا على تدمير بنيته الاساسية ،بحجة عدم الحصول على التعويضات اللازمة مقابل ترحيلهم من المنطقة 
في عام 2013 اعلن الرئيس المؤقت عدلي منصور عن تدشين مشروع انشاء محطات نووية للاستخدامات السلمية للطاقة في الضبعة وقد سبق هذا الخطاب استلام الجيش لموقع الضبعة لاعادة تأهيله من قبل اهالي المنطقة.
في نوفمبر 2014 أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا جمهورياً بتخصيص 2300 فدان لصالح وزارة الدفاع لاستغلالها في اقامة تجمع عمراني سكني لاهالي منطقة الضبعة وللعاملين بالمحطة مع توفير الخدمات اللازمة للمنطقة والمشروعات الأخرى تعويضاً عن الأرض التي تم تخصيصها للمشروع.
يتبع ..الاسبوع القادم :الحلم يتحقق بعد 59 عاماً 

شارك