الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأب فرانس اليسوعي بسوريا
الأربعاء 08/أبريل/2015 - 03:49 م
طباعة
مرت أمس الذكرى السنوية الأولى لعملية اغتيال الأب فرانس فان درلخت اليسوعي في دير الآباء اليسوعيين بحي بستان الديوان في حمص القديمة – سوريا- علي يد أحد المجاهدين في 7 أبريل 2014 بعد حصار الدير لعدة شهور، وقد أقيم بالدير قداس بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتياله، بحضور السفير البابوي في دمشق المطران ماريو زيناري، وعدد من الأساقفة والكهنة من مختلف الكنائس، وعدد من الشخصيات العامة.
وكان الأب داني يونس اليسوعي، الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الشرق الأدنى، قد وجّه رسالة في هذا المناسبة قائلاً: "في 7أبريل 2014، اغتيل رفيقنا فرانس فان درلخت في ديرنا في حمص القديمة، حيث كان محاصراً مع من تبقى من أهل الحي لمدة شهور طويلة. فقد اختار ألا يترك في زمن العوز والخطر أولئك الذين استقبلوه واحتضنوه في أيّام السلم. استطاع أن يحافظ على روح الامتنان تجاه سوريا والسوريين حتى في زمن ضياع الروح. فكان موته مثل حياته شهادة لحب قادر على أن يغلب الخوف. ونحن رفاقه نشكر الرب اليوم على أنه أظهر في وسطنا شهادة كهذه، وإليه نطلب نعمة أن نستجيب دوماً لدعوة المسيح الذي يدعونا إلى حبّ يبلغ إلى منتهاه، لأنّه أحبنا".
وأضاف: "أدعوكم إلى التأمّل في شهادة كهذه: ما الذي يجعلها ممكنة؟ ما الّذي يجعلنا قادرين أن نحافظ على إنسانيتنا في ظروف تُفقد الإنسان إنسانيته؟ كيف نستطيع الحفاظ على الرجاء أمام انكشاف العنف في قلب البشر؟ كيف نبقى أحراراً في زمن يقود الخوف كل شخص إلى اتخاذ طرف من أطراف النزاع يستقوي به؟ في رهبانيتنا نطلب أن نكون على الحدود، أي في مكان اللقاء مع الآخر المختلف. ولكن حين تصير الحدود خطوط تماس بين أطراف متنازعة، من يستطيع البقاء على الحدود؟".
ميلاده ونشأته
الأب فرانس فاندرلخت اليسوعيّ هولنديّ الجنسيّة. من مواليد مدينة لاهاي عام 1938، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه وفي مدينة أمستردام والتحق بالرهبانيّة اليسوعيّة في عام 1959. توزّعت حياته الرهبانيّة الطويلة بين هولندا ولبنان وفرنسا، حاصل على دكتوراه في علم النفس. رسم كاهنًا عام 1971.
في سوريا
عمل الأب فرانس في سوريا منذ العام 1966 حيث أحب سوريا وناسها، وقد أمضى قرابة الخمسين عامًا في خدمة أحبائه السوريّين على مختلف طوائفهم وأديانهم، متنقلاً بين المدن السورية، ملقياً المحاضرات ومرافقاً في ميادين اختصاصاته الروحيّة واللاهوتية والنفسية. بادر أيضاً بمشاريع لخدمة المجتمع السوري وخصوصاً الشباب، ومن بينها مشروع المسير الذي استقطب شباناَ وشابات مسيحيين ومسلمين على السواء من مختلف أنحاء سوريا، يسيرون معا في حوار ثقافي وحضاري ويكتشفون جمال سوريا. وأنشأ هكذا الأب فرانس جيلاً على محبة بلده، وكان يشجع هؤلاء الشباب دائما بعبارته الشهيرة "إلى الأمام".
كما أقام مشروع "الأرض"، وهو مشروع زراعي في ضواحي حمص يعتني بوجه خاص بذوي الاحتياجات الخاصة في القرى المسيحية والإسلامية المجاورة، كما يحوي مركزاً للحوار بين جميع الأطياف والأديان.
استمر الأب فرانس في العطاء خلال الأزمة السورية، فبعد سيطرة مقاتلي المعارضة على المنطقة المسيحية في حمص القديمة منذ أكثر من عامين رفض الأب فرانس المغادرة، وبقي في ديره مع رعيته المحاصرة، وكان الأجنبي ورجل الدين المسيحي الوحيد المتبقي في المنطقة مع حوالي 20 مسيحياً من بين أكثر من 80 ألفاً قبل بدء النزاع في منتصف مارس 2011.
وكان يردد دائما: "أنا رئيس هذا الدير، كيف أتركه؟ كيف أترك المسيحيين؟ هذا مستحيل، لقد حصلت على الكثير من الشعب السوري، من خيرهم وازدهارهم، وإذا كان الشعب السوري يتألم حالياً، أحب أن أشاركهم ألمهم ومشاكلهم، أحب أن أكون معهم، أن أقدم لهم بعضا من التعزية والتواصل والتعاطف؛ ليقدروا على تحمل هذا الألم الفظيع".
حتى تم قتله على يد أحد الملثمين في حمص القديمة الأب فرانس ليستشهد عن عمر يناهز 75 عاماً أمضى منها قرابة الخمسين في خدمة أحبائه السوريين على مختلف طوائفهم وأديانهم، معتبرا نفسه واحداً منهم ليُدفن في حديقة الدير كما طلب.
وكان آخر ما كتبه "نُحضر أنفسنا للعيد الكبير... عيد العبور من الموت إلى الحياة... تتجلي الحياة من حفرة مظلمة، ويُبصر الناس الموجودون في بقعة سوداء نوراً عظيماً ...
نتمنى هذه القيامة لسوريا... وإلى الأمام.