ماذا تبقى من دولة الخميني؟
الثلاثاء 24/سبتمبر/2024 - 09:30 ص
طباعة
آيـــــة اللـه الخـمـينـي
علي رجب
السفارة الإيرانية في بيروت
اعتاد الإيرانيون على إحياء ذكرى الأب الروحي لهم، الإمام الخميني، الذي ما زال يمثل لهم أهمية كبرى لا يستطيعون الاستغناء عنها.
النشأة والتاريخ
روح الله الموسوي الخميني
روح الله الموسوي الخميني (1902- 1989)، قائد الثورة الدينية الشعبية من المنفى، التي أسقطت شاه إيران محمد رضا شاه بهلوي عام 1979.
توفي والده سيد مصطفى العالم الديني بعد ولادته بستة أشهر، وتوفيت أمه وخالته وهو في الخامسة عشرة من عمره، وتربى مع أخيه الأكبر فحفظا القرآن وتعلما مبادئ المذهب الشيعي معا.
غادر الخميني إلى آراك لدراسة القانون الإسلامي، وفي بدايات العشرينيات تبع أستاذه راحلًا إلى قم، حيث نبغ بين أقرانه وحصل على مرتبة آية الله.
لم يرض الخميني على تدخل القوات الأجنبية في إيران، وكتب عام 1941 ضد نظام محمد رضا بهلوي "كل الأوامر التي صدرت عن النظام الدكتاتوري ليس لها أي قيمة على الإطلاق".
إعلان الثورة
الشاه إيران
في بداية الستينيات أعلن الشاه ثورة بيضاء، نادى فيها بحقوق المرأة والتعليم اللاديني، فشن الخميني هجوما شديدا على سياسة الشاه؛ الأمر الذي أدى إلى سجنه عام 1963 ثم نفيه عام 1964 خارج إيران، فذهب إلى تركيا أولا ثم إلى مدينة النجف المدينة المقدسة عند الشيعة جنوبي العراق، حيث مكث هناك 13 عاما وكون مبادئه حول حكم الولي الفقيه والتي تنادي بأن يتولى رجال الدين الحكم، وقام الخميني بنشر معتقداته بين طلابه.
في السبعينيات غادر النجف إلى باريس، ومن هناك بدأ الخميني يحث الإيرانيين على إسقاط الشاه وحليفته أمريكا، وكانت رسائله تسجل وتستنسخ على أشرطة موسيقية وتهرب إلى داخل البلاد، وتوزع سريعا بين الناس، كما كان لرسائله التي تبث عبر المذياع أثر كبير في حث الناس على العصيان؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط الشاه وفراره من إيران في يناير 1979.
إعلان إيران جمهورية إسلامية
إعلان الجمهوريه الإسلاميه
عاد الخميني إلى إيران، وفي ديسمبر 1979 أجيز الدستور الجديد وأعلنت إيران جمهورية إسلامية، وسمي الخميني إماما وقائدا أعلى للجمهورية، في أول سنتين من توليه الحكم أزيلت كل الآثار الغربية.
الخميني وجماعة الإخوان
الخمينى والبنا
وكان الخميني تجمعه علاقة وثيقة بالإخوان، فقد كشف ثروت الخرباوي، القيادي الإخواني المنشق، عن وثيقة تاريخية بقيام سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، وتشير هذه الوثيقة إلى أن هناك لقاءً خاصا تم بين المرشد الأول للجماعة حسن البنا والسيد روح الله مصطفى الخميني، الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني مفجر الثورة الإيرانية.
وعقب نفي الخميني من قبل سلطات الشاه إلي العراق ثم إلى فرنسا، اطلع الخميني على كتب حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان وكتب سيد قطب، والتي من خلالها أسس الخميني أول نجاح لفكر حسن البنا في إيران ساعده على ذلك تعاليم المذهب الشيعي وقوة رجال الدين وحضوره في المشهد الثوري ضد شاه إيران رضا بهلوي.
تأثر الخميني بسيد قطب
سيد قطب
استطاع الخميني تأسيس الحرس الثوري، وهو الفكرة الجوهرية لحسن البنا وسيد قطب، حيث إن حماية الدولة يأتي من خلال تأسيس حرس ثوري مبني على عقيدة بديلا للجيش النظامي الأساسي من أجل ضمان استمرار الدولة الإسلامية وفقا لرؤية البنا وقطب.
وآية الخميني قد قام بنفسه بترجمة العديد من مؤلفات سيد قطب إلى اللغة الفارسية التي كان لها أثر كبير في البنية الأساسية لدولة الإيرانية التي أسست بعد تولي الخميني مقاليد الأمور، وبدا واضحا تأثر الخميني بمؤلفات سيد قطب وفكرة "الحاكمية" من خلال تأليفه لكتاب "الحكومة الإسلامية" والتي جاءت وفقا لرؤى سيد قطب.
وإذا نظرنا إلى البنية الأساسية لنظام الحكم في إيران عقب الإطاحة بالشاه في 1979، فمن الممكن أن نقول: إن إيران هي دولة "البنا" بامتياز من خلال المرشد الأعلى الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد"، هذا إذا علمنا أن صور حسن البنا وسيد قطب تضع جنبا إلى جنب بجوار صورة الخميني.
الانتقادات الموجهة للخميني
مجازر الخميني
وعلى الرغم من أن الخميني يُعتبر بمثابة الإله عند الإيرانيين، إلا أن هناك انتقادات عديدة وُجهت له عقب المجازر التي قام بها خلال الثورة الإيرانية، عقب انتصار ثورته على الشاه، حيث إن مجازره لم تقتصر على مؤيدي الشاه، وإنما طالت مؤيديه أنفسهم ممن خرجوا عن صفوف أهل الطاعة والولاء، بل وجعل أحد الملال واسمه خلخالي، متفرغا لقتل هؤلاء الخصوم، يباشر ذبحهم بيده.
وبعد مرور 25 عامًا على إعدام 30 ألف معتقل بأمر من الخميني، باشرت المعارضة الإيرانية بحملة دولية لمحاكمة نظام طهران بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وبعد ربع قرن على ارتكاب النظام الإيراني لمذبحة جماعية ضد معارضيه ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، حيث نفذ الإعدام عام 1988 بأوامر خطية من الزعيم الروحي الراحل خميني بحق 30 ألف معتقل؛ بذريعة معارضتهم للنظام الإسلامي وانتمائهم إلى منظمة مجاهدي خلق.
في الوقت نفسه باشرت المعارضة الإيرانية حملة دولية قانونية وقضائية وإعلامية لمقاضاة النظام ومحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية.
وقامت محكمة شعبية خاصة في هولندا برصد انتهاكات النظام الإيراني بعد ثورة 1979 وما تلاها من مجازر لمعارضي النظام في ثمانينيات القرن الماضي، وأصدرت تلك المحكمة الخاصة تقريرًا أشارت فيه لقتل النظام أكثر من 20 ألف سجين سياسي، سعيًا منها لتوثيق الأحداث والدفع لمحاكمة النظام رسميًّا، وضمت المحكمة عددًا من العاملين في محكمة العدل الدولية والقانونيين والأكاديميين، إضافة إلى بعض الشهود الإيرانيين.
وفي أكتوبر عام 2012، مثل نظام الخميني في قفص الاتهام في لاهاي أمام محكمة دولية غير رسمية تشكلت بمبادرة من ضحايا جرائم ارتكبت في الثمانينيات في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران سعيا لتسليط الضوء على تجاهلها القضاء الدولي.
الخُلاصة
الإيرانيون بعد مرور 25 عام علي رحيله
وبعد مرور 25 عامًا على رحيل آية الله الخُميني، هل يظل الإيرانيون على عهدهم مرتدين عباءته، متمسكين بمبادئ ثورته؟ أم سيضطرون وَفق مستجدات الأحداث في المنطقة إلى التخلي عن جزء كبير من هذه المبادئ؟ في ظل الصراع الدولي والمواءمات السياسية، وبقاء إيران حلقةً غامضة غير مستقرة، خاصةً في ظل سعيها المستمر لاكتساب الطاقة عبر النشاط النووي.