أحداث اليمن في الصحافة العربية 20 ابريل 2015
الإثنين 20/أبريل/2015 - 06:42 م
طباعة
قائد «أنصار الله» يعلن قرب نفاد «الصبر الاستراتيجي»
بدا أمس كأن السيد عبد الملك الحوثي يمهد لمرحلة جديدة في مواجهة العدوان بتلويحه بنفاد «الصبر الاستراتيجي»، في ظل معلومات عن رسائل سعودية مكثفة عبر مسقط، سلمت في خلالها باستحالة نزع سلاح «أنصار الله» وعودة عبد ربه منصور هادي
توعد قائد «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي النظام السعودي بالرد على العدوان بكل الوسائل. ودعا الشعب اليمني الى الصمود والاستعداد لاستحقاقات المرحلة المقبلة، حاسماً الجدل حول الموقف من الطروحات السياسية بإعلانه رفض تدخل الرياض في معالجة أي شأن يمني داخلي. وتعمد الحوثي عدم التوسع كثيراً في الخيارات المطروحة أمام اليمنيين، تاركاً الباب مفتوحاً أمام مبادرات الحل السياسي، مع تركيزه على وصف قسم من خصومه بعملاء العدوان.
وقالت مصادر يمنية مقربة من «أنصار الله» وأخرى عربية معنية بالأزمة اليمنية، إن خطاب الحوثي هدف الى توجيه رسائل داخلية وخارجية؛ أهمها:
ــ أولاً، إبلاغ من يهمه الأمر بأن الموقف من الحل لم يتأثر أبداً بكل ما جرى حتى الآن من هجمات عسكرية قام بها النظام السعودي وحلفاؤه.
ــ ثانياً، إعلانه أن العدوان تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة الأميركية، وأنها هي التي أذنت به ودعمته بالمعلومات والدعم العسكري، وأن النظام السعودي مجرد تابع، ما يحمل واشنطن مسؤولية الضغط لوقف العدوان.
ــ ثالثاً، إعلانه استمرار عمل القوات المسلحة من جيش ولجان شعبية في الانتشار لمواجهة مشروع تمدد «القاعدة» ولمنع «عملاء العدوان» من تحقيق أي موطئ قدم لهم على أرض اليمن.
ــ رابعاً، دعوته الشعب اليمني الى الصمود، وإعلانه عدم اتكال اليمن على أي دعم لمواجهة العدوان، وترك الباب مفتوحاً أمام خيارات الرد. وفي هذا السياق، قال مطلعون إن الحوثي أعلن أننا أمام مرحلة جديدة، في ما بدا أنه تمهيد لإعلان انتهاء مرحلة «الصبر الاستراتيجي» كما سماه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ــ خامساً، إشادته بإيران وشكر لـ»حزب الله» في رسالة عدم التبرؤ من حلفائه الإقليميين، والتشديد في المقابل على عدم سعي اليمنيين الى أي دور خارج بلادهم.
وبحسب المصادر، فإن الحوثي وقّت خطابه مع اقتراب العدوان من لحظة نفاد بنك الأهداف لسلاح الجو، وهو أصلاً ما أكده المتحدث باسم العدوان عن انتهاء المرحلة الأولى، واعتباره أنه تحقق هدف حماية دول الجوار من أي خطر صاروخي مصدره اليمن، وإشارته الى الجهد على الجانب الحدودي.
وقالت المصادر إن الوقت بدأ يقترب من لحظات حاسمة بشأن المبادرات السياسية، وسط معلومات مصدرها عواصم عربية وإقليمية ودولية عدة، تفيد بأن الجميع بات يدعم حلاً سياسياً سريعاً، خشية تفاقم الأمور الى ما يفقد الجميع سيطرته على الموقف.
واستناداً الى معطيات مصدرها الرياض، تبيّن أن النقاشات داخل العائلة الحاكمة، ومع بعض العواصم الخليجية، أظهرت ارتفاع صوت الفريق الداعي الى تلقف أي مبادرة «معقولة»، ويجري الحديث هنا عن توافق ضمني بين الأمير محمد بن نايف والأمير متعب بن عبد الله حول ضرورة الخروج سريعاً من هذا المأزق، وبين آخرين يتقدمهم محمد بن سلمان يعتقدون أن بالإمكان الاستمرار في العملية.
وفي سياق الاتصالات، نفى مصدر قريب من «أنصار الله» لـ»الأخبار» حصول أي اتصال مباشر بين الجماعة والحكومة السعودية. وأكد في المقابل، تلقي سلطنة عمان الكثير من الاتصالات السعودية التي تدور حول مبادرة تؤمن وقف الحرب وفتح الباب أمام الحوار السياسي. لكن المصدر شدد على أن الحل السياسي لن يكون وفق أجندة الرياض، وأن الأخيرة أدركت هذه النقطة، وتراجعت عن بعض شروطها وخصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح الحوثيين وعودة عبد ربه هادي، وركزت على كيفية إعادة السلطة الرسمية الى الجيش وحده وعلى اعتبار رئيس الحكومة خالد بحاح الشخصية التوافقية طالما لم يطلق الحوثيون موقفاً حاسماً ضده.
وبحسب المصدر، فإن عدة مبادرات قيد الإعداد، بينها واحدة تقودها شخصيات عربية رفيعة المستوى وتربطها علاقات قوية بعدد من قادة الدول، وأن مسقط استقبلت موفدين من مصر والجزائر وإيران لهذه الغاية، ونقلت عن مصادر عمانية أن الولايات المتحدة في أجواء كل الاتصالات وأن البيت الأبيض يشجع على إنتاج مبادرة سريعة.
وقال المصدر إن المشكلة التي تواجه النظام السعودي مع حلفائه الإقليميين أو الدوليين باتت تتمثل في كون الرياض لم تبادر الى موقف عملاني ضد نفوذ «القاعدة» في جنوب اليمن، بل هي توفر له الغطاء الجوي خلال مواجهاته مع الجيش واللجان الشعبية، وأن عواصم عدة؛ أبرزها القاهرة وإسلام آباد كما واشنطن، تنظر الى خطر «القاعدة» بخشية أكبر من كل الحديث عن خطر إيران أو الحوثيين.
وكان زعيم «أنصار الله» قد أطل أمس على شاشات التلفزة، فأكد «حقّ الشعب اليمني في مواجهة العدوان ومقاومته بكل الوسائل بحسب ظروف المعركة»، وقال إن العدوان السعودي يجري بإدارة أميركية مباشرة، وإن الأميركيين يحددون أهداف القصف للسعوديين عبر غرف عمليات، مشيراً إلى «أن النظام السعودي هو جندي لدى الأميركيين وخادم لهم». وتساءل «كيف لعدوان أميركي إسرائيلي أن يحمي الأمن القومي العربي؟».
(الاخبار اللبنانية)
كل المجانين يستهدفون السعودية
كتبت السبت الماضي هنا عن «الهلع الإيراني»، وذلك عطفا على التصريحات الإيرانية المتشنجة ضد السعودية من طهران إلى الضاحية الجنوبية في لبنان، وتقريبا على لسان كل القيادات الإيرانية، وأتباعهم مثل الشبيح حسن نصر الله. على أثر ذلك المقال قدم لي مطلع على ما يدور في الضاحية الجنوبية قراءة مهمة.
يقول المصدر المطلع على ما يدور في الضاحية إن ما أفقد الشبيح حسن صوابه، وجعله يتطاول على المملكة العربية السعودية بعد «عاصفة الحزم» بذلك الشكل غير المسبوق، هو أن ما كان يتردد في الضاحية أن الحزب ليس في سوريا واليمن وحسب، بل وعلى الحدود السعودية، وأن إيران وأتباعها باتوا يحكمون الطوق على السعودية من اليمن والعراق، وأن السعودية باتت لقمة سهلة الآن، ولذا فإن ما فعلته «عاصفة الحزم» كان بمثابة ضرب اليد الإيرانية التي كانت تعتقد أن اللقمة باتت سهلة للابتلاع، وعليه فقدَ الإيرانيون صوابهم، كما فقد شبيح الضاحية صوابه أيضا لأنه كان يعتقد أن سيطرة الحوثيين على اليمن تشكل عاملا معنويا مهمّا لأتباعه المحبطين مما يحدث لهم في سوريا.
وأهمية هذه القراءة أيضا أنها تقول لنا إن كل مجانين المنطقة يستهدفون السعودية، وإلا ما الفرق بين حزب الله و«القاعدة»؟ بل وما الفرق بين إيران و«داعش»؟ الإجابة بسيطة، وهي أنهم جميعهم يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم على الحدود السعودية، وذلك بعد أن فشل اختراق الداخل السعودي من قبل إيران وحزب الله و«القاعدة» و«داعش» وغيرهم من الجماعات المتطرفة، وذلك بعد القوانين المجرمة للجماعات الأصولية، والمحسوبة على إيران في السعودية بعد ما عُرف بالربيع العربي. وبالطبع فإن السعودية تمثل لكل هؤلاء المجانين الشرعية والمشروعية والهدف الأسمى، فإيران ترى باستهداف السعودية انتصارا لمشروع تصدير الثورة الخمينية الذي يخدمه شبيح الضاحية. وبالنسبة إلى «القاعدة» و«داعش»، وقبلهم «الإخوان المسلمون»، فإن استهداف السعودية يمنحهم المشروعية الدينية الهائلة التي تمثلها السعودية، وبالتالي تخولهم حق الانتشار في المنطقة، والعالم الإسلامي ككل، ولذلك سعت «القاعدة» للوجود في اليمن، ومثلها النظام الإيراني، ومعه أتباعه من حزب الله، وخلافهم، بل وحتى علي عبد الله صالح الذي اعتقد أنه بالإمكان ابتزاز العقلانية السعودية مطولا، حيث قرأ صالح الحكمة السعودية قراءة خاطئة، مثلما قرأتها إيران أيضا قراءة خاطئة، ولذا وجدنا الشبيح حسن يقول في أحد خطاباته: «أنتم تنابلة»!
ولذا فقد كانت «عاصفة الحزم» السعودية بمثابة الصفعة الموجعة لإيران وحزب الشبيح، ومثلهم «القاعدة»، وهي دون شك، أي «عاصفة الحزم»، ضربة موجعة لكل المجانين عسكريا، وسياسيا، وحتى إعلاميا، إذ تمت تعرية هؤلاء المجانين بشكل كامل، وها هو المشهد السياسي يتغير باليمن، وبالمنطقة بالطبع، لأن صوت العقل السعودي أقوى من كل مجانين المنطقة.
(الشرق الاوسط)
أزمة العرب: النفَس الطويل هو الحل
الحرب في اليمن، وحرب في سوريا وأخرى في العراق وفي ليبيا، ردة الفعل السهلة هي أننا أمام كارثة عربية، لكنني في هذا المقال أدعو إلى طول النفَس، واستيعاب ما يحدث لعشرين سنة قادمة، شريطة أن نضبط الوضع للأجيال القادمة، ولا نترك لهم مخلفات حروب، بل نترك لهم أوطانا جديدة منظمة يمكن العيش فيها.
لكي نفهم ما هو حادث في منطقتنا، لا بد أن يكون لدينا نظرة مقارنة مع بقية العالم ولا نغرق في النرجسية.
ما هو حادث بعد ما سُمّي الربيع العربي، تلك الهزة الكبرى التي أدت إلى تصدع الدول والمجتمعات، لا يختلف كثيرا عمّا حدث للاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب الباردة، إذ تتفكك المجتمعات بعد أن ينفلت زمام الأمر.
فالحرب الباردة كانت نظاما صارما لضبط النظام الدولي، ولكن متى ما ترهل ذاك النظام تداعى الاتحاد السوفياتي، إمبراطورية الشيوعية، وتقسّمت تشيكوسلوفاكيا إلى سلوفاكيا ودولة التشيك، وتشظّت يوغوسلافيا كالبلور إلى قطع متناثرة، ومع ذلك لم تخرب أوروبا، ولم يندب الروس حظهم.
كل ما فعلوه هو التعايش مع الواقع الجديد، وبنوا دولا جديدة لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم تغير فيها النظام الاقتصادي من اشتراكي إلى اقتصاد رأسمالي، وتغير النظام السياسي ليتماشى مع العالم الجديد.
ما أود قوله هنا هو أن روسيا أوروبا الشرقية أدركتا أنهما كانتا أمام حالة تنظيف لمجتمعاتهما من مخلفات الحرب الباردة، ونحن لا نختلف كثيرا، إذ ما يحدث عندنا الآن، هو تنظيف لمخلفات الربيع العربي، لأنه الحدث الأكبر الذي ترك خلفه، ككل البيوت التي تنهار، ركاما في كل مكان.
السؤال اليوم بالنسبة إلى عالمنا العربي هو: هل لدينا الرغبة في إزالة ركام البيوت القديمة، التي تهدمت من مصر إلى العراق إلى ليبيا وتونس واليمن وسوريا؟ أم أننا سنبني عششا لا دولا، ويبقى الركام من حولنا؟
«عاصفة الحزم» والتدخل في اليمن محاولة للتنظيف من القوى الراغبة في العيش بين الركام القديم، والتي تريد تحويل اليمن إلى كانتونات وعشش لا معمار دولة يبقى. ومن هنا لا بد أن نعي أن مشروع تنظيف اليمن، مشروع طويل وليس قصيرا، وعلى اليمنيين قبل غيرهم أن يقوموا بعملية التنظيف أنفسهم، فالدول كالإنسان لا تلبس «حفاضا» طول الوقت، إذ بعد أن تبلغ الدولة نقطة ما في عمرها السياسي والحضاري والثقافي، لا بد أن تكون قادرة على تنظيف نفسها، والتخلص من نفاياتها السياسية والثقافية، بطريقة لا تضر بالبيئة العامة في الإقليم.
هذا ما فعله الروس ببلدهم، وما فعلته بولندا وألمانيا ودولة التشيك حتى صربيا. على الشعوب أن تتحمل نظافة بلدانها. نحن في المقابل غارقون في ذهنية اللطم والجنائزية، نتحدث عن مؤامرة أسقطت النظام العربي، وعملاء طابور خامس وسادس إلى آخر تلك الكربلائيات.
الحقيقة الناصعة التي لا تقبل الجدل، هي أن النظام العربي تصدّع، فماذا نحن فاعلون لبناء نظام جديد؟ أم أننا سنبقى طويلا نبكي على الأطلال؟
نترك الحروب قليلا ونقارن حالنا كعرب مع السود أو مع الهنود. لا أظن أن هناك مأساة إنسانية أكبر من أن يستعبد الإنسان أخاه الإنسان، ومع ذلك فالعبيد الذين أخذوا إلى أوروبا، وإلى العالم الجديد من أفريقيا مشدودين إلى الأغلال، لم يقبعوا في نقطة اللطم على الماضي، والبكاء على ما حدث لهم من قبل مستعبديهم من ضيم وعنف وإهانات لا حدود لها، بل أخذ بعضهم بأيدي بعض، وتجاوزوا ذلك الجرح النرجسي في النفس الأفريقية، سواء في أفريقيا أو خارجها.
حتى على مستوى الأشخاص كحالة الراحل نيلسون مانديلا، لم يغرق الرجل في عقلية الثأر، والمهاترات التي لا معنى لها، بل تجاوز الماضي ورمى به وراءه من أجل بناء جنوب أفريقيا جديدة.
الهنود أيضا استعمرهم البريطانيون لأكثر من تسعة عقود من الزمان، ورغم المأساة، لم يغرق الهنود في قصة ظلم الاستعمار كما يغرق بعضنا، بل نهضوا وتجاوزوا المحنة ليبنوا أكبر ديمقراطية في العالم.
النقطة الجوهرية هنا هي أن الربيع العربي وتبعاته، وإن شئت انهيار العراق في 2003، كلها كانت هزات كالزلازل لها تبعاتها التي تبقى لفترات طويلة، وأحيانا متباعدة، لكن الأهم في كل هذا أمران: الأمر الأول هو إزالة ركام البيت القديم الذي سقط من أجل بناء معمار جديد، والثاني هو أن التنظيف، ومن بعده البناء يحتاج إلى طول نفَس، فلا تستعجلوا حسم الأمر في اليمن، فما حسم اليمن إلا جزء بسيط من إعادة تأهيل المنطقة، وإزالة ركام حقبة وبناء حقبة عربية جديدة خالية من كل أنواع النفايات، وأولها النفايات الفكرية، التي نالت من كل شيء فينا.
لكل هذا يحتاج العرب المستعجلون إلى طول نفَس، ومقارنة ما يحدث لنا مع ما حدث لشعوب أخرى كبت ثم قامت من كبوتها، وفي هذا عبرة للعقلاء.
(الشرق الاوسط)
إيران والحزم السعودي
قال رفيق الحريري: «كي تفهم السياسة السعودية عليك أن تعايش المسؤولين السعوديين وطريقتهم في التعامل مع الأحداث الصعبة. لا يحبون المغامرات ولا المجازفات. يتسلّحون بالهدوء والصبر والنَفَس الطويل ويفضّلون إبقاء الأزمات بعيدة عن صفحات الصحف. أحياناً يتركون الأزمات ليتولّى الوقت تبريدها ثم يبدأون البحث الهادئ عن حلول. لكن الاعتدال لا يلغي القرار. وإذا استنفدوا أسلحة الصبر والرويّة يتّخذون أصعب القرارات. وحين تلقي السعودية بثقلها وراء قرار، يجد موقفها صداه في كل العواصم. من القاهرة إلى واشنطن ومن إسلام آباد إلى موسكو. أحكي لك عن مسائل عشتها وخبِرتها».
وأضاف: «هل تعرف مثلاً أنني زرت دمشق عشرات المرات مكلّفاً من الملك فهد في مواضيع حساسة بينها العلاقات مع إيران. كان الغرض أن يتدخل الرئيس حافظ الأسد لدى المسؤولين الإيرانيين ليعالجوا خطوات إيرانية من شأنها تصعيد التوتر في المنطقة. حمّلني الملك فهد رسائل مفادها أن قَدَرَنا أن نتعايش مع إيران وهذا قدرها أيضاً. وكان يعتقد أن لا مصلحة لإيران في استفزاز العرب في الخليج وخارجه، سواء باللغة المتوترة أو الممارسات المُقلِقة أو الاختراقات الأمنية».
قال: «سأعطيك مثالاً عمّا تقدم. ذات يوم وخلال الحرب العراقية- الإيرانية خرقت طائرات إيرانية الأجواء السعودية فتصدت لها الطائرات السعودية والدفاعات الأرضية فتم إسقاط طائرتين إيرانيتين وإصابة ثالثة. كنا مع الملك فهد حين أُبلِغ بالحادث. انتظر قليلاً ثم أمر بأن يتم الإعلان عن إسقاط طائرة واحدة. سألناه عن السبب فأجاب: إذا أعلنّا إصابة ثلاث طائرات نكون كمن يهين الجيش الإيراني. نحن لا نريد مواجهة أو مشكلة مع إيران. إذا أهنتَ الجيش الإيراني علانية يشعر بأن من واجبه أن يردّ. الجيش الإيراني يعرف ماذا حصل ولا ضرورة لإخراج الحادث كله إلى العلن... نحن لا نستطيع إلغاء إيران ولا هي تستطيع إلغاءنا...».
أعطى الحريري مثالاً آخر على اهتمام السعودية باحتواء الأزمات وتفادي الحروب والمواجهات. قال إن الملك فهد تلقّى بعد الغزو العراقي للكويت رسالة مفادها أن صدام حسين مستعد للانسحاب إذا وافق العاهل السعودي على لقائه في خيمة على الحدود السعودية- العراقية. وأضاف الحريري: «الملك فهد، وببراعته المعهودة أرسل جواباً قال فيه لماذا نجتمع على الحدود. أنا مستعد للذهاب إلى بغداد ولكن نريد رسالة من الرئيس العراقي أنه مستعد للانسحاب من الكويت إذا اجتمعنا. الرسالة نحفظها لدينا ولم يسبق أن كشفنا أموراً نحتفظ بها. كان الملك فهد جدياً ومستعداً للتوجه إلى بغداد، على حد ما قال لنا، وأن يعلن من هناك انسحاب القوات العراقية من الكويت».
وقال الحريري إن سورية حافظ الأسد لعبت دوراً في تهدئة الأجواء بين إيران والسعودية «لأنها كانت تُدرك أهمية السعودية عربياً وإسلامياً ودولياً، ولم تَغِب عنها أهمية مصر أيضاً».
كان غرض الحريري من هذا الكلام الذي نشرته في «الحياة» قبل عشرة أعوام القول أن السعودية لا تستعجل الذهاب إلى المواجهات، بل تحرص على إعطاء مُرتكِب الخطأ فرصة التراجع عن خطئه ليجنّب بلاده والمنطقة دفع ثمن ما فعل. لكن السعودية لا تتردد في النهاية في اتخاذ القرارات الصعبة حين توصَد الأبواب أمام الحل.
في موضوع الكويت يمكن القول إن صدام أخطأ في تقدير رد فعل طرفين أساسيين هما الولايات المتحدة دولياً والسعودية إقليمياً. ارتكب خطأً فادحاً في فهم السياسة السعودية ولم يدرك أن الاعتدال لا يلغي الحزم، وأن الصبر لا يلغي القرار. وعلى رغم الفوارق بين المسرحين والحقبتين، واضح أن إيران ارتكبت في الأزمة اليمنية خطأً فادحاً في قراءة السياسة السعودية. وأن التوتر الظاهر في سلوك إيران وحلفائها إنما يرجع إلى وقع المفاجأة التي شكّلها قرار السعودية بناء تحالف سريع وإطلاق «عاصفة الحزم». فخصوصية الوضع اليمني وأهمية باب المندب جعلتا ما جرى في صنعاء وعدن يشبه انقلاباً يمنياً وإقليمياً يمسّ أمن السعودية وكل دول مجلس التعاون، ويُنذِر بترك آثاره على كل نقاط التجاذب والاشتباك.
أعرف ما يُكتَب عن براعة المفاوض الإيراني. وعن الصبر وصناعة السجاد. وعن النجاحات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان. المشهد اليمني ليس من القماشة ذاتها، إذ بدت السياسة الإيرانية فيه مغامرة إلى حد التهور. يعطيك المشهد انطباعاً بأن إيران اعتبرت أن السعودية ليست قادرة على اتخاذ قرار كبير ما دامت أميركا أوباما غير راغبة في عرقلة المفاوضات النووية مع إيران. لم تتوقف طهران عند حقيقة مفادها أن غياب الإدارة الدولية للإقليم، لم يترك للقوى الأساسية فيه غير أن تتولى بنفسها الدفاع عن مصالحها. كان عليها الالتفات إلى موقف السعودية من مصر السيسي على رغم معارضة الإدارة الأميركية. الخطأ في القراءة جعل إيران تجد نفسها في أزمة تصطدم عبرها بالأكثرية العربية والسنّية والدولية. ولهذا الاصطدام إذا لم تُسارع إيران إلى الخروج منه، أثمانه بالنسبة إلى صورتها وعلاقاتها وموقعها، حتى في الساحات التي اعتبرتها تغيَّرت إلى غير رجعة.
(الحياة اللندنية)
«الحزم» يُسقط المقايضة: وقف الهيمنة مع وقف النووي
القمة الأميركية - الخليجية منتصف الشهر المقبل يفترض أن تكون الوجه الآخر للمفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووي. هي اعتراف من واشنطن بأن «تفاهم لوزان» لن يكون وحده الأساس لبناء نظام في الشرق الأوسط يقتصر رسمه على الدول الست الكبرى والجمهورية الإسلامية. «عاصفة الحزم» فرضت على جميع اللاعبين أن يأخذوا القرار العربي في الاعتبار. وهذا ما توقف عنده الرئيس باراك أوباما داعماً ومباركاً، وداعياً أيضاً إلى تحرك عربي حيال سورية. ولم يفته بالطبع حضور أهل العاصفة في التحالف الدولي الذي يخوض الحرب على «الدولة الإسلامية». استعاضت المملكة العربية السعودية عن الوهن العربي بالتوجه نحو باكستان وتركيا، أكبر قوتين سنيتين في المنطقة، لتعديل أو ترجيح كفة ميزان القوى مع إيران التي لم تكف طوال سنوات عن طرح نفسها قوة إقليمية كبرى. بل كان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ينذر خصومه بقيام «أمم متحدة» جديدة مع حلفاء بلاده. وسعى على الأقل عبر تمجيده «حلف الممانعة» إلى ترسيخ حلمه بقيادة العالم الإسلامي. لم تنتبه القيادة الإيرانية إلى أن حضورها في الوسط الإسلامي السني الواسع يمر حكماً عبر البوابة السعودية.
القمة المقبلة في كمب ديفيد ستطرح على بساط البحث سبل تفكيك خريطة الهيمنة الإيرانية وانتشارها في العالم العربي. تماماً كما تتقدم المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى نحو تفكيك البرنامج النووي لطهران، وإن لمرحلة ستمتد لنيف وعشر سنوات. راهنت إدارة الرئيس أوباما على أن التوصل إلى اتفاق في هذا المجال سيترك انعكاسات وتداعيات على الوضع الداخلي الإيراني. وربما أدى إلى تغييرات جذرية تدفع «أهل الثورة الإسلامية» إلى التخلي عن طموحاتهم في السيطرة. والسعي إلى استعادة دور بلادهم كدولة في المنظومة الإقليمية والدولية. لكن هناك من يشكك في مثل هذه التغييرات. ويعتقد أن ثمة مبالغة في التفاؤل بإمكان تحولات جذرية في هذا الميدان. والدلالات والمؤشرات إلى ذلك كثيرة. لم ترضخ إيران للتحدي الذي طرحته «الدولة الإسلامية» بوجه حضورها في كل من العراق وسورية. تجربة «التعاون غير المباشر» بينها وبين التحالف الدولي - العربي في مواجهة «داعش» في تكريت وغيرها، لم تشكل منعطفاً أو تؤسس لنموذج تفاهمات مقبلة في أكثر من أزمة إقليمية. لم توح بأن القيادة في طهران مستعدة، على وقع التقدم في المفاوضات النووية، أن تبدل في سياساتها. بخلاف ذلك أوحى الانخراط الإيراني الميداني في معركة تكريت أن «الحرس الثوري» يجهد لإكمال ما توقفت عنده حملة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. أي اختراق المحافظات السنية. وهو ما عده أهل هذه المناطق سعياً إلى تغيير الخريطة الديموغرافية للبلاد. ولذلك تعالت أصوات ترفض مشاركة قوات «الحشد الشعبي» في حرب الأنبار.
أخطأت إيران في رفع مستوى المواجهة مع دول الخليج العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية. لم توقف تقدمها في الشرق الأوسط. استغلت فشل الحروب الأميركية الاستباقية، وتعقيدات الحرب على الإرهاب. وتعثر التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم جدوى الضغوط على بنيامين نتانياهو. توسلت القضية الفلسطينية والتوكؤ على المكونات الشيعية في المنطقة من أجل شرعنة حضورها في العواصم الأربع وغيرها من المناطق. فكلما اتسعت هيمنتها عبر «جيوش الميليشيات» التي أنشأتها من لبنان إلى سورية العراق واليمن وعبر خلايا في مناطق خليجية، باتت أقدر على تعويض ما ستقدم من تنازلات في البرنامج النووي. وكان من نتائج مواصلة هذا النهج أن الحرب الباردة تحولت إلى مواجهة مباشرة بلا أقنعة في اليمن. وأبعد من ذلك توسع إطار الصراع مع طهران ليشمل إسلام آباد وأنقرة، بعد مصر والأردن والمغرب وحتى السودان. لم تعتبر الجمهورية الإسلامية من التاريخ القريب: عندما شعرت السعودية بأن غزو صدام حسين الكويت بات يشكل تهديداً لأمنها وسيادتها وحرية قرارها، لم تتوان في طلب الأمن من أصدقائها الأميركيين والأوروبيين الذين انضووا في أكبر تجمع عسكري دولي منذ الحرب الكونية. لم تسمح لصدام بأن يلعب في الوقت الضائع لفرض نفسه نداً أو محاوراً أساسياً وحيداً لأميركا والغرب عموماً في المنطقة. وهي اليوم لم تحشد قوى عشر دول زادت أو نقصت لمواجهة الهيمنة الإيرانية في اليمن، بل حازت تأييداً دولياً واسعاً يشبه ما قام عشية تحرير الكويت، وإن اختلف السيناريو. القرار 2216 منح تحالف «عاصفة الحزم» غطاء شرعياً واسعاً من أعلى سلطة أممية. والمناورات المصرية – السعودية الموعودة تبعث برسالة واضحة إلى طهران تترجم خطاب القاهرة أن أمن دول الخليج جزء من الأمن القومي المصري. ومثلها رسالة باكستان التي أكدت استعدادها لبدء تطبيق بنود القرار الدولي الأخير في مجال المراقبة الجوية والبحرية لمنع شحنات السلاح إلى الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
بعد هذه «العاصفة» لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء. لن يكون بمقدور إيران أن تقايض الاتفاق النووي بالسكوت الدولي عن تمددها في العالم العربي. ربطت على نحو مباشر بين الملفين. وأطلقت العنان لطموحاتها مستغلة التركيز الدولي على البرنامج النووي، ومستغلة أيضاً ضعف العرب وانشغالهم بلملمة شتات ما بقي من مؤسسات في هذا البلد وذاك. ولكن بعد قيام التحالف الجديد في شبه الجزيرة العربية بات عليها أن تعيد النظر في سياستها كاملة من أجل إطفاء نار الحرب المذهبية التي تتوسع في الشرق الكبير، والابتعاد عن حافة الهاوية والمجازفة في مواقف غير محسوبة النتائج. وبدل سياسة الصوت العالي والخطابات النارية، ربما عليها العمل مع تركيا، أو مع سلطنة عمان وباكستان من أجل إطلاق حوار تتخلى فيه عن لغة الإملاء والطموحات المثيرة للمخاوف. وستجد نفسها قريباً مضطرة إلى البحث عن مخرج يفتح لها باب التعامل بإيجابية مع شركائها في المقلب الثاني من الخليج تمهيداً لقيام نظام أمني يحفظ مصالح الجميع. إنها تدرك بالطبع أن الولايات المتحدة لن تسمح لأي قوة إقليمية أو دولية بتهديد مصالحها الاستراتيجية في الإقليم، أو امتلاك القدرة على التحكم بمنابع النفط وطرق إمداده، مهما قيل عن انسحابها من الشرق الأوسط من أجل التركيز على احتواء النفوذ الصيني في المحيط الهادي. ولا ننسى أن سياسة الرئيس أوباما بالابتعاد عن أي مواجهة ميدانية جديدة أحلّ مكانها الدفع بالشركاء الإقليميين إلى تولي هذه المهمة بدعم أميركي واضح. وهذا ما يحصل حيال «عاصفة الحزم». إضافة إلى «الدرع» الصاروخية والقواعد الأميركية... والأوروبية المنشورة في المنطقة.
الأهم من كل ذلك أن الحلف الجديد الذي أطلقته «عاصفة الحزم» بدأ يجني ثماره ليس في اليمن فحسب، بل في ساحات أخرى. ففي العراق لم يألف العالم سماع رئيس الوزراء في بغداد حيدر العبادي ينتقد التركيز على دور «الحرس الثوري» وقاسم سليماني، لأن ذلك في رأيه تقليل من دور القوات العراقية. ومع تكرار شكره لإيران ومساعدتها في مواجهة الإرهاب، إلا أنه طلب منها احترام سيادة العراق. ولا شك في أن إصراره في واشنطن على استعجال تسليح القوات النظامية يشي بمخاوف من اشتداد قبضة «الحشد الشعبي» الذي قد يتحول مع الوقت إلى جيش رديف أقوى وأخطر من المؤسسة العسكرية الرسمية. بالطبع لن يتحول العبادي معادياً لطهران، لكنه يتظلل بمواقف المرجع الأعلى في النجف السيد علي السيستاني الذي يفترق عن الجمهورية الإسلامية في كثير من المواقف. كما أن إصرار أهل المحافظات السنية على رفض إشراك «الحشد الشعبي» في حرب الأنبار، على رغم غلبة كفة «داعش»، دليل آخر على المعارضة التي يلقاها التدخل الإيراني.
وإذا كانت إيران مطمئنة إلى حدود ما قد يطرأ على هيمنتها في العراق، فإن ما يحصل في سورية سيؤدي تطوره إلى تعريض حضورها. فليس مفاجئاً أن تحقق فصائل المعارضة إنجازات كبيرة في الجنوب، من بصرى الشام إلى معبر نصيب إلى منطقة السويداء. وفي الشمال من إدلب وريفها إلى حدود ريف حلب، وفي محيط العاصمة دمشق. مثل هذه الإنجازات لم يكن ليتحقق لولا دعم قوى إقليمية هي جزء من تحالف «العاصفة». فهل الهدف إعداد الساحة لتسوية؟ يمكن التكهن بأن عناصر التسوية السياسية في اليمن يمكن سحبها على التسوية في سورية. بمعنى أن ما سيحصل عليه الحوثيون في صنعاء يحصل على مرادفه علويو سورية. خلاصة القول إن إيران ليست تلك القوة التي لا تقهر. بدأت تدرك أن لقوتها وشهوة الاستئثار حدوداً لا يمكن تجاوزها. لذلك كان لا بد من قرار عربي - إسلامي واسع يواكب المفاوضات الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني بحملات ميدانية لوقف الهيمنة وتقليصها.
(الحياة اللندنية)
حسابات السعودية في اليمن
ما زالت «عاصفة الحزم» تستأثر بالانتباه الإعلامي بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدايتها، وتستقطب حولها تحالفات إقليمية تنعقد وتتعقد وتنفرط، ما يوسع دائرة تداعياتها على منطقة جغرافية تفيض بعيداً عن حدود اليمن السياسية. ومع سيادة «الإعلام الحربي» ودوره الكبير في تشكيل الرأي العام سواء مع الحملة السعودية أو ضدها، تبدو حسابات السعودية - بعيداً عن التهوين أو التهويل الإعلاميين - مرتهنة بأهداف ومخاطر سياسية في آنٍ معاً.
من المفيد التعرف على الأبعاد الدولية لعملية «عاصفة الحزم» حتى يمكن تحليلها في الإطار الصحيح، إذ أن سير العمليات العسكرية على الأرض ما هو إلا الوسيلة لتحقيق أهداف سياسية وليس أكثر من ذلك. قبل بدء الحملة السعودية على اليمن، كانت أجراس الإنذار تقرع بشكل متواصل في الرياض، لأن الثوابت في تحالفات السعودية الدولية قد اهتزت بوضوح مع انسحاب القوات الأميركية من العراق العام 2011. ويعود الاهتزاز هنا إلى أن احتلال العراق كسر التوازن الإقليمي المحيط بإيران ـ خصيمة السعودية اللدود ـ لكن استمرار القوات الأميركية في البقاء على الأراضي العراقية كبح في حدود النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين. ومع الانسحاب الأميركي ظهرت الصورة الجديدة للعراق الجديد ونفوذ إيران الواضح فيه، بالتوازي مع إحجام إدارة أوباما عن التدخل عسكرياً في الأزمة السورية لمصلحة المعارضة. ثم جاءت المفاوضات النووية بين إيران والغرب لتزيد المخاوف السعودية من نوايا إدارة أوباما، خاصة مع اقتراب المفاوضات من مرحلتها الختامية (جرت الحملة السعودية قبل أيام من توقيع «اتفاق الإطار» بين إيران والغرب). سيعني إبرام الاتفاق النووي تحولاً جوهرياً في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالسعودية، لأن الولايات المتحدة الأميركية التي استمرت في لعب دور الضامن للأمن القومي السعودي منذ العام 1945 حتى الآن، ستتحول إلى مجرد «وسيط» بين السعودية وإيران في ملفات المنطقة المشتعلة. وكان لافتاً أن إدارة أوباما ساندت ودعمت الحملة السعودية على اليمن لتهدئة مخاوف السعودية من ناحية، وللضغط على إيران في المفاوضات النووية من ناحية ثانية، ولخلق مكافئ إقليمي لإيران من ناحية ثالثة، لأن التصور الأساسي للشرق الأوسط الجديد في إدارة أوباما يقضي بتنويع التحالفات الإقليمية؛ بحيث تحجم الأطراف الإقليمية بعضها بعضاً دون أن يقضي أحدها على الأخر.
تتنوع مروحة الأهداف السعودية من «عاصفة الحزم» ولا تقتصر على إضعاف خصومها في اليمن، وإنما تركز بالأساس على إبراز دور السعودية في المنطقة كقوة إقليمية باستخدام الحرب المحدودة على الحوثيين لتحقيق ذلك الهدف. في هذا السياق بدا للرياض أن دعمها الاقتصادي لمصر سيوفر لها وسيلة جيدة للتأثير في قرارها السياسي بالمشاركة في الحملة وليس المشاركة في قيادتها، ما يثبت قيادة السعودية المنفردة للدول العربية عبر العمليات العسكرية وفي الحلول السياسية بعدها. كما أن الانقسام السياسي التركي الداخلي بين أردوغان ومعارضيه، حفز الرياض على الاعتقاد بإمكانية الظهور كند سني لتركيا في الإقليم، خصوصاً مع امتلاك السعودية لورقة الإيداعات المالية قصيرة الأجل في المصارف التركية، وما يعنيه ذلك من إمكانية تردي الليرة التركية أمام العملات الأجنبية في حال سحبها. وحتى تتلاعب السعودية بالحسابات التركية بدرجة أكبر، فقد فتحت باباً للتفاهم معها حول الأدوار المرتقبة لجماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن ـ جبهة الإصلاح ـ بعد انتهاء المعارك العسكرية، ما ينعش الآمال التركية في استعادة الوهج الإقليمي الذي فقدته مع خسارة «الإخوان المسلمين» للسلطة في مصر وتونس. ولتنويع الغطاء التحالفي للسعودية في «عاصفة الحزم» فقد عمدت إلى محاولة إشراك باكستان في الحملة، على خلفية العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسلام آباد والرياض، بغرض الضغط على كل من القاهرة وأنقره، وبحيث ترتدي السعودية العباءتين العربية والسنية في ذات الوقت. ودار في حسابات السعودية أيضاً أن عامل البعد الجغرافي والضيق النسبي للموارد المالية الإيرانية، سيمنعان طهران من دعم الحوثيين بشكل فعال. باختصار تتوسل السعودية الحرب على الحوثيين لإعلان زعامتها العربية والسنية، تلك التي ستترسخ في حال أفلحت في جر الحوثيين إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف.
تفضل السعودية استخدام سلاح الجو لتحقيق انتصار عسكري نسبي، ومن ثم جرجرة الحوثيين إلى طاولة مفاوضات، وصولاً إلى إعادة اقتسام السلطة في اليمن لمصلحة حلفاء السعودية. رصدت السعودية مئات المليارات من الدولارات لسلاحها الجوي؛ الذي يبدو حتى الآن مسيطراً باكتساح على الأجواء اليمنية (الدليل على ذلك أننا لم نشاهد أي قتال جوي حتى الآن). ومع ذلك، تعلم الرياض أن معاقل الحوثيين وحضورهم في مناطقهم التقليدية وخصوصاً في المنطقة الجغرافية الواقعة من صعدة وحتى صنعاء هو أمر لا يمكن تحقيقه بضربات جوية، مهما طال أمدها ومهما امتلك سلاح الجو السعودي من قدرات قتالية. على ذلك توجهت محاولات السعودية إلى محاولة تثبيت سيطرة ما للقوات الموالية لعبد ربه منصور هادي في عدن وما حولها، بهدف ضمان مكان له على طاولة المفاوضات لاحقاً، بالتوازي مع ضرب مواقع الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى أهداف داخل الأراضي السعودية، والاستمرار في فرض حصار بحري على اليمن لمنع وصول مساعدات لخصومها. بالمقابل، لم يؤد القصف الجوي المتواصل إلى انهيار الحوثيين كما دارت الحسابات السعودية، بل أن الحوثيين تمددوا على الأرض في بعض المناطق ما يربك الحسابات السعودية.
لم يجلب سلاح الجو المتفوق انتصاراً سياسياً للسعودية حتى الآن، ومع استمرار العمليات العسكرية يرتفع عدد الضحايا من المدنيين، ما يدفع بمرور الوقت المزيد من الأطراف الدولية إلى المطالبة بوقف إطلاق النار، برغم إعلان السعودية أخيراً رصدها لأكثر من ربع مليار دولار كمساعدات انسانية لليمنيين. هنا تقع الرياض في معضلة الاستمرار في الضربات الجوية وما تعنيه من زيادة الضحايا المدنيين وضغوط الرأي العام عليها، أو التوقف عن الضربات الجوية من دون تحصيل نتائج سياسية لمصلحتها، ما يعني خسارة السعودية سياسياً للحرب واستفادة غريمتها إيران من نتائجها. كما أن سيناريو الغزو البري لفرض انتصار سياسي يبدو مكلفاً جداً من الناحية البشرية ولا تبدو باكستان أو حتى مصر في وارد المشاركة فيه، نظراً لطبيعة اليمن الوعرة، ولاحتمالية تشكل تحالفات قبائلية جديدة في مواجهة القوات الغازية. كما أن انقلاب خريطة التوازنات المحلية اليمنية من جراء الغزو البري إن حدث، سيؤمن معارضة واسعة للسعودية وتحالفاتها داخل اليمن، حتى بمنطق التوازن القبلي وليس العداء الأيديولوجي لها. وفوق كل ذلك، لا يمكن بدقة حساب المخاطر التي يمثلها تنظيم «القاعدة» في اليمن وقدرته على استغلال الأوضاع المضطربة المترافقة مع الغزو البري لتعظيم مكاسبه في مواجهة السعودية والحوثيين معاً.
وتتفاقم معضلة الحسابات السعودية أكثر مع تشدد الرياض في مواجهة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واستبعاده من مفاوضات الحل السياسي، برغم تأثيره غير المنكور على جانب كبير من الجيش اليمني. ولعل قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2216، والذي يفرض عقوبات على علي عبد الله صالح ونجله أحمد وتجميد أرصدتهما وحظرهما من السفر إلى الخارج، يشبه السيف ذا الحدين. فمن ناحية، تظهر السعودية نفوذاً دولياً ما بالحصول على القرار الذي أرادت مع امتناع روسيا عن استخدام حق النقض ضده، إلا أن القرار بنصه وللمفارقة يغلق الباب على سيناريو حل سياسي ممكن يحيد صالح وقواته وينهي المعارك الدائرة بمكسب سياسي ما للسعودية.
ومع إغلاق الباب على الحلول السياسية الممكنة، التي تتضمن مكاناً للرئيس السابق علي عبد الله صالح وقواته على طاولة المفاوضات، لا يتبقى أمام الرياض إلا الدوران في سيناريوهين كلاهما صعب. إما الاستمرار في الضربات الجوية مع صعوبة تحقيقها للأهداف السعودية السياسية، أو التحول إلى سيناريو الغزو البري بأخطاره الجسيمة وتكاليفه الكبرى. ساعتها سيتدحرج الهدف السياسي الأبرز لـ «عاصفة الحزم» من ظهور السعودية كقوة إقليمية على جناح سلاح الطيران السعودي إلى التورط لسنوات في مستنقع الجغرافيا اليمنية وتبخر الأمل في الحصول على وضعية القوة الإقليمية. تنشأ هنا معادلة طردية: كلما طال وقت المعارك ورفض الحوثيون الذهاب إلى طاولة المفاوضات، ستتعقد الحسابات السعودية أكثر وترتفع معها بورصة «الإعلام الحربي» على الجانبين.
(السفير اللبنانية)
معركة مصير سعودية في اليمن
علي الرغم من أنّ الغارات الجوية لم تؤدِّ، كما يرى خصوم السعودية في المنطقة، إلى تغييرات جوهرية، إذ لا يزال الحوثيون يسيطرون على المدن الرئيسة، إلاّ أنّ هنالك تحوّلاً كبيراً ونوعياً في ميزان القوى في اليمن، أدّى إلى تحول المليشيات الحوثية، والمدعومة من المخلوع علي عبد الله صالح، من مرحلة الهجوم والمبادرة إلى الدفاع وتلقي الضربات.
بالطبع، الحرب في بداياتها، إذ تعتمد قوات التحالف على القصف الجوي المكثف، لكن الجميع بانتظار ترجمة ذلك على الأرض في حرب برية لم تأخذ ملامح واضحة بعد، ولم يتم الكشف عن الخطّة السعودية، للتعامل مع استحقاقاتها الكبيرة في مواجهة الحوثيين، وحلفائهم الإقليميين، و"الدولة العميقة" لعلي عبد الله صالح.
منذ البداية، راهن أعداء السعودية في المنطقة على أنّها لن تتمكن من المضي إلى آخر الطريق في اليمن، وأنّها ستتورط في حرب استنزاف كبيرة، فهي لا تملك جيشاً مؤهلاً تماماً لمثل هذا النوع من الحروب الخارجية، كما أنّ هنالك شكوكاً كبيرة في موافقة حلفائها على القيام بهذه الخطوة نيابة عنها، وعزز من هذه الرهانات موقف البرلمان الباكستاني الرافض أي مشاركة في هذه الحرب، وملامح لموقف تركي مماثل، فضلاً عن النقاش الساخن الذي يدور اليوم في القاهرة "ضد السياسات" السعودية.
لم تقف هذه الرهانات عند حدود خصوم الرياض، بل وصلت إلى حلفائها العرب، الذين يشكّكون في جدوى هذه الحرب، ويتخوفون أنّها ستؤدي إلى تفكيك الاستراتيجية الراهنة للمعسكر المحافظ العربي (السعودية، مصر، الإمارات والأردن)، التي تمت صياغتها على قاعدة "أولوية" الحرب على الإرهاب، باعتبار داعش الخطر رقم (1)، وإدماج الإسلام المعتدل في الحزمة نفسها، باعتبارها حركات إرهابية أيضاً، وخطراً رئيساً، مع تراجع تقدير الخطر الإيراني إلى (2).
وافقت الدول العربية على إعلان انضمامها لعاصفة الحزم على مضض، وبدت معالم التباين تتضح بصورة أكبر بين القيادة السعودية الجديدة والدول الأخرى، لاحقاً، مع إصرار السعودية على استبعاد صالح من الحل السياسي، ما يعني، ضمنياً، انقلاباً سعودياً كاملاً على استراتيجية "الثورة المضادة" العربية على الثورات التي حدثت، بدءاً من المشهد اليمني. ولم يعد أمر التباين بين الرؤيتين، السعودية والعربية الأخرى، خاضعاً للتحليل، فتصريحات الملك الأردني، عبدالله الثاني، الأخيرة، بمثابة أول "إفصاح ضمني" عنها، إذ قال إنّ "الحل سياسي" في اليمن، وبدت لهجته تصالحية مع النفوذ الإيراني، وأكّد على أنّ الأولوية في سورية لقتال داعش وليس لنظام الأسد، فيما اعتبر أنّ الأردن هو الدولة الوحيدة المتبقية في الحرب العالمية على الإرهاب في العراق وسورية، وهي تصريحات مهمة، لا تدع مجالاً للشكّ حول التباين الواضح في الرؤية بين الأردن والإمارات من جهة، والسعودية من جهةٍ أخرى، فيما يبقى الموقف المصري تحديداً غير واضح، ويحمل إشارات ورسائل متضاربة، لكن المؤشرات الأخيرة تدفع إلى ترجيح كفّة مشاركة عبد الفتاح السيسي في العملية البرية المرتقبة.
المخاوف العربية الحليفة من الانقلاب السعودي لم يتركها الكاتب السعودي المعروف، جمال خاشقجي، معلّقة في الهواء، بل عزّزها، أخيراً، في تأكيده أنّ الرياض تراجع، اليوم، ما وصفها بـ"القراءة الخاطئة" التي أدّت إلى المبادرة الخليجية، وكانت تقوم على تفضيل عامل الاستقرار على دعم ثورة الشباب هناك التي أطاحت علي عبدالله صالح، ويضيف صديقنا "القراءة الصحيحة للتاريخ أن الشرعية التي تدعمها المملكة في اليمن، وتريد عودتها إليه، لا تقتصر على الرئيس هادي، إنه مجرد رمز عابر لها، بل إن ثورة فبراير 2011 هي قوامها".
قبل ذلك، كان خاشقجي يغرّد أنّ السعودية وقطر في خندق واحد، ويدعو هو، ونخبة سياسية وإعلامية، إلى تعزيز التحالف مع تركيا في اللحظة الراهنة، وهي توجهات تدفع جميعاً بقطار السياسات السعودية إلى سكّة مختلفة تماماً عن التي سار عليها منذ الانقلاب العسكري المصري، وما لحقه من صياغة جديدة لاستراتيجية المعسكر المحافظ العربي.
"ما لا يدركه أصدقاء السعودية العرب أنّ هذه المعركة بالنسبة للقيادة الجديدة معركة مصير داخلياً وخارجياً"
ثمّة إشكاليات وهواجس حقيقية في دخول السعودية الحرب اليمنية الحالية؟ الجواب: نعم، لكنّ ما كسبته القيادة الجديدة، إلى الآن، أكبر بكثير من حجم الخسائر المتوقعة، فعلى الصعيد الداخلي، أولاً، كسبت هذه القيادة شعبية كبيرة (خصوصاً الجيل الثالث الجديد في الحكم)، إذ أكّدت على استعدادها للوقوف في مواجهة أي تحديات كبيرة، تحيط بالأمن الوطني السعودي، وتخفيف حدّة الأزمة الداخلية السابقة، جراء عدم قبول طبقة رجال الدين الرسميين والإصلاحيين المسار السابق للسياسات الخارجية السعودية.
ويرى المؤرخ اللبناني رضوان السيد (في لقاء جمعني به) أنّ هنالك لحظة تاريخية استثنائية للحكم السعودي، تتمثل باستعادة زخم شعبية نظام الحكم، بعد أن سادت أزمة داخلية ومشاعر شديدة الإحباط لتراجع دور السعودية، وضعف مكانتها الإقليمية، مع تنامي النفوذ الإيراني في اليمن والعراق وسورية ولبنان. ووفقاً لرضوان السيد، تستعيد السعودية، اليوم، زمام المبادرة الحقيقية، وليست الوهمية، وتعيد ترسيم سياساتها الخارجية في منظور واقعي، يراجع الاستراتيجية العربية السابقة التي شلّت قدرة النظام العربي تماماً على مواجهة التحديات والأخطار، وجعلته يجلس بعيداً عن الطاولة التي يرسم من يمتلك كرسياً حولها خارطة النفوذ والقوة في المنطقة.
تبقى الأخطار والهواجس العربية مطروحة بقوة، فما تزال الحرب اليمنية في بداياتها، والامتحانات الحقيقية لم تبدأ بعد. لكن، ما لا يدركه أصدقاء السعودية العرب أنّ هذه المعركة بالنسبة للقيادة الجديدة معركة مصير داخلياً وخارجياً. لذلك، العمل على الانتصار فيها لا يقبل التهاون أو التراخي أو الوصول إلى منتصف الطريق والتوقف هناك!
(العربي الجديد)