أبو الأعلى المودودي مؤسس "الجماعة الإسلامية" مرجعية التكفيريين

الإثنين 25/نوفمبر/2024 - 09:10 ص
طباعة أبو الأعلى المودودي أبو الأعلى المودودي حسام الحداد
 

أبو الأعلى المودودي

أبو الأعلى المودودي أو أبو العلاء المودودي، أحد أبرز قادة التيار الإسلامي الذي حمل في بعض أوقاته لواء الدفاع عن قضايا الأمة، إلا أنه انحرف في بعض أفكاره ليتحول بعد ذلك إلى المرجعية الفكرية للكثير من جماعات التكفير، وخاصة أن المفكر الإسلامي جمال البنا أكد في إحدى كتبه، أن سبب جنوح سيد قطب القيادي الإخواني إلى التكفير هو اطلاعه على كتابات المودودي.
وأسهم المودودي في تأسيس "الجماعة الإسلامية" أحد أكبر الجماعات الدينية بعد جماعة "الإخوان المسلمين" في العالم، حيث أسسها في الهند بعد تأسيس الإمام حسن البنا جماعة الإخوان في مصر بثلاثة عشر عامًا تقريباً.

شعار الجماعة الإسلامية

شعار الجماعة الإسلامية
شعار الجماعة الإسلامية
ليصبح المودودي بعد ذلك ذا أثر كبير على معظم الجماعات الإسلامية التي تحاول أن تحقق أهدافها بالقوة، والتي ظهرت بعد ذلك في العالم أجمع، وعلى الرُغم من وجود أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية أدت إلى ظهور تلك الجماعات، إلا أن للمودودي أثرًا كبيرًا في تأصيل الكثير من الأفكار أو الأسس العقائدية، لتلك الجماعات، كالتأسيس على أصل مبدأ (الحاكمية -  التنزيل والنص - الثنائية المتصارعة "الخير والشر" – التغير بالقوة – السمع والطاعة – المحارم والطقوس).

المولد والنشأة:

المولد والنشأة:
ولد المودودي في رجب 1321 هـ في مدينة "جيلي بورة" القريبة من "أورنج أباد" في ولاية "حيدر أباد" في الهند،  من أسرة مسلمة محافظة اشتهرت بالتدين والثقافة، أصر والده على أن لا يعلمه في المدارس الإنجليزية، واكتفى بتعليمه في البيت، فدرس على أبيه اللغة العربية والقرآن والحديث والفقه.
بدأ المودودي العمل في الصحافة عام 1337 هـ، وأصدر "مجلة ترجمان القرآن" عام 1351 هـ، والمجلة تصدر حتى يومنا هذا، أسس الجماعة الإسلامية في الهند عام 1360 هـ، وقادها ثلاثين عامًا ثم اعتزل الإمارة لأسباب صحية عام 1392 هـ وتفرغ للكتابة والتأليف.
 اعتقل المودودي في باكستان ثلاث مرات، وحُكم عليه بالإعدام عام 1373 هـ، ثم خُفف حكم الإعدام إلى السجن مدى الحياة نتيجة لردود الفعل الغاضبة والاستنكار الذي واجهته الحكومة آنذاك، ثم اضطروا بعد ذلك إلى إطلاق سراحه.
تعرض المودودي لأكثر من محاولة اغتيال، وهو صاحب فكرة ومشروع إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد إنشائها صار عضوًا في مجلس الجامعة، وكان عضوًا مؤسساً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وله من المؤلفات ما تجاوز الستين كتابًا، وتُوفي عام 1399 هـ.

تأسيس الجماعة الإسلامية

تأسيس الجماعة الإسلامية
أسس  المودودي الجماعة الإسلامية في لاهور، بغية الإصلاح الشامل لحياة المسلمين على أساس الفهم الصحيح النقي للإسلام، وانتُخب أميرًا لها في أغسطس 1941م، ودعا وقتها الناس عبر مجلته "ترجمان القرآن" إلى الانضمام إليها قائلاً: "لابد من وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه، جماعة تتحمل السجن والتعذيب والمصادرة، وتلفيق الاتهامات، وحياكة الأكاذيب، وتقوى على الجوع والبطش والحرمان والتشريد، وربما القتل والإعدام، جماعة تبذل الأرواح رخيصة، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار".
وسخرت الجماعة الإسلامية جهودها وقتذاك، إلى نصرة قضية فلسطين، بعد إعلان  قيام دولة  باكستان أغسطس 1947، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور، حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية في يناير   1948م.

الحكم بإعدامه

تعرض المودودي إلى حكم بالإعدام، عقب أحداث العنف الطائفي التي اندلعت في لاهور 1953، حيث حُكم عليه سريعا بالإعدام بتهمة التأجيج الطائفي، إلا أنه رفض تقديم التماس يقرُ فيه بالذنب ويطلب العفو عنه، وينسب إليه قوله: "إن كانت تلك إرادة الله فإني أتقبلها بكل فرحة وإن لم يكتب لي الموت في الوقت الحاضر فلا يهمني ما يحاولون فعله فإنهم لن يستطيعوا إلحاق أقل ضرر بي".
وأدى الضغط الشعبي إلى تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة، ثم لاحقا أسقِطت الحُكم عنه  1955، وفي أبريل 1979 ساءت حالة أبو الأعلى الصحية بسبب علة الكُلى المزمنة، وزادت عليها علة في القلب، فسلم قيادة الجماعة إلى محمد طفيل وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج، حتى تُوفى في سبتمبر 1979.

مؤلفاته

مؤلفاته
كتاب مبادئ الإسلام
ولأبي الأعلى المودودي مؤلفات عديدة بلغت (120) مصنفًا ما بين كتاب ورسالة، ومن أبرز تلك المؤلفات:
- الجهاد في الإسلام: وكان سبب تأليفه لهذا الكتاب أن المهاتما غاندي نقل عنه قوله بأن الإسلام انتشر بحد السيف.
- المسألة القأديانية، وكشف فيه بإيجاز عن عقائد هذه الفرقة ومخططاته.
- دين الحق
- الجهاد في سبيل الله.
- مصدر قوة المسلم.
- النشاطات التبشيرية في تركيا.
- الأخلاق الاجتماعية وفلسفتها.
- مسألة اللباس.
- تاريخ السلاجقة.
- الدولة الصفوية.
- تاريخ الدّكن السياسي.
- نحن والحضارة الغربية.
- الحجاب.
-  الحضارة الإسلامية: أسسها ومبادئها.
- أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة.
- الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة.
- مشكلة الجبر والقدر.
- مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة.
- ملكية الأرض في الإسلام.
- حركة تحديد النسل.
- في محكمة العقل: التوحيد، الرسالة، الآخرة.
- حقوق الزوجين: دراسة نقدية لقانون الأحوال الشخصية.
- مبادئ الإسلام.

المرتكزات الفكرية للمودودي:

المرتكزات الفكرية
حدد أبو الأعلى المودودي عددًا من المرتكزات الفكرية منذ إنشاء الجماعة الإسلامية، ويمكن التعرف على تلك المرتكزات من خلال، مقال للدكتور حسن حنفي عن "أثر المودودي على الحركات الإسلامية المعاصرة":
-  الحاكمية لله:
حيث اعتني المودودي منذ تأسيس الجماعة الإسلامية، بمبدأ الحاكمية الذي يعطى تصورًا مركزيًا للعالم، فالله قمة الكون خلقه ويحكمه ويسيطر عليه، والأنبياء هم المعلنون عن هذه الحاكمية، ومعهم القادرون على السير على هُداهم، فلا يستطيع معه أحد الخروج عنه، فلا تكن إلا عبد الله ولا تأتمر إلا بأمره ولا تسجد لأحد من دونه.
وتتضمن الحاكمية رفض حاكمية البشر وضرورة الثورة عليها، وكأن عصيانها أمر إلهي، فالنظرية السياسية في الإسلام تقوم على مبدأ أساسي وهو "أن تنزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر منفردين ومجتمعين ولا يؤذن لأحد منهم أن ينفذ أمره في بشر مثله فيطيعوه، محدداً أشكال حاكمية البشر في ثلاثة نظم: العلمانية، والقومية، والديموقراطية وهي النظم التي سيطرت على الحياة السياسية في الغرب.
- التنزيل والنص:
وشدد المودودي فيما يعتقده على ضرورة الاعتماد على سلطة النص، وحده المتمثل في "قال الله" و"قال الرسول"، لذلك تسود الحجج النقلية وتقل الحجج العقلية، وخطورة منهج التنزيل أي استنباط الأحكام الإلهية مباشرة من القرآن دون اعتماد على العقل أو المشاهدة.
- الثنائيات المتصارعة:
تمسك المودودي بوجود ثنائية الخير والشر، الحق والباطل، الصواب والخطأ، الهداية والضلال، الإيمان والكفر، الإسلام والجاهلية، الإسلام والغرب أو عن عدة صور فنية مثل الملاك والشيطان، الجنة والنار، ولا سبيل إلى ايجاد حل وسط بين هذين الطرفين المتصارعين أو الانتقال من أحدهما الى الآخر عن طريق التوسط والتدرج، الخير مطلق، والشر مطلق، والحق مطلق، والباطل مطلق، ولا مكان للمواقف النسبية أو الشك أو الظن أو التردد، وهي ثنائية تحدد العلاقة من جديد بين حاكمية الله وحاكمية البشر، بين الحكومة الدينية والحكومة اللا دينية على مستوى العمل والممارسة، ما جعله يؤكد على وجود صراع بين الإسلام والجاهلية، وهنا يبدو تأثر القيادي في تنظيم الإخوان سيد قطب بأفكار المودودي، عن كيفية تحول العصر الحالي إلى جاهلي.
- منهج الانقلاب:
أكد المودودي على ضرورة التغيير بالقوة لحسم الصراع بين ثنائية الخير والشر والإسلام والجاهلية.
- الايمان والطاعة:
شدد على ضرورة السمع والطاعة، ومن هنا حدد الصفات اللازمة للعاملين في الحركة الإسلامية على نوعين: فردية وجماعية، فالفردية تشمل الخضوع للأوامر والنواهي، وطبقا لهذا الخضوع تتحدد درجات الجهاد ثم الهجرة ثم بداية الحرب مع البيئة المحيطة ابتداء من المنزل حتى المجتمع.
أما الجماعية فإنها تهدف إلى تحريك الجماعة عن طريق أواصر الصداقة والقرابة، والمجاهد في سبيل الله تتحدد علاقته بالله بالتفهم والتفكر أولا وبالعمل ثانيًا.
-  المحارم والطقوس:
الحجاب والستار والمحرم علامات مميزة للجماعات الدينية تخصها عن غيرها من الجماعات، تأكيدًا للهوية الدينية والانفصال عن باقي المجتمع، فجسم الإنسان به أجزاء محرمة لابد من تغطيتها، والعلاقات الإنسانية بها جوانب محرمة لا يجب الاقتراب منها، ويصل الأمر إلى تصوّر العالم مملوءًا بالمحرمات التي تتحول إلى مقدسات كما هو الحال في المجتمعات المتخلفة، والأخطر من ذلك أن يتحول ذلك المجهول إلى نشاط سري، وإلى تحول الجماعات الدينية إلى جماعات باطنية تخضع لقوانين العالم السري، عالم ما تحت الأرض.

المودودي والغلوّ في التكفير:

المودودي والغلوّ
اتهم المودودي بكونه من أكثر الرموز الإسلامية المفرّخة للعناصر التكفيرية، حيث تأثروا به ونقلوا عنه الكثير، كما حددت كتبه في مواضع كثيرة المنابر التكفيرية.
وبدأ المودودي الغلو في التكفير في العصر الحاضر، من خلال كتاباته ولاسيما عندما فسر "المصطلحات الأربعة في القرآن" حيث تناول مصطلحات "الدين" و"الرب" و"العبادة" و"الإله" بالتحليل والتفصيل، واعترض المودودي على سياسات الخليفة عثمان ابن عفان، في التصرف في الأموال والمناصب، وفي (ص60) من كتاب "الخلافة والملك" أرجع سبب الثورة على الخليفة الراشد الشهيد عثمان ابن عفان إلى هذه الأسباب، كما طعن في معاوية بن أبي سفيان ورماه بالبدع في ص (112-113). وطعن في (ص 59) من كتاب "الخلافة والملك" في الصحابي الجليل سعد بن عبادة، وفي أبي سفيان.
كما رد المودودي الأحاديث الصحيحة الثابتة، وقال في رسالة "التفهيمات" (1/359-360)، ومن ذلك تمجيد الدراية والتقليل من أهمية علم الرواية، كما في "التفهيمات" (1/360)، ومن ذلك التقليل من أهمية صحيح البخاري ورد أحاديث من الصحيحين بذوقه كما في "مجلة المنبر" مجلد (7) العدد (23-24).

انتقادات موجهة للمودودي

انتقادات موجهة للمودودي
تعرض المودودي للعديد من الانتقادات، خاصة من التيار السلفي، حيث طعن في الأنبياء، فقال في نبي الله يوسف عليه السلام: (إن مُطالبة سيدنا يوسف بمنصب وزير المالية كانت مطالبة الدكتاتورية ونتيجة لذلك كان وضعه يشبه جداً وضع موسوليني في إيطاليا الآن) "كتاب الشقيقان ص20".
وقال أيضا: (إن سيدنا يونس عليه السلام كانت قد صدرت منه بعض التقصيرات في تبليغ الرسالة). "الشقيقان"  ص 21.
وقال عن نوح عليه السلام: (إن سيدنا نوح عليه السلام أصبح مغلوباً أمام نزواته وطغت عليه عاطفة الجاهلية). "الشقيقان" ص22.
وطعنه في الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ يقول في كتابه (رسائل ومسائل) ص 57 طبعة 1251 هـ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن خروج الدجال في عهده أو قريباً من عهده ، ولكن مضت إلى هذا الظن ألف سنة وثلاثمائة سنة وخمسون عاماً، قروناً طويلة ولم يخرج الدجال ، فثبت أن ما ظنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صحيحًا، وقد مضت ألف ولم يخرج الدجال ، فهذه هي الحقيقة). المرجع السابق في طبعة سنة 1362هـ، وهذا إنكار واضح لخروج الدجال، التي تواترت بخبر خروجه الأحاديث الصحاح.

سيد قطب

سيد قطب
ويمكن القول إن أبو الأعلى المودودي كان بالغ التأثير في الحركات الإسلامية وخاصة التكفيرية، خاصة أنه توسع كثيراً في التعريف بمبدأ الحاكمية، وثنائية الخير والشر، فضلاً عن جرأته في الحديث على الأنبياء والصحابة، ما جعله بحسب الكثير من خبراء ملف الإسلام السياسي فرّاخة التكفير.

شارك