الشيخ الذهبي "شهيد التكفير"
الثلاثاء 02/يوليو/2024 - 10:30 ص
طباعة
حسام الحداد
محمد حسين الذهبي المولود في مدينة مطوبس في محافظة كفر الشيخ 19 أكتوبر 1915 م ووزير الأوقاف الأسبق وهو الشيخ الذي عرف بمنهجه الداعي إلى التمسك بصحيح الإسلام الداعي إلى التسامح والمحبة لكل الناس في الأرض؛ لأن الإسلام جاء بالإقناع وليس بالإكراه والإرهاب والعنف.
تعليمه
تلقى تعليمه في مدينة مطوبس في كتاب القرية ثم التحق بالأزهر الشريف ثم بكلية الشريعة جامعة الأزهر، وتخرج منها عام 1939م وكان أول دفعته وحصل على الدرجة الدكتوراه، بدرجة أستاذ في علوم القرآن عام 1946م من كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وذلك عن رسالته التفسير والمفسرون التي أصبحت بعد نشرها أحد المراجع الرئيسة في علم التفسير، ثم عمل أستاذا في كلية الشريعة جامعة الأزهر، وأعير عام 1968 إلى جامعة الكويت، وبعد عودته عام 1971 عين أستاذًا في كلية أصول الدين ثم عميدًا لها ثم أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية، وفي 15 أبريل عام 1975 أصبح وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر وذلك حتى نوفمبر عام 1976م، ومنح اسمه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، ومنحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في سبتمبر عام 1977 بعد وفاته بشهرين، كما منحه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وسام الجمهورية في إطار تكريم علماء الدين وغيرهم بمناسبة المولد النبوي الشريف في شهر فبراير عام 1990.
الشيخ ومواجهة الأفكار التكفيرية
جاء الشيخ الذهبي وزيرًا للأوقاف في فترة نمت فيها الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة التكفير والهجرة، وحمل الشيخ على عاتقه أن يواجه هذه الجماعات بالفكر، وكان منهجه عدم تدخل الأمن في معالجة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن هذه مهمة رجال الدعوة، وأن الفكر يجب أن يواجهه فكر، وأن الإسلام قوي ولا يمكن أبدًا أن يهتز أو ينهزم أمام أي دعوات، مهما كانت منحرفة، فرجال الدعوة الإسلامية قادرون على أن يواجهوا هذه الدعوات؛ لأن الدين يرسخ لقاعدة أنه ليس من حق أحد أن يكفر مسلمًا شهد بأنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ومن قالها فقد تكفل بالحد الأدنى من الإسلام، وبالتالي لا يجوز تكفيره، ثم إنه لا يجوز لأفراد أن يأخذوا بيدهم سلطة الحكم على المجتمع ويصدروا عليه أحكاما وينفذوا هذه الأحكام.
وطالب كبار العلماء أعضاء المكتب الفني لنشر الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف أن يضعوا كتيباً يدينون فيه هذه الأفكار المتطرفة، وكتب له المقدمة وقام بتحريره وصدر عنها الكتاب تحت عنوان «قبسات من هدي الإسلام»، وقد نشر عام 1975م وفند مبادئ جماعة التكفير والهجرة ومدي بعدها عن جوهر الإسلام بمبادئه السمحة العفيفة، وقال في مقدمته:
«يبدو أن فريقاً من المتطرفين الذين يسعون في الأرض فساداً، ولا يريدون لمصر استقراراً، قد استغلوا في هذا الشباب حماس الدين، فآتوهم من هذا الجانب، وصوروا لهم المجتمع الذي يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر، تجب مقاومته ولا تجوز معايشته، فلجأ منهم من لجأ إلى الثورة والعنف، واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين، وآووا إلى المغارات والكهوف، ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذي ينتمون إليه لأنه في نظرهم مجتمع كافر!!».
وتحدث الكتيب عن معنى الإيمان في الإسلام، وقال: إن أحكام الإسلام تجري علي كل من ينطق بشهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس لنا أن نبحث في مدي صدق شهادته، فذلك مرتبط بما استشعر بقلبه، وهو أمر لا سبيل للكشف عنه أو التثبت منه، فهو من شأن الذي يعلم السر وأخفى، والمجمع عليه من أهل الإسلام أن الذي يعصم ماله ودمه بالشهادتين فهو المسلم، وأن من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركاً، والكافر والمشرك سواء، بل لقد ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك، فقد قبل إسلام الناس الذين دخلوا في دين الله أفواجاً من العرب المستعربين ومن الأرقاء، دون إجراء ما يفيد التأكد من أن كل فرد منهم قد فهم معني الشهادتين، فليس هناك اشتراط أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه وعدم كفره، إن الشخص يعتبر مسلماً في ذات اللحظة التي ينطق فيها بالشهادتين، وقد كان أبو طالب عم النبي يحتضر علي فراش الموت والرسول عليه الصلاة والسلام يلح عليه أن ينطق بالشهادتين حتى يشهد له بها عند الله.
وشدد الكتاب على "أن مرتكب الكبيرة ليس كافراً، فعلى الذين يوزعون الإيمان والكفر على الناس، أن يراجعوا أنفسهم مرات ومرات، وإلا باءوا بإثم ما رموا به غيرهم؛ عملاً بقول الرسول الكريم «لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك»، وأن من أهم أسس الدعوة الإسلامية، أن يتحسس الداعي أدواء المجتمع وينصت لشكاياته ولا يضيق بها ولا ييأس من علاجها؛ ولذلك فإن قراره من الميدان هروب من الواجب، وتلك نقيصة لا تقبل من أصحاب الدعوات وجريمة في حق المجتمع لا يرضى عنها الله، وأن من أسس الدعوة الإسلامية أيضاً الموعظة الحسنة، فهي لون من ألوان الحكمة ومظهر من مظاهرها، وأن هذه أفكار ضالة وخاطئة، وأن هؤلاء شباب حديثو السن وقليلو المعرفة والخبرة، ولا يجوز أن نحاربهم، وإنما يتعين أن نهديهم إلى سواء السبيل بأن نعلمهم حقيقة الإسلام، وقبيل اغتياله قابل أحدهم في مؤتمر عام عقدته وزارة الأوقاف، وهدد أحدهم الشيخ قائلا: "أنت دخلت معنا في معركة"، فرد الشيخ: "ولماذا المعركة ولماذا لا نتناقش الحجة بالحجة ونعلي لغة العقل؟". لكن الشاب أصر على كلامه.
واقعة اختطافه
خططت جماعة التكفير والهجرة لقتل الشيخ ونفذت عملية الاختطاف من خلال في يوم الأحد الثاني من يوليو 1977عام وبالتحديد الساعة الثانية صباحاً، المكان شارع السايس في منطقة حدائق حلوان جنوب القاهرة وتحديدا أمام منزل الدكتور حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، كانت هناك حالة صمت تحيط بالمكان المنعزل فجأة انقلب الهدوء إلى صخب والصمت إلى توتر إذ توقفت فجأة سيارتان ونزل منهما ستة شباب مدججين بالأسلحة أحدهم يرتدي زي شرطي برتبة رائد، واندفع خمسة منهم نحو مدخل الفيلا بينما بقي سادسهم ليغير إطار السيارة التالف.. طرق الشباب المسلحون باب الشيخ وطلبوا من ابنه أن يوقظ أباه مدعين أنهم من جهاز مباحث أمن الدولة، حاول الابن إثناءهم عن عزمهم ولكنهم لم يتركوا له فرصة للتحاور معهم، في تلك الأثناء استيقظ الشيخ وطلبت منه ابنته أسماء ألا يذهب معهم، خرج الشيخ لملاقاتهم وجادلهم في البداية طالبًا منهم إبراز تحقيق الشخصية، لكنهم اقتادوه بالقوة ولم تفلح المناقشة وخرج الخاطفون ومعهم الشيخ الذهبي، واكتشفوا أن سائق السيارة الثانية ما زال يغير إطار السيارة فاندفعوا داخل السيارة الأولى وفروا هاربين تاركين خلفهم السائق الذي واجه ضربًا مبرحًا من جيران الشيخ؛ ليصبح هذا السائق أحد المفاتيح المهمة والتي حاول من خلاله رجال الأمن التوصل إلى الجناة.. أثار خبر اختطاف الشيخ الذهبي ضجة وتعاطفًا مع الشيخ الجليل وعالم الدين الشهير الذي يكن له أهل المحروسة محبة واحترامًا كبيرين، ثم وصل محمد الذهبي أستاذ التحاليل الطبية ووكيل كلية الصيدلة جامعة الأزهر نجل الشيخ إلى منزل العائلة بعد اختطاف والده بساعات قليلة، ويقول عن ذلك: في هذا اليوم تلقيت اتصالًا حوالي الساعة الرابعة صباحًا من مجلس الوزراء؛ حيث طلبوا مني أن أتوجه لمنزل الوالد في حلوان؛ لأنه حدث عملية اختطاف للوالد، وركبت سيارتي وذهبت، ولم أكن أعرف أي خلفيات عن الموضوع، أو ماذا حدث بالضبط؟ ولكن توجهت بسرعة إلى المنزل ودخلت الصالون فوجدت النبوي إسماعيل الذي كان نائب وزير الداخلية في هذا الوقت واللواء حسن غباشة رئيس جهاز مباحث أمن الدولة واللواء أحمد رمضي مدير أمن القاهرة وكانوا متحفظين على شخص قالوا إنه كان سائق سيارة كانت مع الجناة تعطلت بعد حادث الاختطاف، وأن الاختطاف تم في عربة أخرى كان يقودها شخص آخر غير المتحفظ عليه.
وفي ظهر يوم الثالث من يوليو أعلنت جماعة المسلمين المعروفة إعلاميا باسم التكفير والهجرة مسئوليتها عن الحادث وحددت مطالب عدة لكي تفرج عن الشيخ المختطف وهي:
1- الإفراج فورًا عن أعضاء الجماعة المقبوض عليهم وكذلك المحكوم عليهم في قضايا سابقة.
2- دفع مائتي ألف جنيه مصري كفدية.
3- أن تعتذر الصحافة المصرية عما نشرته من إساءات في حق الجماعة.
4- نشر كتاب شكري مصطفى "الخلافة" على حلقات في الصحف اليومية.
وحتى صدور بيان جماعة التكفير والهجرة وإعلانهم فيه مسئوليتهم عن اختطاف الشيخ الذهبي لم يكن الأمن يعرف من الذي خطف الشيخ الذهبي.
وعندما لم يتم الاستجابة لمطالبهم قاموا بقتل الشيخ..
للمزيد عن جماعة المسلمين (التكفير والهجرة) وعملية مقتل الشيخ الذهبي ومحاكمة المتهمين.. اضغط هنا
مؤلفاته:
للشيخ الذهبي العديد من المؤلفات منها:
1- التفسير والمفسرون.
2- الوحي والقرآن الكريم.
3- الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها.
4- تفسير ابن عربي للقرآن حقيقته وخطره.
5- الإسرائيليات في التفسير والحديث.
6- أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع.
7- عناية المسلمين بالسنة.
8- مدخل لعلوم الحديث والإسلام والديانات السماوية.
9- تفسير بعض أجزاء من القرآن الكريم.
وفاته
اغتيل في عمر 63 عام 1977م.