عبد الرشيد غازي "خليفة" المسجد الأحمر "بإسلام آباد"

الخميس 11/يوليو/2024 - 09:30 ص
طباعة عبد الرشيد غازي خليفة علي رجب
 
عبد الرشيد عبد الله عبد العزيز غازي  المولود في عام 1964م من أكثر الشخصيات الدينية التي أثارت الجدل في باكستان، فبعد أن كان مولعًا بنمط الحياة الغربية تحول إلى زعيم ديني معادٍ للنظام الذي وصفه بالعلماني في بلاده، وطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة الآسيوية المسلمة.

تعليمه

تعليمه
حفظ القرآن في بداية حياته والتحق بالتعليم الثانوي في المدارس الحكومية المدنية، ورفض طلب أبيه لشيخ محمد عبد الله خلف غازي مؤسس المسجد الأحمر وأول أئمته في خمسينيات القرن الماضي بإلحاقه بمدرسة دينية، وعندما ألحّ عليه والده بهذا الشأن تراجع والتحق بمدرسة "الجامعة الفريدية" التابعة للمسجد الأحمر، لكنه هرب من المدرسة، ثم ترك التعليم الديني والتحق بجامعة قائد أعظم الحكومية وهي من أكبر الجامعات في العاصمة الباكستانية وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ، في 1987-1988 وأتقن الإنجليزية وتزوج بعد تخرجه من امرأة من أسرة متواضعة ومعتدلة، ثم عمل في وزارة التعليم الباكستانية في عام 1989، ثم انتدب للعمل في مكتب منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو" بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد مستشارًا للشئون التعليمية لعدة سنوات، لكن سرعان ما فصل من عمله بعد مواقفه المتشددة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001.

التحول إلى التطرف

التحول إلى التطرف
 كان عبدالرشيد يعيش حياة عادية على النمط الغربي قبل تحول سلوكه إلى التطرف إثر مقتل والده، وهو ما أكد عليه أستاذته بأنه لم يكن يُظهر أي دلائل توحي بالتطرف عندما كان طالبًا، حيث يقول نعيم قريشي أستاذ غازي في جامعة قائد العزم: "كان طالبًا معتدلًا كسائر الطلاب وما زالت صورة له ولزملائه معلقة على حائط الجامعة، وأن طول لحيته كان عاديًّا مقارنة مع اللحية الطويلة التي أطلقها غازي على غرار الإسلاميين".
وقال عنه أحد أصدقائه: "كان غازي صاحب نكتة، وغالبًا ما كان يتحدث بالإنجليزية، كان طالبًا نشيطًا، وكنا نراه بصحبة نساء"، وهو ما جعله يتعرض لانتقادات شديدة من قبل والده عبد الله عزيز الذي كان يتولى إدارة المسجد الأحمر، لتحرره المفرط ولذلك اختار عبد العزيز شقيق عبد الرشيد وريثًا له.
 ولكن نقطة التحول في حياة عبد الرشيد كانت في عام 1998 م عندما قتل والده في المسجد برصاص رجل يشتبه بأنه كان ينتمي إلى حركة إسلامية منافسة، وكانت هذه الحادثة النقطة التي قلبت شخصية غازي رأسًا على عقب فأطلق لحيته، وبدأ يهتم بأمور المدرسة وخطابة المسجد وعيّنه أخوه نائبًا له في خطابة المسجد الأحمر، واستمر على الرغم من في عمله الحكومي، وبدأ في إقامة علاقات مع الجهاديين المناهضين للسوفيت في أفغانستان والتعاون في نفس الوقت مع المخابرات الباكستانية، ولكن عند وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة تغيرت شخصية غازي تمامًا، وتم رصد  شبكة علاقات وثيقة له مع ناشطين موالين لحركة طالبان، وأطلق حملة لمعارضة قرار الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف بدعم الولايات المتحدة في غزوها لأفغانستان أطلق عليها "حركة الدفاع عن أفغانستان"، وبدأ في تنظيم المظاهرات والمسيرات للاحتجاج على الهجوم الأمريكي على أفغانستان، وكان على علاقات وطيدة بحركة طالبان ليتعرض في عام 2004م لمحاولة اغتيال فاشلة على يد مسلحين مجهولين نجا منها، وهو ما جعله يحمل رشاش الكلاشنيكوف طوال الوقت، ويقول عن ذلك أحد زملائه: "ترون دائمًا رشاشًا إلى جانبه وفي سيارته وفي المدرسة القرآنية".
عبد الرشيد غازي خليفة
 ليعترف صراحة بأنه يناضل مع شقيقه عزيز لتحويل باكستان إلى دولة إسلامية قائلا: "لسنا معارضين فقط لمشرف كشخص، بل إننا نرفض النظام القائم برمته".
وفي يناير عام 2007م أثار عبد الرشيد جدلًا واسعًا في باكستان عندما أطلق حملة مع شقيقه الشيخ عبد العزيز غازي إمام المسجد وأنصارهما للمطالبة بتطبيق الشريعة في البلاد، وإنشاء محكمة شرعية في المنطقة المحيطة بالمسجد، وهي الحملة التي تخللتها عمليات تهديد وخطف لأجانب واحتجاز رجال شرطة.
عبد الرشيد غازي خليفة
 بداية الأحداث 
 في نهاية شهر يونيو عام 2007 م قرر غازي التمرد على الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرف، وذلك بالاعتكاف في المسجد الأحمر مع عشرات من أنصاره، واشتعلت الأحداث يوم 3 يوليو عام 2007، حيث قاد عشرات من الطلاب المسلحين بلغ عددهم 850 طالبًا تحصنوا داخل المسجد للضغط على الحكومة لتطبيق الشريعة، وقد أدى ذلك إلى اشتعال موجة من الاشتباكات بين الطلاب والمئات من قوات الأمن والجيش التي حاصرت المسجد، وأوقعت عشرات القتلى، ورفض دعوات الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف للاستسلام هو وأنصاره، أو مواجهة الموت المحقق، بل رد "بأن موتهم "شهادة" ستؤدي إلى إشعال "ثورة إسلامية" في باكستان".
وعقب إصراره على مواجهة النظام الباكستاني قامت قوات الأمن باقتحام المسجد وقتلت عبد الرشيد غازي يوم الثلاثاء 10 يوليو 2007م، وقالت الداخلية الباكستانية "غازي قتل في المرحلة الأخيرة من القتال"، وأسفرت عملية الاقتحام على إنقاذ 27 امرأة بينهن زوجته وقتل 58، واستسلام نحو 50 من أنصاره وفرار 20 طفلًا. 
عبد الرشيد غازي خليفة
وفي شهادة لشقيق عبد الرشيد غازي قال فيها: 
"مع صدور هذه المقالة قد نكون، نحن المعتصمين في المسجد الأحمر، قد نلنا الشهادة فحادثة المسجد الأحمر هي في مثابة كربلاء جديدة. وجدران المسجد شاهدة على تضحية ستمائة ألف إنسان بحياتهم في سبيل إقامة دولة إسلامية، ولكن مشاهد المعارك في المسجد الأحمر واعتقال مولانا عبدالعزيز، خطيب هذا المسجد ومؤسس حركة الطلبة والطالبات، قد تبعث اليأس في نفوس محبي الإسلام وفي الأثناء يبدو الإعلاميون، وهم لا يسعون إلى معرفة الحقيقة، مشغولين في إقناع الرأي العام بأن مولانا عبدالعزيز فر خوفاً من الموت، تاركاً أصحابه والطلبة والطالبات. ولا شك، كذلك، في أن من يفتقر إلى ملكة تحليل المسائل يعجز عن التدقيق في هذا الزعم. فلو أراد مولانا عبدالعزيز الفرار وخاف الموت، فلماذا ترك وراءه زوجته وابنته وابنه وأمه، وأنا، أخاه الصغير.
ولماذا لم نرض، نحن والزملاء والطلبة والطالبات، الاستسلام؟ فالحق أن مولانا عبدالعزيز وقع في كمين، وهو ضحية مؤامرة خطيرة، لا تزال فصولها خفية. ولكن الحقائق ستظهر تباعاً ونحن ندرك أن مولانا عبدالعزيز مضى في طريق الجهاد، وكان تواقاً إلى الشهادة توقاً محموماً. ولم يخرج مولانا عبدالعزيز من المسجد الأحمر مخافة الموت فهو كتب وصيته، واغتسل، وانتظر الشهادة. ولكن بحثه عن مخرج ينقذ الآخرين أفضى إلى هذه المأساة، والحق أن مولانا عبدالعزيز وزملاءه الفدائيين بادروا إلى هذه الحركة لإرضاء الله، وتحكيم الشريعة الإسلامية، بعد أن رأينا الناس يؤولون حدود الله على ما يشتهون، ويدمرون المساجد، ويدعون إلى الفحشاء والمنكر، ويتاجرون بالجهاد ويسلمون المجاهدين مثل الخراف إلى الكفار.
عبد الرشيد غازي خليفة
ونحن لم نجبر أحداً من الطلبة والطالبات على البقاء في المسجد الأحمر، فهم بقوا في المسجد طوعاً جراء تأثرهم بخطب مولانا عبدالعزيز، ونحن نريد نظاماً إسلامياً عادلاً، ومحاكم تلتزم الشريعة الإسلامية، وتنشر العدل ونريد أن نضع حداً للفساد والرشاوى، وأن نرسي المساواة بين الناس، والإسلام هو الطريق إلى هذه العدالة ونحن لا نخالف الدستور الباكستاني في طلبنا التزام حكم الله، ونحن فضلنا حياة الآخرة على حياة الدنيا، على رغم الصعاب ونحن على ثقة من أن دماءنا تشق الطريق أمام التغيير الإسلامي، وذهب أهل الدنيا إلى أننا عملاء للاستخبارات، وأننا مجانين، ولكن القنابل والرصاص أثبتت أننا مقاتلون في سبيل الله، ولا شك في أن المصائب تنزل على أهل الحق، كما نزلت على سيدنا الحسين الذي استشهد مظلوماً ونحن نسير على خطى الشهداء من أمثال الحسين، ونأمل في أن توقد ثورة إسلامية في باكستان".
عبد الرشيد غازي خليفة
ردود الأفعال 
وانتقد الإسلاميون عملية الهجوم بينما رحب بها العديد من التيارات المدنية. 
موقف الإخوان 
 وانتقد الإخوان الهجوم حيث قال سالم الفلاحات، المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في ذلك الوقت إنه "لأمر مدان أن يتم قتل الناس بهذه الطريقة ومحاصرة الأماكن التي لها حرمة سواء أكانت مساجد أو كنائس، هذه صورة مؤلمة حقًّا، ومن المؤسف أن تنتهك حرمة الأماكن المقدسة بهذه الطريقة الخاطئة، وأن يستهان بأرواح الأطفال والنساء والأبرياء "الذين كانوا متحصنين داخل المسجد".
وتساءل الفلاحات: "ماذا كان سيحصل لو تركوا المسجد لبضعة أيام أخرى فى المنطقة المحاصرة ليخرج الناس بطبيعة الحال، أما أن يستهان بدماء الأبرياء فهذه سوابق خطرة، وكنا نأمل أن تعود إلى عمقها الإسلامي والعربي، وأن تبتعد عن التوجيه الخارجي، ونيل رضا أمريكا بحجة محاربة الإرهاب، ونحن نرى أن شعار محاربة الإرهاب أصبح يحارب به المواطن ويطارد به الطالب والمرأة والطفل".
واعتبر زكي بني أرشيد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الأردن، أن "هذه معالجة خاطئة للمشكلة، بغض النظر عن الأسباب والدوافع، واختلافنا مع المنهج السياسي والفكري للمجموعة التي قيل إنها تتحصن في المسجد". وأضاف: "المعالجة كانت خاطئة وكان بالإمكان التفاوض والحوار، وعدم اللجوء إلى القوة لأن المعالجة العسكرية والأمنية تقود باستمرار إلى توترات أن حسم المشكلة عسكريًّا في المسجد لا يعني حسمها في المجتمع الباكستاني، وهذا من شأنه أن يحفز بقية أعضاء المجموعة إلى القيام بأعمال ثأرية وانتقامية باكستان في غنى عنها".
عبد الرشيد غازي خليفة
المؤيدون
فيما اعتبر المؤيدون أن الهجوم الذي شنته القوات الباكستانية على الإسلاميين المقربين من القاعدة في المسجد الأحمر يخفي في الواقع معركة على نطاق أوسع في بلد تساهل لفترة طويلة مع الفكر الإسلامي، ويحاول لجم انتشاره.
 وقال رسول بكش رئيس، الخبير في الشئون السياسية في جامعة إدارة الاعمال والعلوم في لاهور: إن "مخاطر انتشار التطرف الإسلامي أصبحت كبيرة، وباتت تهدد فعلا أمن البلاد، وكان تحدي قادة المسجد الأحمر للدولة الباكستانية في وسط العاصمة ضربًا من الجنون، وأن القيام بذلك في قلب المدينة لم يكن منطقيًّا على الإطلاق، وأن وجود بؤرة التطرف هذه في قلب العاصمة الباكستانية يعد انتشارًا للتطرف الإسلامي الموالي لطالبان في كافة أنحاء البلاد، بعد أن كان محصورًا بالمنطقة القبلية المتاخمة لأفغانستان".
وقال جعفر أحمد المسئول عن الدراسات الباكستانية في جامعة كراتشي "إنه في حال سمحت الحكومة للمتطرفين بالخروج من المسجد أحرارًا لكان ذلك أدى إلى تلميع صورة الأوساط المتشددة، والإساءة إلى سمعة مشرف في الغرب".
 وقال توصيف أحمد الاستاذ في جامعة الأوردو في كراتشي" إن السلطات تتحمل أيضًا مسئولية تقوية صفوف الإسلاميين، وإن إسلام آباد شجعت طوال عقود المتطرفين لخدمة مصالحها في أفغانستان وكمشير الهندية. وإنها النهاية المأساوية لسياسات انتهجتها المؤسسة العسكرية طوال سنوات، وإن عبد الرشيد غازي "نتاج هذه السياسات"، وإن الحكومة الباكستانية هي المسئولة عن تغذية التطرف وتشجيعه، وتساءل: "كيف نجح هذا العدد الهائل من المتطرفين في الاختباء في مدرسة قرآنية تمولها الحكومة مع هذا الكم الهائل من الأسلحة؟".
عبد الرشيد غازي خليفة
الولايات المتحدة
  اعتبرت الولايات المتحدة أن الهجوم الذي شنه الجيش الباكستاني على الإسلاميين المتطرفين المتحصنين في المسجد الأحمر في إسلام آباد هو "شأن داخلي" باكستاني.
 وقال المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ستانزل: "من الواضح أن خطر التطرف حقيقي في عدد من مناطق العالم، لكن العملية في المسجد الأحمر شأن يخص الحكومة الباكستانية". 

وفاته

وفاته
 قتل يوم الثلاثاء 10 يوليو 2007م خلال عملية أنفذها الجيش الباكستاني عند الفجر أطلق عليها "الصمت". 




شارك