السلفية الجهادية في الجزائر.. الخطر القادم على دولة بوتفليقة
الأحد 12/يوليو/2015 - 02:25 م
طباعة
تشكل السلفية الجهادية في الجزائر احتياطي خطير للأفكار المتطرفة وتواجه الحكومة الجزائرية صعوبات كبيرة في كبح تمددها خاصة وانها تعتمد على المساجد بشكل أساسي في التغلغل ونشر أفكارها المتطرفة داخل المجتمع الجزائري، وهو ما دفع محمد عيسى وزير الشئون الدينية والأوقاف إلى التحذير من أن هناك 55 مسجدًا في العاصمة لا تسيطر عليها وزارة الشئون الدينية، وأن هذه المساجد يؤمها سلفيون متطوعون، وأنهم وإن كانوا ليسوا متطرفين، لكنهم لا يخضعون للمنهج الديني الوطني، وإن هؤلاء الأئمة حصلوا على تراخيص مؤقتة من المجلس العلمي لوزارة الشئون الدينية، وإن هذه التراخيص قاربت على الانتهاء، وإنه بعد انتهاء صلاحيتها، ستقوم الوزارة باسترجاع تلك المساجد وتكليف أئمة آخرين بالإشراف عليها.
وأضاف أنه في انتظار انتهاء مدة التراخيص، فإن تلك المساجد هي الأكثر مراقبة، سواء تعلق الأمر من طرف مفتشي وزارة الشئون الدينية أو من أجهزة الأمن، علما أن الأمر يتعلق بـ55 مسجدا في العاصمة، وإن هناك هجمة فكرية وأيديولوجية تهدف إلى اقتلاع الشباب من حاضنتهم الدينية والوطنية وتوجيههم إلى مفهوم تدين افتراضي على غرار ما يعرف بتنظيم داعش، وإن المرجعية الدينية للجزائر هي الإسلام السني وفق المذهب المالكي.
ودخلت الحكومة الجزائرية في مواجهة مع السلفية في الدولة من خلال محاولاتها استعادة العشرات من المساجد التي وضع عليها سلفيون أيديهم، خلال السنوات الماضية، بعد أن كشف تقرير لجهاز الاستعلامات العامة التابع للشرطة الجزائرية عن أن أكثر من نصف مساجد البلاد تسيطر عليها تيارات بعيدة عن التوجهات التي تتبناها السلطات الجزائرية، وأن 5% من المساجد تسير من طرف أئمة يتبعون الإخوان المسلمين، و20% تتبع تيار السلفية العلمية، و20% تتبع التيار المالكي الجديد، و45% يشرف عليها أئمة ينتمون إلى التيار المالكي التقليدي،، و10% من المساجد ليس لها توجه واضح مع وجود أنصار للتيار القطبي في عدد من المساجد، وأن بينهم متشددون ومن أنصار العمل المسلح.
وتعود جذور السلفية الجهادية في الجزائر إلى تسعينيات القرن الماضي عندما التحق أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب مصعب عبد الودود عبد المالك درودكال بالجبال لقتال السلطات الجزائرية وقاتل خلالها بشراسة في صفوف تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة ثم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال ثم الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة الدولي، بينما قاتل بعض زملائه في التنظيم جنبا إلى جنب مع أسامة بن لادن في حرب أفغانستان الأولى
ويكشف الدكتور عبد الحق نوسي الخبير الأمني الجزائري عن أن المجموعات السلفية التابعة لعبد المالك درودكال لم تبايع أبو بكر البغدادي زعيم جماعة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" أميرا عليه؛ لأنهم رأوا ان الأسبقية بـ "الجهاد ضد الطغاة" تأتي لصالح درودكال الذي اعتبر أن البغدادي وجماعته، رغم ما مر بهم من أحداث وأهوال حديثو العهد بالجهاد ومن هنا جاء تأسيس تنظيم جند الخلافة في الجزائر الذي بايع البغدادي خليفة للمسلمين في الجزائر، وبتأسيس جند الخلافة يكون قد تعاقب على قتال النظام الجزائري منذ إلغاء المسار الانتخابي في الجزائر قبل أكثر من 22 سنة 6 منظمات، هي الحركة الإسلامية المسلحة الموالية لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائز في الدور الأول من أول انتخابات تشريعية ديمقراطية في الجزائر في ديسمبر 1991.
وتابع: أسس من بقي على قيد الحياة من قادة الحركة الإسلامية المسلحة الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي دخل في مفاوضات مع السلطات الجزائرية انتهت بالاتفاق على عودة آلاف المقاتلين الإسلاميين إلى بيوتهم وبعد صدور عفو عام عنهم بداية من عام 1999، وقرر سلفيون متشددون في عام 1992 تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة التي يعتبرها متابعون "بروفة" سبقت داعش بمراحل في ممارسة التقتيل الأعمى، وما لبث أن تمرد المئات من أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة التي كانت تعرف على نطاق واسع باسم "الجيا GIA" على أميرهم عنتر زوابري، وأسسوا في جبال شرق العاصمة الجزائرية الجماعة السلفية للدعوة القتال، ثم في غضون سنوات قرر عبد المالك درودكال مبايعة ابن لادن، وبعد أكثر من 22 سنة من القتال يقرر عبد المالك قوري وهو من الجيل الثاني في الجماعات الإسلامية المتشددة في الجزائر تأسيس جماعة جند الخلافة في الجزائر ليختزل الصراع المسلح في الجزائر إلى تحويل الدولة على يد السلفية الجهادية ولاية في دولة البغدادي.
ويقول الباحث عبد الرحمن موساوي الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، وأستاذ الأنتروبولوجيا بجامعة ليون الثانية بفرنسا عن تواجد السلفية في الجزائر: "إن السلفية انتقلت إلى الجزائر خلال مرحلة الستينيات، بسبب سياسة التعريب والمدرسين المصريين، وإن ذات التيار لقي تشجيعا من قبل العربية السعودية بعد تنامي المد العروبي الذي دعمته الناصرية وإن السلفية، التي تقوم على "تقليد واتباع السلف"، أصبحت تستقطب شرائح عريضة من الشباب العربي، وهي من المرجعيات الدينية الأكثر انتشارا حاليا".
وأوضح "أن الجزائر تعرف ثلاثة أشكال من السلفية، هي السلفية العلمية التي تعتمد على الأدلة العلمية في نشر أفكارها، والسلفية الحركية، ويمثلها شخصيات إسلامية رضيت بالعمل الحزبي، والسلفية الجهادية التي أعلنت الجهاد ضد السلطة؛ من أجل إقامة الدولة الإسلامية وأن قوة السلفية، التي تعتبر حسبه نهجًا معينًا بخصوص التصور الديني، بلغت مداها في العالم العربي، عقب بروز تعاون بين الأنظمة العربية والحكومات الغربية وأن أحداث سبتمبر 2011، والقمع الذي سُلط على أتباعها في عدد من الدول العربية أدى إلى ظهور مراجعات ضمن تصوراتها، انتهت إلى توافق بينها وبين الأنظمة الحاكمة".
وتابع: "ظاهرة العولمة، وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي ساهمت إلى حد بعيد في انتشار السلفية، وأن الأجيال الجديدة التي اعتنقت هذا التصور تختلف عن الأجيال القديمة من حيث قدرتها على التحكم في اللغات، وفي التكنولوجيا الحديثة وأن التركيز على "جماليات التلقي" أسهم في انتشار "الإمام السلفي في العالم العربي"، وهذا الإمام قد يكون إمامًا افتراضيًّا، يعمل عبر وسائط التواصل الاجتماعي وإن المذهب المالكي يعرف تصدعا بسبب "انتشار السلفية بين أوساط العائلة، بعد أن كان مجرد مسألة فردية".
ولكن هذا الأمر يواجهه حالة انقسام داخل السلفية الجهادية نفسها في الجزائر ففي الوقت الذي بايعت فيه جند الخلافة البغدادي أعلن مختار بلمختار أمير تنظيم قاعدة الجهاد في المغرب العربي وكتيبة الملثمين الولاء المطلق لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وهو ما أكد على أن الخلافات في أعلى هرم قيادات تنظيم القاعدة على المستوى العالمي انتقلت بسرعة إلى الجزائر وإلى منطقة المغرب العربي.
ويأتي القلق من عودة التيار السلفي إلى المساجد بعد انشغال السلطات عن هذا الموضوع لسنوات، بعد أن كانت خلال سنوات التسعينيات تحكم مراقبتها على المساجد، وهي سياسة تم التساهل في تطبيقها خلال السنوات القليلة الماضية، كنتيجة لعودة البلاد إلى حياتها الطبيعية، وكذا مع ظهور تيار السلفية العلمية، الذي تم التغاضي عنه، بدعوى أنه لا يتدخل في السياسة، ويكتفي بالأمور الدينية، لكن هذا الباب فتح النوافذ لعودة الخطاب المتشدد إلى المساجد شيئًا فشيئًا، وهو ما أدى إلى انتشار الفكر السلفي لدى الجزائريين وخاصة في صفوف الشباب الذي يعاني التهميش والبطالة ما جعله يسقط فريسة هذا الفكر.
والسلفية كما هو شأن الإخوان هي الوعاء الأيديولوجي لمختلف الجماعات والحركات الجهادية، التي لطالما عانت منها الجزائر وتخشى الحكومة عودة البلاد إلى الحرب الأهلية في سنوات 1990، التي أسفرت عن أكثر من 200 ألف قتيل بين ضحايا مدنيين وإسلاميين جهاديين وقوات الأمن وتعززت هذه المخاوف مع وجود محيط إقليمي مضطرب وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا وتونس التي شهدت عمليتين في أقل من ثلاثة أشهر.