الخيال السياسي للإسلاميين

الإثنين 20/يوليو/2015 - 01:40 م
طباعة الخيال السياسي للإسلاميين
 
الكتاب: الخيال السياسي للإسلاميين
المؤلف: د. هبة رءوف عزت
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر 2015
قبل البداية في عرض الكتاب وعرض ملاحظاتنا عليه لا بد لنا أن نشير إلى أن د. هبة استطاعت في هذا الكتاب وفي معظم ما كتبته في السنوات السابقة أن تقدم خطاب إسلامي معرفي جديد، على صعيد اعتمادها على أهم الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية والفلسفية، وهي أدوات ما نزال نفتقدها داخل الوسط الإسلامي الحركي إلى يومنا هذا.
وكما يتضح من خلال القراءة نجد أن غاية هذا الكتاب هي بناء عقلية نقدية وفتح أفق لمتابعة الاجتهاد في النظرية السياسية، بهدف العودة إلى فهم الواقع بأدوات متنوعة، فالنظرية والواقع لا يفترقان.. لكن بينهما جسر، وعلى هذا الجسر يمكن أن يفهم خرائط الواقع ويستشرف المستقبل بشكل أفضل.. ليصوغ وجهته بمنهج أكثر رشدًا وحكمةً.
فالساحة الإسلامية أحوج ما تكون إلى مناقشة تصوراتها عن الدولة الإسلامية ومراجعتها أكثر من أي وقت مضى، فقد غلبت العموميات البلاغية التصورات التاريخية على رؤيتها حيناً، وطغت الاعتبارات العملية (البراجماتية) على حركتها حيناً أخر والدعوة إلى المراجعة هنا لا تعني التراجع ولا النقض، ولا تحركها عقلية الانكسار ولا أوهام الاستكبار، بل هي واجب شرعي وتاريخي يقترن بمهمة التجديد وهي مسئولية من يرفع لواء هذا الدين لعظم الأمانة التي يحملها حين يتحدث بلسان المرجعية الشرعية ويتحرك تحت مظلتها وبموازاة فتح حوار حول الدولة الإسلامية، نحتاج إلى مراجعة الدولة الحديثة في صورتها القومية كمتغير مفاهيمي، بمعنى: كيف نفكر في الدولة ونتخيلها؟ وكيف نحن في أمَسّ الحاجة إلى تجديد تصوراتنا لها بمثل ما نحتاج إلى تجديد أمر الدين؟ فالدولة كبناء هي أداة لرعاية مصالح الناس ومنتج بشري يمكن تحوّله إلى آلة هيمنة وأداة للاستبداد في يد من يملك المال ويحكم بالبطش، تلك كانت مسارات الجدل الفكري والنظري عبر التاريخ بشأن السُلطة والمُلك ونُظم الحُكم السياسي.. إن غاية هذا الكتاب هي بناء عقلية نقدية وفتح أفق لمتابعة الاجتهاد في النظرية السياسية، بهدف العودة إلى فهم الواقع بأدوات متنوعة، فالنظرية والواقع لا يفترقان لكن بينهما جسر، وعلى هذا الجسر يمكن للعقل أن يفهم خرائط الواقع ويستشرف المستقبل بشكل أفضل.
التبسيط السائد للفكرة الديمقراطية يحمل في طياته خداعاً مبدئيًّا يخفي المنزع الليبرالي كمذهب تغلب عليه الرؤية النفعية الاقتصادية، ويضلل العقل النقدي بحيث يأخذ موقفاً مبدئياً ضد الإسلاميين ويضعهم في موقف مبدئي دفاعي بدورهم.
الخيال السياسي للإسلاميين
هكذا ترى الباحثة الدكتورة هبة رءوف عزت حين تتعرض لإشكالية الخيال السياسي للإسلاميين، فتؤكد أن فضاء خطاب الإسلاميين ليس مساحة ثقافية خاصة ومغلقة ولا هي محض "خطر ظلامي" هائل، وإنما هو مساحة فكرية تتحرك فيها رؤى تتفاعل بعض جوانبها مع منظومات فكرية متنوعة.
والسؤال الهام هو: هل يمكن اكتشاف مساحات التلاقي المثمر؟ وكيف يمكن إدارة مساحات الاختلاف المزمن؟ وكيف يمكن تحقيق التعايش بين تلك المنظومات كي لا تتشرس الليبرالية من ناحية، ولا تختزل حدوده الإسلامية في تأويلات صدامية حدية اجتماعياً وسياسياً من ناحية أخرى.
ويبقى السؤال: هل هناك إمكانية لميلاد تيارات إسلامية ديمقراطية؟ لسنا أمام قرار يفرض من الداخل الإسلامي أو الآخر الليبرالي، بل أمام عملية مستمرة داخل منظومة فكرية تتراوح بين التجديد والانفتاح والأنسنة وبين الانغلاق والجمود وتعطيل العقل الاجتهادي. 
وتؤكد د. هبة أنه لعل أخطر ما يواجه الخيال السياسي للإسلاميين أولاً: مركزية أسطورة الدولة الإسلامية، ومحاولة إعادة تأسيس الرابطة السياسية الإسلامية على قاعدة الدولة الحديثة التي تقوم على مصادرة وتقويض مفهوم الجماعة/الأمة والناس بمفهومه الإسلامي التعددي الذي جعل الدستور هو شريعة الناس التعاقدية.
ثانياً: غلبة الخطاب السياسي الجدالي على التصور الاجتهادي الجدلي، وهو ما أثمر نشأة "مناطق شتات مفاهيمي"، خاصة في نقاشات التعددية الحزبية والشورى لا تملك المفاهيم فيها قابلية العودة والتوطين في التربة المفاهيمية الإسلامية؛ لأنها لا جذر لها فيها نظراً لاختلاف التكوين الاجتماعي- السياسي.
وبدلاً من تمكين النموذج المفاهيمي الإسلامي من خلال تقديمه تصوراً قوياً إنسانياً وعميقاً مرجعياً تقيس عليه الأنساق المفاهيمية الأخرى مفاهيمها، حدث العكس فقاس هو على الليبرالية وبشكل سطحي ومختزل أرغمته عليه جدالات السياسة وليس منطلقات المعرفة والدراسة الرصينة. فكان أن نشأت لغة موازية هجين هشة يمكن بسهولة نفيها من الخيال الإسلامي عند المواجهات السياسية وتصاعد الحروب الكلامية.
ثالثاً: كلية النظر للآخر/الغرب وتعميمها وغياب النظر للآخر الجنوب والشرق، فالآخر هو الاستعماري أو الصليبي وهو الغربي بالأساس، وداخل هذه النظرة لا توجد تنويعات إلا نادراً حتى الديني داخل النسق العلماني هو معاد وأصولي كالمسيحية الصهيونية والإعلام متحيز، والانتخابات لعبته التي نختار هل نشارك فيها لحماية مصالحنا كأقلية أم نعتزلها.
رابعاً: غلبة المركزية العربية وغياب المتابعة للحركات أو المجتمعات أو الأفكار الإسلامية غير العربية، فلا يناقش مشكلات الإسلام في إفريقيا وطبيعة الحركات ومستقبل العالم الإسلامي البته، وكأن الأزمات التي تدخل في نموذج "المؤامرة" الذهني تقتصر فقط على أفغانستان والعراق والبوسنة، دون أن نتساءل عن الصومال أو نيجيريا أو مسلمي جنوب إفريقيا.
  "لعل من أخطر ما يواجه الخيال السياسي للإسلاميين هو مركزية أسطورة الدولة الإسلامية، وغلبة الخطاب السياسي الجدالي على التصور الاجتهادي، وكلية النظر للآخر/الغرب، وغياب المتابعة للحركات الإسلامية غير العربية".
خامساً: غياب النظرة المقارنة والاطلاع على الفكر الغربي في أدبياته الأصلية أو التعرف على خطابات المراجعة النقدية داخل الليبرالية، فالحكم العام على سياسة القوى الخارجية بمسعاها للهيمنة في ظل العولمة وفي الداخل بفساد الأخلاق كانا حجاباً بين الخيال الإسلامي وفهم تركيب الديمقراطية الغربية ومساحات النقص ومساحات النجاح في بنية الديمقراطية وتلمس تجارب المراجعة، وهو ما يمكن أن يوفر على الخيال الإسلامي مقاربات الشوري والتعددية الحزبية، ويتيح أفقاً جديداً للاجتهاد بالتواصل والقياس مع تجارب الديمقراطية القاعدية وأفكار مراجعة التمثيل الديمقراطي باتجاه الحضور السياسي اليومي في المجتمع المدني.
 سادساً: الحاجة إلى إعادة ترسيم الحدود بين الشريعة والدولة والخروج بأفق المعنى ومساحات الاجتهاد من أسر العقلية السجالية وإعادة استكشاف ومراجعة العلاقة بين الأمة والشريعة، والنظر فيما آل إليه النسق المفاهيمي السياسي الإسلامي في مخيلة الإسلاميين ومسار هذه التحولات.
وعليه تتجلى أزمة الخيال السياسي للإسلاميين في تجاهله واجب التجديد لمفاهيمه المركزية من ناحية، والالتفات إلى بناء الأفكار وتراكمها بشكل يحرص على التجديد والتطوير، فسقطت موضوعات هامة وانصرف السجال إلى قضايا فرعية حالت دون النهوض بالملفات الشائكة من واقع الركود إلى أفق نقلة نوعية في الاقتراب والاجتهاد في ظل تحولات الواقع.

ملاحظات حول الكتاب

هناك عدد من الملاحظات حول الكتاب نختصرها في ثلاث ملاحظات رئيسية، تتمثل الملاحظة الأولى بإشارة الكاتبة إلى ضرورة الاعتماد على المفاهيم الماركسية لنقد المنظومة الرأسمالية، وتعتمد على مدرسة خاصة من المدارس الماركسية، وهو ما أكدت عليه الكاتبة في أكثر من مكان من الكتاب، ومن خلال تقديمها لبعض الكتب مثل كتاب "إسلام السوق"، وهي رؤية غير دقيقة كما أظن؛ لأن الماركسيين الجدد من أمثال ديفيد هارفي ما استطاعوا تجاوز الحتمية الاقتصادية رغم اهتمامهم بالحساسيات الثقافية للعولمة والرأسمالية، كما أنهم تجاهلوا الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة والممارسات الرمزية والهوياتية في بلورة وتشكيل أنماط وديناميات جديدة، تتجاوز البعد الاقتصادي، وتعيد التأسيس لسياسات ثقافية جديدة داخل الدولة القومية.
الملاحظة الثانية: تتمثل بإشادة الكاتبة بفكرة هابرماس حول التواصل الاجتماعي ودور الحركات الاجتماعية الجديدة في تطوير فكرة المجال العام، دون مسعى منها لفتح النقاش مثلا حول الأسس الفلسفية لفكرة المجال العام عند هابرماس، مثلما فعل استاذ علم الاجتماع الإيطالي ارماندو سالفاتوري في كتابه "المجال العام بين الليبرالية والكاثوليكية والإسلام"، وذلك على الرغم من دعواتها المتكررة إلى التجديد في المفاهيم. وخاصة أن نحت هابرماس لمفهوم "الفعل التواصلي" القائم على الأبعاد العقلانية والقصدية للفعل والتفاعل والاتصال، هي محاولة في الأساس بحسب سالفاتوري لإعادة إصلاح مفهوم الإيمان وإعادة صياغته في شكل من أشكال الفكر العلماني.
الملاحظة الثالثة: تتعلق باعتماد الكاتبة على مقولة "الخيال" دون أن تتنبه إلى الدلالات السلبية لهذه الكلمة على أي محاولة لتجديد الرؤية الإسلامية كما تشتهي؛ لأن مفهوم الخيال أقرب إلى فكرة الأباطيل والخرافات؛ ولذلك كان حريًّا بها هنا أن تعتمد على تمييزات محمد آركون مثلا، وأن تستبتدل كلمة "الخيال" ذات المدلولات السلبية سالفة الذكر بكلمة "المتخيل" رغم انتماء الكلمتين إلى نفس الجذر اللغوي، وخاصة أن الدراسات الاجتماعية عادة ما تعتبر المتخيل بمثابة خلق دائم وغير متوقف أو محد للصور والأشكال والرموز التاريخية والدينية؛ الأمر الذي يصب في غايتها من الكتاب والمتمثلة في عدم القطيعة مع التراث ومحاولة الانفتاح على معاني جديدة داخل المنظومة التاريخية/ الرمزية للفكر الإسلامي المعاصر.

شارك