الملا "عمر".. الزعيم الروحي لحركة طالبان الأفغانية
السبت 30/ديسمبر/2023 - 09:00 ص
طباعة
حسام الحداد
هو ملا عبدالمجيد محمد عمر المعروف باسم "الملا عمر"، هو الزعيم الروحي لجماعة طالبان الأفغانية، التي حكمت أفغانستان ما بين 1996 و2001 قبل الغزو الأمريكي العام 2001.
حياته
ولد ملا عمر عام 1959 في قرية نوده من قرى قندهار، وينحدر من قبيلة "هوتك" أحد أفخاذ قبيلة "غلزايي" البشتونية المعروفة، واشتهرت قبيلة "هوتك" في التاريخ المعاصر لأفغانستان عندما أسس كبيرها القائد الأفغاني المعروف "مرويس بابا الهوتكي" إمبراطورية أفغانية على أنقاض دولة شيعية بعد فتحه مدينة أصفهان.
ينتمي ملا عمر لأسرة فقيرة، وكان أجداده من المولوية الذين كانوا يشتغلون بالإمامة في المساجد، ويعيشون على مساعدات ضئيلة تقدم لهم من أهل القرية.
توفي أبوه عندما كان عمره ثلاث سنوات، ولم ينجب أبوه غيره، وتزوج عمه الأكبر المولوي محمد أنور من أمه، وأنجب منها ثلاثة أولاد وأربع بنات كلهم ما زالوا على قيد الحياة، وتربى هو أيضًا في حضن مع زوج أمه محمد أنور الذي درس له الكتب الابتدائية، وانتقلت الأسرة إلى مديرية "بيروت" ولاية أرزجان حيث كان يشتغل زوج الأم إمامًا للمسجد وخطيبًا له.
وقال الملا عمر عن نفسه: "كنت أدرس في مدرسة مع حوالي 20 من زملائي الطلاب، فسيطر الفساد على وجه الأرض، واستشرى القتل والنهب والسلب، وكان الأمر بيد الفسقة والفجرة، ولم يكن أحد يتصور أنه من الممكن تغيير هذا الوضع وإصلاح الحال، ولو فكرت أنا أيضاً وقلت في نفسي: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} لكفتني هذه الآية؛ ولتركت الأمر لأنه لم يكن في وسعي شيء، لكنني توكلت على الله التوكل المحض، ومن يتوكل على الله هذا النوع من التوكل لا يخيب أمله أبداً".
وبعد قيام باكستان كدولة مستقلة، زاد عدد المدارس الدينية الديوبندية والتحق بها عدد كبير من الأفغان ويشكل الكثير منهم أفراد حركة طالبان، وتتميز هذه المدرسة بآرائها الفقهية المتشددة من المرأة والعديد من الشعائر الإسلامية.
شيخ القرية
كان الملا عمر منذ صغره يتمتع بضخامة الجسم واللحية الكثيفة، حيث أصبح شيخ القرية قبل الانضمام إلى المجاهدين وقتال الاحتلال السوفياتي، وكان لا يزال وقتها طالبًا لم يكمل دراسته، فقدراته العلمية متواضعة وقدراته في مخاطبة الجماهير ضعيفة، ولذلك ليس له خطب جماهيرية ولا مقابلات صحفية، وليست لديه خبرة سابقة في المجال السياسي والتنظيمي.
الغزو السوفيتي
عندما دخلت القوات السوفيتية إلى أفغانستان كان الملا عمر حوالي 19 عامًا، وكان يدرس في منطقة "سنج سار" بمديرية "ميوند" من ولاية "قندهار"، ترك الدراسة والتحق بالمقاومة الشعبية الجهادية التي اندلعت فور دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان.
شارك في عدة معارك ضد قوات الاتحاد السوفيتي السابق في ولايتي قندهار وأرزجان اللتين شهدتا معارك ضارية، وكان يتنقل من منظمة إلى أخرى، وبقي فترة طويلة قائدا لمجموعة صغيرة في جبهة القائد ملا نيك محمد التابعة للحزب الإسلامي بزعامة المولوي محمد يونس خالص، واستقر به المقام آخر الأمر في حزب "حركة الانقلاب الإسلامي" التابع للمولوي محمد نبي محمدي، والحزبان كان عمادهما علماء الدين.
انضمامه لحركة طالبان
أمضى عمر فترة الجهاد ضد القوات الروسية قائداً لمجموعة مسلحة في جبهة القائد ملا محمد التابعة للجمعية الإسلامية التي كان يتزعمها برهان الدين رباني بولاية قندهار.
بعد دخول المجاهدين إلى كابل أراد عمر أن يكمل دراسته في مدرسة غيرة بمنطقة سنج سار بمديرية ميوند بولاية قندهار، ومن هناك بدأ التفكير في محاربة الفساد والقضاء على المنكرات في تلك المنطقة، فجمع طلاب المدارس الدينية والحلقات لهذا الغرض في صيف عام 1994 وبدءوا العمل بمساعدة بعض التجار والقادة الميدانيين، فعمل على تجنيد طلاب المدارس القرآنية والشباب من مخيمات اللاجئين، وكانت هذه هي بداية حركة طالبان الطلاب بالأفغانية.
وينتمي عمر وكل زعماء حركة طالبان إلى المدرسة الديوبندية، وهي اتجاه سني في المذهب الحنفي تأسس في مدينة ديوبند بالهند في القرن التاسع عشر.
كانت حركة طالبان اختارت عمر أميراً لها في أغسطس من عام 1994، وبعد وصول طالبان إلى مشارف كابل عقد اجتماعاً عاماً للعلماء شارك فيه حوالي 1500 شخص واستمر من 31/3 وحتى 3 أبريل 1996، وانتخب بالإجماع أميراً لحركة طالبان رسمياً ولقب بـ"أمير المؤمنين".
ومنذ ذلك اليوم تعتبره الحركة أميراً شرعياً لها، له في نظر أتباعها جميع حقوق الخليفة، فلا يجوز مخالفة أمره، وهذا ما أعطاه صبغة دينية، وقد حجبوه عن أنظار عامة الناس ليحافظوا على هيبته بين العامة وليخفوا جوانب ضعفه؛ لذلك فهو لم يكن يشارك في الاجتماعات العامة.
قيادات الحركة
الكثير من القيادات العسكرية والإدارية لحركة طالبان هم من زملائه في فترة المقاومة مثل: "ملا محمد" توفي في الأيام الأولى من نشأة الحركة، وكان من أقرب الناس إليه، وملا بورجان توفي في الطريق إلى كابل في الهجوم الذي سقطت في أيديهم فيه، وملا برادر آخوند، وملا يار محمد الذي توفي في الهجوم على باميان، وملا عبيد الله وزير الدفاع إبان حكم طالبان.
رئاسة أفغانستان
ملا تولى فترة لرئاسة أفغانستان، وكان جلياً عدم اهتمام ملا عمر بالأمور السياسية وتفرغه للقضايا التي تعني بالدين الإسلامي، وخير دليل بقاؤه في مدينة قندهار بعد الإطاحة بالحكومة بقيادة "رباني" وعدم انتقاله للعاصمة كابول حسب ما تقتضيه الأعراف الدولية، وكذلك كان يمنع المصورين من تصويره بالفيديو لأنه يعتقد أن هذا الشيء "حرام".
وفي عام 2001، أثار ملا عمر زوبعة عالمية عندما أصدر أمراً بهدم التماثيل البوذية القابعة في مدينة باميان تطبيقاً لما رآه من أن التماثيل شيء يناقض التعاليم الإسلامية، ولم يعر ملا عمر بالاً للمطالب الدولية بعدم هدمها كونها معالم أثرية.
مطلوب لدى أمريكا
أكدت حركة طالبان، الاثنين في 30 أغسطس 2015، أنها أخفت خبر وفاة زعيمها السابق الملا عمر لأكثر من عامين، حفاظا على موقها على الأرض بمواجهة قوات الحلف الأطلسي، التي كانت تستعد لسحب جنودها.
واعترفت الحركة لأول مرة في بيان نقلته وكالة "فرانس برس" أن الملا عمر توفي في 23 أبريل 2013.
وأقرت طالبان بأن "العديد من قدامى أعضاء المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية (الاسم الذي تتخذه حركة طالبان الأفغانية لنفسها) والمسؤولين الدينيين قرروا بالتوافق إخفاء نبأ الوفاة المفجع".
وأكد المتمردون أن "أحد الأسباب الرئيسية" خلف إبقاء الأمر سرا هو أن عام 2013 كان عاما محوريا "لاختبار قواتهم" في مواجهة جنود الحلف الأطلسي، قبل أن يضع الحلف حدا لمهمته القتالية في هذا البلد في نهاية 2014.
وكانت الحركة تواصل حتى يوليو 2015، إصدار بيانات وتصريحات منسوبة إلى الملا عمر، الذي لم يشاهد علنا خارج دوائر الحركة منذ أن أطاح ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة بحكم طالبان في كابل عام 2001.
وأكدت طالبان في 30 يوليو وفاة الملا عمر، بعد إعلان مفاجئ صدر عن أجهزة الاستخبارات الأفغانية، وأفاد أنه توفي في 23 أبريل 2013 في مستشفى في كراتشي، كبرى مدن جنوب باكستان. غير ان طالبان لم توضح تاريخ وفاته.