تأويل نصر حامد أبو زيد في مجلة الثقافة الجديدة.. بين سلطة العقل وسلطة النص

الخميس 03/سبتمبر/2015 - 01:11 م
طباعة تأويل نصر حامد أبو
 
أصبحت ملفات مجلة الثقافة الجديدة التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة واحدة من أهم وأجرأ الملفات العميقة والدسمة، سواء من حيث الموضوعات المختارة أو التنوع أو أسلوب التناول؛ لذلك جاء الملف الأخير أقرب بالفعل إلى الكتاب؛ لأنه تخصص في فكر الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي، سوف نظل كثيرًا في حاجه إلى القراء له وعنه، حتى يتجدد الذهن وتسقط الأساطير المؤسسة لجماعات التكفير الديني . لذلك لابد ان نقدم اولا تحية واجبة لرئيس تحرير المجلة الكاتب صبحي موسي ومجلس تحريرها علي هذا الجهد الذي وفق بمهارة بين الادب والفكر فيها . اما الكتاب الذي حمل عنوان (تاويل نصر حامد ابو زيد ) فقد شارك بالكتابة فيه الدكتور محمود اسماعيل بدراسة عنوانها (اسهامات ابوزيد في تجديد الفكر الديني ) وكتب الدكتور محمد فكري الجزار عن سيمياء النص الموازي بين رسالة الشافعي وقراءة نصر حامد (العتبات نموذجا )وكتب الاستاذ ممدوح فراج النابي دراسة بعنوان هكذا تكلم الهرمينيوطيقي الحالم  اما الدكتورة سامية صادق سليمان فكتبت عن  التاويل وسلطة النص عند نصر ابو زيد . واختتم الكتاب بحوار مع ابو زيد مع محمد الحمامصي تحت عنوان لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير 
الاسهامات 
اكد المفكر الدكتور محمود اسماعيل في دراسته ان الدكتور ابو زيد تصدي لظاهرة الجماعات الارهابية التى اطلق عليها منظرو السلفية الصحوة الاسلامية وذلك في محاضراته بالجامعة او في محاضراته العامة في صالات الاحزاب اليسارية او في الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية والمجلات الثقافية والصحف اليومية وفي الوقت ذاته ظل عاكفا علي البحث والدرس الاكاديمي ونشر دراساته في الدوريات العلمية لذلك تجاوز نشاطاته اسوار الاكاديمية المثالية التى تعد فيما اري اشد خطرا علي المدي البعيد من النشاط الارهابي ذاته .. وقد حددت دراسة دكتور محمود اسماعيل عشرة نقاط تضم موجز لاسهامات الدكتور نصرالفكرية  كالتالي 
اولا – ان الخطاب الديني سخر اللغة الام لنقل التصورات الدينية عن العالم والوجود الي المتلقي في صيغة تكتسب قدسية لامسوغ لها وان دلالات الالفاظ في اللغة الدينية اختلفت – بحكم التطور- بدرجة جعلت تلك الدلالات عاجزة عن استعاب المستجدات والمتغيرات 
ثانيا – تفرد مفكرنا في خلخلة اشكاليات الالفاظ والمصطلحات سواء في معجم الشيعة او عند المتصوفة 
ثالثا- اذا كان من الضروري لتحديث حاضرنا واستشراف المستقبل الرجوع الي الماضي فلا مناص من التعويل علي النقد المنهجي دونما ادني حرج او وجل للتمييز بين ما هو سلبي وماهو ايجابي بهدف الوقوف علي علل واسباب عصور الازدهار الحضاري وتفسير عوامل الانحطاط 
رابعا- ان التراث نتاج تفكير وافعال بشر يصيبون ويخطئون فلا مجال لتقديسه بل الواجب اخضاعه للبحث والدرس العلمي متسلحين بما يفيد من مناهج السلف والتعويل علي المناهج الحداثية بهدف الفهم ثم الفرز 
خامسا – ضرورة الوقوف على واقع الجماعات التكفيرية المعاصرة لامن تحليل معتقداتها فقط . بل لتفسيرها من خلال السوسيو-سياسي  الذي افرزها 
سادسا – ضرورة التحلي برؤية السلف في معرفة الاخر المعاصر لنا والاخذ عن انجازاته العلمية والمنهجية حتى لو كان معاديا او مخالفا لنا في الملة كما ذهب الكندي ومن بعده ابن رشده ف الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فالمعرفة لا وطن لها 
سابعا – عدم اللجاج في امور الدين اللهم اذا كان الامر مرتبطا بفضيلة العمل حسب نصيحة الامام مالك الذهبية 
ثامنا كل المذاهب والفرق الاسلامية موحدة في العقيدة الاسلامية وان اختلافها في الفقة فامر طبيعي لا لشيء الا لان الفقة علم دنيوي بالدرجة الاولي ومن الخطل تكفير المسلم لاخيه وحتي لمن غايره في المللة 
 تاسعا – ان الفهم الصحيح للدين يجعل منه قوة دفع هائلة للتقدم اما الفهم الخاطيء المؤدلج فيقود الي التخلف والتشرذم والفرقة وحتى سفك الدماء 
عاشرا-  ان الصراع الديني والمذهبي قديما وحديثا يرجع في المحل الاول الي خلط الدين بالسياسية ولهذا لطالما نهي الامام مالك تلامذته عن الاشتغال بالسياسة 

سلطة النص 
  وفي مقالتها بعنوان التاويل وسلطة النص قالت الدكتورة سامية صادق نصر حامد أبو زيد يري أن ما يجمع المسلمون موجود في النص،، لكن بلوغه لن يكون إلا من خلال القراءة التأويلية، باعتبار التأويل العملية الأمثل للتعبير عن عمليات ذهنية على درجة عالية من العمق في مواجهة الظواهر 
 و هناك موقفان من النص في تقدير أبو زيد  : قراءة العقل الغيبي المفارق،   وهي قراءة القدماء وبعض الإسلاميين المعاصرين ، وقراءة العقل التاريخي الإنساني وهي  قراءة المحدثين  ، و يتبني بالطبع  الخيار الثاني ويحاول تقويض مفهوم النص ككيان مفارق  للوقائع التاريخية 
      ولكي تتحرر سلطة النص من مفاهيم الهيمنه والشمول والقطع  ،  دعا  أبو زيد إلى  اتخاذ آليات أكثر حداثية عتد قراءة النص ،   و إلي قراءة عصرية معتمدة علي سيادة العقل .هذه هي آليات  تجديد الخطاب الديني  من أجل خطاب تنويري يعمل علي تحرير الفكر الديني المعاصر  من الانغلاق وللوقوف ضد  الاستخدام   النفعي والايديولوجي  للدين  .
نفي قدسية الخطاب الديني التراثي 
      يؤكد أبو زيد أن الخطاب الديني لا يطرح أفكاره  بوصفها اجتهادات، وانما يجزم أنها هي الدين نفسه ، فقد أصر الخطاب الديني على التوحيد بين الفكر والدين وإلغاء المسافات بين الذات والموضوع  والاعتماد علي سلطة التراث وذلك بعد تحويل النصوص التراثية  إلى نصوص أصلية  قدسية   

     وقد ظن البعض أن النص القرآني قد استوى على دلالته ، وفُسرت آياته ووضحت أحكامه وانتظمت قراءته بجهود أولئك المفسرين القدامى، فقد   تحولت اجتهادات الأئمة في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية وفي مجال علوم التفسير والفقه إلي نصوص أصلية يدور حولها الشرح والتفسير . 
     ويحتمي الخطاب الديني- من وجهة نظرنصر حامد أبو زيد-  بالتراث  ليضفي  طابع القداسة ، ويداري تقليديته و يحتكر التراث وأفكار الفقهاء. وامتدت النظرة التقديسية الشمولية  الي بداية الحركة النهضوية ومساعي التجديد
    
    ولهذا يجب  العودة   الي النصوص القديمة  لمساءلتها  من جديد،  لإعادة النظر في المشكلات الفكرية التي عالجها مفكرون إسلاميون 
4-النص والسياق  التاريجي 
 و يتصور الخطاب الديني أن الإسلام معزول عن الواقع والتاريخ  رغم أن الوحي واقعية تاريخيةـ وذلك مرفوض -عند  أبو زيد-  لأنه يهدر البعد الإنساني ويركز علي البعد الغيبي .
   و النصوص الدينية ليست مفارقة للبنية الثقافية واللغوية التي تشكلت في إطارها إنما هي مرتبطة بالمكان  والزمان التاريخي والاجتماعي ، وحضور التاريخ في النص ضرورة يفرضها عليه المتلق نفسه .
     كيف يواجه النصّ امتداد الواقع في الزمان والمكان ؟  إلا  إذا كان غير مفارق للثقافة و داخل إطار نظامها اللغوي  . 
 وتضيف الدكتورة سامية قائلة ان رؤية أبو زيد تحاول الارتقاء بالقراءة إلي مستوي الفعل التجديدي المؤسس علي وعي تاريخي ، وتؤكد علي ضرورة التأويل بحسب رؤية تاريخية موضوعية للنص .  فاختلاف التأويل مرجعه إلي اختلاف الواقع التاريخي الذي تنشأ عمليات التـأويل في  كنفه .. 
        أما  إهدار البعد التاريخي في تصور التطابق بين مشكلات الحاضر، وبين مشكلات الماضي  فإنه يساهم في  تعميق اغتراب الإنسان  والتستر علي مشكلات  الواقع الفعلية في الخطاب الديني  حيث إن النصوص في الأصل واقعا تاريخيا محددا تتحدد من خلاله دلالتها  لكن هذه الدلالة قابلة دائما للانفتاح شريطة عدم التناقض ، مع الدلالة الأصلية 
    علي أن النص القرأني نص إلهي  -عند أبو زيد - ، لكنه يخضع لقوانين الثقافة الإنسانية ، فقد تأسس من حيث هذه الحيثية ، فالنصوص علي إطلاقها إلهية أو بشرية  محكومة بقوانين ثابتة 
سلطة العقل وسلطة النص 
    يشيد  حامد أبو زيد بالفكر التأويلي  للمعتزلة  ، فقد اعتمدت المعتزلة على  سلطة العقل في جميع أبحاثها، فالأدلة عند المعتزلة، أولها دلالة العقل، لأنه يميز بين الحسن والقبيح والله لَمْ يخاطب إلا أهل العقل ، فشريعة العقل هي تلك المزية التي ترفع من شأن الإنسان 
     و يتعرض  لمسألة طبيعة القرآن عند المعتزلة وهي مسألة خلافية بين المسلمين ، فالخلاف جرى حول حقيقة الكلام مخلوق أم حادث ، وقد ذهبت المعتزلة إلي أن القرأن كلام الله والكلام فعل وليس صفة فهو مخلوق  فالكلام الإلهي ظاهره تاريخية .
و التأويل في المتشابهات عند المعتزلة هو الوسيلة لرفع  الغموض .والمجاز هو العملية الرئيسية لعملية  التأويل 
     ولا تعارض  عند المعتزلة  بين العقل والقرأن ، لأن كلاهما يتفقان  بالضرورة ، وإنما   يأتي خطأ من يستدل بالقرأن من خطئه في الاستدلال العقلي)
ضد تغيب الوعي 
     وقف نصر أبو زيد  اذن  ضد سياسة التزييف وتغييب الوعي والتبعية والثقافات السائدة والخطاب الديني الذي يستغل لصالح مآرب سياسية .         ووضع آليات القراءة البنّاءة التي تحرر النصوص والإنسان من سلطة الأوصياء من ملاك الحقيقة المطلقة. 
  و اعتقاد أبو زيد بالوجود الميتافيزيقي للنص  لا يتعارض مع إمكانية تحليله وفهمه  العلمي -علي عكس ما رأى علي حرب في نقده لـ" أبو زيد "- فالنص الديني  يخاطب الإنسان  ويتفاعل معه ويدعو إلي التفكير  والقراءة  الناسوتية للنص الديني  لا تنفي  إلوهيته . فقد فرق   بين مصدر النص وطبيعته،  فالنصوص ثابتة في المنطوق مُتحركة مُتغيّرة في الدلالات.       
 اجتهد  أبو زيد ،  ليخلص النصّ ،  من  بعض التفسيرات التي    شوهت مدلولاته . ورسخت  في الأذهان ، لتصبح من صميم الدين، فبرز بالتدريج تقدّيس ما لم يكن مقدّساً  ،  و  ساد العقل المغلق  حتي  بدأت ثورات  مناهضي الرجعية من أصحاب الفكر التنويري والحداثة  

شارك