"آفاق سياسية" عدد نوفمبر 2015: الضعف العربي في ظل قوة الآخرين
الثلاثاء 17/نوفمبر/2015 - 10:43 ص
طباعة
في العدد الثالث والعشرين " نوفمبر 2015"، تناولت مجلة "آفاق سياسية" الصادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات، عددًا من القراءات والرؤى حول الضعف العربى في ظل قوة الآخرين.
وقال رئيس تحرير المجلة السيد ياسين في افتتاحية العدد إنه بعد قيام ثورات الربيع العربي أضحت مسألة المواطنة وقضايا الاندماج الوطنى ضمن القضايا الملحة المطروحة على مستوى الدولة القطرية أو حتى على المستوى ككل في ظل المرحلة الراهنة من تاريخ تطور النظام الإقليمي العربي والذي يتسم بصفة الوهن والضعف وبما يمكن أن نسميه مرحلة غياب الدولة بعد محاولات غربية لتفتيت العالم العربي.
وتضمنت المجلة عدة دراسات مهمة، على رأسها دراسة العدد التي جاء تحت عنوان القوة العربية المشتركة: حلف أم قوة مشتركة أم محلك سر؟ للدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والتى أكد فيها على أن العلاقات الدولية تشتمل على علاقات التعاون وعلاقات الصراع فيما بين الفاعلين الدوليين من الدول وبعضها بعضًا، وفيما بين الدول والفاعلين الدوليين الآخرين، مثل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أو الشركات متعددة الجنسيات، وجماعات الإرهاب الدولي، ومن شروط قيام حلف فاعل ومؤثر أن يكون هناك بين دوله الأعضاء اتفاق في المصالح وفي الأهداف الاستراتيجية.
أولا: مستويات وأدوات الصراع والتعاون الدولي؛ حيث لكل من الصراع الدولي والتعاون الدولي مستويات ودرجات وأدوات. فالصراع قد يبدأ بالتوتر وينتقل إلى النزاع ثم الصراع الذي قد يولد أزمات أو حروبًا. وقد يبدأ التعاون بالتشاور والتنسيق ثم ينتقل إلى التفاهم الذي قد يولد صورًا أعمق للتعاون تتمثل في التكامل ثم الاندماج والأحلاف بالنسبة لأعضائها من الدول، ولعلاقاتها مع بعضها بعضًا، تعد من أقوى صور التعاون، وهي ذاتها بالنسبة للأعداء والخصوم من أهم أدوات إدارة الصراع الدولي.
والحلف العسكري قد يكون إحدى أهم أدوات إدارة الصراع الدولي فيما بين الدول، ليس فقط في وقت الحرب، وإنما أيضا في إطار إستراتيجية "الردع" التي قد تبتغي تفكيك حلف آخر مضاد. والغرض من الحلف هو تحقيق أهداف تتمثل في النصر عسكريًّا وسياسيًّا لدوله الأعضاء والدفاع عنها بفاعلية قد لا تتحقق بدون وجود ذلك الحلف من أهداف الأمن القومي لدوله الأعضاء، أو إفشال خطط وسياسات ومواقف الأعداء الذين قد يكونون أعضاء في حلف آخر، أو لا يكونون.
والحلف الدولي هو التزام تعاقدي بين دولتين أو أكثر يقوم على التزامات متبادلة لاتخاذ السياسات والتدابير العسكرية والسياسية اللازمة للدفاع عن تلك الدول الأعضاء، ولحماية مصالح أمنها القومي بفاعلية لم تكن لتتحقق باستخدام الدولة العضو لقدراتها المنفردة. وتلك السياسات والتدابير تتخذها الدول أعضاء الحلف مجتمعة ضد دولة، أو دول، أو جماعات إرهابية، أو حلف آخر يقوم بتهديد الحلف ودوله. والحلف الدولي ينشئ مؤسسات تعمل على تنفيذ أهداف الالتزام الذي يقوم عليه الحلف ضد أعدائه. والحلف إذا يقوم على علاقة تعاقدية رسمية، وعلى تعهدات متبادلة متماثلة فيما بين جميع أعضاء الحلف، وعلى إدراك مشترك من جانب الدول أعضاء الحلف للأطراف المعادية للحلف ولدوله، والمهددة لمصالحه ومصالح دوله الأعضاء ومن ثم يقوم أي حلف على الاستخدام المشترك للقدرات العسكرية والسياسية لدوله الأعضاء ضد العدو المستهدف.
ثانيا: أنماط الأحلاف الدولية، وتتعدد أنماط الأحلاف الدولية وفقًا للمعايير المستخدمة في تصنيفها. ومن بين هذه المعايير مدى قانونية الحلف، وإطاره الزمني، والبعد الجغرافي، والهدف من الحلف، وعدد أعضاء الحلف، ومدى علانيته ومن حيث قانونية الحلف توجد أحلاف رسمية وأخرى غير رسمية، والحلف الرسمي يستند إلى معاهدة دولية يتحمل أعضاء الحلف بمقتضاها التزامات قانونية صريحة تتعلق بموضوع التعاون العسكري واستخدام القوة لحماية مصالح الأمن القومي للدول الأعضاء. أما الحلف غير الرسمي فلا يتطلب تعهدًا رسميًا بالتعاون من أجل ردع أو مقاومة عدوان محتمل من عدو مشترك، ومن حيث الإطار الزمني للحلف إما أن يكون الحلف دائمًا لا يحدد له أجل زمني لانقضائه، أو أن ينقضي الحلف بعد مدة زمنية معينة، طالت أم قصرت.
ووفقًا للمعيار الجغرافي، إما أن يكون أعضاء الحلف دولا متجاورة أو غير متجاورة. وبالطبع يكون عامل الجوار الجغرافي أحد العوامل التي تيسر على الحلف القيام بمهامه، ومن حيث الهدف توجد أحلاف دفاعية وأخرى هجومية ولأحلاف الدفاعية هي النمط الأكثر شيوعًا وانتشارًا، وهي تنشأ بسبب الخوف من خطر مشترك يهدد الدول الحليفة، وهو ما يدفعها إلى التحالف للمساهمة في الدفاع عن أمنها القومي. أما الأحلاف الهجومية، على قلتها، تنشأ للإعداد للهجوم على دولة، أو دول، معينة، أو انتهاج سلوك عدائي ضدها، وغالبًا ما تكون تلك الأحلاف الهجومية سرية ووفقًا لعدد أعضاء الحلف يكون الحلف جماعيًا واسع العضوية، أو ثنائيًا. وفي الغالب يكون الحلف الثنائي بين دولتين ذواتي نظام استبدادي، وبالتالي لا تقدر على إنشاء حلف واسع العضوية ومن حيث العلانية يمكن أن يكون الحلف علنيًا، وهذا هو الأصل، أو ما يجب أن يكون، أو أن يكون حلفًا سريًا ذا طبيعة عدوانية هجومية.
وتمثل الأحلاف خيارًا متاحًا أمام صناع قرار السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية. ولسياسة الحلف أساليب تطبيقية متنوعة. وربما يتأثر أداء الحلف والحلفاء، ليس فقط بأهداف الحلف، وإنما أيضًا بتطور الحلف وما إذا كان يمر بمرحلة تأسيس، أو مرحلة نمو واتساع، أم مرحلة انخفاض، أم مرحلة تدهور وزوال ومن أساليب الممارسة التي تتبعها الأحلاف الدولية العمل على عرقلة قيام أحلاف مضادة، والحيلولة دون اكتساب الأعداد لحلفاء جدد، وذلك عن طريق التأثير على حسابات الأعداء للمكاسب والخسائر المحتملة وفي مجال التكامل الاقتصادي فإن الاتحاد الأوربي هو أهم صور التكامل في العالم. وكذلك فإن رابطة جنوب شرق آسيا تعد نموذجًا مهمًا أيضًا.
ومن أساليب الأحلاف أيضًا السعي إلى تجزئة أو تفتيت الأحلاف المضادة، وذلك عن طريق التفريق بين أعضائها الذين قد يرون أنه ليس بمقدورهم التصدي للأخطار والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها فتسعى إلى اكتساب حلفاء إلى جانبها. وهنا، عندما تدرك الدولة أن قدراتها غير كافية لتحقيق أهدافها في مجال الأمن القومي، أو للدفاع ضد أخطار تحيط بها، فإنها تتجه إلى التحالف مع آخرين حتى تضمن أداء مهمتها في الحفاظ على أمنها القومي بمزيد من الفاعلية عن طريق الحلف الذي تقيمه أو تنضم إليه. وإذا كانت الدولة من القوى الكبرى أو العظمى فإنها تلجأ إلى سياسة التحالف حتى تطمئن إلى قدرة أفضل على الإمساك بميزان النظام الدولي والتأثير في حركته.
ويؤثر حجم الحلف على فاعلية أدائه لوظيفته. فزيادة عدد أعضاء الحلف تفضي زيادة للقدرات الكلية للحلف، ومن ثم زيادة فرص نجاحه في تحقيق أهدافه بفاعلية كافية.. وفي المقابل، فإن زيادة عدد أعضاء الحلف وكبر حجمه، وإن كان يمثل مصدر قوة لقدراته، فإنه يمثل، أيضًا تحديًا يتمثل في زيادة الأعباء والالتزامات الملقاة على عاتق المتحالفين، وهكذا فإن مسألة الحجم الأمثل للأحلاف تظل مفتوحة لمزيد من الاجتهادات والدراسات العلمية.
ثالثًا: مستقبل القوة العربية المشتركة فنحن منشغلون بدراسة حاضر ومستقبل التكامل في المنطقة العربية، وبخاصة التكامل العربي في المجال الأمني. والتكامل ليس فقط أمنيًا، وإنما يشمل أيضًا صور التكامل الاقتصادية، والتكامل الاجتماعي، والتكامل السياسي. وبطبيعة الحال، فإن وجود أحد أنواع التكامل، والنجاح فيه، يساعد على فتح مجالات لأنواع أخرى من التكامل، وهو ما تهتم به هنا على المستوي العربي. وعلى المستوى النظري مجددًا، فإن الأحلاف العسكرية التي عرضنا لها، في الصفحات السابقة، بقدر من التفصيل، هي من أقوى وأنجح صور التكامل الأمن والعسكري. وإذا لم تستطع دول أن تدخل مجال الأحلاف العسكرية، فإنها قد تلجأ إلى مستوى مهم، ولكنه أقل في القدرة والقوة الدولية أو الإقليمية التي ينتجها الحلف العسكري، وهو، أي ذلك البديل، ما يطلق عليه عربيًا القوة المشتركة. ورغم أن عناصر التكامل تتوافر نظريًا على المستوى العربي بقدر أكبر مما هو متاح في مناطق أو أقاليم أخرى في جنوب شرقي آسيا، أو حتى في غرب أوروبا، فإن هاتين المنطقتين نجحتا في صياغة وبناء تكامل على المستوى العسكري، متمثلًا في حلف شمال الأطلنطى، والذي أصبح يجمع بين دول وسط وشرق أوروبا، إلى جانب الدول المنشئة لحلف شمال الأطلنطي في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية. وفي مجال التكامل الاقتصادي فإن الاتحاد الأوروبي هو أهم صور التكامل في العالم. وكذلك فإن رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) تعد نموذجًا مهمًّا أيضًا للتكامل الاقتصادي، أما على المستوى العربي، فإن محاولات بناء نماذج للتكامل جميع أنواعه قد باءت بالفشل الكبير. فلم ينشأ حلف عسكري عربي. ولم تحقق منطقة التجارة العربية الحرة أهدافها بعد، وليس من المتوقع أن يحدث ذلك في الأجل المنظور. ومن ثم، فإنه يصبح طبيعيًا أن تظل المنطقة العربية بعيدة عن أي من صور التكامل. وبخاصة في المجال الأمني الذي يشمل الأحلاف العسكرية والقوة العربية المشتركة.
ولعل أوضح "التحالفات المؤقتة" الراهنة والموجودة على الساحة العربية ذلك التحالف العربي في الجزيرة العربية، الذي تقوده المملكة العربية السعودية وبمشاركة فعلية وعملية عسكريًا وسياسيًا من جانب دول الإمارات العربية المتحدة، وبمستوى أقل من جانب دولة الكويت ومملكة البحرين والمملكة الأردنية وجمهورية مصر العربية. ويستهدف ذلك التحالف إنهاء سيطرة حوثيين اليمن، وبمساندة إيرانية، على أجزاء كبيرة ومهمة من أرض دولة اليمن.
وإن الدور الروسي المهم والمؤثر والفاعل لروسيا في إدارة الأزمة السورية المعقدة والحادة، وبدء استخدام القوات الجوية الروسية التي دخلت سوريا بطلب سوري يمكن، نظريًا، أن يؤدي إلى نتائج غير متناسقة. فإذا ما أدت أدوار روسيا الحالية إلى تغيير موازين القوى الحالية في سوريا والمنطقة، ومن ثم إضعاف داعش والإرهاب الدولي، فإن ذلك يمكن أن يحسن فرص قيام قوة مشتركة عربية. ومما يجب ذكره في هذا المجال أن تعقد وحدة وتعدد أزمات المنطقة العربية وسوف تستمر في فرز وإنتاج أوضاع أمنية وسياسية بالغة الصعوبة، ولفترة غير قصيرة. ولذلك فشلت محاولة جامعة الدول العربية لتأسيس قوة عربية مشتركة. نحن. إذًا. ما زلنا بعيدين عن نموذجي الحلف العربي والقوة العربية المشتركة. نحن هنا ما زلنا "محلك سر".
كما تضمنت المجلة عدة دراسات أخرى تحت عناوين متنوعة، منها: تداعيات خطرة: أبعاد التدخل العسكرى الروسي في سوريا.. أزمات الدول وإشكالية إعادة ترسيم مناطق النفوذ.. القبة الصاروخية الخليجية.. إعادة تدوير المبادرات على سجادة الشكوك .. المسارات المحتملة: شكل العلاقة بين البرلمان والرئيس.