مع مماطلة الحل السياسي.. تقرير أممي يتهم أطراف النزاع في ليبيا بارتكاب "جرائم حرب"

الثلاثاء 17/نوفمبر/2015 - 03:06 م
طباعة مع مماطلة الحل السياسي..
 
في الوقت الذي تزداد فيه حدة الصراعات في الأراضي الليبية، وحدة المواجهات المسلحة بين الميليشيات الإسلامية المتشددة وتنظيم داعش شرق طرابلس، في إطار صراع النفوذ، وكذلك مواجهة الجيش الليبي لتنظيم داعش في عدة مدن استولى عليها الأخير، ذكر تقرير للأمم المتحدة أمس الاثنين 16 نوفمبر 2015، أن كل أطراف الصراع الليبي ترتكب انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي قد تصل إلى حدّ جرائم حرب، إلى جانب انتهاكات جسيمة ضد القانون الدولي لحقوق الإنسان.

أطراف النزاع ارتكبوا جرائم حرب

أطراف النزاع ارتكبوا
وذكر تقرير أعدته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالاشتراك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن هناك عمليات القصف العشوائي للمناطق المدنية وخطف المدنيين والتعذيب والإعدامات، في مناطق مختلفة من البلاد بين 1 يناير إلى غاية 31 أكتوبر من العام الجاري.
يأتي ذلك في نفس الوقت الذي انتهت ولاية المبعوث الأممي لدى ليبيا برناردينو ليون، وخلفه مارتن كوبلر، والذي تولى مهام عمله اليوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2015.
وفي ظل تنازع الأطراف على أسبقية الحصول على السلطة، تدخل ليبيا في مصير مجهول ما بين التقسيم واستمرار الفوضى العارمة على أراضيها، فضلًا عن انتشار المزيد من العناصر المسلحة في البلاد، عن طريق تهريب المزيد من الأسلحة عبر الحدود في ظل الفوضى الحالية في البلاد.
وأكد التقرير الأممي أن المجموعات التي بايعت تنظيم داعش تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في ليبيا وأحكمت سيطرتها عليها، مشيرًا إلى أنها ارتكبت تجاوزات جسيمة بما فيها الإعدامات العلنية لأفراد بسبب انتماءاتهم السياسية ودياناتهم.
وقالت الأمم المتحدة إنه في شتى أرجاء البلاد أظهرت الفصائل المتحاربة قدرًا ضئيلًا من الحرص على عدم إيقاع خسائر بشرية في صفوف المدنيين، كما حذرت من إمكانية إحالة أولئك المتورطين في ارتكاب الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية وتحميلهم المسئولية.
وأضاف التقرير أن جماعات ليبية مسلحة أعلنت الولاء للتنظيم تسيطر على مناطق في وسط ليبيا من بينها سرت وهراوة والنوفلية، وأعلنت مسئوليتها عن عدد من الهجمات التي استهدفت حقولًا نفطية ونقاط تفتيش ومحطات بنزين.
وتابع التقرير قائلا: "أطراف النزاع ترتكب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات العشوائية وغير المتناسبة والإعدامات بإجراءات موجزة وعمليات القتل غير القانونية الأخرى والحرمان التعسفي من الحرية والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
وجاء التقرير كذلك بالتزامن مع سلسلة الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن مقتل وجرح مئات الأشخاص، وقد تعددت القراءات لهجومات باريس حتى إن بعض المصادر الإعلامية رجحت احتمال تورط داعش ليبيا في تلك الهجمات وهو ما قاله الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي الرائد محمد الحجازي.
وأشار التقرير إلى أنه جرى احتجاز آلاف الأفراد في سجون ومراكز اعتقال أخرى تقع رسميا تحت إشراف وزارة العدل والدفاع والداخلية، وفي مراكز تخضع للإدارة المباشرة للجماعات المسلحة وسط تقارير عديدة تفيد بوجود "تعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، لافتًا إلى أن الفصائل المتحاربة تستخدم أسلحة تفتقر إلى الدقة في مناطق ذات كثافة سكانية عالية وهو ما يصل إلى حد هجمات دون تمييز توقع قتلى من المدنيين وتلحق أضرارًا بالبنية الأساسية.
وأضاف: "تلقت البعثة كذلك تقارير بأن غارات جوية شنتها عملية الكرامة وفجر ليبيا، وفي واحدة من الحالات غارة جوية شنها سلاح الجو المصري أدت إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين أو إلحاق أضرار بالبنية الأساسية المدنية".

الجماعات المسلحة

الجماعات المسلحة
على الصعيد الميداني، تخوض مجموعات مسلحة من مدينة درنة 1250 كلم شرق طرابلس، ينتمي بعضها إلى تنظيمات جهادية- معارك هذه الأيام مع تنظيم داعش في محاولة لطرده من المنطقة التي يتواجد فيها جنوب المدينة الساحلية.
واندلعت هذه المعارك التي تدور في منطقة الفتائح الواقعة على بعد 20 كلم جنوب درنة، بعد يومين على إعلان وزارة الدفاع الأمريكية أنها استهدفت للمرة الأولى فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وقتلت في غارة جوية زعيمه أبونبيل العراقي، وهو ما لم تؤكده السلطات الليبية رسميًّا.
وقالت مصادر إعلامية ليبية: إن مجلس شورى مجاهدي درنة، الذي يضم خليطا من المجموعات المسلحة، أطلق حملة جديدة ضد تنظيم "داعش"؛ حيث شهدت مدينة درنة في وقت سابق، اشتباكات استمرت أسابيع بين مسلحي مجلس شورى مجاهدي درنة وعناصر "داعش"، وتمكن هؤلاء المسلحون من طرد عناصر التنظيم من غالبية مناطق المدينة التي تخضع منذ أكثر من عام لسيطرة جماعات مسلحة على رأسها أنصار الشريعة الموالي لتنظيم القاعدة.
وفي سياق متصل أغلقت مجموعة مسلحة من مدينة زوارة غرب البلاد تابعة لفجر ليبيا، مجمع "مليتا للغاز"، أكبر مجمعات البلاد والتابع لشركة "إيني" الإيطالية.
وطالبت المجموعة المسلحة في بيان لها أن يتم تعيين رئيس جديد للمجمع من المدينة، إضافة لتشغيل 100 شاب من ذات المنطقة بالمجمع شرطا لإعادته للإنتاج.
وبحسب شهود عيان فإن مسلحين صحبة عدد من أهالي مدينة زوارة احتشدوا صباح اليوم أمام مقر المجمع بعد غلقه ووقف تشغيله ومنع الموظفين من الدخول إليه.
وتسيطر ميليشيات مدينة زوارة الخاضعة لسيطرة فجر ليبيا على المجمع منذ أكثر من 4 سنوات، حيث تعرض لأكثر من عملية اقتحام مسلح، إضافة لاختطاف 4 موظفين إيطاليين الشهر قبل الماضي تابعين لشركة إيني بالمجمع.

انشقاقات في صفوف الإخوان

انشقاقات في صفوف
موازاة لذلك، أفادت مصادر ليبية باستقالة عدد من مسئولي الحكومة الموازية في طرابلس المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، والمحسوبة على جماعة الإخوان، وكشفت المصادر أن 4 وزراء ووكيلين قدموا استقالاتهم الخميس الماضي إلى الحكومة، جراء خلافات شديدة مع رئيس الحكومة خليفة الغويل.
تأتي هذه الاستقالات في إطار التصدعات التي شهدها حلف ميلشيات فجر ليبيا منذ بداية هذه السنة، حيث انسحبت ميليشيات مصراتة من الحلف وأعلنت براءتها منه، ولكنها لا تزال تتمسك بمناصب حساسة داخل طرابلس منها الحكومة غير المعترف بها دوليا وعدد كبير من المعسكرات بطرابلس.
وكانت خلافات كبيرة قد برزت داخل صفوف حلف فجر ليبيا منها اختطاف ميليشيات موالية للمؤتمر نهاية الشهر الماضي لوزير التخطيط بالحكومة الموالي لمدينة مصراته، وسيطرة الميليشيات على مقر الحكومة لساعات بعد اشتباكات مسلحة عنيفة بين الطرفين.

أسباب عرقلة الحوار

أسباب عرقلة الحوار
مع استمرار الأوضاع المتأزمة في ليبيا تتجه بعض الدول إلى تفعيل الحل السياسي؛ حيث أكد عبدالقادر مساهل وزير الشئون المغاربية والاتحاد الإفريقي الجزائري أن بلاده ستستضيف في الأيام القليلة المقبلة الدورة السابعة لدول الجوار الليبي، والتي ستُخصص لتدارس الوضع حول ليبيا وبحث سبل تسوية الأزمة في هذا البلد، وقال مساهل، أمس الاثنين: إن الاجتماع الذي لم يعلن عن تاريخه ستحضره دول الجوار الليبي وهي تونس ومصر والسودان وتشاد والنيجر إلى جانب ليبيا.
وجدد الوزير الجزائري تأكيد بلاده على دعم الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا، مؤكدًا أنها ستواصل مسعاها لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتكفل بتسيير المرحلة الانتقالية ووضع دستور وتنظيم الانتخابات واستعادة النظام وبناء المؤسسات.
من جانبه اعتبر عضو مجلس النواب الليبي أيمن سيف النصر ما سماه "المصالح الشخصية والخوف من العقاب" هو ما يؤجل ويعرقل تمرير الاتفاق السياسي الذي خلصت إليه جلسات الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، مضيفًا في تدوينة له عبر صفحته الشخصية، كل من لم يضمن تحقيق فائدة واضحة له من خلال حكومة الوفاق الوطني، أو يعتقد بأنه سيطال أعماله المراجعة والتحقيق، لن يقبل بها"، موضحًا أنه مهما قدم من تسويات ومعالجات، فستكون محل رفض وجدل؛ لأنها ستُفقد هؤلاء مصالحهم، وتضعهم في خطر انكشاف جرائمهم وعبثهم"، متسائلا: "ونحن أمام خطر تقسيم البلاد أو تحويلها لساحة حرب دولية، هل هذه الأطراف الرافضة لديها مشروع بديل، لمعالجة الصراع القائم، وتوحيد البلاد ومؤسساتها لتواجه هذه المخاطر؟ أكاد أجزم أن لا أحد يمتلك مشروعا حقيقيًّا، يكون بديلًا عن ما تم حتى الآن"، داعيًا الشارع الليبي لأخذ زمام المبادرة لإنقاذ البلاد، فمحاولاتنا كأفراد في سلطة منتخبة، قد تفلح في إنجاز جزء من المشروع، ولكنها قد تتعثر في سائر أجزائه، وعندها، فهي في حاجة لدعم شعبي وسياسي، يشاركها نفس المبادئ والأفكار.
من جانبه قال مندوب ليبيا لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الدكتور صالح مفتاح العلام الزوي والموالي للحكومة المعترف بها دوليا: إن الميليشيات التابعة لداعش أطالت من عمر العملية العسكرية في بنغازي، واتهم المؤتمر الوطني الليبي (برلمان طرابلس) بإدخال ليبيا في حالة الفوضى، في إشارة منه لمصراتة، وفي نفس الوقت من قبل بعض الميليشيات التي تتبعهم، وتمضي على حسب النهج التكفيري، في كل من سرت وإجدابيا؛ إذ أن هناك من يحاول أن يزودهم بالمئونة والعتاد العسكري، فضلًا عن المبعوث الأممي برناردينيو ليون والمجتمع الدولي، الذين يلعبون، حسبه، دورا تواطئيا، أكثر من كونه دورًا لتحقيق وساطة ومصالحة في ليبيا.

التدخل العسكري هو الحل

التدخل العسكري هو
محللون يرون أن الوضع الليبي غير قابل للحل السياسي الذي تدعو إليه دول جوار ليبيا وعلى رأسها الجزائر المختلفة في موقفها مع مصر المؤيدة للتدخل العسكري.
وأكدوا أنه في حال اتفاق الفرقاء على تشكيل حكومة الوحدة وتفعيل الاتفاق السياسي، فإن هذا الحل لن يصمد كثيرًا على أرض الواقع؛ لأن الفاعلين السياسيين الليبيين لا يمتلكون سلطة على قادة الميليشيات الإسلامية المسلحة المرتبطة بأجندات خارجية.
 ويشير المحللون إلى أن التدخل العسكري هو الحل في ليبيا باعتبار أن خارطة النزاع المسلح غير محددة وواضحة، فالمواجهات المسلحة لا تدور أساسًا بين قوتين وإنما بين قوى متضاربة المصالح ودخول كتائب وميليشيات مسلحة على خط الصراع يؤكد الرغبة السائدة بالاستفراد بالنفوذ السياسي والعسكري.

شارك