هل تحولت بلجيكا لـ"ترانزيت " تصدير الدواعش إلى أوربا ؟
السبت 21/نوفمبر/2015 - 09:46 م
طباعة

لم تمر بضع ساعات على الأحداث الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ فرنسا والتي حصدت 130 قتيلا في العاصمة باريس حتى طفت بلجيكا على سطح الأحداث كمحطة "العبور " الرئيسية للإرهابي "داعش " المنفذين للعملية وهو الأمر الذى طرح العديد من التسأولات حول كيف تحرك الإرهابيين وخططوا للعمليات في غفلة من السلطات البلجيكية وهل تحولت بروكسل الى محطة لتصدير الإرهاب الداعشي الى اوربا؟ .

ومع مرور الوقت تتكشف العديد من الحقائق حول الخطر الذى أصبح يتهدد الدولة الأغنى فى أوربا التى بدأت بالفعل بالشعور بحجم الخطر الأرهابي عليها وعلى خارجها بسبب تنامى الحاضنة الداخلية بها وحمايتها للإرهابيين والتى كشفتها فى البداية الأرقام التى كشفتها سلطات الأمن البلجيكية في وقت سابق عندما أعلنت عن التعرف على نحو 494 جهاديا بلجيكيا بينهم 272 موجودون في سوريا والعراق منهم 75 يعتقد أنهم قتلوا و134 عادوا الى بلجيكا و13 فى طريقهم للعودة.
وكشف ايضا فريق عمل من الخبراء تابع للأمم المتحدة عن ان البلجيكيين يشكلون العدد الأكبر بين الدول الأوروبية من المقاتلين الأجانب لدى تنظيم (داعش) في العراق وسوريا وقالت اليزابيتا كارسكا رئيسة فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في بيان لها إن "عدد المقاتلين الأجانب من الجنسية البلجيكية هم الأعلى بين الدول الأوربية وفقا لنسبة عدد المقاتلين الذين يلتحقون بصفوف تنظيم داعش للمشاركة بالمعارك في العراق وسوريا"، وعلى السلطات البلجيكية أن تظهر رؤية وطنية شاملة وتتخذ إجراء حيال قضية المقاتلين الأجانب على المستوى الفيدرالي والإقليمي والمحلي".

وأضافت أن "التهديد الذي يشكله هذا التوجه على أمن البلاد يعد تهديدا كبيرا"، مشددة على، ضرورة "معالجة هذه المشكلة عبر جهد جماعي يشمل كل قطاعات المجتمع البلجيكي للتوصل الى ايجاد حلول لهذه الظاهرة وان هناك 207 بلجيكي في سوريا قتل منهم 77 وعاد منهم 128 وان 62 مقاتل اخر فشل بالوصل الى العراق او انهم رجعوا من هناك، حيث تمت مقاضاة 46 مقاتلا اجنبيا بعد عودتهم.
وقد حذر جاك ريس المدير العام لإدارة أمن الدولة البلجيكية من ذلك قائلا " 70% من الشبان البلجيكيين الذين سافروا إلى سورية يقاتلون إلى جانب داعش وبعض العائدين نجحوا بتشكيل شبكات وخلايا نائمة مؤهلة للقيام بأعمال إرهابية في أوروبا على مدى السنوات القادمة وان هناك صعوبة في التعاطي مع هذه الظاهرة التي تعرف اعلامياً بـ"المقاتلين الأجانب".
هذا الامر وضع بلجيكا كملاذا آمنا "نسبيا" للإرهابيين ، وفى الوقت نفسه تصبح أكثر الدول الأوروبية تصديرا للإرهابيين إلى سوريا والعراق الذين فضلوا إحياءها كمركز للتخطيط والإعداد وخاصة ضاحية "سان جون مولنبيك" التي تعتبر قاعدة خلفية للمتطرفين في أوروبا والتى كان من بين المقيمين فيها عبدالحميد أباعود العقل المدبر لاعتداءات باريس ، بالاضافة الى الأخوان إبراهيم وصلاح عبدالسلام المتورطان أيضا في هذه الاعتداءات الدامية .

تاريخ أبناء الحي ذوى الغالبية المغاربية المسلمة بنسبة 80% يكشف عن التاريخ الحافل بالارهاب حيث ان منهم :
1- المتورطون والمنفذون لهجمات مدريد الدامية عام 2004، والتي أودت بحياة 191 شخصا وإصابة 1800 آخرين وكان حسن الحسكي الذي ادين بالمشاركة في تدبير الاعتداءات من قاطنيها .
2- كان من بين قاطنيه منفذو عملية اغتيال القائد الأفغانى أحمد شاه مسعود في بلدة خوجة بهاء الدين بولاية تخار الأفغانيةعام 2001م .
3- كان من بين قاطنيه مهدى نموش المشتبه به الرئيسي في الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل في مايو 2014.
4- خرج منه أيوب الخزانى منفذ الهجوم على قطار تاليس بين أمستردام وباريس والذى نزل عند شقيقته المقيمة هناك قبل أن يستقل القطار
5- تبين أن خلية إرهابية تم تفكيكها في فيرفييه شرق بلجيكا كانت على ارتباط بالضاحية
وتقول فرنسواز شيبمانس رئيسة بلدية ملنبيك، ، إنه «رغم إن جميع المتورطين في الأحداث الإرهابية أو المنفذون لها لا ينحدرون جميعهم من البلدة، إلا أنه في معظم الأحيان يقيمون بشكل عابر بها وأن بعض الأحياء مكتظة للغاية ويضم سكانها 80 %من المنحدرين من أصول مغربية، فيكون التخفى أسهل على ذوي النوايا السيئة الذين يكتفون بالعبور في البلدة.

السلطات البلجيكية قامت بعدة إجراءات لحماية امنها الداخلة ومنع تحولها الى معقل للارهابين الدواعش فقامت بما يلى :
1- تعزيز قوانينها لمكافحة الإرهاب من خلال عدة اجراءات وقتية وطويلة المدى منها إغلاق المحال التجارية في وسط العاصمة البلجيكية بروكسل أبوابها بعد أن كشف رئيس الوزراء شارل ميشيل عن معلومات حول تهديدات إرهابية يشنها أشخاص بأسلحة ومتفجرات وأعلنت شرطة النقل البلجيكية العامة إغلاق كل محطات قطار الأنفاق في بروكسل، يوم السبت21-11-2015م ، بعدما رفعت السلطات حالة الإنذار إلى الدرجة القصوى، بسبب تهديد إرهابي "وشيك" وقالت في بيان لها "بتوصية من مركز الأزمة في الإدارة العامة الفيدرالية الداخلية ستبقى كل محطاتنا للمترو مغلقة اليوم وهذا "إجراء احتياطي".
2- تفكيك شبكات تجنيد الخلايا الإرهابية حيث قامت الجهات الامنية بـ6 مداهمات في منطقة بروكسل "ضمن الأوساط المقربة" من بلال حدفي، أحد الإرهابيين الذين قتلوا في اعتداءات باريس ومن هذه المناطق حي مولنبيك " و سان جان وجيت واوكلي كما جرت مداهمة أخرى في حي لاكن في العاصمة تم خلالها توقيف شخص واحد " و 9 أشخاص في بروكسل.

3- رفع درجة الاستعداد الامني حيث قالت هيئة التنسيق لتحليل التهديدات التابعة لوزارة الداخلية البلجيكية" إنه على ضوء تقييمنا الأخير، تقرر رفع مستوى الإنذار الإرهابي في منطقة بروكسل إلى الدرجة الرابعة، ما يعني أن هناك تهديدا جديا جدا، في حين يبقى مستوى الإنذار في سائر أنحاء البلاد عند الدرجة الثالثة و أن التحليلات تظهر وجود خطر جدي ووشيك يتطلب إجراءات أمنية محددة، إضافة إلى إرشادات تفصيلية للسكان مع ضرورة أن يتجنب سكان العاصمة إلى تجنب الأماكن المكتظة بالناس، والحفلات الموسيقية والمناسبات الكبرى ومحطات الحافلات والمطارات ووسائل النقل المشترك والمتاجر الكبرى التي يرتادها المتسوقون بأعداد كبيرة وعلى سكان بروكسل التعاون لتسهيل إجراءات المراقبة والتفتيش.
4- تفعيل الاجراءات القضائية حيث وجهت النيابة العامة الفيدرالية في بروكسل تهمة الإرهاب إلى شخص أوقف يوم الخميس 19-11-2015م ، لارتباطه بالاعتداءات في باريس وقالت النيابة العامة في بيان ان المتهم "اقتيد امس لاستجوابه في اطار ملف الاعتداءات التي شهدتها باريس الجمعة الماضي، وقد صدرت بحقه مذكرة توقيف وجاهية عن قاضي التحقيق وان الموقوف متهم بالمشاركة في اعتداءات ارهابية والمشاركة في انشطة جماعة ارهابية". وأعطت النيابة العامة الفيدرالية لقوات الأمن تصاريح لبدء حملة مداهمات في منطقة بروكسل وقامت في وقت سابق بتوقيف شخصين خلال مداهمة جرت يوم الجمعة 13-11-2015م في حي ليكن في بروكسل، وان احدهما اطلق سراحه لاحقا والثاني مددت فترة احتجازه من اصل سبعة اشخاص اعتقلوا الخميس 12-11-2015م بشبهة ارتباطهم ببلال حدفي، أحد المتطرفين الذين قتلوا في اعتداءات باريس.

5- اجراء تعديلات "جذرية" على القوانين في البلاد حيث قررت الحكومة البلجيكية، اعتقال كل عائد من سوريا بشكل فوري، وإلزام المتشددين حمل سوار إلكتروني و إغلاق كافة المساجد التي تنشر التشدد، وترحيل الأئمة المتطرفين وتعهد شارل ميشيل رئيس وزراء بلجيكا بتخصيص مبلغ 400 مليون يورو إضافي لمحاربة العنف ورفض الانتقادات الموجهة لأجهزة الأمن البلجيكية بعد هجمات باريس. وقال في كلمة أمام البرلمان "تم تخصيص ميزانية إضافية قيمتها 400 مليون يورو في ميزانية 2016 لتعزيز قدرة أجهزة الأمن لمحاربة الارهاب".
وقال للمشرعين إن الحكومة ستقدم قوانين تقضي بسجن المتطرفين العائدين من سوريا وتحظر وعاظ الكراهية وتغلق أماكن العبادة غير المسجلة ردا على هجمات الاسبوع الماضي ومنع الشبان الصغار من الذهاب الى القتال أو مناطق التدريب غير كاف و يجب أن نمنع أيضا الاشخاص غير البلجيكيين من العودة إلى أراضينا وبالنسبة لنا فان القانون يجب أن يكون واضحا: المقاتلون الذين يعودون يجب أن يكون مكانهم السجن".
مما سبق نستطيع أن نؤكد أن أحداث باريس كشفت عن خلل واضح في اجراءات الامن الاوربية وهو الامر الذى لم يجعل من المستغرب أن تتحول الدولة الأغنى فى اوربا "بلجيكا " الى محطة " ترانزيت " رئيسية لإرهاب "داعش " بل ويؤهل دول أخرى لتكون مراكز تصدير جديدة لإرهاب التنظيم الأكثر دموية على مدار التاريخ .