المنطقة" الآمنة" بسوريا بين الوهم التركي والتلكؤ الغربي وتحفز "داعش"

الأحد 22/نوفمبر/2015 - 03:06 م
طباعة المنطقة الآمنة بسوريا
 
لا زالت الدولة التركية برأس حكومتها أحمد داود أوغلو ورئيسه رجب طيب أردوغان تُصدر الوهم إلى السوريين بالحديث عن المنطقة الآمنة في سوريا، التي كانت- ولا تزال- محل نقاش واسع طوال الأزمة السورية ولم يبدُ في الأفق أنها في الطريق لتكون واقعاً وإن كانت أحداث باريس قد أعادت مجددًا الحديث حول أهميتها مؤخرًا. 
المنطقة الآمنة بسوريا
تركيا لم تضيع الفرصة وعادت مجددا لتصدير وهمها بالمنطقة الأمنة مستغلة الطموح الغربي الذي نشط مؤخرا للقضاء على داعش بعد أحداث باريس الدامية  حيث كشفت مصادر رسمية تركية أن منطقة آمنة ستفرض خلال أسبوع، في ظل تأييد فرنسي وإمكانية مشاركة في تنفيذ هذه الخطة، وأن أنقرة اتخذت هذا القرار قبل عقد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها تركيا في نوفمبر 2015م، وأنه من المفترض أن تمتد هذه المنطقة من مدينة جرابلس إلى أعزاز الحدوديتين مع تركيا، لتكون ملجأ آمنًا للسوريين داخل بلادهم من الصراع الدائر في سوريا ومن ضربات قوات النظام السوري.
 وتابعت أن تركيا لن تقوم بعمليات برية لإيجاد هذه المنطقة، بل ستقوم بعمليات دعم جوي ومدفعي مكثف لقوات المعارضة؛ من أجل السيطرة على الأراضي المطلوبة لإقامة هذه المنطقة الآمنة، وأن فرنسا ستكون على الخط مع تركيا، وأن محادثات تجري لاستخدامها قواعد تركيا الجوية، في حين تقوم الولايات المتحدة بإرسال المزيد من الطائرات إلى قاعدة إنجرليك العسكرية، وأن تركيا ستلتزم بحماية المنطقة الآمنة ومنع أي منظمات من الاقتراب منها بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، وستقوم قوات المعارضة المعتدلة بتأمين المنطقة على الأرض.
المنطقة الآمنة بسوريا
 مصير المنطقة "الآمنة" أو "العازلة" دائما ما يتأرجح بين تصريحات رسمية تركية تؤكد اتفاق أردوغان وأوباما على تفاصيل إقامتها، وأخرى أمريكية تنفي حدوث أي شيء من هذا القبيل؛ وهنا تبرز علامات الاستفهام متسائلة عن مصيرها وجدوى إقامتها . 
 الأهداف السامية للمنطقة الآمنة يمكن تلخيصها فيما يلي: 
1- توفير ملاذ آمن للاجئين السوريين الفارين من قصف الطائرات، وصواريخ سكود، وبراميل الأسد المتفجرة وأسلحته الكيميائية، إلى حين تمكينهم من العودة إلى أراضيهم.
2- تمكين المؤسسات المدنية والمنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية من تشكيل قاعدة مهمة للتموين والاستراحة والتخطيط وإسعاف المصابين والجرحى عبر فرض مناخ ملائم . 
وعلى الجهة الأخرى نجد أهدافًا براجماتية تركية صرفة تهدف منها تركيا إلى إنشاء المنطقة الآمنة تتمثل فيما يلي:
1- وقف تسلل المسلحين، وبالتالي تخفف العبء على تركيا من تدفق المزيد من اللاجئين إليها. 
2- دعم الحكومة السورية المؤقتة الموجودة في تركيا ومساعدتها في تقديم خدماتها على أوسع نطاق في الداخل السوري.
3- تشكيل قاعدة خلفية للثوار وملاذ آمن للمنشقين من عسكريين ومدنيين، والهاربين من النظام السوري. 
4- إبعاد خطر تنظيم داعش عن الحدود التركية. 
5- منع قيام كيان كردي في سورية محاذٍ للحدود التركية من تنظيم «pyd» الكردي مهما كان شكله.
6- منع الطيران السوري من قصف المنطقة.
7- إعادة السكان المهجّرين في الداخل إلى هذه المناطق الآمنة، وتخفيف أعبائهم الحالية على السلطة التركية.
المنطقة الآمنة بسوريا
8- تنظيم المعارضة السورية وتعزيز دورها لقتال نظام الأسد؛ إذ يتمّ العمل في مرحلة لاحقة، بعد تأمين المنطقة من داعش، للتوجه نحو فتح معركة حلب؛ بغية توسيع حدود المنطقة الآمنة وفرض آليات حل سياسي، بناءً على هذه المعطيات الجديدة.
 الأهداف السامية السورية والبراجماتية التركية تصطدم غالبًا بالمثبطات الأمريكية المتضاربة ففي الوقت الذي كشف فيه فريدون أوغلو، وكيل وزارة الخارجية التركية، أن أردوغان اتفق مع أوباما على تفاصيل المنطقة الآمنة بشمال سوريا والتي أضحى إعلانها "مسألة وقت لا أكثر"- خرجت وزارة الخارجية الأمريكية تنفى الروايات التركية بهذا الصدد، وتؤكد على أن الحوارات الاستراتيجية بين الجانبين منصبة على كيفية تقويض "داعش"، حيث تتطلع واشنطن إلى منطقة "خالية من مقاتلي التنظيم وليس منطقة "آمنة"، كما لا يرى التحالف الغربي ضرورة لمثل هذه المنطقة التي ستحول دونها صعوبات عديدة.
 وعلق نواه بونزي، كبير محللي شئون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية على هذا التناقض قائلا: "إن تركيا تستخدم عبارة "منطقة آمنة"، لكن المسئولين الأمريكيين لم يستخدموا هذا التعبير، إذ لا تزال واشنطن غير مستعدة بعد لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الهجمات الجوية التي يشنها النظام السوري" لينضم له الأمين العام للحلف الأطلسي قائلا: "إنه لم يناقش إقامة منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة داخل سوريا، خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع وزير خارجية تركيا بإسطنبول، كما لم تكن تلك المسألة مطروحة من الأصل على جدول أعمال الحلف، خصوصًا أن كثيرًا من الدوائر الأمنية الأوروبية ما زالت تؤكد استمرار تورط أنقرة في عملية تمرير المسلحين إلى سوريا، رغم إعلان أنقرة انخراطها الفعلي الحرب على "داعش".
المنطقة الآمنة بسوريا
 وهو ما دفع أغا سيشكين، المحلل التركي إلى القول بأن الموقف الأمريكي نابع من انزعاج واشنطن بشأن مَن سيسيطر على الأرض إذا تم طرد تنظيم "داعش"، لا سيما أن القوى المقاتلة المؤثرة على الأرض هي جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وجيش الإسلام، فيما يبقى الجيش السوري الحر غير قادر على الاضطلاع بدور حيوي في هذا المضمار، وبالتالي تخشى واشنطن من أن تهيمن جماعات تابعة لتنظيم القاعدة على المنطقة العازلة تحت مظلة جوية تركية.
وهنا تبرز المعوقات المانعة لإقامة المنطقة العازلة والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- غياب الغطاء الشرعي الدولي؛ لأن إقامتها تستوجب موافقة مجلس الأمن الدولي، وهو ما تفتقده الحالة السورية حتى الآن على الأقل.
2- رفض النظام السوري لإقامة منطقة عازلة بمحاذاة الحدود مع تركيا؛ لأنها تشكل انتهاكًا سافرًا لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، كما لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.
3- عدم صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدعم إقامتها؛ حيث حاولت تركيا الحصول على دعمه في عام 2012، ولكنها فشلت بسبب الاعتراض الروسي.
4- الخلط المفاهيمي؛ حيث يشكل الخلط السائد بين الأطراف الدولية المختلفة حول المنطقتين "العازلة" و"الآمنة" معوقًا جوهريًّا. 
المنطقة الآمنة بسوريا
5- ارتفاع كلفة تطهير المنطقة الآمنة من مقاتلي "داعش"؛ حيث تخضع المنطقة المعنية الآن لسيطرة التنظيم، الذي يتوقع ألا يتنازل عنها بسهولة، وحتى لو أُجبر على الانسحاب منها، فمن غير المحتمل أن يخليها من دون تطبيق سياسة الأرض المحروقة؛ بحيث يجعلها غير صالحة للسكن قدر المستطاع، وذلك على غرار تجربة مدينة كوباني التي تقطنها أغلبية كردية؛ حيث زرع الداعشيون المنسحبون الألغام والشراك الخداعية، وزرعوا المتفجرات داخل الجثث، حتى أصبح ما يقرب من 70% من المدينة غير صالح للعيش فيها. 
6- صعوبة إقناع اللاجئين بالعيش في المنطقة الآمنة، فمن بين مليوني لاجئ سوري مسجلين في تركيا، لا يعيش سوى مئتي ألف فقط داخل مخيمات اللاجئين، بينما تتوزع الغالبية العظمى منهم على المدن التركية. 
7- وجود صعوبات جيوستراتيجية تتجلى في أن إنشاء منطقة آمنة يتطلب إيجاد قوات كثيفة ومدربة على الأرض، وحتى الآن لا تزال تحديات داخلية وإقليمية شتى، تحول دون إيفاد تركيا قواتها إلى الأراضي السورية، خصوصًا بعدما هددت إيران بتحويل الأخيرة إلى قبر للجيش التركي حال دخوله سوريا.
8- يستوجب إنشاء تلك المنطقة منع أية قوات للأسد أو الأكراد أو "داعش" من الدخول إليها، وهذا أمر يصعب تحقيقه على الأرض، لا سيما أن رأس الحربة في مواجهة "داعش" هم مقاتلون أكراد بالأساس، فكيف يتم منعهم بينما لا يتوقف الأمريكيون وحلفاؤهم عن دعمهم سياسيًّا وعسكريًّا حتى الآن، كما رفضت واشنطن مطلب أنقرة اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري منظمة إرهابية.
المنطقة الآمنة بسوريا
أما من الناحية الواقعية على الأرض فيفضل الأتراك سيطرة الجيش السوري الحر على تلك المنطقة وحمايتها بحماية جوّيّة أمريكيّة وتركيّة، مع عدم السماح بأي وجود لجبهة النصرة ذراع القاعدة في هذه المنطقة لترد عليها النصرة بالإعلان عن الانسحاب من المناطق التي تنوي أنقرة أن تقيم فيها المنطقة العازلة أو الآمنة؛ من أجل لحفاظ على مصالحها وعدم رغبتها في حدوث أية مواجهة، أو تصادم مع مشروع أنقرة في المنطقة، لتدعم الفصائل المسلحة السورية المعارضة الأمر بالإعلان عن دعم وتأييد التعاون مع الجيش التركي في إنجاح المنطقة الآمنة، وهو الأمر الذي يكشف عن دعم تركي وتنسيق ميداني وسياسي بين الفصائل الثورية. 
تنظيم داعش اعتبر الأمر جديّاً ومهددًا لمناطق سيطرته في ريف حلب الشمالي والشرقي؛ ولذلك فقد بدأ بتعزيز مواقعه ميدانياً للدفاع عن مناطق سيطرته في المنطقة المقابلة للحدود التركية، الممتدة من مدينة مارع في ريف حلب الشمالي حتى مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي، وهي "المنطقة الآمنة" التي تريد تركيا إنشاءها؛ حيث قام بحفر خندقين ضخمين في محيط مدينة الباب. 
المنطقة الآمنة بسوريا
 الخندق الأول على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى شمال مدينة الباب قرب مفرق "الحدث"، على طريق الباب- الراعي السريع، وبلغ طول الخندق أكثر من كيلومتريْن على جانبي الطريق، بعمق زاد عن خمسة أمتار؛ الأمر الذي يسمح بتمركز المدرعات داخل الخندق باعتباره خطّ الدفاع الأول عن مدينة الباب التي تعتبر مقر والي التنظيم في حلب؛ وذلك لتعزيز سيطرته على كامل الأراضي السورية شرق المدينة، وصولاً إلى الحدود العراقية ومروراً بمحافظة الرقة وريف الحسكة الجنوبي بالكامل كما يسيطر التنظيم على مناطق ريف حلب الشرقي الواقعة جنوب مدينة الباب.
الخندق الثاني وهو الأطول والأضخم في محيط مدينة الباب مباشرة؛ إذ امتد هذا الخندق بطول يزيد عن خمسة عشر كيلومتراً من منطقة البازار في مدخل مدينة الباب الشمالي حتى أطراف بلدة بزاعة شرقاً، ومن ثم جنوباً حتى منطقة المزارع، وصولاً إلى منطقة صوامع الحبوب، قرب دوار تادف، جنوب مدينة الباب ولم يحتَاج التنظيم إلى مدّ الخندق إلى أطراف مدينة الباب الغربية، بحكم وجود جبل الشيخ عقيل في المنطقة، الذي يقيم فيه التنظيم تحصينات كبيرة منذ وقت طويل، وذلك بالتزامن مع إعداد التحصينات الدفاعية في محيط مدينة الباب، بحفر عدد كبير من الخنادق الصغيرة في محيط مدينة جرابلس وبلدة الراعي وعلى طريقي منبج حلب ومنبج جسر قراقوزاق. 
المنطقة الآمنة بسوريا
مما سبق نستطيع أن نؤكد على أن المنطقة" الآمنة" بسوريا لا زالت تتمزق بين  الوهم التركي ونتائج التلكؤ الغربي غير الجاد حتى الآن في تنفيذها، وسط تحفز واضح من "داعش"، ولكن على ما يبدو أن الواقع يصر على إحراج الجميع، بدايةً من اسطانبول ونهايةً بواشنطن، مرورًا بداعش الدموية التي تخوض معارك وجودها.

شارك