مع توسع نفوذه.. هل تنجح مساعي دول الجوار في دحر "داعش" ليبيا؟
الأربعاء 02/ديسمبر/2015 - 12:36 م
طباعة

في الوقت الذي تشهد فيه ليبيا حالة من الفوضى، واستغلال الجماعات الإرهابية لهذه الحالة لتتوسع بنفوذها في البلاد، وتتخذ منها مسرحًا لفرض نفوذها بالداخل، أفاد تقرير للأمم المتحدة أمس الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 بأن تنظيم داعش يواجه صعوبات في توسيع نفوذه بليبيا نظرا لمشاكل في التمويل، فضلًا عن عداء السكان له.
ليبيا مسرح الجماعات الإرهابية

كشف التقرير الصادر عن لجنة العقوبات ضد تنظيم القاعدة في الأمم المتحدة أن الأراضي الليبية باتت مسرحًا للجماعات الإرهابية وتستقطب المتشددين من كافة أنحاء العالم؛ بسبب الظروف السياسية والتحديات الأمنية؛ الأمر الذي بات يهدد المنطقة بأسرها.
وجاء في التقرير أن تنظيم "داعش" يعتبر "تهديدًا أكيدًا في ليبيا"؛ حيث يقدر التقرير عدد مقاتلي "داعش" في ليبيا بما بين 2000 إلى 3000 آلاف، بينهم 1500 في سرت، إلى جانب استفادته من المكاسب التي حققها على الأرض، بعد سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق، موضحًا أن ليبيا التي تقع في نقطة وسط بين الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا "تكتسب أهمية استراتيجية" بالنسبة للمسئولين في التنظيم الذين يعتبرون أن هناك "فرصة ممتازة لتوسيع مناطق سيطرة الخلافة المزعومة.
لكن التقرير يفيد بأن التنظيم يواجه مقاومة شديدة من السكان، كما يجد صعوبة في إقامة تحالفات محلية.
ذكر التقرير أن تنظيم "داعش" في ليبيا يبدو عاجزًا عن التوسع سريعًا، انطلاقًا من المواقع التي يسيطر عليها حاليًا في ليبيا، مضيفًا أنه "قادر بالطبع على شن هجمات إرهابية في ليبيا إلا أن العدد المحدود لمقاتليه لا يتيح له تحقيق توسع سريع" والسيطرة على مناطق جديدة، خصوصًا أن التنظيم لم يتمكن من جذب سوى نحو 2000 مقاتل أجنبي، غالبيتهم من دول المغرب العربي بشكل خاص، وهو غير قادر على التجنيد على المستوى الدولي، كما يحصل في سوريا والعراق، كما أنه لم يسجل وجود أوروبيين في صفوفه أو انضمام نساء وعائلات.
ولفت التقرير إلى أن التمويل يعد عقبة أساسية أمام توسع التنظيم؛ حيث يعتبر الخبراء أن التنظيم غير متورط في تجارة المخدرات وفرض الإتاوات أو استغلال المهاجرين الراغبين بالهجرة إلى أوروبا، واعتبروا أن "عمليات التنظيم في ليبيا لا تبدو مربحة ماديًّا" بعكس ما هو حاصل في سوريا والعراق.
وقدر غالبية الخبراء الذين أعدوا التقرير أن التنظيم "غير قادر في الوقت الحاضر على الاستفادة فعليًّا من العائدات النفطية في ليبيا"، ولكي يتمكن من ذلك لا بد له "من تعزيز وجوده في ليبيا وتوسيع الأراضي التي يسيطر عليها".
مناطق تمدد "داعش"

على الرغم من أن التقرير يؤكد صعوبة توسع داعش، إلا أن تنظيم "داعش في العراق وسوريا استمر بإرسال مبعوثين حاملين تعليمات إلى "داعش ليبيا"، وفق التقرير الذي أشار أيضًا إلى أن أكثر من 800 متشدد رجعوا من الأراضي السورية والعراقية للانضمام إلى المتشددين بليبيا.
جدير بالذكر أن داعش ليبيا، الذي يضم قرابة 3 آلاف متشدد، كان قد سيطر على مدينة سرت قبل أن يتمدد إلى بنغازي ودرنة وصبراتة، حيث نجح في الانتشار في بعض الجيوب، مستغلا النزاع الذي تخوضه القوات الشرعية مع الإرهاب.
ويسعى الجيش الليبي إلى دحر الميليشيات المتشددة؛ حيث يعاني من نقص في التسليح؛ بسبب الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد السلاح إلى ليبيا؛ الأمر الذي جعل الحكومة الشرعية تواجه الإرهاب دون دعم فعال من الدول الغربية.
وكانت حذرت تقارير عالمية من أن تنظيم داعش توسع في ليبيا، وأقام قاعدة جديدة له بمدينة سرت الليبية وذلك على الرغم من تكثيف القوى الغربية ضغوطها ضد التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق.
وذكرت التقارير أن مدينة سرت الليبية أصبحت أول مدينة تخضع لحُكم تنظيم داعش خارج سوريا والعراق، مشيرة إلى تزايد تواجد تنظيم داعش في سرت؛ حيث ارتفع عدد العناصر المقاتلة التابعة للتنظيم بالمدينة من مائتين في العام الماضي إلى نحو 5000 عنصر، وذلك وفقًا لتقديرات مسئولي الاستخبارات الليبيين وسكان المنطقة.
واستغل التنظيم الإرهابي حسب التقارير الانقسامات الحادة التي تشهدها ليبيا لإقامة معقل جديد في سرت المطلة على ساحل البحر المتوسط المقابل لإيطاليا.
وقالت مصادر عسكرية ليبية: إن "الدواعش" يتدربون في بلدة سرت في شمال وسط ليبيا على قيادة الطائرات، وفق ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية اليوم الأربعاء، مضيفة أن عناصر التنظيم يستخدمون جهاز محاكاة واحدًا على الأقل للطيران.
وأوضحت المصادر أنه غير معروف المصدر الذي حصلوا منه على جهاز المحاكاة، الذي يبلغ حجمه حجم سيارة صغيرة ويشبه مقصورة الطائرة، بما فيها من أدوات تحكم في الإقلاع والهبوط وتحديد المواقع بخطوط الطول والعرض والاتصال بأبراج المراقبة.
وذكرت المصادر أنه بعد أن ساد الاعتقاد بين المحققين في ليبيا بأنه ربما جرى الاستيلاء على الجهاز من إدارات التدريب في مطارات القذافي المنهوبة، تقول المعلومات: إن "الجهاز حديث.. ما يعني أنه وارد من خارج البلاد".
وقال مسئول أمني يعمل ضمن فريق في متابعة نشاط "داعش" في شمال إفريقيا إنه توجد بالفعل معلومات عن تدرب "الدواعش" في ليبيا على قيادة الطائرات المدنية. وأضاف أن طائرات من القوات الجوية الليبية ضعيفة التسليح حاولت مراًرا تدمير موقع واحد على الأقل تجري فيه عمليات التدريب خلال الشهر الماضي لكن لم تحقق نتائج تذكر.
توسع نفوذ داعش

كان دشن داعش ١٢ معسكرًا لتدريب مقاتليه في ليبيا، بعد إحكام سيطرته على مدينة سرت وإعلانها عاصمة لدولة الخلافة المزعومة.
وأنشأ التنظيم مقرات للمحاكم الشرعية وجهازًا للشرطة، فضلًا عن المعسكرات التي تضم ما يزيد على ١٠ آلاف مقاتل، بواقع ٨٦٠ ليبيًا، و٥١٤٠ أجنبيًا، منهم ٢٣٠٠ تونسي، و١٤٥٥ سودانيًا، بخلاف النساء والأطفال المجندين باسم أشبال الخلافة، والذين يحتفل التنظيم بتخريج أولى دفعاتهم خلال أيام.
وتضم منطقة الظهير غرب سرت ٥ معسكرات، هي معسكر الفاروق عمر، والتوحيد، والمهاجرين، (وهو أكبر المعسكرات على الإطلاق، ويبعد عن جنوب مزرعة عجاج أحميد بـ٥ كيلومترات)، ومعسكر أسود الخلافة، وجميعها معسكرات للإعداد البدني والقتالي، إضافة إلى معسكر أسامة بن زيد، بمنطقة الظهير، والذي يحظى بأهمية كبيرة، كونه مخصصًا لتجنيد الأطفال، عن طريق عناصر متخصصة في المدن والمناطق التي يوجد بها التنظيم الإرهابي.
وأعلن التنظيم عن تخريج الدفعة الأولى لهؤلاء الأطفال الليبيين أشبال الخلافة الذين يبلغ عددهم ٨٥ طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين ١٣ إلى ١٥ سنة، وتلقوا تدريبات على مدى ٣ أشهر على التفخيخ والعمليات الانتحارية، بينما ستلحق بهم دفعة ثانية تشمل ٧٠ طفلًا يبدأ تدريبهم بداية ديسمبر الحالي وتخريجهم مارس المقبل.
كما تشمل المعسكرات معسكر الراية وهو مقر للشرطة العسكرية الليبية سابقًا، وذات الصواري بمنطقة السبعة، والرواسي بالنقطة البحرية في منطقة الزعفران، والفاتحين، مقر الدعم المركزي السابق بجوار فندق المهاري، وأبومصعب الزرقاوي بمقر جهاز أدبيبة، وأبوداوود الجزراوي، القائم بمقر معسكر الدفاع الجوي سابقًا، والعاديات غرب طريق جارف.
وتستمر هجرة المقاتلين والعناصر الإرهابية، عبر السودان ومالي ونيجيريا وتشاد، قادمة من دول آسيوية وجماعات إفريقية، وتحتل بوكو حرام المرتبة الأولى من حيث التنظيمات الأعلى تصديرًا للمقاتلين، فخلال أيام استطاعت الحركة تصدير ٢٠٠ مقاتل جديد، تم استقبالهم في منطقتي الكفرة وسبها في الجنوب الليبي، واصطحابهم بمعرفة عناصر التنظيم الليبية إلى سرت.
فيما أعلن مسئول عسكري في القوات الموالية للحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا أن داعش يحاول التمدد نحو مدينة إجدابيا في شرق ليبيا، وأن هذه القوات تحاول منعه غبر تنفيذ غارات جوية ضد أهداف له.
وتقع إجدابيا بين مدينتي سرت 450 كلم شرق طرابلس الخاضعة منذ يونيو لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، وبنغازي (ألف كلم شرق طرابلس) التي تشهد منذ أكثر من عام ونصف معارك بين قوات الحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا وجماعات مناهضة لها.
وقال مسئول عسكري رفيع المستوى في هذه القوات لوكالة فرانس برس: إن "سلاح الجو استهدف ظهر اليوم الثلاثاء اجتماعًا لعدد من المتطرفين في منزل بالحي الصناعي جنوب إجدابيا".
فيما قال محمد الجارح، المحلل الليبي من مركز الحريري للشرق الأوسط: إن تنظيم داعش في العراق والشام يتوسع في سيطرته على المدن والقرى الليبية شمالا وجنوبا، موضحًا أن داعش لديه سيطرة كاملة على مدينة سرت وهم يسيطرون على مساحة تتراوح بين 150 إلى 200 كيلومتر من المناطق الساحلية حول سرت وجنوبا إلى بلدة أبوغرين بنحو 120 كيلومترا وعلى بعد 60 كيلومترا عن مدينة مصراتة، وإلى الشرق هم على مشارف بوابات النفط الرئيسية في ليبيا، وتشير التقارير إلى أنهم يعززون قواتهم في بلدة النوفلية التي تبعد 40 كيلومترا فقط عن أهم منطقة نفطية في ليبيا.
وأضاف: هناك مصادر في مدينة سرت تؤكد وصول العديد من المقاتلين الأجانب على مر الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، من مالي ومن نيجيريا ولواء كامل من تونس كلهم يتواجدون حاليًا في سرت أو إلى الجنوب من المدينة في الصحراء الليبية وحول منطقة تدعى جفرا، مشيرًا إلى أن التنظيم الإرهابي أرسل العديد من عناصره إلى سرت؛ حيث تفيد العديد من التقارير إلى تحركات حول ميناء سرت؛ الأمر الذي قد يشير إلى وصول العديد من هؤلاء المقاتلين عبر البحر.
مساعي دول الجوار لحل الأزمة

في سياق متصل، دعت دول جوار ليبيا إلى "تكثيف وتنسيق" الجهود لمواجهة انتشار "الإرهاب"، معربة عن قلقها من تمدد داعش.
وأكد اجتماع في الجزائر ضم ممثلين عن وتونس ومصر والسودان والنيجر وتشاد بحضور الأمم المتحدة أهمية التوصل إلى حل سياسي في ليبيا، وأعربت الدول المشاركة عن دعمها السلطات الليبية فور تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ودعا اجتماع أمس الثلاثاء الذي تركز على الأزمة الليبية إلى "تكثيف وتنسيق" الجهود؛ من أجل التصدي لانتشار "الإرهاب" في هذا البلد المنقسم بين حكومتين متخاصمتين.
وعبر الوزراء المشاركون في الاجتماع لرئيس بعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا مارتن كوبلر عن دعمهم التام لمهمته في التوصل إلى حل سياسي وسلمي للأزمة في ليبيا، منوهين بالجهود التي بذلها سلفه برناردينو ليون.
وترى دول جوار ليبيا أن غياب أي حل للأزمة بهذا البلد يصب في مصلحة الإرهاب بمختلف شبكاته ذات الصلة بالجريمة المنظمة، وجميع أشكال التهريب العابر للحدود، خاصة تلك المتعلقة بالمخدرات والأسلحة والمقاتلين الأجانب والهجرة غير النظامية، التي تشكل تهديدًا لأمن واستقرار ليبيا ودول الجوار، وفق البيان الختامي.
ويقول مراقبون: إن هناك تفاؤلًا بقرب حل الأزمة الليبية واضحاً من خلال تصريحات وزراء خارجية الجوار الليبي والمبعوث الأممي الجديد، الذي توقع مفاجآت لليبيين وجيرانهم قريباً.
ويرون أنه لكي يصل التفاؤل إلى مداه يجب التركيز على نقاط أساسية لخصها وزير الخارجية التونسي في نقاط أبرزها تجنب التدخل العسكري وترك الأمر لليبيين وحدهم، لكن يجب أيضاً على دول الجوار أن تكون مسئولة في مساعدة ليبيا في تكوين شرطة وجيش قويين.
وشدد الموقف الجزائري، المتناغم مع موقف تونس ودول الجوار الأخرى، على الحل السياسي دون سواه والابتعاد عن دعوات تسليح الجيش الليبي، حيث حذر وزير الاتحاد الإفريقي، عبدالقادر مساهل، من غياب الدولة المدنية في ليبيا.
في سياق مواز، وضعت فرنسا، ليبيا، على أجندتها في مكافحة الإرهاب للأشهر المقبلة، في إطار الحملة الأمنية المشددة التي تتخذها باريس منذ الهجمات التي ضربت العاصمة في 13 نوفمبر الماضي، وأدت إلى مقتل أكثر من 130 شخصًا.
ومع مواجهة ليبيا لكل هذه المخاطر، فقد تؤدي مساعي دول الجوار إلى حل للأزمة الليبية، ولكن مع التصدي لتنظيم داعش الإرهابي الذي يهدد ليبيا ودول الجوار.