سرت.. مسقط رأس القذافي عاصمة "داعش" الجديدة في ليبيا
الخميس 03/ديسمبر/2015 - 02:44 م
طباعة

حالة من الفوضى تشهدها ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، في ظل تخاذل المجتمع وانشغاله بالمفاوضات لمواجهة الجماعات الإرهابية في العالم، وبالأخص في أعقاب سلسلة هجمات العاصمة الفرنسية باريس والذي انتفض العالم لأجلها، دون الأخذ في الاعتبار تمدد وتنامي نفوذ التنظيم الإرهابي "داعش" في ليبيا.
"سرت" خارج السيطرة

في ذات الوقت أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي أن مدينة سرت أصبحت خارج السيطرة، لتدفق المقاتلين العرب والأجانب عليها، وذلك بعد يوم من إعلان تنظيم داعش الإرهابي المدينة، عاصمة لتنظيم الدولة.
وكشف المتحدث باسم الداخلية الليبية، معلومات مؤكدة عن وصول أعداد من مقاتلين كانوا في العراق وجاءوا إلى سرت، عبر المتوسط، من الحدود التركية.
الخبير في الشئون الليبية في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتييا توالدو، يقول: إن القيادة المركزية لهذا التنظيم استثمرت في ليبيا منذ وقت طويل، والآن بات المقاتلون الأجانب يتدفقون على سرت بدلًا من التوجه إلى سوريا، مضيفًا أن معقل التنظيم في ليبيا يتحول إلى مركز الاستقطاب الرئيسي للمتشددين في المنطقة.
وكان تمكن التنظيم الإرهابي "داعش" في فبراير الماضي من دخول مدينة سرت مسقط رأس معمر القذافي والواقعة على بعد 450 كلم شرق طرابلس، قبل أن يفرض سيطرته التامة عليها في يونيو إثر معارك خاضها مع قوات "فجر ليبيا" الموالية لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليًا، والتي تضم في معظمها جماعات محسوبة على تيار الإخوان المسلمين.
وكان مسئولون ليبيون حذروا، في وقت سابق، من أن تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على مدينة سرت في شمال ليبيا، يسعى لنقل مقر خلافته من سوريا والعراق إلى ليبيا، وتعتبر سرت الليبية هي أول مدينة خارج سوريا والعراق تصبح تحت هيمنة التنظيم الإرهابي.
ويرى مراقبون أن التنظيم سيجعل من سرت منطلقاً لإحكام قبضته على معظم الأراضي الليبية؛ لتكون ليبيا قاعدة جديدة له؛ حيث إن عدد عناصر داعش المقاتلة ارتفع من 200 مقاتل العام الماضي، إلى أكثر من 5000 مقاتل حاليًا.
معقل الإرهابيين

ووفق متابعين فإن تنظيم داعش استغل الوضع السياسي المنقسم في ليبيا ليؤسس له دولة جديدة قيد الإنشاء في ليبيا على مقربة من أوروبا.
فيما استغلت الجماعات المسلحة حالة الدمار والفوضى التي تشهدها ليبيا، بين حكومتي واحدة تقيم في طرابلس ويواليها ميليشيات فجر ليبيا، وأخرى تقيم في طبرق ويعترف بها دوليًا، لتحويل سرت معقلًا لهم في المرحلة المقبلة.
ويقول المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي الرائد محمد الحجازي: "أصبحت سرت مقر قيادة وتحكم لأعضاء التنظيم، حيث يجري فيها تدريب المقاتلين الجدد ونشر الفكر الداعشي".
ودخل مئات المقاتلين الأجانب إلى سرت والمناطق المجاورة لها، قادمين من تونس والسودان واليمن وحتى من نيجيريا، ليتدربوا ويتجهزوا ويستعدوا لتنفيذ هجمات في دول أخرى.
ويرى محللون أن التنظيم الإرهابي "داعش"، يجد في سرت ملاذًا آمنًا بعيدًا عن أي تهديدات جدية؛ حيث لم تواجهه إلى حد الآن السلطات العسكرية والأمنية في البلاد التي تشهد صراعًا داميًا على الحكم منذ أكثر من عام.
وذكرت دراسة نشرتها مؤسسة "فيريسك مايبلكروفت" التي تقدم استشارات أمنية أمس الأربعاء، أن تنظيم داعش الإرهابي يدرك أن الفوضى في ليبيا توفر له فرصة لتعزيز قدراته، معتبرة أن داعش يستطيع المحافظة على وجود مهم له في البلاد بما يدعم فروعه في المنطقة كلها طالما أن الحرب في هذا البلد قائمة.
ويقول مسئول في المجلس المحلي لسرت يقيم في مدينة مصراتة التي تبعد نحو مئتي كلم شرق طرابلس: "إن كل شيء تغير في سرت. مسلحو داعش يتجولون فيها وكأنها مدينتهم منذ وقت بعيد والصلاة مفروضة على الجميع، مضيفًا أن الأحكام الشرعية بدأت تطبق فيها، والنساء لا يخرجن إلا للضرورة". قائلا: "تمر على نقطة تفتيش فيلقي عليك التحية ملثم سوداني، وعلى بعد أمتار تصادف مسلحًا تونسيًّا وكل هذا يجري والحكومة في طرابلس وكذلك الحكومة في الشرق تتجنبان خوض معركة تحرير هذه المدينة المنبوذة منذ نهاية الثورة"، في إشارة إلى كونها آخر معقل تحصن فيه القذافي قبل مقتله في 2011 وهي أيضا مسقط رأسه.
كان التنظيم الإرهابي "داعش" قد نشر مسبقًا صورًا وتسجيلات من سرت لمحلات تبيع الحلويات واللحوم في محاولة لإظهار وتيرة حياة طبيعية في المدينة، بينما نشر أيضًا أفلام فيديو تظهر إقدام عناصره على بتر يد شخص عقابًا، ساعيًا من خلالها لتأكيد سطوته.
ويسعى تنظيم داعش الذي يقاتل أيضًا القوات الحكومية في بنغازي ألف كلم شرق طرابلس، وفي محيط درنة في أقصى الشرق الليبي، إلى توسيع حدود إمارته المتوسطية عبر التمدد نحو مدن قريبة، ويعيد سيطرته على بلدة النوفلية التي تبعد نحو 120 كلم إلى الشرق من سرت، بدأ يستهدف مدينة إجدابيا على بعد 350 كلم في منتصف الطريق بين سرت وبنغازي والواقعة ضمن منطقة الهلال النفطي.
ويقول محللون: إن تنظيم داعش في ليبيا لا يملك القدرة ذاتها التي يملكها في سوريا والعراق، لكن مع دخول استراتيجية التنظيم في تنفيذ هجمات في الخارج حيز التنفيذ، فإن ليبيا تعتبر جسر عبور مناسبًا نحو أوروبا.
ورأى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الثلاثاء، أن الوضع في ليبيا سيكون الملف البارز الذي سيطرح في الأشهر المقبلة؛ نظرًا إلى التهديد المتعاظم للمتطرفين على أوروبا والدول المجاورة لليبيا وخصوصًا تونس التي سبق أن أعلنت أن منفذي الهجمات الدامية الأخيرة فيها تدربوا في ليبيا.
قوات أمريكية وبريطانية تعمل سرًّا في ليبيا

موازاة لذلك، كشفت وسائل إعلام بريطانية أمس الأربعاء أن قوات بريطانية وأمريكية خاصة تم نشرها في ليبيا لجمع معلومات استخباراتية عن التنظيم الإرهابي.
وأكد مسئولون غربيون، لصحيفة أمريكية، أن قوات خاصة بريطانية، تعمل سراً في ليبيا؛ بُغية مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، ومنعه من فتح جبهة جديدة في البلاد.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسئولين غربيين، أن قوات خاصة أرسلت سراً من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، للمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية وسط ليبيا، خوفًا من نقل "داعش" قاعدته الأساسية إلى هناك.
وأشار المسئولون للصحيفة إلى أن التنظيم الإرهابي أحس بخسارته الأراضي في سوريا والعراق، ويفكر في ليبيا كبديل لنقل مقر خلافته، في حال اضطر للخروج من سوريا والعراق.
ولم تؤكد أو تنفي بريطانيا التقارير الإعلامية، المتعلقة بعمل قوات خاصة تابعة لها على الأراضي الليبية.
مساعي دول الجوار لمواجهة "داعش"
في سياق مواز، جددت دول جوار ليبيا خلال اجتماعها السابع في الجزائر تأكيدها أن الحل السياسي على النحو الذي اقترحته الأمم المتحدة يمثل قاعدة تضمن تسوية دائمة للأزمة الليبية وتمكن من الحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها، معربة عن قلقها البالغ من تنامي النشاط الإرهابي لتنظيم داعش الإرهابي والقاعدة وأنصار الشريعة.
وأعربت دول الجوار في البيان الختامي للاجتماع عن قلقها البالغ إزاء تنامي النشاط الإرهابي في ليبيا لا سيما التنظيم الإرهابي والقاعدة وأنصار الشريعة، داعية إلى تكثيف وتنسيق الجهود للتصدي لهذه الظاهرة.
وترى دول جوار ليبيا أن غياب أي حل للأزمة بهذا البلد يصب في مصلحة الإرهاب بمختلف شبكاته ذات الصلة بالجريمة المنظمة وجميع أشكال التهريب العابر للحدود خاصة تلك المتعلقة بالمخدرات والأسلحة والمقاتلين الأجانب والهجرة غير الشرعية، والتي تشكل تهديداً لأمن واستقرار ليبيا ودول الجوار.
وناشد المجتمعون أطراف الحوار الليبي المصادقة على الاتفاق السياسي المقترح من طرف المبعوث الأممي واغتنام فرصة هذا المنعطف لتحقيق آمال وتطلعات الشعب الليبي.