تكفير "داعش" يثير خلافًا فقهيًّا داخل مؤسسة الأزهر
الخميس 03/ديسمبر/2015 - 03:27 م
طباعة

منذ ظهور تنظيم الدولة "داعش" على الساحة وارتكابه الكثير من الجرائم في حق الإنسانية، وهناك خلاف دائر حول موقف الإسلام منه. هل تنظيم الدولة كافر أم مرتد أم مفسدون في الأرض؟ وكثيرًا ما رفض الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر تكفير تنظيم "داعش" . ومؤخرًا وقال خلال لقائه، مساء الثلاثاء 1 ديسمبر 2015، بطلاب جامعة القاهرة إنه "لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به".

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
وتساءل: "ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرًا؟" وهناك مذاهب أخرى، تقول: إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاص، فلو أنه مات وهو مصرٌّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنه من أهل النار، فأمره مفوض لربه.
وأضاف شيخ الأزهر قائلاً: "أعرف أنكم تسألون عن الإرهاب، وعن داعش وأخواتها وما أظنكم بغافلين عن حقيقة هذه التنظيمات المسلحة، والظروف التي ولدت فيها، وكيف أنها ولدت بأنياب ومخالب وأظافر، وكيف أنها صُنعت صنعاً لحاجة في نفس يعقوب، ومعنى في بطن الشاعر، وقد صار اللعب الآن على المكشوف، وظهر ما كان بالأمس مستخفياً وأصبحت هذه التنظيمات ألعوبة في يد من يحركها ويصنعها وتقوم بتجنيد الشباب مستغلة عدم معرفته بأمور دينه الصحيح".
واستشهد شيخ الأزهر بالآية الكريمة: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، مضيفاً أن الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، طالما يؤمن بالله وباليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع.
وأضاف: "داعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض، فداعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن".
وقال شيخ الأزهر: "إن البتر المتعمد بين التراث والمعاصرة، كان سبباً في خلق أجيال حديثة تنتمي إلى تغيرات الزمان وتبدلات المكان بأعمق مما تنتمي إلى فلسفة المبدأ"، مطالباً الشباب أن يدركوا الحدود الفاصلة بين العقل المستضيء بنور الوحي الإلهي ونصوصه الصحيحة الثابتة، والعقل الجامح الذي يدمر في طريقه كل شيء".
وأشار إلى أن الأزهر يلعب دوراً في ترسيخ المفاهيم الصحيحة للدين والشريعة في عقول الناشئة لحمايتهم من استقطاب الفكر المنحرف ودعوات الغلو والتطرف والقتل وحمل السلاح في وجه الآمنين والمسالمين.

وقال الأزهر في بيان الخميس 3 ديسمبر 2015، تعقيباً على حديث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من عدم استطاعته تكفير داعش، إن الامام الأكبر أكد مرارًا أن "داعش" بغاةٌ مُحارِبون لله ورسوله ومفسدون في الأرض، ويجب على ولاة الأمور قتالهم ودحرهم وتخليص العالم من شرورهم، وحكم الشرع فيهم محددٌ في القرآن الكريم.
وأضاف البيان أن شيخ الأزهر كشف عن أن هؤلاء يزعمون ويدّعون زوراً وبهتاناً أنهم يحكمون بما أنزل الله ويكفِّرون الحكام والشعوب ويسعون في الأرض فساداً، وهؤلاء حكمهم الشرعيّ حدّده الله في قوله تعالى: {إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا}، ولذلك فجزاؤهم حدّده القرآن بالقتل في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.
وقال الأزهر: إن إجابة الإمام الأكبر كانت إجابة شرعية وسطية مُحكَمة انطلاقًا من العقيدة الصحيحة التي لا تُكفِّر أحداً من المسلمين بذنبٍ حتى لو كان من الكبائر؛ حيث أكد أنه لا ينبغي أن نقع فيما وقع فيه تنظيم "داعش" الإرهابي وغيره من تكفير المجتمع حكَّاماً ومحكومين حتى إذا ارتكبوا الذنوب والكبائر.
وأوضح البيان أن شيخ الأزهر أكد أن الإيمان يقوم على أركان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن الإيمان لا يرتفع عن صاحبه إلا بإنكاره ركنًا من هذه الأركان، فإذا لم ينكر المؤمن بها واحداً منها، فهو لا يزال في دائرة الإيمان، حتى لو ارتكب الكبائر، ولا يخرجه من هذه الدائرة إلا جحد ما أدخله فيها.
وتعجب البيان من "هؤلاء الذين يطالبون بتكفير داعش، ونقول لهم وماذا سيفيد تكفيرهم؟! إن الأهم من تكفيرهم هو تطبيق حكم الله فيهم وقتلهم والقضاء عليهم وتخليص العالم من شرورهم ".
ودافع عدد من مشايخ الأزهر عن رأي الإمام أحمد الطيب، موضحين أن الحديث عن "داعش" لا يكون بإسلامهم أو كفرهم، وإنما هو أمر يرجع إلى الله، هو من سيحكم فيه بين العباد، إلا أنه في ظلمهم أو عدلهم، وفي ذلك لا أحد يختلف على أن التنظيم جماعة ضالة مفسدة في الأرض.

سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق
وقال سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق: "هناك فرق بين الضلال والكفر، فالكفر أن ينكر الشخص الشهادة أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، أما الضلال فهو شيء آخر، فكثير من الجماعات عبر التاريخ الإسلامي انحرفت نحو الضلال، ومع ذلك نطلق عليها فرق إسلامية ولا نكفرها، كالخوارج والشيعة، وغيرهم".

سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه الإسلامي بالأزهر
وأشار سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه الإسلامي بالأزهر، إلى أن الأزمة الحقيقة ليست في كفر داعش أو إسلامها، بل في عدم قدرتنا على استخدام المصطلحات بصورة صحيحة، ووضع الأمور في نصابها، فليس لأحد شأن في إسلام أحد، ولسنا الله لنحكم في ذلك، فما نحن مختصين فيه هو الحكم إذا ما كانت تلك الفرقة وغيرها ظالمة ومعتدية أم لا، ومن ثم نعمل على رد الظلم ورفع الاعتداء، فيجب تصحيح الخطاب سواء على المستوى الداخلي الخارجي.

الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
فيما تبنى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، رأيًا مخالفًا عن إسلام داعش وصحته؛ حيث يعتبرهم مرتدين. ورغم أن العالم الأزهري أعلن رأيه كثيرًا في وسائل الإعلام أخره قبل أسبوع مع الإعلامي وائل الابراشي في برنامجه العاشرة مساء؛ حيث قال: "داعش كفار كونهم استحلوا الدماء والأموال والأعراض، فهم ارتدوا ولا يُحسبون على الإسلام، وأنا أخالف الأزهر في ذلك والأزهر حر، إلا أن البوابة تواصلت معه فرفض الرد على ذلك التساؤل طالبًا بالتوجه بالسؤال لآخرين؛ لأن ذلك الأمر محرج له". على حد قوله.

الشيخ علاء أبو العزائم، رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية وشيخ الطريقة العزمية
مشايخ الصوفية كان لهم رأي آخر، أبرزهم الشيخ علاء أبو العزائم، رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية وشيخ الطريقة العزمية، الذي لا يخلو مؤتمر له من تكفير داعش ووصفهم بالخوارج والجماعة الصهيونية.
واعتبر أحمد التسقياني، شيخ الطريقة التسقانية، أنه بغض النظر عن الحكم الشرعي، وما إذا كانت كافرة أم لا، وهو الأمر الذي يحدده أهل الفتوى، إلا أن خروج تلك التصريحات في ذلك الوقت، ستظهرنا بمظهر المصابين بالشيزوفرانيا ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن أن تصرفات داعش ليست من الإسلام في شيء، وفي النهاية نخرج عليهم بفتوى أن داعش مسلمين، فنحن وإن فهمنا الجانب الشرعي الذي انطلقت منه الفتوى، لن يفهمها آخرون، وقد يعتمدون عليها في تعزيز الإسلامفوبيا، وربط تلك الأفعال بالإسلام.
ومن جهة أخرى وجدت الشيعة في تلك الفتوى سبيلًا لتعزيز هجومهم على الأزهر، واتهامه بالتشدد، ودعم داعش.
وتساءل إسلام الرضوي، المتحدث السابق باسم الشيعة في مصر: إذا كان كل ذلك القتل والترويع والأعمال التخريبية، ليست كفيلة لدى الأزهر بإخراج داعش من الملة، فما الذي يريدونه بعد ذلك.
وأضاف عماد الديب، مفكر شيعي، أن الأزهر لن يكفر داعش؛ لأن كليهما ينبع من نفس المنهج والفكر، متسائلًا: إذا كان الأزهر يتورع في أن يكفر الدواعش، فلماذا لا يكف مشايخهم عن تكفيرنا عبر منابرهم، وتكفير المسيحين وهم أهل كتاب وليسوا كفار، وتكفير المفكرين، كإسلام البحيري وفاطمة نعوت وغيرهما.