نائب وزير الداخلية السابق يتحدى الواقع : ليبيا ليست دولة فاشلة!
الأربعاء 09/ديسمبر/2015 - 02:57 م
طباعة

بعد مرور أربع سنوات على سقوط معمّر القذافي تبدو ليبيا المستقرّة والآمنة والمزدهرة اقتصاديًا بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.وعلي الرغم من القول السائد حسب الواقع ان ليبيا الان اصبحت دولة فاشلة يتحدي مصطفى الساقزلي المدير العام للبرنامج الليبي للإدماج والتنمية و نائب وزير الداخلية التابع للمجلس الوطني الانتقالي في العام ٢٠١١.هذا الواقع حيث يري في تقرير مهم ان ليبيا ليست دولة فاشلة فيروي تجربته مع الثورة ورؤيته حول الواقع المعاش الان من منطق مغاير عن المتداول فيقول الساقزلي

حتى ولو علمت بالتجارب والمحن التي على بلادنا معاناتها لتنمية مجتمع حرّ وعادل لكنت دعمت الثورة. فلجعل هذا المجتمع حقيقة، علينا المناضلة للحؤول دون انضمام ليبيا إلى لائحة طويلة من الدول ذات السيادة الفاشلة. وتُعدّ الاستراتيجية والدعم الصحيحان أمرًا أساسيًا لتخطّي ليبيا مشاكلها. على الدعم الدولي أن يُمنح الأولوية – ليس الدعم الشفهي، بل الالتزام الحقيقي. وعلى المدى المتوسط والطويل، سيساهم هذا الدعم الدولي في إنقاذ حياة وموارد للجميع.
وفي حين يظنّ البعض أنّ ليبيا قد فشلت، لا يزال الجهد الحقيقي متعدد الأبعاد قادرًا على التطرّق لمشاكل بلادنا الأكثر تعقيدًا: أي التعليم، والاقتصاد، والأمن، وإعادة إعمار مؤسساتنا الفاشلة. إنّ هذه المشاكل كلّها مترابطة، كما أنّ الحلول مرتبطة.
عقب الإطاحة بالقذافي، شاب المجتمع الدولي فتور في دعم ليبيا وثورتها التي أيّدها بحماس. ظهرت إشارات مبكرة أنّ ليبيا شكّلت استثناءً عن المشاكل التي عصفت بالدول الأخرى التي حدثت فيها ثورات، فعلى سبيل المثال، في انتخابات العام ٢٠١٢، اضطلعت المرأة، ولأوّل مرّة بدور في مستقبل البلاد السياسي من خلال الفوز بـ٣٣ مقعدًا في المجلس النيابي.
غير أنّ خطوة واحدة كبيرة تُقوَّض بخطوات عدّة إلى الوراء إذا، وبالرغم من جهود الأمم المتحدة، فشلت ليبيا في تحقيق المصالحة والوحدة بين الجهات السياسية المختلفة.
إنّ تأثيرات هذا الفشل تظهر بوضوح في أوروبا وتتجلّى على شكل تحدّيات كبيرة من الإتجار بالبشر والهجرة الكثيفة. فإنّ عددًا كبيرًا يصل إلى ٢٦٤٥٠٠ لاجئ قد عبروا البحر المتوسط هذه السنة فقط عبر ليبيا. وقد يؤدى فشل المؤسسات في ليبيا إلى قيام المجرمون الانتهازيون باستغلال الضعفاء من الناس بسهولة. وإضافة إلى ذلك، فالبنية التحتية الأمنية الفوضوية التي يعاني منها قطاع الأمن في ليبيا لا تمكنه من ردع موجة اللاجئين الباحثين عن اللجوء في أوروبا انطلاقًا من شواطئها.
وفي حين تزايد وجود «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في ليبيا-- لا سيّما في بنغازي وسرت-- عليها إثبات نفسها وترسيخ موقعها كما في العراق وسوريا. لكن هناك قلق من أن تأسّس الجماعات المتطرّفة قاعدة لها في ليبيا وتستغلّ الفراغ في السلطة الذي خلّفته الفصائل المتقاتلة لمصلحتها الخاصة. وقد يتطور التطرف المتزايد في ليبيا ويصبح تهديدًا مباشرًا في غياب الاستراتيجيات المضادة الصحيحة والدعم اللازم. وهذا الاحتمال قد يطلق صفّارات الإنذار وسط المجتمع الدولي برمّته.
تُعتبر حكومة مركزية قوية تمارس السيطرة على حدودها أمرًا أساسيًا لليبيا للتصدّي لتدفّق التطرّف. فبغياب سلطة مركزية، يستطيع المتطرّفون أن يتجوّلوا في البلاد بأمان دون رقيب، وقد تزداد موجات الهجرة إلى ليبيا مع اتخاذ دول مجاورة مثل مصر وتونس، إجراءات صارمة لمكافحة التطرف داخل حدودهم. ومع ذلك، يتطلب وجود حكومة مركزية حلاً يتضمن العديد من الفصائل المختلفة والمتناحرة في ليبيا. ونظرا للتركيبة القبلية والإقليمية المعقدة في ليبيا، هناك أكثر من ١٤٠ فصيلة ومئات المقاتلين السابقين الذين لا يزالون يحاربون أو ينتمون إلى ميليشيات. ومن ثم، يتوجب على ليبيا والمجتمع الدولي العمل على حد سواء لتوفير الفرص القانونية وأفضل البدائل للقتال والا ستفشل ليبيا في تحقيق الاستقرار. وإضافة إلى تلك المشكلة هناك مسألة شائكة أخرى تتعلق بكيفية التعامل مع فلول الأمن القديمة.
بعد سقوط القذافي، بقيت كميّات هائلة من الأسلحة التي خلفها النظام السابق والتي سقطت بين أيدي الميليشيات المختلفة. وفي العام ٢٠١١، حاولت الحكومة مكافحة هذه المشكلة من خلال توزيع أجور تقديرًا للذين حاربوا من أجل دولة ليبية حرّة. لكن لم يُبذَل جهد متوافق وفوري كافٍ لتشكيل قوّات أمن دولة جديدة قابلة للاستمرار، ولم يكن هناك ما يكفي من التعويض لنزع السلاح و/أو القبول بسيطرة فعّالة للدولة مقابل هذه الأجور، وبالتالي فشلت ليبيا في التخفيف من حدة تلك المشكلة الخطيرة.
لن تؤمّن المعالجات قصيرة الأمد حلًّا طويل الأمد، إذ لا تحكم ليبيا فصائل سياسية فحسب، بل يحكمها السلاح أيضًا. إنّ التحدّي الأكبر بالنسبة إلينا جميعنا، وبالنسبة إلى حكومة وحدة مستقبلية، هو جلب هذه الجماعات المسلّحة إلى قلب الحوار السياسي الحالي، لأنّ تهميش هذه الجماعات لن يخدم سوى استمرار وضع العنف الراهن. سيساعد الصوت السياسي على منح الجماعات المسلّحة حصّة في الحل، وبالتالي مصلحة في الحفاظ على استقرار هذا الحل.
ولكي يتم الاندماج الناجح لتلك المجموعات، من المهمّ مكافحة التطرّف في عقول الجماعات المسلّحة، سواء من خلال إعادة التأهيل داخل المجتمع المدني عبر تأمين التعليم الصائب والتدريب المرتكز على المهارات أو عبر الدمج في قطاع الأمن. أمّا بديل إعادة دمج هذه الجماعات فهو مكلف جدًّا على كل الليبيين- اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا.
لكن لا يمكن لمكافحة التطرّف هذه أن تتمّ في الفراغ. لم تتمكّن الحكومة الليبية الناشئة التي تفتقر إلى الخبرة والمعرفة والموارد من تطبيق الإصلاحات اللازمة المدمجة والعملية في قطاع الأمن والإشراف عليها. إلّا أنّ تحقيق هذا الهدف من دون الدعم الكامل من المجتمع الدولي كان غير واقعيًا؛ فمكافحة التطرّف هي مهمّة هائلة بالنسبة إلى أي بلد، ناهيك عن دولة خرجت من أربعة عقود من حكم القذافي الاستبدادي الفوضوي. يستلزم دمج كل الأطراف في دولة «فريقًا كبيرًا» يعمل طوال سنوات على مشاريع متوافقة. وبدل ذلك، تلهّف المجتمع الدولي على إعلان الديمقراطية في ليبيا وترك البلاد تدافع عن نفسها.
إنّ الاستقرار الاقتصادي هو أساسي أيضًا لضمان السلام والأمن. وليبيا بحاجة إلى التنويع في اقتصادها من خلال استخدام ثروات النفط الواسعة لتحفيز نشاط اقتصادي في الطبّ، والتعليم، ومشاريع البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، على البلاد الاستثمار في روّاد الأعمال وقادة أعمال المستقبل لتشجيع القطاع الخاص.
في النهاية، يُعدّ الإصلاح وإعادة الدمج عاملًا أساسيًا لدولة ليبية متجددة ومعاد إعمارها ومعاد تكوينها. وعندها فقط ستبرز دولة ليبية حيث ستزدهر الأعمال، وتنمو المجتمعات، وتشعر العائلات بالأمان. ومن ثم، سيؤمن الأجيال القادمة بدولة ليبيا وذلك بفضل جهود أسلافهم. إنّ الكلّ- من السياسيين إلى الديبلوماسيين، ومن قطاع الأعمال إلى الإعلام، ومن الشباب الليبي إلى المجتمع الدولي- لديه واجب أخلاقي لدعم هذا الهدف. ليست ليبيا دولة فاشلة بعد- إلّا أنّ الوقت يُستنزف.