الغرب وأفريقيا والإرهاب.. الأزمة ومحاولات للحل
الخميس 10/ديسمبر/2015 - 02:29 م
طباعة

لا شك أن التجاهل الغربي لتصاعد حدة الإرهاب في افريقيا مقارنة بالاهتمام المبالغ فيه بأحداث إرهابية تشهدها بعض العواصم الغربية، يستدعي سياق نظرية “عبء الرجل الأبيض”. لقد كانت افريقيا دائماً تمثل غربيا عالم التوحش والتخلف، وبالتالي فهي بحاجة إلى حكمة وتحضر الرجل الأبيض.
ولا يخفى أن تحولات النظام الدولي بعد الحرب الباردة قد أدت إلى لجوء الغرب إلى نفس المنطق الذرائعي لتبرير تفوقه وسموه الحضاري، واتضح ذلك بجلاء في إقرار مبدأ “الحق في الحماية” وإعلان “الحرب الشاملة على الإرهاب”، وفقاً للمنطق والنظام المعرفي الغربي السائد.
إن رد الفعل الغربي على أحداث الإرهاب في مصر أو الصومال أو كينيا أو نيجيريا لا يتجاوز إصدار تحذيرات السفر، أو منع سفر المواطنين الغربيين إلى هذه الأماكن بوصفها غير آمنة. ولا شك أن ذلك الموقف يعكس مدى النفاق الغربي ورؤيته المزدوجة للتعامل مع قضايا الارهاب، وقد جسدت

مسيرة باريس التي رفعت شعار “كلنا شارلي” هذا الواقع الأليم، وكذلك رد الفعل على سقوط الطائرة الروسية في سيناء بمقارنه برد الفعل الغربي على هجمات باريس الأخيرة، فكلها عمليات ارهابية لكن دوما ردود الأفعال مختلفة!
ويطرح ذلك العديد من التساؤلات من قبيل: لماذا لم تحدث مسيرات مماثلة في بلدان افريقية عانت من توحش آلة الإرهاب؟ ولماذا لم يرفع العالم المتحضر شعار “كلنا معاذ الكساسبة” رغم أنه كان يؤدي واجبه النبيل ضمن تحالف دولي في مواجهة إرهاب داعش؟!
إن محاربة الإرهاب تمثل التزاماً نبيلاً من الجميع بغض النظر عن الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو اللون أو العقيدة، فالإرهاب عدو مشترك بين البشر باعتبارهم بشرا. وعليه فإن على الغرب أن يتحول عن شعاراته الزائفة ويدرك أن الإرهاب في افريقيا ليس خطراً محلياً، وإنما هو تهديد مميت للسلام والتنمية في العالم اجمع.
ومن الواضح تماماً أن وضع الهشاشة الذي تعاني منه دول افريقية كثيرة قد أدى إلى تغليب اعتبارات الأمن على اعتبارات الحرية واحترام حقوق الإنسان، وجاءت “فزاعة” الإرهاب لتمثل مسوغاً مقبولاً للأنظمة الأوتوقراطية كي تنفض أيديها من التزاماتها السياسية والأخلاقية بتحقيق تطلعات الجماهير المطالبة بالديمقراطية.
رؤية مستقبلية
فيما يرى خبراء اميركيون أنه في حال توصلت المجموعتان التابعتان لتنظيم الدولة الاسلامية في افريقيا، احداها في

سرت الليبية والاخرى في نيجيريا الى التقارب وتكثيف تعاونهما فقد يشكلان خطرا كبيرا على القارة الافريقية.
ولفت هؤلاء الخبراء الى ان مسلحي المعارضة الاسلامية السورية الذين بايعوا تنظيم الدولة الاسلامية وجماعة بوكو حرام النيجيرية التي غيرت اسمها في مارس ليصبح "ولاية الدولة الاسلامية في غرب افريقيا"، لا يتبادلان حتى الآن سوى المديح عبر الانترنت، وبالتأكيد بعض المقاتلين والاسلحة، لكن ان تطورت علاقاتهما فإن قدرتهما على الاذى ستكون هائلة.
وقال مايكل شوركين المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) والاخصائي في شؤون افريقيا في مركز الابحاث راند كوربوريشن "ان بإمكانهما على سبيل المثال ان يقررا أنهما بدلا من اهدافهما المحلية سيشرعان في استهداف مصالح غربية في المنطقة". و "قد تسعى بوكو حرام الى مهاجمة جنود فرنسيين في عملية برخان أو اميركيين متواجدين في الكاميرون".
واضاف "لا اعتقد اننا وصلنا الى هذه الحالة، لكن يمكن بسهولة تصور سيناريوهات مريعة"، معتبرا أن "تحول بوكو حرام الى دولة اسلامية في غرب افريقيا اشبه الان بعملية ترويج او تغيير اسم تجاري، لكن ذلك قد يسجل ايضا الانتقال الى اهداف جهادية شاملة".
فتبني اسم وخطاب ورموز اعنف حركة جهادية في العالم قادرة على السيطرة على اراض عند تخوم العراق وسوريا وامتلاك جيش وتفجير طائرة روسية في الجو وان تكون مصدر ايحاء لهجمات ضد مدنيين في باريس ولندن او في كاليفورنيا، يمثل فوائد كبيرة لحركات معزولة جغرافيا.
ويسمح ذلك خاصة بجذب مقاتلين اجانب بسبب سمعة تنظيم الدولة الاسلامية كما يرى بيتر فام الاخصائي في شؤون افريقيا لدى مجموعة الابحاث اتلانتيك كاونسل.
وان بدت الاعداد محدودة في الوقت الراهن فإن البعض مثل الشابين الفرنسيين اللذين اوقفا في منتصف نوفمبر في تونس فيما كانا يحاولان الذهاب الى المناطق التي يحتلها تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا، بدأ التنظيم يسعى بالفعل الى ذلك.
وقال بيتر فام "ان

مجلة دابق (ينشرها تنظيم الدولة الاسلامية بالإنكليزية على الانترنت) تنصح في عدد ابريل المتطوعين للذهاب لتعزيز صفوف بوكو حرام ان اصبح من الصعب الانضمام الى الخلافة"، مضيفا "ان مبايعة تنظيم الدولة "داعش" سمح ايضا للجماعة النيجيرية بتلقي نصائح في مجال التكتيك العسكري فباتت هجماتها اكثر تعقيدا وافضل تنظيما".
وتحمل اشرطة الفيديو الاخيرة لبوكو حرام وهي من النوعية المهنية، ايضا بصمة تنظيم الدولة "داعش" الذي يعد في صفوفه العديد من الاخصائيين في مجال الاتصال على الانترنت قادرين على نشر افلام دعائية جديرة بهوليوود.
وفي ليبيا سجلت الفصائل المتمردة التي بايعت تنظيم الدولة الاسلامية تزايدا سريعا اذ تضاعف عددها عشر مرات (من 200 الى 2000) خلال العام بحسب فام.
وتنامي قوة التنظيم المتطرف في ليبيا في ظل الفوضى السياسية والامنية السائدة في البلاد يثير قلقا كبيرا لدى السلطات الاوروبية التي بدأت ترسل طائرات استطلاع لتحلق فوق قواعدها.
واعتبر جاكوب زين الاخصائي في الجماعات الجهادية الافريقية في مؤسسة جيمستاون فاونديشن أن "العلاقة بين بوكو حرام وناشطي تنظيم الدولة الاسلامية قد يتجاوز قريبا دائرة وسائل الاعلام للتوصل الى تدريب عناصر الجماعة النيجيرية المتطرفة في ليبيا".
واضاف "ان اصبحت ليبيا بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مثلما هي الرقة (عاصمة تنظيم الدولة الاسلامية في المنطقة التي يحتلها في سوريا) بالنسبة لأجزاء اخرى في العالم، قد تصعد بوكو حرام على الارجح في 2016 او 2017 هجمات من نوع جديد في نيجيريا او في غرب افريقيا بفضل التدريب والتنسيق مع تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا".
واعتبر ايضا على غرار خبراء اخرين ان تعزيز تركيا لمراقبة حدودها مع سوريا او التراجع العسكري لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق قد يحث الجهاديين الدوليين الجدد الذين يعدون بالآلاف لتحويل انظارهم الى افريقيا".
نحو منظور شامل لمحاربة الإرهاب
ولا يخفى أن الرؤية الغربية للإرهاب لا تتطابق مع التعريف الافريقي للإرهاب، ويتضح ذلك من خبرة التدخل الغربي في ليبيا وساحل العاج التي جابهت معارضة افريقية غير خافية.
فلقد أشارت صحيفة “فنغارد” (Vanguard) النيجيرية في عدد 28 يناير 2015 إلى أن الولايات المتحدة تقوم بابتزاز نيجيريا في حربها ضد بوكو حرام، كما أن

إدارة أوباما رفضت إتمام صفقة بيع طائرات عسكرية إسرائيلية كانت أبرمتها الحكومة النيجيرية.
وربما يفسر لنا ذلك لجوء الجيش النيجيري إلى طلب التدريب من قبل كل من روسيا والصين، بل وأخيراً قبوله قوات تدخل افريقية، وهو ما يعني اعترافا منه بعدم قدرته منفرداً على مواجهة خطر بوكو حرام. ولعل ذلك كله يجعل قضية مكافحة الإرهاب في افريقيا مرتبطة بعمليات بناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة، وهي مسؤولية افريقية بالدرجة الأولى.
وعليه، فإن التوجه الحالي -سواء على المستوى القاري أو الوطني- لتبني إجراءات وتدابير قمعية تقوم بها قوات الشرطة والجيش لمكافحة الإرهاب، يصبح معيبا وقاصراً على المدى المتوسط والبعيد. فمعالجة الأسباب الجوهرية المتمثلة في الفساد وغياب الحوكمة وهشاشة الدولة وانتشار الفقر والتهميش تجعل “الاقتراب الناعم” في مكافحة الإرهاب ضرورة ملحة.
ويشمل هذا الاقتراب تدابير سياسية واجتماعية وثقافية، مثل تحدي روايات التطرف، وإعادة النظر في الخطاب الديني السائد، وتبني برامج إعادة التأهيل. ويقوم المجتمع المدني بدور محوري في هذا الاقتراب، حيث يصبح الإرهاب هنا قضية مجتمعية بالأساس.
ولا يخفى أن المنظور الشامل المطلوب افريقياً هو الذي يحقق التوازن بين التدابير الأمنية العنيفة والتدابير “الناعمة” التي تستهدف تغيير الأفكار بما يعني منع التطرف الفكري، و ”فك الارتباط” من خلال إعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي للمتطرفين السابقين.
ويتألف المنظور الشامل الذي ندعو إليه هنا من أربعة مكونات أساسية هي: منع التطرف الفكري (إعادة النظر في المناهج الدراسية والخطاب الديني، وتدشين برامج التوعية ودور وسائل الإعلام)، وحماية المجتمع (الدفاع عن الجماعات التي يتهددها خطر الإرهاب)، والتتبع (بمعنى جمع المعلومات والتحقق منها، والتعاون الاستخباراتي لتفكيك شبكات الإرهاب)، وأخيراً إعادة التأهيل، وهو يشمل برامج مدروسة لتغيير أفكار المسجونين وإعادة التأهيل للتائبين أو المفرج عنهم.
على أن التحدي الأكبر هنا يتمثل في ضرورة تحقيق قدر من الثقة المتبادلة بين المجتمع المدني والدولة في افريقيا، وذلك من أجل تعزيز ثقافة اللاعنف والتوكيد على قيم المدنية والمواطنة والمساواة بين الجميع. ومع ذلك، تبقى المعضلة الكبرى ماثلة في أن الدولة في افريقيا لا تزال هي بيت الداء، الأمر الذي يجعلها نقطة البداية لأي محاولة جادة للعلاج والإصلاح.