مفتي الجمهورية "داعش" تنظيم ضال خارج عن الإسلام والمتطرفون لا دين لهم

السبت 12/ديسمبر/2015 - 03:40 م
طباعة مفتي الجمهورية مفتي الجمهورية
 
في حوار له مع "البوابة نيوز" مفتى الجمهورية، الدكتور شوقي علام، تحدث حول دور المؤسسات الدينية في إنقاذ صورة الإسلام من تشويه الفكر "الداعشى" لها، ودعا المصريين إلى الوقوف صفا واحدا ضد كل من يرهب البلاد والعباد، كما أكد ضرورة التعاون مع أجهزة الأمن في نشر الاستقرار، ومواجهة الفوضى والتخريب، اللذين تسعى لهما التنظيمات الإرهابية.
ففي زمن يقتل فيه المسلمون باسم الإسلام وتحت مزاعم إقامة دولة الخلافة، دخلت دار الإفتاء المصرية واحدة من أشرس معاركها، لتواجه إرهاب «داعش» من جهة، والبيئة الحاضنة لأفكاره من جهة أخرى، وما بينهما كان عليها أن تطلق مبادرات لتحسين صورة الإسلام في الغرب، بعدما لوثتها جرائم التنظيمات الإرهابية.
كمال أتاتورك
كمال أتاتورك
وحول شعار "دولة الخلافة قال الدكتور شوقي علام "عندما سقطت الخلافة الإسلامية في عام ١٩٢٤ على يد كمال أتاتورك، لم يعد للمسلمين إمام، وفصلت الحدود الجغرافية البلدان الإسلامية عن بعضها، وسنت كل منها القوانين الخاصة بها، فأصبح المسلم مطالبا بأمرين، الأول اتباع الشرع على المستوى الفردي والاجتماعي، والثاني احترام النظام العام للدولة التي يعيش فيها، والحفاظ على الرابطة الإيمانية في الأمة عبر الاحتكام إلى الشرع، حتى لو عاش في ظل نظام قانوني له مرجعية وضعية.
وفى ظل هذا الوضع الجديد، نشأت جماعات مختلفة، أحزنها غياب الإمام الواحد للمسلمين، فدعت إلى عودة الخلافة، وتطور الأمر معها حتى وصل إلى اعتقادها أنه لا يوجد غيرها من هو مؤهل لهذا الأمر، فنادت بالخلافة لنفسها ولأمرائها، باعتبارهم أولى الناس بها، وأحدثت هذه الدعوة فرقة، تطورت إلى التشرذم والخلاف والشقاق بين تلك الجماعات، حول الأحق بالخلافة، ثم أنشأ كل منها أجنحة عسكرية خرجت على الحكومات، بحجة أنها لا تحكم بما أنزل الله.
واعتبرت تلك الجماعات نفسها أنظمة مستقلة، ولها إمام، وعقدت الولاء والمبايعة لقادتها، مثلما حدث في «داعش»، وكان هذا هو أساس الانتماء والولاء، فالتنظيم خرج عن جماعة المسلمين، التي أمرنا الله بالتزامها، وعدم الخروج عليها، وهم جماعة السواد الأعظم من المسلمين، وبتلك الفعلة من جانب «داعش»، يكون خرج عن المرجعية.
وعبر التاريخ، كانت مثل هذه الجماعات إما تفصل الناس عن مصادر الشرع من الكتاب والسنة النبوية، وإما تفصلهم عن علمائهم؛ حتى يتثنى لها فعل ما دبرت لنفسها وللأمة، ولا أرى إلا أن كل هذه الفرق، بكل ما اعتقدت، فى ضلال.
مرصد الفتاوى التكفيرية
مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة
وعن كيفية التغلب على ظاهرة تجنيد التنظيمات الإرهابية للأطفال قال الدكتور شوقي علام "تتعمد هذه التنظيمات الإرهابية جذب الأطفال الأصغر سنا إلى صفوفها، لكونهم الفئة الأكثر انصياعا، ولإمكانية أن تتم السيطرة عليهم في المستقبل، وسبق لمرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة، التابع لدار الإفتاء، أن كشف ذلك من قبل، في أحد التقارير الصادرة عنه.
وترشد تلك التنظيمات الأمهات إلى طريقة تربية الأبناء على مبادئها المتطرفة، وهى تستغل النزعة الدينية المتوهجة لصغار السن، الذين عادة ما يكونوا انخرطوا في تجربة تدين حديثة، ممزوجة بروح التضحية، ومشبعة بالفكر الجهادى، خاصة في ظل المواد الإعلامية التي تروجها تلك التنظيمات.
ونحن طرحنا مجموعة من التدابير لمحاصرة هذه الظاهرة، منها ضرورة تفعيل القوانين الدولية المتعلقة بحماية الأطفال، وبث الوعى بمخاطر هذه الانتهاكات، والتي تهدد مستقبل الأمة، بالإضافة إلى الحث على التدخل الفوري لتحرير الأطفال من البيئات التي يتم فيها استغلالهم من جانب المتطرفين، لإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية، وإشراكهم في أنشطة متنوعة، بهدف إعادة تأهيلهم، تحت إشراف كوادر مدربة من علماء الدين والتربية وعلم النفس.
والرسول نهى عن قتل النساء والأطفال في الحروب، حيث روى عنه أنه مر على امرأة مقتولة، اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له، فقال «ما كانت هذه تقاتل في من يقاتل»، ثم قال لرجل «انطلق إلى خالد بن الوليد، فقل له إن رسول الله يأمرك لا تقتل ذرية ولا عسيفًا»، فجاء الأمر العام بعدم قتل النساء اللائي لا يقاتلن، كما أن في قتلهن مخالفة للقاعدة الشرعية «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
وحول تعاون دار الإفتاء مع أجهزة الأمن في مواجهة الإرهاب قال الدكتور شوقي علام "أخذت دار الإفتاء على عاتقها بيان المنهج الصحيح للرسول وصحابته، وفضحت المنهج السقيم الذى تستند عليه جماعات الإرهاب الأسود، في تبرير جرائمها وعنفها ضد الدول والشعوب، كما أكدت الدار مبكرًا أن القضية فكرية من الأساس، قبل أن تكون أمنية، لأن الفكر السقيم لهذه الجماعات مبنى على تأويلات خاطئة لكتاب الله، ودورنا يتوقف على التوعية والمشاركة في الندوات وغيرهما من الأنشطة.
ومنذ عامين بدأنا كمؤسسة دينية وكإحدى مؤسسات الدولة في الكشف عن عوار هذا الفكر السقيم، من خلال حملات التوعية في الداخل والخارج، ومن خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتقديم المفاهيم الصحيحة، حتى نسد الباب على جذب المتطرفين لهؤلاء الشباب المغرر بهم، من الانخراط في أنشطتهم، ولأجل دفع الأذى عن مصر وبلدان العالم كله، لأن الإسلام لم يكن يومًا داعيًا إلى القتل والتخريب والدمار، وإنما جاء لعمارة الأرض وخدمة الإنسانية، وتحقيق السلام للبشرية.
فيما تناول الدكتور شوقي علام عن حملة التعريف بالإسلام في أوروبا قائلا: "تؤكد هذه الحملة استنكار جميع المسلمين لممارسات المتطرفين الدموية، التي تتنافى مع مبادئ الإنسانية، وهى مبادئ دعا إليها الإسلام، كما نستهدف تصحيح صورة الإسلام التي شوهها الإرهابيون في بلاد الغرب، فأصبحوا هم أنفسهم خطرا على الإسلام، رغم أن أفعالهم لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، وتهدف الحملة إلى حث وسائل الإعلام الغربية على نشر الحقيقة، وعدم الاكتفاء بنشر وجهة نظر أحادية تظهر صورة مشوهة عن الإسلام.
وفى السابق أثبتت مثل هذه الحملات نجاحًا، وتفاعلت معها وسائل الإعلام الغربي من قبل، فعلى سبيل المثال، أطلقنا حملة في عام ٢٠١٤، طالبنا فيها الإعلام الغربي بعدم استخدام وصف «الدولة الإسلامية» عند الحديث عن تنظيم «داعش»، وبالفعل تفاعلت مع الحملة وسائل الإعلام العالمية، ومن بينها صحيفة «واشنطن بوست»، وشبكة «فوكس نيوز»، وقناة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية، وصحيفة «ديلى ميل»، ووكالة الأنباء الفرنسية، و«الهفنجتون بوست»، ووكالة الأنباء اليابانية، ثم تتابعت الحملات التي تهدف إلى الوصول إلى الغرب، لأننا لا نعيش وحدنا على هذا الكوكب، فالتفاعل مع الآخر ضروري ومطلوب، لأن مهمتنا ليست سهلة، خاصة أن أفعال الإرهابيين تتسبب في تأثيرات سلبية كبيرة لدى الأوروبيين.
وحول نجاح دار الافتاء في حملتها الاخيرة قال الدكتور شوقي علام: "منذ أيام، أطلقنا مبادرة عالمية تستهدف غير العرب في مختلف بلدان العالم، للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا التي تجتاح أوروبا، وذلك عن طريق عدة آليات، بينها شرح تعاليم الإسلام الصحيحة، وتوضيح الفرق بين الإسلام الحق والتصورات المشوهة التي تروجها الجماعات المتطرفة في الغرب.
الارهاب في سيناء
الارهاب في سيناء
وتعتمد هذه المبادرة على إبراز تلك الحقائق حول الإسلام بعدد من اللغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، وهو الأمر الذى سيفضح البنية الأيديولوجية لجماعات التكفير، وكما ذكرت، فإن مثل هذه الحملات كانت تؤتى ثمارها فى السابق، وتحقق الغاية منها، لأن ترك الساحة خاوية أمام أصحاب المرجعيات المنحرفة أمر شديد الخطورة، كما أن الغياب التام عن هذه المجتمعات يرسخ أن هؤلاء القتلة يمثلون الدين الإسلامي، وربما فوجئنا بأحداث ١١ سبتمبر جديدة.
وعن توقعاته لمستقبل الارهاب في سيناء قال: "أنا أثق في قدرة الجيش المصري على استئصاله، فهو يحارب كالفرسان المدافعين عن الأرض والعرض في مواجهة جماعات متطرفة لا دين لها، ونصر الله آت مهما اشتدت المحنة، فهؤلاء الرجال تركوا أهلهم من أجلنا، دفاعا عن الأرض أمام هؤلاء القتلة المجرمين، لذلك أطالب أهالي سيناء بالتعاون مع الجيش والشرطة في التصدي للإرهابيين، والإدلاء بأي معلومات قد تفيد في مواجهة هذا الخطر الداهم.
الإرهابيون مثل الخفافيش التي تخرج في الظلام، وليسوا من الشرف بمكان حتى يخرجوا ويقاتلوا في النور، لأنهم يعلمون أن رصاصات الجيش ستنالهم فور الخروج من جحورهم، وإن شاء الله سينتصر الجيش عليهم، لأن هذه المرة ليست الأولى التي تظهر فيها تلك الجماعات، ويتم القضاء عليها.
وأطالب المصريين بالوقوف صفًّا واحدًا في مواجهة الإرهاب الغاشم، الذى يسعى في الأرض فسادًا، ويرهب البلاد والعباد، وأن يتعاونوا مع رجال الأمن في نشر الاستقرار، ومواجهة الفوضى والتخريب، اللذين تسعى تيارات الإرهاب إلى نشرهما في ربوع مصر، وأن نعمل ونجد من أجل أن نقف بجوار اقتصادنا القومي، ولا نلتفت إلى الشائعات، فالدعوات الهدامة التي يطلقها البعض تريد أن تنال من استقرار الوطن، لذلك يجب أن نفوت الفرصة على مطلقيها.
وحول تعامل الدول الغربية مع العمليات الارهابية وردود افعال هذه الدول قال الدكتور شوقي علام: "رغم تأكيدنا أن الإسلام ينبذ العنف والإرهاب، ويعتبر مرتكبي تلك الأفعال مفسدا في الأرض، ويجب معاقبته، إلا أن البعض يحاول أن يلصق أفعال قلة مجرمة خرجت عن صحيح الدين بعموم المسلمين، وفى هذا الأمر شيء من الغلو والتطرف أيضا، لأننا عندما كنا نحارب فى بلداننا باسم الدين، من قلة مستعمرة، لم نعمم حكمنا مثلما يتم تعميمه على المسلمين اليوم.
وأقول إن الإرهاب إذا قوبل بإرهاب مثله، فإن عندها سيزداد سوءا، ولن يحل ذلك أي قضية، فلا بد من تفعيل القوانين، ومعاقبة المخطئ وحده، وليس الجميع، لأن مثل هذه الأحكام التي تصدر من البعض دون تريث تعقبها أفعال تزيد الأمر اشتعالا، سواء من خلال حرق المصاحف أو المساجد، أو محاولة النيل من المسلمين المسالمين في تلك البلدان الغربية.
والمسلمون في الخارج مطالبون أيضا باحترام قوانين تلك الدولة، وتقديم صورة صحيحة عن الإسلام، ونماذج مشرفة للمسلمين، وفى الوقت ذاته نطالب الآخرين باحترام المسلمين في تلك البلدان، لأنهم أصبحوا جزءًا من نسيج تلك الأوطان، ولا يمكن اقتلاعهم دون أي جريرة ارتكبوها، سوى أنهم ينتمون إلى دين خرج قلة عن رسالته، وارتكبوا أفعالًا ليست منه.
وترتكز آيات القرآن الكريم والمبادئ الأساسية للإسلام على احترام الإنسان، مهما كانت عقيدته أو جنسه أو لونه، وتدعو إلى حرية العقيدة، والتعايش المشترك بين البشر، والتعاون من أجل عمارة الكون، وهى مبادئ عامة راعت حرية الإنسان، وجعلته فى أرقى مكان دون تمييز، فالحرية التي ننشدها تعنى الالتزام بالمنظومة الأخلاقية، ولا تعنى الانفلات والطعن في الثوابت الدينية والأخلاقية واتباع الأهواء.
ويدعونا ديننا الحنيف إلى الحرية المنضبطة، عبر طريق الأخلاق الحميدة، ومراعاة الآداب والسلوكيات القويمة، ووضع الإسلام نموذجًا حضاريا كفل للجميع فيه، من مسلمين أو غير مسلمين حرية الاعتقاد، وممارسة شعائرهم الدينية، والمساواة والعدل ما كانا موجودين في مجتمع المدينة قبل أن يحكمه دستور النبي، وجعل الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، وهى أعلى قيمة للمواطنة الصحيحة، التي على إثرها تُبنى الأوطان.

شارك