بعد الاتفاق السياسي.. هل تدخل ليبيا مرحلة نزاع جديدة؟
السبت 19/ديسمبر/2015 - 12:28 م
طباعة

بعد مرور أكثر من عام على المفاوضات بشأن الأزمة الليبية، ومحاولات نجاح الحوار السياسي الذى قادها المبعوث الأممي السابق برنادرينو ليون، وتولاها مؤخرًا المبعوث الجديد مارتن كوبلر، توصلت الأطراف المتنازعة إلي صيغة اتفاق سياسي قد يكون أول خطوة حقيقية على طريق الديمقراطية في ليبيا.
عام من المفاوضات

ويسطر التوقيع على الاتفاق معاناة دامت قرابة عام، احتضن المغرب جانبا مهمًا منها، وجرت أيضا في كل من ألمانيا وسويسرا وتونس، وصولا إلى محطة التوقيع على اتفاق نهائي من طرف ممثلي كافة الأطراف التي شاركت في الحوار الليبي الذي تشرف عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وخصوصا ممثلي برلمان طبرق المعترف به من قبل المنتظم الدولي، والمؤتمر الوطني العام "برلمان طرابلس" وممثلين عن الأحزاب السياسية والمستقلين وممثلي المجتمع المدني.
واتفقت الأطراف جميعها برعاية أممية في مدينة الصخيرات الليبية على صيغة للمصالحة النهائية لتجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وحضر توقيع الاتفاق وزراء خارجية مصر وإيطاليا وقطر وتركيا واسبانيا وتونس ووزير خارجية المغرب المستضيفة، إلي جانب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر.
ووقع أعضاء من البرلمان الليبي المعترف به دوليًا، والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، وشخصيات ليبية آخرين اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة، وذلك في مدينة الصخيرات المغربية، أول أمس، 17 ديسمبر 2015.
ويسعى الاتفاق إلى أنهاء الانقسام والفوضى التي تشهده البلاد منذ قرابة 4 أعوام، وبالتحديد عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، والتصدي لانتشار الميليشيات المتشددة، ومن بينها تنظيم داعش.
الموقعون ونصوص الاتفاق

والموقعون من الأطراف الليبية، هم وفد من المؤتمر الوطني العام الليبي بطرابلس، ترأسه صالح المخزوم النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني العام ووفد عن مجلس النواب بطبرق ترأسه محمد شعيب إضافة إلى النواب المقاطعين لجلسات برلمان طبرق ووفد آخر عن المستقلين.
يهدف الاتفاق إلي تشكيل حكومة وفاق وطني تقود مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية بعد عام، وتمد تلقائيا عام آخر إذا لم يتم الانتهاء من الانتخابات التشريعية.
وتتشكل السلطة وفقا لهذا الاتفاق من 3 مؤسسات رئيسية هي مجلس النواب الذي يمثل السلطة التشريعية وجلس الدولة بمثابة غرفة برلمانية استشارية والمجلس الرئاسي، الذي ستنتقل إليه تلقائيا صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا فور توقيع الاتفاق.
وينص أيضا على توسيع المجلس الرئاسي ليتكون من 9 أشخاص عبارة عن رئيس و 5 نواب و3 وزراء، وكذلك التزام حكومة الوفاق الوطني بتشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب، ومجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدفاع، والأمن القومي للتوافق على مشروع قانون يحدد صلاحيات منصب القائد الأعلى للجيش الليبي، فضلا عن ضرورة نزع أسلحة الميليشيات ودمجها ضمن الجيش الليبي الموحد.
ويتشكل المجلس الرئاسي من، فايز السراج رئيسا للحكومة، وهو من غرب ليبيا، فتحي المجبري نائبا لرئيس الحكومة، وهو من شرق ليبيا، علي القطراني نائبا لرئيس الحكومة، وهو من شرق ليبيا، عبدالسلام القاجيجي نائبا لرئيس الحكومة وهو من جنوب ليبيا، موسى الكوني نائبًا لرئيس الحكومة وهو من جنوب ليبيا، أحمد معيتيق نائبًا لرئيس الحكومة وهو من غرب ليبيا.
وينعقد مقر الإدارة الليبية الجديدة في طرابلس بينما يمثل مجلس النواب المنعقد في طبرق السلطة التشريعية، ويشكل المؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس المجلس الأعلى لدولة.
وتتمثل التحديات في مدى تمثيل الحكومة المقترحة، وكيف ستُشكل في طرابلس؟ وما رد فعل الفصائل المسلحة المتعددة على الحكومة، التي يقول منتقدون إنها فرضت على ليبيا من الأمم المتحدة؟
وأيدت بعض الكتائب المسلحة في ليبيا الاتفاق، بينما تتحالف كتائب أخرى مع القادة السياسيين المعارضين.
المعارضون

ويرفض هذا الاتفاق رئيس المؤتمر الليبي العام نوري بوسهمين، وعلى الجانب الآخر أيضًا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، اللذان التقيا في مالطا قبل 5 أيام فقط من اتفاق الصخيرات، وأكدا أن الذين سيوقعون على اتفاق الخميس لا يمثلون المؤتمر العام ولا برلمان طبرق وأنهم يوقعون بصفة شخصية.
فيما أعرب قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر عن عدم رضائه عن مسودة الاتفاق، لكنه رغم ذلك أكد على أن المهم الآن هو الإسراع إلي التوصل لاتفاق دون إضاعة المزيد من الوقت.
وقال المبعوث الأممي مارتن كوبلر إن اتفاق الصخيرات يؤسس لانتقال سياسي سلمي في ليبيا"، الأمر الذي وافقه عليه مزوار مؤكدا أن "توقيع الاتفاق هو صك ميلاد ليبيا الحديثة والجديدة".
وشدد المبعوث الأممي على أن هناك أربعة تحديات أمام الحكومة الجديدة، أولها معالجة الاحتياجات الإنسانية لكافة الليبيين في أقرب الآجال، مع إرساء حوار أمني شامل يحقّق الأمن والاستقرار بكافة ربوع البلاد، والثالثة ضرورة قيادة حرب شاملة ضدّ الإرهاب، بالإضافة إلى ضرورة الانتباه إلى المناطق المنكوبة.
وأشار كوبلر إلى أن الاتفاق يمهد لإنهاء الانقسام الليبي، وبداية لمرحلة انتقالية جديدة في ليبيا داعيا الحكومة الجديدة إلى ضرورة التحرك سريعا لمعالجة هذه القضايا، مؤكدا على أن المجتمع الدولي سيواصل دعم حكومة الوفاق.
وناشد رئيس وفد البرلمان الليبي للحوار، محمد شعيب، خلال حفل التوقيع، المجتمع الدولي دعم حكومة الوحدة والجيش الوطني الليبي، الذي يحارب الميليشيات المتشددة.
من جانبه، طالب رئيس لجنة وفد الحوار عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، صالح المخزوم، الأمم المتحدة باستمرار دعم ليبيا حتى تتمكن من بناء مؤسساتها الحديثة".
وقال المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام، عمر حميدان، إن المؤتمر لم يفوض أحدًا من أعضائه لا بالمشاركة ولا بالتوقيع على اتفاق الصخيرات واعتبر أن فرض مخرجات غير متفق عليها سيؤدي لمزيد من التعقيد في المشهد السياسي الليبي.
وكانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول عربية أكدت، بعد اجتماع في روما الأحد الماضي، أن الاتفاق هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع في ليبيا.
ترحيب دولي وعربي

وفجر توقيع الاتفاق موجة من الترحيب الدولى والعربي، وأبدت واشنطن والاتحاد الأوروبى ودول أوروبية وعربية وحلف الناتو والأمم المتحدة ترحيبها ودعمها للحكومة الوطنية فى مكافحة الإرهاب، بينما تربط القوى الغربية فك حظر السلاح إلى ليبيا، بعد تنفيذ الاتفاق وتشكيل حكومة الوفاق.
وفى غضون ذلك، أعلن مسؤولون أمريكيون أن عناصر في القوات الخاصة الأمريكية وصلوا، الاثنين الماضي، إلى قاعدة جوية ليبية، لكنهم عادوا أدراجهم دون أي مشاكل، بعدما طلبت منهم ميليشيات الزنتان المحلية الرحيل.
ورحبت كل من السعودية والإمارات ومصر بالتوقيع، مشيدين بمجهود البعثة الأممية للوصول إلي هذه النتيجة.
وعبر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وممثله الخاص في ليبيا مارتن كوبلر، عن امتنانهما للجهود التي بذلها المغرب من اجل الدفع بالمسار الاممي لتسوية الازمة الليبية وهو ما تجسد بالخصوص من خلال احتضان مدينة الصخيرات لعدد من جولات الحوار الليبي على مدى شهور عديدة.
واعتبر بان كي مون هذا الاتفاق بمثابة "خطوة حاسمة" في مسلسل الانتقال لما بعد الثورة الليبية، والذي يأتي بعد أشهر من عدم الاستقرار وعدم اليقين.
من جهتها أشادت عواصم عالمية بالتوصل إلى هذا الاتفاق الذي يعيد الأمل لليبيين في التطلع لمستقبل افضل ، حيث ثمنت واشنطن وروما والدوحة وتونس وأبو ظبي وأنقرة، الدور الهام الذي اضطلعت به المملكة المغربية، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مواكبة هذا المسار منذ انطلاقته قبل نحو 14 شهرا.
واعتبرت هذه العواصم أيضا أن دور المملكة ووساطتها كانا أساسيين في تقريب مواقف مختلف الأطراف الليبية التي شاركت في المفاوضات، والتي انتهت بالتوقيع على هذا الاتفاق التاريخي الذي يشكل لبنة أولى في إعادة البناء وفي إقرار السلم والاستقرار في بلد يعيش في حالة حرب منذ سقوط نظام القذافي سنة 2011.
وفي هذا الصدد، دعا المغرب الليبيين للوحدة والالتفاف حول حكومة موحدة لرفع التحديات والشروع في إعادة البناء، وتوحيد الجهود لمواجهة الصعوبات، وخاصة الامنية منها ومكافحة الإرهاب وشبكات الاتجار بالبشر، في احترم تام لسيادة هذا البلد المغاربي ولوحدة اراضيه.
وقد أكد هذا التوجه، وزير الشؤون الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، في كلمة بمناسبة التوقيع على الاتفاق حين قال "إن المملكة المغربية، التي شاركت الإخوة الليبيين خطواتهم منذ بداية هذا المسار، لتلتزم، بتوجيهات من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتقديم كل ما في وسعها من دعم سياسي وتقني وعملي وفق ما يقدره الإخوة الليبيون ويرونه".
وصول وفد ليبي إلي مصر

من جانب أخر وصل إلى القاهرة، اليوم السبت 19 ديسمبر 2015، وفد ليبى رفيع المستوى، قادماً بطائرة خاصة من المغرب، عن طريق تونس، بعد مشاركته في التوقيع على اتفاق الصخيرات لإنهاء الأزمة الليبية بإشراف الأمم المتحدة.
ويضم الوفد 16 من كبار الشخصيات الليبية وأعضاء مجلس النواب الليبي برئاسة حمودة سيالة القيادي في مجلس النواب المنتخب.
وكانت مصر رحبت في بيان عقب توقيع الاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية لتسوية الأزمة الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكدةً دعمها الكامل لهذا المسار الذي استمر قرابة العام الكامل، والذي تضمن جهداً شاقاً وتضحيات قدمتها جميع الأطراف الليبية المشاركة فيه، وصولاً إلى إتفاق يحقق المصلحة العليا للشعب الليبي.
واعتبرت مصر أن التوقيع على الاتفاق السياسي، وتشكيل المجلس الرئاسي الليبي المنبثق عنه، يعتبر الخطوة الرئيسية على مسار استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق في إعادة بناء دولته وحماية وحدتها، كما أنه يمثل خطوة هامه لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بشكل متكامل وفعال وبدعم من المجتمع الدولي، فضلاً عن توفير الاحتياجات الأساسية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الليبي.
وكان السفير، نائب وزير الخارجية، حمدي سند لوزا، ترأس وفد مصر في مراسم توقيع الاتفاق ممثلاً عن وزير الخارجية، سامح شكري، بمشاركة سفير مصر لدى ليبيا محمد أبوبكر
ويأمل محللون في الشأن الليبي ألا يلقى اتفاق الصخيرات مصير الاتفاق السابق الذي عقد في الصخيرات أيضا في يوليو 2015 والاتفاقات السابقة التي حاولت الأطراف الليبية التوصل إليها ليصبح بذلك هذا الاتفاق أول خطوة حقيقية على طريق الديمقراطية والاستقرار في ليبيا.
ويخشى متابعون للشأن الليبي أن تخرج الخلافات الليبية داخل المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق، من طابعها السياسي إلى الشوارع، إذ تحظى كل مجموعة بأنصار من المجموعات المسلحة.
ويبقي السؤال حول ما إذا كان اتفاق الصخيرات هو طي لصفحة مؤلمة من تاريخ ليبيا وبادرة أمل لعودة الاستقرار، أم أنه بداية لمرحلة نزاع جديدة عقب استعداد دول الغرب للتدخل العسكري في البلاد؟