7 مليون تغريدة في 6 أشهر.. تكشف عمق الصراع "السنّي-الشيعي" علي توتير
الخميس 31/ديسمبر/2015 - 02:17 م
طباعة

كشفت دراسة صادرة عن "مركز كارنيجي للشرق الأوسط"، للباحثة الأميركية ألكساندرا سيجل، والتي نشرت مؤخراً تحت عنوان "حروب تويتر الطائفية: الصراع والتعاون السني- الشيعي في العصر الرقمي"،عن ارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي في عدد من دول الشرق الأوسط ، خاصة في فضاء الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وجاءت السعودية والكويت أكثر دول انتشارا للرسائل الإعلامية العدائية والصور العنيفة.
ومع تحليل مايفوق الـ7 ملايين تغريدة باللغة العربية تمّ بثّها بين فبراير وأغسطس 2015، أنّ أعمال العنف وبُنى الشبكات الاجتماعية تلعب دوراً أساسيّاً في نقل اللغة الطائفية والمناهضة للطائفية على تويتر.
7 مليون توتير طائفية:

ورصدت المركز إنّ "جمع ما يقرب 7 ملايين تغريدة تتضمّن لغة معادية للشيعة أو معادية للسنّة أو مناهضة للطائفية كشف أن الغالبية العظمى منها من الخليج، وتتركّز خصوصاً في المملكة العربية السعودية، وهي تعكس التوزّع الديموغرافي لموقع تويتر في العالم العربي، كما تعكس تفاقم التوترات في السعودية.
على أن من يغرّدون أكثر بمحتوى معادي للشيعة مصدرهم "المملكة العربية السعودية والكويت و"أرض الله" التي تستخدمها الحسابات المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الارهابي.
ويعكس ذلك وضعيّة الأقلّية لدى الشيعة في المنطقة، والطريقة التي يتمّ فيها تضخيم اللغة المعادية للشيعة من خلال مُستخدمين نافذين على تويتر لديهم الملايين من الأتباع.
فيما المغرّدون بكلمات معادية للسنّة، مصدرهم "العراق والسعودية والكويت"؛ أما المناهضون للطائفية فأغلبهم من "الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين".
اللغة المعادية للشيعة أكثر شيوعاً على الإنترنت مقارنةً مع اللغة المعادية للسنّة أو المناهضة للطائفية. في حين سهّلت وسائل الإعلام الاجتماعية التفاعل بين السنّة والشيعة على الإنترنت، بما في ذلك تنسيق الاحتجاجات السياسية المشتركة، غالباً مايتمّ إهمال اللغة المناهضة للطائفية أو إدانتها باعتبارها دعاية مؤيّدة للشيعة.
حروب وصراعات:

ووفقا للدراسة، ارتفاع وتيرة "معاداة الشيعة" على منصة "توتير"، حسب الدراسة، حدث بشكل مثير ومرتفع في أعقاب الغارات الجوية الأولى في اليمن أواخر شهر مارس 2015، مع انطلاق عملية "عاصفة الحزم" في اليمن ضد جماعة الحوثيين"الشيعية"،"، مع "التفجيرات التي طالت مساجد شيعية في الكويت والمملكة العربية السعودية واليمن".
كذلك "الاشتباكات الطائفية في العراق وسوريا"و"نشر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" شريط فيديو لمجزرة معسكر سبايكر لطلبة القوات الجوية العراقية من الشيعة.
وعلى تويتر، لم يخجل رجال الدين من التلفّظ بلغة حاقدة تصوّر الصراع في اليمن على أنه حرب دينية مقدسة. وقد تجلّى ذلك من خلال سلسلة من التغريدات التي بثّها الشيخ السعودي ناصر العمر إلى 1.8 مليون من متابعيه على تويتر: "على كل مسلم أن يقوم بمسؤوليته في معركة الأمة لدحر الصفويين وأذنابهم ومنع إفسادهم في الأرض".33 وفي شريط فيديو بُثّ عبر حسابه على تويتر في الفترة نفسها، قال العمر لعشرات من السعوديين الذين كانوا يجلسون في أحد المساجد إن "إخوانهم" في أفغانستان والعراق وسورية، واليمن يجاهدون ضد "الصفويين".
وفي اعقاب تحريرمدينة تكريت من "داعش"، وعلى هذا المنوال، غرّد حساب يرتبط بقناة "أهل البيت" الفضائية العراقية الشيعية،: "يا شيعة العراق، لقد هزمتم النواصب في تكريت، وبالتالي فإن النواصب سينتقمون من إخوانكم في البحرين! انصروهم على أعدائهم! #حرروا تكريت".
أبرز الأحداث التي أدّت إلى تضخّم دراماتيكي في حجم الخطاب الطائفي على الإنترنت. وبينما كانت هذه التقلّبات واضحة، يُعتبر تصاعد الخطابات المعادية للشيعة والمعادية للسنّة قصير الأجل نسبياً.
مجتمع الطائفة:

وحول من ينتج هذه التغريدات هل هم من العوام المواطنين ام من النخبة ورجال الدين، ذكر الدراسة أن اللغة الطائفية تنتشر على الإنترنت عبر كلٍّ من رجال الدين، والمتطرّفين، ووسائل الإعلام، والنُخب الخليجية.
تشير المحاكاة الافتراضية لشبكات إعادة التغريد إلى أن مروحة متنوّعة من الحسابات تؤثّر على انتشار اللغة الطائفية وتلك المناهضة للطائفية؛ وتشمل مؤيّدي تنظيم "داعش" ورجال دين سلفيين، وأكاديميين ورجال أعمال خليجيين نافذين، وميليشيات شيعية، ومواطنين عرب عاديين. وحين يتغاضى رجال الدين أو النُخب الموثوقة عن استخدام لغة تحريضية ومجرّدة من الإنسانية، أو يشجّعون على استخدامها، فإنهم يعطون مصداقية للسرديات المتطرّفة، ويساعدونها ربّما على كسب قبول أوسع في صفوف الرأي العام.
مستخدمو تويتر الذين يبثّون رسائل معادية للسنّة ومعادية للشيعة وأخرى مناهضة للطائفية، غير منعزلين في شبكات تواصل متجانسة إيديولوجياً، لابل يتجاوبون مع الخطابات المُتداولة. وهذا يوفّر فرصاً لبدء حوار سنّي-شيعي، وللتبصّر في كيفية تطوير سرديات مُقنعة أكثر لمناهضة الطائفية.
الخليج الأكثر وجود علي توتير:

من يغرد بالطائفية وفقاً لتقرير الإعلام الاجتماعي العربي للعام 2014 (وهي سلسلة دورية ينتجها برنامج الحوكمة والابتكار في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية تحلّل وتسلّط الضوء على اتجاهات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت في المنطقة العربية)، فإن لدى الكويت أعلى نسبة ولوج إلى تويتر أو أعلى نسبة مستخدمين لهذه الموقع من إجمالي عدد السكان في العالم العربي، تليها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين.
وبينما تحتل المركز الثاني من حيث نسبة الولوج، تفخر المملكة العربية السعودية بأكبر عدد من مستخدمي تويتر في المنطقة، وتُعدّ موطناً لـ40 % من جميع مستخدمي تويتر النشطين في العالم العربي. نسبة 37 % من مستخدمي تويتر العرب هم من الإناث، كما أن نسباً كبيرة متزايدة من مستخدمي الإعلام الاجتماعي الآن تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً، في حين أن ثلثي السكان الذين يستخدمون فايسبوك هم من الفئة العمرية التي تتراوح بين خمسة عشر وتسعة وعشرين عاماً.
وبالنسبة إلى من يغرّدون بكلمات معادية للسنّة، تبيّن أن العراق والسعودية والكويت هي أبرز المواقع. وأخيراً، تم تغريد اللغة المناهضة للطائفية في غالب الأحيان من الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين.
مفردات مذهبية ؟

وذكرت الدراسة أكثر المصطلحات بين السنة والشيعة استخداما في منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر عدائية، وجاءت ستة مصطلحات رئيسة مهينة ، للحطّ من قدر المسلمين الشيعة على الإنترنت، وهي :رافضة، وحزب الشيطان، وحزب اللات، ومجوس (المجوسية أو الزرادشتية)، ونصيرية، وصفوية.
و يشير مصطلح الرافضة إلى الشيعة الاثني عشرية، أكبر الطوائف الشيعية، ويوحي بأنهم رفضوا الإسلام "الحقيقي"، حيث يُزعَم أنهم لايعترفون بأن أبا بكر، الخليفة الأول، وخلفاءه كانوا حكاماً شرعيين بعد وفاة النبي محمد. على سبيل المثال، غرّد رجل الدين السلفي عبد العزيز الطريفي لأتباعه الذين يصل عددهم إلى حوالي 800 ألف في فبراير2015 قائلاً: "لم يتواطأ اليهود والنصارى مع الرافضة كما يفعلون اليوم في هذا البلد وكل بلد".10
وبالمثل، يُستخدم مصطلحا حزب الشيطان وحزب اللات للإشارة إلى حزب الله وأتباعه من الشيعة. ويلمح اسم اللات إلى إلهة اللات العربية قبل الإسلام، والتي كان يُعتقد أنها ابنة الله. هذا الاسم يَسِمُ حزب الله ومؤيديه باعتبارهم مجموعة من المشركين الكفرة. وقد تم توضيح هذه المصطلحات في تغريدة أُرسلت من حساب تابع لتنظيم "داعش" جرى وقفه في مارس 2015: "حزب الله، حزب اللات، حزب الشيطان، حزب الصهاينة، حزب الكفرة، لن يكون هناك سلام بينك وبين المسلمين الحقيقيين".
كلمة نصيري هي إشارة إلى أبي شعيب محمد بن نصير، مؤسّس الفرع العلوي من الإسلام الشيعي خلال القرن الثامن. وهو يوحي بأن الدين العلوي ليس ديناً سماوياً لأنه يتبع رجلاً بدل أن يتبع الله. وعلى الرغم من أنها تُستخدم في سياقات مختلفة، غالباً ماتُبرز هذه الكلمة الطبيعة الطائفية للصراع السوري، وتعمل على الحطّ من قدر العلويين. وقد غرّدت امرأة عراقية سنّية في أوائل أغسطس، تحت هاشتاغ (وسم) "جرائم الأسد: عذب جندي نصيري في جيش [الرئيس السوري] بشار الأسد، رجلاً سورياً مسلماً وزوجته ونزع حجابها أمام زوجها وضربها وعذبها".
وعلى المنوال نفسه، فإن كلمة مجوس مفردة ازدرائية تشير إلى الديانة الزرادشتية قبل الإسلام، وتوحي ضمناً بأن الإسلام الشيعي ليس أكثر من دين منحرف من الماضي. فقد غرّد رجل سنّي بحريني لحوالى 6 آلاف من متابعيه، موضّحاً الاستخدام الشائع لهذه الكلمة في فضاء تويتر العربي: "بعد عملية عاصفة الحزم، قدّمت أميركا تكريت هدية إلى الرافضة المجوس إيران! أمريكا هي أم الجرائم في عالمنا العربي والداعمة للمشروع الصفوي المجوسي".
وأخيراً، تُستخدم كلمة صفوي، التي تشير إلى السلالة الصفوية التي حكمت بلاد فارس بين 1501-1736، لتصوير علاقات الشيعة مع إيران. أحياناً تُستخدم هذه الكلمة أيضاً في تعبير "صهيو-صفوي" الجديد، للإيحاء بأن هناك مؤامرة بين إسرائيل وإيران ضد المسلمين السنّة.
وفي الوقت نفسه، أصبح العديد من الافتراءات أكثر شيوعاً لوصف المسلمين السنّة في الخطاب الطائفي: وهابي (من أتباع محمد بن عبد الوهاب)، وتكفيري (المسلم السنّي الذي يتّهم مسلماً آخر بالردّة)، وناصبي (الذين يكرهون آل محمد)، وأموي.
ترتبط كلمة وهابي مباشرة بمن يتبعون تعاليم السلفي السنّي محمد بن عبد الوهاب، عالم الدين الرئيس الذي وضع النسخة السعودية من الإسلام السنّي. وبينما لايتمّ استخدام الكلمة بطريقة طائفية حصراً، فقد تم استخدامها في سياق الصراعات في العراق وسورية واليمن لوصف السنّة باعتبارهم وكلاء عقائديين للمملكة العربية السعودية. على سبيل المثال، غرّد حساب جيش المهدي الإلكتروني، وهو حساب على تويتر لهذه الميليشيا الشيعية العراقية، قائلاً: "الحمد الله لقد استسلم الوهابيون واعتنقوا مذهب شيعة آل بيت رسول الله. نسأل الله أن يهدي جميع اليهود الوهابيين". وبالمثل، تُستخدم كلمة تكفيري كافتراءٍ طائفي لتصوير السنّة كمسلمين يعتبرون المسلمين الآخرين كفاراً.
وتصف كلمة ناصبي أهلَ السنّة بأنهم يكرهون آل محمد ويُعتبَرون غير مسلمين. فقد غرّد عضو في قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع الشيعة، والمعرَّف على تويتر باسم علي البابلي، في أوائل أغسطس قائلاً: "يا علي مَدَدْ يا مُذِلَّ النواصب!"16
وأخيراً، تشير كلمة أموي إلى الإمبراطورية الأموية في القرنَين السابع والثامن، وتُستخدم لإهانة السّنة باعتبارهم مرتكبي المظالم التاريخية ضد الشيعة. بالنسبة إلى السنّة والشيعة على حدٍّ سواء، توضح هذه الكلمات المهينة التوتّرات التاريخية القديمة، وتعمل على تصوير السنّة والشيعة لبعضهم البعض على أنهم كفار مجدّفون.
بالنسبة إلى السنّة والشيعة على حدٍّ سواء، توضح هذه الكلمات المهينة التوتّرات التاريخية القديمة، وتعمل على تصوير السنّة والشيعة لبعضهم البعض على أنهم كفار مجدّفون.
مصطلحات مناهضة للطائفية:

وفي مايتعلق بالخطاب المناهض للطائفية، تتضمن العبارات التي استُخدمت في الغالب للتنديد بالطائفية على الإنترنت مايلي: "لا للطائفية"، "أنا سنّي، أنا شيعي"، "الوحدة الإسلامية"، "لاشيعي ولاسنّي".
وقد تم تغريد هذه المفردات، التي غالباً ماتقدَّم في شكل هاشتاج، في كل أنحاء العالم العربي، وهي شائعة خصوصاً في إدانة العنف. على سبيل المثال، غالباً ماظهرت هذه الكلمات، إلى جانب انتشار هاشتاج #قبل_أن_تفجّر_نفسك، كالنار في الهشيم، وكانت تسخَر في العادة من الانتحاريين، وتدعو إلى الوحدة الوطنية في أعقاب تفجير المسجد الشيعي الكويتي في 26 يونيو 2015. 17 وعلى هذا الأساس غرّد رجل أعمال كويتي في ذلك الوقت قائلاً: "أنا سنّي، أنا شيعي، أنا كويتي. من يفرّقون بيننا جبناء".
وكما تشير هذه الأوصاف والأمثلة إلى لغة الاصطلاحية الطائفية والمناهضة للطائفية الشائعة في فضاء تويتر العربي، يتم استخدام مثل هذه اللغة من جانب مستخدمي تويتر المتنوعين، الذين يناقشون كل شيء من مظالم السياسة الخارجية الطائفية إلى الدعوات للعنف والعلاقات العامة بين الجماعات. وبالتالي فإن انتشار هذه الكلمات في طائفة واسعة من التغريدات التي تعبّر عن المشاعر الطائفية، يجعلها أدوات مفيدة لبناء مجموعة بيانات من التغريدات الطائفية والمناهضة للطائفية.
اغفال ايران:

واغفلت الدراسة بشكل واضح عن دور ايران باعتبارها الوجهة البارز في الصراع السني الشيعي فإيران هي لاعب رئيسي في المنكقة وخاصة الصراع المذهبي، وتجيب "سيجل" بأن "إيران هي لاعب رئيسي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار خلال عملية تحليل أسباب وعواقب الصراع المذهبي في المنطقة"، لكنها توضح أنّ "الهدف من هذه الورقة البحثية كان التركيز على تحليل اللغة المذهبية في الفضاء التويتيري العربي، بما في ذلك الأحداث والفعاليات التي لعبت دوراً مؤثراً في نشر هذه اللغة. وعليه، لم تدرج البيانات الصادرة عن النخب الإيرانية أو المواطنين العاديين ممن نشروا تغريدات بالفارسية".
الخلاصة:
خلاصات الدراسة توقفت عند قدرة من وصفتهم بـ"أطراف فاعلة بارزة" على "استخدام تأثيرهم على شبكة الإنترنت للتخفيف من آثار اللغة الطائفية"، مشددة على أن الإعلام الاجتماعي يضخّم في كثير من الأحيان الأصوات الأكثر استقطاباً، "إلا أن في وسعه أيضاً توفير وسيلة قيّمة للقيادات المؤثّرة للتواصل العابر للطوائف".