وصاية الأزهر على الفكر والإبداع في بيان لهيئة كبار العلماء

السبت 16/يناير/2016 - 12:12 م
طباعة وصاية الأزهر على حسام الحداد
 
ما زال الأزهر الذي يدعي الوسطية يرفض المناهج العلمية الحديثة ويتهمها بان اصحابها يريدون هدم ثوابت الدين، الذي لا يستطيع فقيه ازهري ان يحددها لنا حتى الان وكثيرا ما سألنا علماء الأزهر عن ماهية "ثوابت الدين" و "ما علم من الدين بالضرورة" هاتين الجملتين الذين يتصدران مشهد الرد على من يحاول مجرد محاولة لمناقشة كتب التراث، ملقين بقدسية خاصة على هذه الكتب رغم انها انتاج بشري في المقام الاول، وان النصوص الأصلية التي هي عماد الدين وسنامه هي القرآن والسنة الصحيحة وما عداها فهو منتج بشري معرض للصواب والخطأ، والقائلون به رجال ونحن رجال على حد تعبير الامام الأعظم أبى حنيفة، هم اجتهدوا لزمانهم ومن حقنا ان نجتهد لعصرنا، ونحن اعرف به وكتاباتهم يتعين بطريق الحتم واللزوم ان تخضع للنقد والمراجعة فما وافقنا منها قبلناه ومالم.. نبذناه، وان الأصل في الأشياء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فما كان من أمر دينكم فإليَ وما كان من أمر دنياكم فشأنكم به، أنتم أعلم بأمر دنياكم" أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في السنن وأحمد في مسنده. 
وصاية الأزهر على
ومخالفا لمعظم آراء العلماء حول أحقية النقد والمناقشة والجدل ومن بينها رأي الامام مالك "كل يؤخذ منه ويرد الا صاحب هذا المقام، وأشار الى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك رأي الشافعي حينما قال رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أثاره بيان هيئة كبار علماء الأزهر الشريف والذي صدر الخميس 14 يناير 2016، جدل كبير، ورفض الهجمة الشرسة على التراث الإسلامي ومناهج الأزهر مفندا دعاوى رجعية هذه المناهج أو تأصيلها للعنف . وقد عبر العديد الكتاب عن ترحيبهم بلهجة الازهر التي تميل لرفض الفكر بدلا من المطالبة بالسجن والإقصاء على غرار ما كان يجري بالماضي، معبرين عن دعمهم لدور الأزهر المنشود لمواجهة التطرف خاصة مع ميراثه الكبير بقلب العالم الإسلامي ومدرسته القائمة على الفكر الوسطي البعيد عن التشدد ..  لكن على الجانب الآخر رفض أغلب الكتاب البارزين على الساحة الثقافية البيان، ورأوا أنه يعد تكريسا لوصاية الأزهر على الفكر وحريته، وتخطوا ذلك بتأكيدهم أن الأزهر وجامعته ومناهجه بوضعيتها الحالية تزكي موجة التطرف بالمجتمع !
وصاية الأزهر على
وكانت هيئة كبار العلماء، قد أصدرت بيانا رسميا صباح الخميس لاستنكار، الظاهرة غير المسبوقة التي يتعرض لها الأزهر الشريف – في السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت تحميله -ظلمًا-مسئولية بروز ظاهرة العنف العشوائي، التي تروّع الآمنين واستخدام القوة لفرض الآراء، وتجاوزت ذلك إلى تجريح ثوابت الإسلام، والطعن في التراث الفكري والحضاري الذي جعل من أمتنا العالم الأول على ظهر هذه الأرض لأكثر من عشرة قرون، والذي استلهمته أوروبا في بناء نهضتها الحديثة.
وقالت الهيئة في بياناها أن هذه الحملة تزامنت مع بروز ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في الغرب حتى لكأنهما جناحان لنزعة كراهية الإسلام، وتزييف صورته، وتشويه تراثه، الذي كان الأزهر -ولايزال-حارسه الأمين على امتداد تاريخ هذا المعهد العريق.
كما تجاوز الأمر – في هذه الحملة الظالمة-كل ألوان النقد -المشـروع منه وغير المشروع- إلى الطعن الفج في ثوابت التراث، ومذاهب أهل السُّنَّة والجماعة، المجسدة لهوية الأمة وتميزها الحضاري، بالدعوة إلى إحراق هذا التراث وإهانة الأئمة والأعلام العدول الذين أسهموا في إبداعه وفي حمله جيلًا بعد جيل..
وبينت الهيئة، أن هناك فضائيات تصف كتب التراث الإسلامي -التي قامت على خدمة الكتاب والسُّنَّة- بأنها «كتب النفايات البشرية التي مثلت لعنة حلَّت على الأمة، والتي يجب حرقها ودفنها.. فكل التراث مبني على النفاق والكذب والتدليس»!! كما تصف هذه الفضائيات ثمرات قرون صدر الإسلام -القرون الثلاثة الأولى- بلعنة الإرهاب والقتل والدموية والترويع، والكارثة الكبرى التي حلت بحياتنا.. وتصف الدين – الذي هو وحي وتنزيل إلهي ووضع إلهي ثابت- بأنه منتج بشـري، لا يصح أن يكون علمًا.
كما تتهم المذهب الأشعري – وهو مذهب أهل السنة والجماعة الممثل لفكر 90%من الأمة -بالمسئولية-عن الإفقار الكامل لكل من الطبيعة والسياسة والعقل.. مع دعوة هذه المجلات للأزهر إلى تفكيك هذا المذهب الذي هو جوهر تراث الوسطية الإسلامية عبر تاريخها الطويل، وغير هذه الفضائيات وهذه المجلات، وجدنا المتمركسين الذين يتهمون الأزهر ومناهجه وعلمائه بالإرهاب، متوسلين إلى ذلك بالتفسير المادي للدين، وطيّ صفحة الإيمان الديني، وفتح الأبواب أمام المادية الجدلية والتاريخية والزندقة والإلحاد، والبنيوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة.
تلك هي حقائق ومقاصد هذه الحملة الشرسة –غير المسبوقة- التي يواجهها الأزهر الشريف – بمؤسساته العلمية .. وجامعته .. ومعاهده الدينية .. معلنًا – بلسان “هيئة كبار العلماء ” أنه سيظل كما كان العهد به على مر تاريخه – الحصن الحصين لتراث الأمة وهويتها الحضارية في مواجهة مختلف التحديات. مهما كانت شراسة هذه التحديات ومهما كانت الجهات التي تقف وراءهم، ويؤكد الأزهر أنه سيكون لهم بالمرصاد
وصاية الأزهر على
الطيب يخرج عن صمته
وفي حديثه الأسبوعي بالفضائية المصرية، أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على أن المشيخة مضى عليها أكثر من 1060 عامًا، حافظت خلالها على وسطية الإسلام والمسلمين التي تعنى عدم التعصب لمنهج أو مذهب معين، مع احترام مذاهب وأديان الآخرين. وقال “الطيب”: منهج الأزهر تعددي، يجمع كل المذاهب الإسلامية ويقف بها تحت لافتة الإسلام، لا يُكفر ولا يُقصى أي مذهب آخر، ولا يُفسقه أو يُبدّعه.
وختم بقوله : هدم الأزهر هدم للوطن، باعتباره القوة الناعمة لمصر والعالم العربي والعالم الإسلامي، ومن أراد أن يعرف قيمة ومكانة الأزهر فليعرفها في خارج مصر في العالم الإسلامي الذى لا يرضى بهذا الهجوم الذى كنا نود ألا يأتي من قبل مصري، ومع ذلك نحن على استعداد أن نتلقى أي نقد هادف يبنى ولا يهدم، فنحن لسنا معصومين، ولا نؤمن بمعصوم إلا النبي، صلى الله عليه وسلم، واعتبر أن اجتزاء بعض النصوص في الكتب التراثية الأزهرية دون فهمها في إطارها العام تضليل للناس، حتى يقال: إن مناهج الأزهر مناهج إرهابية، مع أن هذه المناهج موجودة من قديم ولم تخرج إرهابيين وقتئذٍ، فلماذا تخرجهم الآن؟! إلا إذا كان المطلوب هو هدم الأزهر، ولن يتحقق لهم ما يريدون.
وبهذا يقوم شيخ الأزهر مدعوما من هيئة كبار العلماء والقوى السلفية بغلق باب التفكير والاجتهاد والنقد تحت دعوى الوسطية والحفاظ على المعلوم من الدين بالضرورة وكذلك الحفاظ على ثوابت الدين، تلك الألفاظ التي يطلقونها ليل نهار، مصرين على العزلة التامة عن علوم العصر وخاصة العلوم الانسانية وكذلك التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ضربت العالم الاسلامي في كافة مناحيه، بحيث لم يعد الخطاب الكلاسيكي التقليدي الذي يعتمد تلك الاكلشيهات ملائما وهذا ما يبين لنا لماذا تلك المقولات والمؤلفات التي تنتجها مؤسسة الازهر وغيرها من الالة السلفية لم تقد لنا حل ناجح لمشكلات المسلمين المتفاقمة.
وصاية الأزهر على
ومن هنا لابد من تغيير الاطروحات التي يقدمها لنا الازهر ومؤسساته بداية بالأسلوب وانتهاء بالمفاهيم والمدلولات ولن يأتي  هذا الا بأمرين:
الاول: الخروج من الشرنقة التي نسجت حول الذات والتخلي عن نظرة العدمية التي ترفض مجرد الاطلال على ثقافات الاخرين وحتمية دراسة ما لدى الاخرين دراسة معمقة فاذا وجدنا فيه ما يوافقنا فلا حرج من قبوله وهو ما فعله من عاشوا حقبة ازدهار الحضارة الاسلامية.
ثانيا: الحرص على متابعة ما يستجد من العلوم الانسانية لأنها سوف تساعدنا على قراءة منهجية علمية، الامر الذي سوف يتيح لنا تحديد المواقف بدقة متناهية بدلا من التيه والتخبط وتكفير الاخر وعده في عداد اعداء الدين والوطن.

شارك