المسلمون في بلغاريا... الواقع والمستقبل

السبت 16/يناير/2016 - 08:33 م
طباعة المسلمون في بلغاريا...
 
بلغاريا – خاص بوابة الحركات الإسلامية
ترددت أنباء مؤخرًا بشأن قيام الحكومة البلغارية بمراقبة الأئمة المسلمين، فى إطار عدد من الخطوات لمحاربة التطرف ومنع توغل العناصر المتطرفة فى المجتمع البلغاري، فى الوقت الذي دعا فيه رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف البرلمان إلى إنشاء فرع رسمي لتخريج علماء دين مسلمين لتجنب تلقي أئمة بلغار تعليمهم في الخارج.

المسلمون في بلغاريا...
من جانبه قال زعيم اليمين الوسط أمام النواب: "بدلاً من رفض مواجهة الواقع، يجب مناقشة أين وكيف يتم تخريج علماء الدين المسلمين البلغار". يُذكر أنه بعد 5 قرون من الهيمنة العثمانية تعد بلغاريا أكبر أقلية تركية في البلقان، وتقدر بـ10% من سكانها الـ7,3 مليون، ويشكل مجمل المسلمين في بلغاريا وبينهم البلغار الذين اعتنقوا الإسلام وبعض غجر روما 13% من السكان، أي أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي.
وتم  بناء عشرات المساجد في بلغاريا منذ نهاية الحقبة الشيوعية عام 1990، بتمويل من تركيا والسعودية.
وفى هذا التقرير نعرض أوضاع المسلمين فى بلغاريا، من حيث التاريخ والواقع والتحديات التي تواجه الأقلية المسلمة.
المسلمون في بلغاريا...
بلغاريا إحدى دول منطقة البلقان التي خضعت للاحتلال العثماني التركي طوال 5 قرون، من عام 1396 حتي عام 1908. وغزا العثمانيون  المنطقة لنشر الدين الإسلامي بحد السيف، فقد احتلوا أولا مدينة بلوفديف عام 1363، تلاها صوفيا عام 1385، ثم استولوا في نهاية الأمر على كامل الأراضي البلغارية عام 1393، مارس العثمانيون أبشع أنواع التنكيل والقمع على السكان المسيحيين البلغار الأرثوذكس، من تغيير للديانة بالقوة، تبعها تغيير للأسماء، وصولا لخطف الصبية بهدف ضمهم لجيش الإمبراطورية العثمانية الانكشاري للمزيد من الفتوحات والاحتلال. امتزج ذلك بخطف البنات والنساء ضمن تعدد الجواري والحريم. حتي عرف يوم 2 فبراير في التاريخ البلغاري، كذكري من كل عام لعمليات خطف الصبية، ويتناول التاريخ البلغاري كيفية عدم تسليم هؤلاء الصبية من ذويهم، بطلاء منازلهم بصبغة حمراء لتوحي بأن المنزل لا يوجد به ذكور. العديد من الكتب التاريخية والقصص والأفلام السينمائية والوثائقية تناولت فظائع الاحتلال العثماني التركي لبلغاريا، وفقدان البلاد لأراضٍ شاسعة ضمتها تركيا عنوةً بموجب معاهدة سان ستيفانو في 3 مارس عام 1878، بين روسيا والإمبراطورية العثمانية 9 لتضع ختام للحرب العالمية التي استمرت  من 1877- 1878 م، هذه المعاهدة ألزمت الامبراطورية المهزومة بعمل إصلاحات جوهرية على حياة وأوضاع المسيحيين وبخاصة في أوربا، كما أجبرت الإمبراطورية بتواجد عسكري روسي لمدة عامين لمتابعة التنفيذ.
     

تعداد المسلمين في بلغاريا.

تعداد المسلمين في
المسلمون البلغار من ذوي الأصول التركية الذين اعتنقوا- المذهب السني- مع الفتح العثماني التركي، تبلغ نسبتهم حوالي 70% من أصل مليون و750 ألف نسمة، الباقي يتوزع على المسلمين البلغار الأصل المسمين "البوماق" بنسبة 22 % والآخرون من الأقلية الغجرية- روما- وهم من البدو الرحل. إجماليا هؤلاء يعتنقون المذهب السني الحنفي، الذي عززه الاحتلال العثماني التركي. فضلًا عن ذلك كان الدستور البلغاري الأول الذي وُضع عام 1877- 1947، يحتوي على نص أساسي بمواده الأولي، التي تجعل الدين المسيحي- السلافي-  الأرثوذكسي هو الدين الرئيسي بالبلاد. مع نص آخر يشير إلى قيام الدول البلغارية - المملكة الأولى بالمحافظة على حرية الشعائر من قبل الأقليات الأخرى. إحصائية عام 1887 كانت تشير بوجود نسبة 20 % من المسلمين ذوي أصول تركية، والباقي من السكان البلغار - البوماق- الذين اعتنقوا الدين الإسلامي، هذه النسبة تناقصت لتصل إلى 12%، وانخفضت بحلول أربعينيات القرن الماضي - حيث تتيح معاهدة سان استيفانو للمسلمين ذوي الأصول التركية الراغبين في الإقامة والتنقل الحر- انخفضت هذه النسبة لتصل في الخمسينيات إلى 8,6%، وذلك بعد قيام الثورة الاشتراكية في بلغاريا 9 سبتمبر عام 1944، ومع ملاحظة أن تركيا وهي الحاضنة لهم لا تعترف بهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بل كونهم مهاجرين بحكم ظروف سياسية واقتصادية بتراكمات العلاقات البلغارية التركية. أفرزت الثورة الاشتراكية تغييرًا شاملًا في التعاطي مع أبناء الأقلية المسلمة وتحديدا التركية الأصل. فخلال 45 عامًا ممتدة حتى عام 1990.جرت محاولات عدة عقائدية من الحزب الشيوعي البلغاري لإدماج هذه الأقلية بنسيج المجتمع البلغاري، أبرزها عمليات تغيير الأسماء التركية إلى البلغارية وإغلاق المساجد، بل والكنائس أيضًا بشكل لم يتخذ الطابع الرسمي بل كان المصدر الخوف من بطش الأجهزة - كما فعل المحتلون  الأتراك، بل منع استخدام اللغة التركية ووقف جميع الصحف المحلية الصادرة باللغة التركية، وهو ما عُرف بنهج الاحتواء والأقلمة والأدلجة. البعض من هذه الأقلية طواعية غير اسمه وانخرط في صفوف الحزب الشيوعي، بستينيات القرن الماضي. إلا أن مرحلة السبعينيات والثمانينيات شهدت تغيرا ملموسا في التعاطي معهم في ظل تصاعد آفاق الحرب الباردة بين المعسكرين، باستخدام القوة في أدلجة ما تبقى من هذه الأقلية في التغيير القسري، كان أبرزها أعوام 1984، 1985، باقتحام قوات الجيش للمناطق الحدودية مع تركيا في تعقب للنشطاء من الأقلية الرافضين لعمليات الأدلجة، وهو ما نتج عنه مصادمات واعتقالات، بل ووفاة العشرات. وكانت قمة وآخر مسلسلات التعقب في الأدلجة عام 1989 بضبط خلايا تعمل على مقاومة السلطة البلغارية ومحاولات تفجيرات لوسائل قطاع عام. هذا العام سمحت السلطات البلغارية برحيل المئات من أبناء الأقلية للأراضي التركية المتاخمة، فيما سُمي وقتها بالرحلة الكبيرة)، وفق مصادر بلغ عددهم 350 ألفًا، عاد منهم فيما بعد حوالي 120 ألفًا بعد سقوط النظام الاشتراكي في 10 نوفمبر 1989.

مجلس المصالحة الوطني

مجلس المصالحة الوطني
أفرز سقوط النظام وانهيار المعسكر، تأسيس مجلس المصالحة الوطني، عام 1990 بمشاركة كافة القوى، ومن ضمنهم ممثلون لأبناء الأقلية التركية ضمن تشكيل "اللجنة المستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان"، طالب أبناء الأقلية بعودة أسمائهم المتغيرة قسرًا بموجب شهادات إدارية من المحاكم، والسماح بحق ممارسة الشعائر وأداء الصلوات، وبالفعل استطاع ما يقرب من 600 الف مواطن استعادة أسمائهم التركية، إلى أن تم تأسيس حزب "حركة الحقوق والحريات" عبر أحمد دوجان مؤسسه والقائد الفعلي له حتى يومنا هذا، وذلك عام 1991، هذا الحزب لعب منذ نشأته دور التوازن على الساحة السياسية والاجتماعية بكافة الحكومات المتعاقبة، وأضحى جزءًا هاما في النظام السياسي البلغاري، وللإنصاف، لم يتخذ الحزب دورًا دينيا في الهيمنة، بل كانت قيادته ولم تزل تسعى لتطعيمه بعناصر بلغارية الأصل تفاديًا من الوقوع في المحاذر الدستورية التي تمنع قيام أحزاب على أسسس عرقية، طائفية ودينية. الملاحظة الأخرى هي اندماج وانخراط أبناء هذه الأقلية - مزراعي التبغ، والتي لم يجتهد حزبها في تحسين أحوالهم المعيشية لأغراض انتخابية - بالحياة المدنية البلغارية جنبا الي جنب في اختلاط مع المسيحيين البلغار الأصل.

صراعات دار الافتاء

أثمرت التحولات السياسية والاقتصادية ببلغاريا علي اثر انتهاج سياسة الانفتاح، تجاذبات خارجيه وصراع نشب بين تركيا نمن ناحيه والسعودية علي الفوز بمكانة الراعي لأبناء هذه الأقلية. فالدولتان تمنحان لأبناء الأقلية دراسات دينية بمعاهدها لتخريج أئمه وواعظين في مجال الارشاد الديني، وتمثل عمليات التبرعات لبناء المساجد والضخ المالي لمساعدة أبناء الأقلية مجالا في التنافس بهذا الصدد. أما بالداخل فتبدو هيمنة كوادر ومحسوبي الحزب، علي هياكل دار الافتاء وتوابعها بالمدن والمحافظات، ومن ثم عملية اختيار وتوظيف الأئمة وإلحاقهم بالمساجد.

المستقبل

المستقبل
لا يزال حزب الأقلية "حزب حركة الحقوق والحريات" ما بين الرفض والوجود -الشعبي، بمجمل تداعيات تاريخيه واقتصادية ثقافية واجتماعية، وعلى وجه الخصوص من قبل اليمين القومي واليمين المتطرف، الذين لا يعترفان به.(هذا مع امتلاء أجهزة الإعلام البلغاري بأقاصيص عن حياة البذخ والترف لقيادات الحزب واستفاداتهم الشخصية من خلال اشتراك الحزب بالسلطة السياسية طوال 20 عاما مضت) ثمة حدود سياسيه غير مرئيه مرسومه لدور الحزب المذكور، تسوية سياسية معقده بمقابل الالتزام بالعمل السياسي العلني في اطار الدستور والقانون، وعدم توظيف الدين في صراعات سياسية، ببلد علماني بطبعه لعصور ماضيه. لكن حادثة محاولة التعرض لقائد الحزب منذ 3 سنوات ماضيه، علي ايدي شاب تركي اثناء انعقاد مؤتمر الحزب، ألقت بظلالها علي الحزب والأقلية فشباب الأقلية يرون بان الحزب تحول الي شركة مصالح للمحاسيب والأقارب. وكان من الطبيعي أن يستقيل مؤسسه أحمد دوجان الذي قاده منذ عام 1991، وليتولي لطفي مستان، الشمولي الذي حاول ربط الحزب بأنقره منذ توليه، حتي اقالته في أواخر ديسمبر الماضي، لاصدارؤه بيان مؤيد لتركا وسياساتها في اسقاط الطائره الروسيه 13 ديسمبر العام الماضي، واختفائه في السفاره التركية، واذي ادي للمزيد من تأزم العلاقات البلغارية التركية، نظرا للتدخل التركي المباشر وحث اردوغان وأوغلو في التدخل الحكومي البلغاري لصالح رئيس الحزب المقال. الحزب اختار قيادة جماعيه مكونه من 3 اشخاص وتبرأ من تبعات رئيسه المقال. مؤتمر الحزب سينعقد في مارس القادم لاختيار قياده جديده ولتغيير في النمط والأسلوب السياسي علي المستوي الداخلي والخارجي..     

شارك