انتهاكات الحشد الشعبي بالعراق تعود إلى الواجهة و"ديالي" النموذج الجديد
الأحد 17/يناير/2016 - 03:31 م
طباعة

عادت انتهاكات ميليشيات الحشد الشعبي إلى الواجهة مرة أخرى بالعراق، بعد أن تم الكشف عن اعتداءات ضد عدد من المدنيين في مناطق متفرقة من محافظة ديالي، بالإضافة إلى حرق مساجد للسُّنة في المقدادية على يد ميليشيات مسلحة تابعة لـ"ميليشيات بدر"، بقيادة هادي العامري.

واتهم قادة في عشائر محلية ميليشيات بمواصلة أعمال العنف ضد سكان محليين؛ لأنهم من الطائفة السنية، واعتبر سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي الحكومة عاجزة عن فرض الأمن وردع الميليشيات لأهالي ديالي، وأن تفجير بيوت الله ووجود سيارات تجوب بعض المناطق وتدعو أبناء هذه الطائفة أو تلك للخروج من منازلها استفزاز واضح واعتداء على هيبة الدولة، لن نسمح به، وكما واجهنا داعش، وتبرأنا من أفعالها- على الجميع أن يحارب هذه العصابات الإجرامية ويتبرأ من أفعالها، وعلى الحكومة محاربة المسلحين بطريقة جادة ونزع أسلحتهم بالقوة، وإذا كانت الأجهزة الأمنية عاجزة عن حفظ الأمن فلماذا ندفع المرتبات لأكثر من 30 ألف عنصر".
وتابع: "نحن الآن في خندقين: خندق يريد دولة مستقرة آمنة تؤمن بالقانون، وخندق آخر يريد الفوضى ولا يريد الاستقرار. وسنضرب يد الأخير ونردعه ونمنعه من الاستهتار ومواصلة القتل، وأن المجرمين فتحوا جبهة جديدة بعد انتصارات الرمادي في منطقة كنا نقول وتقولون عنها إنها منطقة للتعايش الاجتماعي، وما حصل يجب الوقوف كثيرًا أمامه؛ لأن الدولة مهددة إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، وأن استقرار ديالي هو استقرار للعراق، وفي المصائب يظهر أصحاب القوة والمنعة والإرادة، ويجب أن نعمل جميعًا على استقرار ديالي وغلق كل منفذ يمكن أن يدخل من خلاله الإرهاب، وليس لأحد أن يشعر أنه بمنأى عن الخطر، ولن نقبل بغير وجود الدولة ولا نرضى لغيرها أن يحفظ الأمن، والسلاح إذا لم ينضبط بضوابط الدولة سينقلب على أهله".

ولمحافظة ديالي العراقية طبيعة خاصة تتمثل فيما يلي:
1- تتميز بأنها ذات أغلبية سنية، ولكنها تقع على الحدود الإيرانية، وهو ما جعلها تشهد هجمات شرسة من ميليشيات شيعية تستهدف الأغلبية السُّنية.
2- موقعها المهم؛ حيث تقع شرق بغداد وتمتد من شمال شرق العاصمة حتى الحدود الإيرانية، وعاصمتها مدينة بعقوبة.
3- الامتداد الكبير للمحافظة على طول الحدود الإيرانية، مما جعلها دائمًا في تماس واحتكاك مع طهران؛ حيث تمتد على مساحة تبلغ نحو 17617 كيلومترًا مربعًا، وتنقسم إداريًّا إلى ستة أقضية وهي بالإضافة إلى بعقوبة: قضاء الخالص، وقضاء المقدادية، وقضاء بلدروز، وقضاء خانقين، وقضاء كفري.
4- يقدر عدد سكانها بنحو 1.27 مليون نسمة، وتعد المحافظة العراقية الوحيدة ذات الغالبية السنية العربية التي لها حدود مع إيران، في حين أن المحافظات الحدودية الأخرى مع هذا البلد ذات غالبية شيعية أو سنية كردية، فضلًا عن أن ديالي هي أقرب طريق بين بغداد وإيران.
5- تتراوح نسبة العرب السنة في محافظة ديالي بين 65% و70%، وبقية سكانها عرب شيعة وأكراد، وقد فازت القوى السياسية الممثلة للسنّة منذ عام 2005 بالانتخابات المحلية لتشكيل مجالس المحافظة.
6- تسكنها عشائر عديدة من بينها عشائر العزة، وكنانة، والعبيد، والجبور، وبني قيس، والدليم، والسعيد، والعسكري، وطيّئ، وبني تميم، وبني سعد، وبني خالد، وبني حرب، وبني زيد، وشمر، والأجود، وعتبة، والبومحمد، وغيرها.

7- امتداد الحدود بين ديالي وإيران على عشرات الكيلومترات، سهل صنوفًا من تدخل الميليشيات الشيعية فيها عقب احتلال العراق عام 2003، وقد وثقت تقارير من داخل العراق معاناة المكون السني من تلك التدخلات، وهو الذي كان يشكل نحو ثلثي عدد سكان المحافظة، قبل أن تنزل النسبة إلى أقل من 50% بسبب عمليات القتل والتهجير، وشراء أملاك المهجرين بأسعار بخسة من قبل أطراف شيعية وكردية، وتدمير أراضيهم لمنعهم من العودة إليها مجددًا.
8- معاناة المحافظة ديالي أعمال قتل وعنف طائفي على أيدي ميليشيات شيعية، على مرأى من القوات العراقية، في محاولة لتسهيل إجراء تغيير ديمغرافي واسع في المحافظة.
تدهورت الأوضاع الأمنية في ديالي، وسيطرت الميليشيات الشيعية والتي تقوم وقامت بالفعل بتهجير قسري، وعلى أسس طائفية من خلال عدة حوادث، منها:
1- أحداث قتل وإحراق لتسع مساجد للسنة في مدينة المقدادية التي تقع على بعد 100 كيلومتر شمال شرق بغداد، في يناير 2016 قامت بها الميليشيات الشيعية، عقب تفجير لمقهى في المدينة أودى بحياة العشرات من المدنيين.
2- شهدت محافظة ديالي أكبر موجة تهجير قسري بين عامي 2006 و2007 عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير 2006.
3- في أغسطس بين ديالي وإيران على عشرات الكيلومترات، سهل مصليا، وأصابت عشرات آخرين بجروح أثناء أدائهم صلاة الجمعة بمسجد مصعب بن عمير بمحافظة ديالي.
4- منذ 2003 تتهم أطراف سُنية في العراق الميليشيات الشيعية بممارسة حملات تطهير طائفي ومحاولة تغيير سكاني لحساب المكون الشيعي في محافظة ديالي.
أدى هذه الحوادث إلى تهديد مجموعات عراقية سُنِّية، على رأسها لجنة التنسيق العليا في العراق، وهي تجمع كيانات سنية، باللجوء إلى الأمم المتحدة لطلب الحماية الدولية في ديالي التي تشهد أعمال عنف، وقال عمر الحميري محافظ ديالي السابق: "إن أكثر من 90 شاباً من أهالي حي العروبة وأهالي الحي العصري في المقدادية قد أعدِموا من قبل هذه الميليشيات وتم إحراق المساجد على مرأى الشرطة".

الحكومة العراقية حاولت تهدئة الأوضاع المشتعلة بالمدينة، من خلال تأكيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي على أنه أصدر توجيهات باعتقال المعتدين على المساجد والأموال العامة في ديالي وتقديمهم للعدالة، وبذل أقصى الجهود للكشف عن خيوط جريمة استهداف الصحافيين في محافظة ديالي، وقال العميد الركن جاسم السعدي قائد شرطة ديالي: "إن كثيراً مما يُبث شائعات تنشرها جماعات متطرفة مغرضة في المقدادية تسعى لنشر الخوف بين الأهالي، وإنها بثت على الأقل عشر شائعات مغرضة في المقدادية خلال اليومين الماضيين لنشر الرعب والخوف بين الأهالي، وإن هناك "طابورًا خامسًا" بث أكثر من 10 شائعات مغرضة خلال الساعات الـ48 الماضية؛ من أجل تعكير الأجواء في قضاء المقدادية؛ ولذلك على الأهالي التعاون مع القوات الأمنية، وعدم تصديق الشائعات، وإن القوات الحكومية العراقية تمكنت من دخول مدينة المقدادية في محافظة ديالي بعد أيام من اقتحام ميليشيات شيعية للمدينة وفرض حصار عليها".

مما سبق نستطيع التأكيد على أن الصراع الطائفي في العراق لا زال موجودًا ويتأجج طوال الوقت، خاصة بعد انتهاكات ميليشيات الحشد الشعبي المتكررة، وهذا الأمر يضع الحكومة العراقية في موضع صعب، خاصة وأنها تواجه الإرهاب الداعشي من ناحية إرهاب تنظيم داعش الدموي من ناحية أخرى وهو الأمر الذي يقلل من جهودها في درء أحد الخطرين على الأقل.