لماذا تسعى باكستان للتوسط بين "الرياض وطهران"؟

الإثنين 18/يناير/2016 - 07:01 م
طباعة لماذا تسعى باكستان
 
بعد نحو أسبوعين من توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خلفية قيام الرياض بتنفيذ حكم الإعدام على الداعية الشيعي نمر النمر، وهو الأمر الذي اعترضت عليه إيران وأعقبه اقتحام محتجين سفارة السعودية في إيران، توسطت باكستان الحليف الأقرب للرياض، بحكم الانتماء المذهبي لـ80 % من الباكستانيين إلى المذهب السني، فضلاً عن الدعم السعودي لها من جهة، إلى جانب رغبتها في عدم توتر العلاقات مع إيران حيث أن 20 % من الباكستانيين شيعة، إلى جانب أن الدولتين حدوديتان وتحرص كل من (إسلام أباد وطهران) على استقرار الأوضاع الحدودية، وهو السبب الرئيس في سعي باكستان لأن تتوسط بين البلدين.
وتحرص باكستان على علاقتها بالرياض وطهران، ففي حين رفضت إسلام أباد الدخول في الحلف العربي الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثي في اليمن، وقرر البرلمان الباكستاني الوقوف على الحياد والتدخل إذا ما تعرضت السعودية إلى خطر حقيقي، قالت باكستان في أزمتها الأخيرة من إيران إنها لن تسمح بوجود أي تهديد للمملكة العربية السعودية وأن ردها سيكون قويًا على ذلك.
زيارة نواز شريف للرياض، بغية التهدئة بين (الرياض وطهران)، لم تكن لتأتي ويتم الإعلان عنها لولا أخذ "إسلام أباد" الضوء الأخضر من البلدين للسير في هذا الطريق، إذ قبل الإعلان رسمياً عن الهدف من الزيارة وهو الوساطة بين البلدين، قالت تقارير إعلامية إن زيارة شريف إلى السعودية جاءت لمناقشة قضايا أصبحت جوهرية بالنسبة للسياسة الإقليمية للبلدين، أهمها المشاركة في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
لماذا تسعى باكستان
باكستان تضع في اعتبارها أن رفع الدول الغربية العقوبات عن إيران، ربما يعزز من مخاوفها من المزيدٍ من التدخلات الإيرانية في المنطقة عبر دعم الأقليات الشيعية على أراضيها، الأمر الذي يسهم في إدامة حالة من عدم الاستقرار والنزاعات الطائفية إلى ما لانهاية، في وقت تواجه فيه هذه الدول حربًا شرسة على الإرهاب الذي يستفيد بدوره من النزاع الطائفي الشيعي السني لكسب مزيد من المقاتلين في صفوفه. وتشهد باكستان بدورها نزاعا طائفيا بين السنة والشيعية، وهو نزاع محتدم وسابق حتى عن النزاعات المماثلة التي تشهدها المنطقة العربية.
ويقول مراقبون إن باكستان باتت مقتنعة الآن بأن التحديات التي ستفرضها جارتها الغربية على أمنها الداخلي واستقرارها تفرض الخروج من حالة الحياد السلبي، وباتت تعي جيدا أن ايران التي لم يمنعها الحصار الاقتصادي من دعم وتمويل مليشيات تقاتل باسمها في كل مكان ستزداد الآن حرصا على التدخل في شؤون دول المنطقة وأينما توجد أقلية شيعية تماما كما في باكستان، بعد رفع الحصار.
كانت السعودية وباكستان اتفقتا على بذل جهود لتعزيز التعاون متعدد الأوجه، والعمل معا لمكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك خلال الزيارة التي قام ولي ولي العهد، الأمير سلمان بن عبد العزيز، إلى إسلام أباد التي ناقش خلالها مع شريف عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك والوضع الإقليمي، بما في ذلك التوتر القائم بين السعودية وإيران، حيث أطلع الأمير محمد بن سلمان، رئيس الوزراء الباكستاني على تفاصيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
لماذا تسعى باكستان
وسيقوم اليوم (الاثنين) وفد باكستاني إلى السعودية، والثلاثاء إلى إيران لتهدئة التوتر بين البلدين، وقال رشيد إن رئيس وزراء باكستان سيلتقي اليوم في الرياض الملك سلمان، وغداً في طهران الرئيس حسن روحاني. وقال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية قاضي خليل الله في بيان، إن "تصعيد التوتر الأخير بين المملكة السعودية وجمهورية إيران الإسلامية يقلق باكستان كثيراً".  وذكر أن تسوية سلمية للخلافات تصب في مصلحة الأمة الإسلامية.
كانت "تل أبيب" أعربت عن انزعاجها خلال الفترة الماضية، حيث ادعت أن السعودية تسعى إلى شراء أسلحة نووية من باكستان تستخدمها كسلاح ردع ضد إيران أبرز أعداء المملكة، وقد أعلن وزير الإعلام الباكستاني برويز رشيد، أن رئيس الوزراء نواز شريف، وقد نفى وزير خارجية باكستان، عزيز أحمد تشودري، وجود نية لبلاده ببيع الأسلحة النووية إلى المملكة العربية السعودية، وقال إنّ ذلك "ليس له أساس من الصحة"، إلا أنه أكد تعهد باكستان بحماية سلامة الأراضي السعودية من أي تهديد.

العلاقات السعودية الباكستانية:

العلاقات السعودية
من كل ذلك كان لزاماً معرفة طبيعة العلاقة بين (باكستان والسعودية)، وكما أوضحنا فإن كلا الدولتين، تمثل ورقة رابحة بالنسبة للأخرى، كل منهما  هو الطرف الذي قد يأتي من خارج منطقته ليغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الآخر، وهذا عامل يجب أن يؤخذ في حسابات جميع اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا على حد سواء.
وتشير تقارير إعلامية، إلى أنّ حفاظ الرياض على علاقة عميقة مع باكستان، يفيد طموح السعودية في توسيع نطاق أيديولوجيتها خارج العالم العربي، وتحاول الرياض تحقيق ذلك الهدف على الصعيد العالمي، سواء من خلال الاستثمارات الواضحة للغاية أو بشكل أكبر من خلال الوسائل السرية، التي يدخل من بينها تبني الحكومة السعودية مساجد كبرى وتقدِّيم المنح الخيرية الإنسانية؛ الامر الذي يساعدها على نشر مذهبها السلفي من خلال تمويل المدارس الدينية التي تركز على تلك الأيديولوجية، ومن خلال دفعها أموالًا لرجال الدين وصانعي الرأي لزيارة المملكة أو الدراسة فيها أو الحج.
ولا شك أن الرياض تستخدم الارتباط الديني والمذهبي مع باكستان لتزيد من العلاقة معها، فقد ساعد الرياض على ذلك، أن باكستان "جمهورية إسلامية" طبقًا للدستور، وتسعى الرياض إلى كبح جماح إيران في المنطقة عبر تلك التحالفات، ومن وجهة نظر السعوديين، فإن أحد أفضل الطرق لجعل إيران تفقد اتزانها هو تعزيز منافس سُني قوي (في إشارة إلى باكستان) على حدود إيران الشرقية.
لماذا تسعى باكستان
ولكي تكون باكستان حامي الديار في المملكة السعودية، كان لابد من استخدام المال كوسيلة لتحقيق ذلك، وقد قدَّم السعوديون الكثير من ذلك، ورغم أنه لا يوجد رقم شامل متاح للجمهور عن ذلك، لكن على مدى العقود الأربعة الماضية قدَّمت المملكة لباكستان مليارات الدولارات على سبيل مساعدات في شكل نقد وائتمان وخفض لسعر النفط، فخلال الثمانينات، موّلت السعودية ما يقرب من نصف التكاليف التي وصلت إلى مليارات الدولارات عبر باكستان لحرب ما يسمى "المجاهدين" ضدّ السوفييت.
وفي عام 1998، عندما كان رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، يدرس ما إذا كان سيرد على التجربة النووية التي أجرتها الهند بواحدة من جانبه واحتمالية فرض عقوبات ضدها، قالت تقارير إن ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله وقتها، وعد بتوفير 50 ألف برميل من النفط يوميًا لمساعدة إسلام اباد في مواجهة أي عقوبات محتملة.
باكستان هي الأخرى تتطلع إلى تنويع أنصارها من القوى الإقليمية، وقد وجدت في الرياض خير دليل معين على ذلك، لكن قوة العلاقة بين (السعودية والرياض) يحددها من يحكم باكستان، فإذا ما كان قائدًا عسكريًا (تحت قيادة الجنرالات ضياء ومشرف)، أو الرابطة الإسلامية الباكستانية (بقيادة شريف – وهو ربيب ضياء وقد حاول منح نفسه سلطة تطبيق الشريعة)، تقوى العلاقة جداً بين البلدين، أما حزب الشعب الباكستاني  (PPP)، وهو منافس لكل من الرابطة الإسلامية الباكستانية والجيش، فقد كان على مدى التاريخ أقل قربًا من السعوديين.

شارك