الأزهر وذكرى 25 يناير.. إدانة للعنف والتخريب ودعوة للبناء

الإثنين 25/يناير/2016 - 03:47 م
طباعة الأزهر وذكرى 25 يناير..
 
كثيرة هي الدعوات التي خرجت في الأيام القليلة الماضية من جانب جماعة الإخوان الإرهابية، وبعض الموالين لها بإشاعة العنف والتخريب في ذكرى ثورة 25 يناير، وردًّا على تلك الدعوات ومواكبة منه للأحداث هنأ الأزهر الشريف الرئيس عبدالفتاح السيسي والشعب ورجال الشرطة، بمناسبة عيد الشرطة والذكرى الخامسة لثورة 25 يناير المجيدة، مؤكدًا أن الشعب لن ينجرف للتخريب والعنف.
ودعا الأزهر، في بيان أصدره اليوم 25 يناير 2016، المصريين أن تكون المناسبتان حافزًا لهم للعمل والبناء للتقدم بالوطن والنهوض به، بعد أن أكمل الشعب بناء تجربته الديمقراطية واستكمل خارطة الطريق السياسية، لتبدأ مرحلة العمل والبناء، على حد قوله.
وأكد الأزهر ثقته أن الشعب المصري لن ينجرف إلى دعوات التخريب والعنف التي أطلقتها بعض الأنظمة والجماعات المشبوهة في الداخل والخارج، مضيفًا: "تلك الجماعات التي لا يهمها إلا تحقيق مصالحها الحزبية والسياسية المغرضة، حتى لو كان ذلك على حساب دماء المصريين وأرواحهم".
كما شهد الأزهر الشريف حالة من الاستعدادات الأمنية في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، وتتمثل تلك الاستعدادات في تكثيف عدد أفراد الأمن المكلفين بحراسة مقر مشيخة الأزهر بالدراسة وهم أفراد معينون بالفعل بالأزهر الشريف؛ حيث يبلغ عدد أفراد الأمن حاليًا ما يزيد على 100 فرد، كما تم توفير عدد من الأدوات الأمنية لهؤلاء الأفراد، إضافة إلى التنسيق مع الداخلية لتواجد قوات الشرطة.
وفي حديث مع مسئولين بالأزهر أفادوا بأن تأمين مقر مشيخة الأزهر أمر ضروري، لا سيما مع وجود مكتبة الأزهر خلف مقر المشيخة وهي تحتوي على وثائق ومخطوطات نادرة.
وقد أدان علماء الازهر الشريف دعوات الحشد والتظاهر والتخريب في ذكرى ثورة يناير السادسة، مؤكدين أنها دعوات ‏تهدف إلى وقف مسيرة تقدم الوطن، وتخدم أجندات خارجية بهدف إسقاط مصر، مشددين على أنها دعوات فتنة ‏صريحة، للنيل من روح هذا الوطن ووحدته، مدينين دعوات الخروج للشوارع بهدف إشعال الفتنة، مؤكدين على ‏حرمة بيع السلاح وقت الفتن، وأن من يقوم بهذا الأمر مفسد في الأرض.‏
الدكتور عباس شومان،
الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف
فيما أكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أنَّ للأمن مقومات حددها رسولنا الكريم في قوله: "مَنْ ‏أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، وهذا يدل على أهمية الأمن في ‏حياة الناس، الذي اعتنت به الشريعة الإسلامية التي جعلت من مقاصدها السامية ضرورة حفظ النفس البشرية، فقد قال ‏الرسول صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"، وقال أيضًا: "الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ ‏وَأَمْوَالِهِمْ"، مؤكدًا أن نعمة الأمن بها تستقر الأوطان ويرتفع البناء ويُشّيَّد العمران ويرقى الإنسان، فإذا فقدناه تخبَّطنا ‏وعُدنا إلى الوراء.‏
وحذر وكيل الأزهر، من الاعتداء على حياة الناس ومن ترويعهم، مذكرًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "منْ أشارَ إلى أخيه ‏بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى ينتهيَ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ"، موضحًا أنه إذا كان هذا هو حال من يشير إلى أخيه ‏بالحديدة أو السِّلاح، فما بَالُنا بمن يعتدي على الناس أو يخيفهم ويروعهم؟ لافتًا إلى أن الاحتفال بذكرى ثورة 25 ‏يناير، يجب أن يكون احتفالًا حقيقيًا عن طريق نشر الخير بين النَّاس بعيدًا عن إخافتهم وترويعهم والتعرض لأمنهم.‏
واستطرد قائلا: "الاحتفال لا يكون بالألعاب النارية ولا بترديد هتافات معبرة، وإنما يكون احتفالًا حقيقيًّا بنشر الخير على ‏الناس، مطالبًا بأن يكون يوم الاحتفال مرحمة وأن يحقق الاحتفال الأمن والسعادة بين الناس، فمن جانب المسئولين ‏عليهم أن يبحثوا لتكريم أبناء الشهداء في مؤسساتهم، وإن كان مواطنًا عاديًّا فعليه رسم البسمة على وجه من يعرفهم ‏من ذوي الشهداء، ليكون يوم مرحمة ولا يكون يوم محزنة.‏
وقال د. شومان إنه يجب على المصريون وكافة البلاد الآمنة إلى الشعوب التي ضربتها الأيدي الآثمة، فحرمتها من ‏نعمة الأمن في أوطانها وشردتها، شرقًا وغربًا وأذلتها بعد عِزٍّ وأفقرتها بعد غنى، ليشكروا ربهم على هذه النعمة ‏العظيمة، محذرا من يخططون للإضرار بالناس من عقاب الله يوم القيامة. 
وشدد وكيل الأزهر، على أن نعمة الأمن والأمان نعمة كبيرة مَنَّ الله بها علينا؛ ولذا دعا بها أنبياء الله، فها هو سيدنا ‏إبراهيم يتضرع إلى الله قائلا: "رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر"، ‏مضيفًا أن الرسول الكريم كان يستقبل بداية شهره بالدعاء لأمته بالأمن والأمان والسلامة والإسلام، وهذا يدل على ‏عظمة الأمن للناس أجمعين.‏
وأشار إلى أن القرآن الكريم حَثَّ المسلمين بإبلاغ غير المسلمين الأمن والأمان قال تعالى: "وإن أحد من المشركين ‏استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، وقد نزل في شأن من يحاربنا ونحن معه في حرب وليس بيننا ‏وبينه أمان، فإن استأذن أحدهم لدخول بلادنا فأعطيناه الأمان ليقضي مصلحة أيا كانت فهو في أمان حتى ينتهي، وقد ‏يكون جاء لنا برسالة تهديد ووعيد من قائده ومع ذلك فهو في أمان ومنعنا من التعرض له كما جاءت لنا شريعة الإسلام ‏التي تؤمن كل ما يدب على الأرض مسلمًا كان أو غير مسلم. ‏
الدكتور محمد رأفت
الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء
من جهته، أكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء أن الإسلام نهى نهيًا مباشرًا وواضحًا عن تأجيج ‏الفتنة وإشعالها وقت الأزمات، ولِمَا للفتنة من تأثير كبير في التخريب والقتل فقد حرمها الإسلام تحريمًا قاطعًا، فجعلها أشد من القتل، موضحًا أن بيع الأسلحة وقت الفتن وبخاصة ونحن نمر بوقت عصيب تكالب على الأمة أعداؤها، هي ‏جريمة أخلاقية يحرمها الدين؛ لأن من الواجب على كل فرد المحافظة على الوطن، وألا يستمع لهذه الدعوات التي تريد ‏النيل من مصر، مشيرًا إلى أن من يبيع السلاح في وقت الفتن والهرج فهو مشارك أساسي في هذه الفتنة، ومساعد على ‏تأجيجها وإشعالها، رافضًا أن تكون هذه تجارة مشروعة دينيًّا وقانونيًّا، مؤكدًا أن الشرع الحنيف جرم تلك الأساليب ‏التي من شأنها تأليب الأوضاع ونشر الفتنة بين المجتمع، وبخاصة في توقيت الأزمات التي تعصف بالأمة.‏
واستشهد عثمان بحديث جاء في البخاري عن حذيفة أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله ‏عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من ‏شر؟ قال: "نعم"، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: "قوم ‏يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم ‏إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ‏ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو ‏أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".‏
الدكتور أسامة نبيل
الدكتور أسامة نبيل مدير مرصد الأزهر الشريف
ومن جانبه أكد الدكتور أسامة نبيل مدير مرصد الأزهر الشريف أن اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر للغات ‏الأجنبية أكدت حرمة بيع السلاح وقت الفتنة في أي مكان وزمان، مستنبطة حكمها هذا من الكتاب والسُّنَّة والمبادئ ‏الشرعية الإسلامية، موضحًا أن التشريع الإسلامي جرم هذا الأمر وجعلَ بائع السلاح وقت الفتنة كالساعي في الفتنة ‏والمفسد في الأرض، مشيرًا إلى أن مبادئ الإسلام الحنيف تحث على نشر الأمن والسلام، والتعاون على البر والتقوى ‏والنهي والتحذير من التعاون على الإثم والعدوان. لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ‏وَالْعُدْوَانِ}، منوهًا أن الله تعالى ندب إلى التعاون على البر وقرنه بالتقوى؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر ‏رضا الناس، فمن جمع بينهما فقد اكتسب رضا الله تعالى وحب الناس، مبينًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدال على الخير ‏كفاعله"؛ حيث يفهم من الحديث الشريف أن الدال على الشر كصانعه؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية ‏أن: "الإعانة على المعصية معصية"، والله تعالى يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.‏
وأشار مدير مرصد الأزهر إلى أن الشريعة الإسلامية نهت نهيًا واضحًا عن بيع السلاح أيام الفتن، خاصة للفئتين ‏المتقاتلتين من المسلمين؛ لما في ذلك من تزكية الفتنة، وتأجيج نار العداوة وزيادة الهرج، وما يستتبع ذلك من وقوع ‏قتلى وازدياد عدد الضحايا ممن لا جُرم منهم ولا ذنب لهم، بجانب بيعه في وقت الأزمات التي تتعرض لها الأوطان؛ ‏لما يستتبع ذلك من إراقة للدماء وقتل للنفس البشرية، مستشهدًا بأن النهي عن بيع السلاح في وقت الفتنة جاء صريحًا ‏فيما رواه عمران بن حصين رضي الله عنه "أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ في الْفِتْنَةِ"، مشددًا على ‏أن بيع السلاح في هذا التوقيت يشجع على الاقتتال؛ مما يؤدي إلى عكس مقصود الشرع الحنيف الذي أمر بوأد الفتنة، ‏وإقامة الصلح بين الفئتين المتقاتلتين، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا ‏عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ‏الْمُقْسِطِينَ}.‏
ومن جانبه، أوضح الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف على حرمة بيع السلاح وقت ‏الفتنة؛ لأنه من قبيل التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، والإسلام الحنيف نهى عن ذلك نهيًا واضحًا، فقال ‏تعالى، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، مشيرًا إلى أنه من الواجب منع بيع السلاح بما ‏أمكن حتى لا يستعمل في الفتنة؛ لأن الفتنة تقوم بسبب بيعه فيكون هنا إعانة لأطراف الفتنة وتسبيبا لها.. مشددًا على ‏أن بيع السلاح في أيام الفتنة يكون سبب تهييجها، وقد أمرنا النبي بتسكينها، فقال صلى الله عليه وآلة وسلم: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها". ‏مبينًا أن الوطن لا يحتاج الآن إلى تأجيج الفتنة وإشعال فتيل الأزمات، فمن يريد أن يشعل الفتنة في الوطن هم أعداؤه ‏بعدما صار الوطن مستقرا. مؤكدا أن الإمام أبو حنيفة أفتى أنه إذا اجتمع الناس على إمام من المسلمين وهم آمنون ‏والسبل آمنة فخرج من المسلمين على الإمام الجماعة فينبغي للمسلمين أن يعينوه لا أن يقاتلوه، أو يشعلوا الفتنة ‏ويخربوا أوطانهم بغرض الفتنة وإسقاط الوطن.‏
وشدد الدكتور أحمد برج، أستاذ ورئيس قسم الفقه بجامعة الأزهر، على أن الواقع يرفض ما يحدث من خروج ‏واحتفاءات ومظاهرات وإضرابات تتعلق بجماعات سياسية ولمصالح مجموعات معينة، مشيرًا إلى أن الناظر في ‏أعقاب الثورة والانفلات الأمني يجد تدميرًا كبيرًا في اقتصاديات الدولة، وتخريب مؤسسات خاصة وعامة، وسرقة ‏المال العام والخاص، حتى شعر الناس بالخوف والذعر، أما الآن فهناك تحسن كبير في الجانب الأمني، يستوجب الشكر ‏لله سبحانه وتعالى على نعمة الأمن والأمان وعدم الانسياق وراء الدعوات الهدامة.‏

شارك