حقيقة مواقف ومشاركات قوى الإسلام السياسي في ثورة 25 يناير (1)
الثلاثاء 26/يناير/2016 - 09:19 م
طباعة
فسر البعض الاسلام السياسي بأنه: تلك الحركات السلفية التي اتخذت من الإسلام غطاء ايديولوجيا، والتي بدأت في شكلها الحديث بمدرسة حسن البنا في مصر والمودودي في باكستان، وهي الحركات التي رفعت شعار "الحاكمية لله" ، وحاولت إعادتنا لمربع الدولة الدينية التي تجاوزها التاريخ. وبالنسبة لمصر يضم "الاسلام السياسي" عددا من التنظيمات على رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" الذين أسسوا بعد ثورة يناير 2011، حزب الحرية والعدالة والذي تم حله بعد ثورة 30 يونيه 2013، وظهرت الحركة السلفية علي رأسها حزبا النور والفضيلة ، وحزب البناء والتنمية لتنظيم الجهاديين ايضا. وان اختلفت تلك التيارات الاسلامية في اساليبها الا انها اتفقت في برنامجها وهو "اقامة دولة إسلامية طبقا للشريعة الاسلامية" اي دولة دينية ذات مرجعية اسلامية ولا بديل آخر عنها.
وفي هذا التقرير نرصد مدى قرب وبعد هذه الفصائل ليس فقط من السلطة في مصر منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بل أيضا مواقف ومشاركات هذه الفصائل في الحياة السياسية في مصر سعيا الى السلطة بداية من ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من أحداث ومواقف سياسية لهذه الفصائل.
وسوف نتناول في هذا الملف الشامل:
1- مواقف جماعة الإخوان المسلمين من نظام مبارك
2- مواقف الجماعة الاسلامية والقوى السلفية من نظام مبارك
3- مواقف ومشاركات جماعة الإخوان في ثورة يناير
4- مواقف ومشاركات الجماعة الإسلامية في ثورة يناير
5- مواقف ومشاركات القوى السلفية في ثورة يناير
6- الإخوان و30 يونيه
7- الجماعة الإسلامية و30 يونيه
8- القوى السلفية و30 يونيه
الجزء الأول: مواقف الإخوان من نظام مبارك
مدخل:
لكشف حقيقة العلاقة بين جماعة الإخوان ومبارك لابد لنا بالتذكير بعلاقتهم بالرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي أعطى لهم الضوء الاخضر للعودة الى ممارسة نشاطهم داخل المجتمع المصري وقد تقابل السادات معهم السادات في فترة مبكرة من حكمه وذلك في صيف عام 1971 في استراحة الرئاسة بجناكليس في الاسكندرية، وبترتيب من الملك فيصل ملك السعودية الذي رتب لقاء السادات بزعماء الإخوان في الخارج ومن بينهم سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا ورئيس المنظمة الإسلامية في جنيف التي كانت ترعاها السعودية، وفي هذا اللقاء كما يقول الكاتب والمؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان أن السادات "قال لهم إنه يواجه نفس المشاكل التي قاسوا منها، ويشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلي النشاط العلني في مصر". وبالفعل قام السادات بالإفراج عن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، وما بين الشد والجذب والتحالف تارة والانقلاب على بعضهم البعض تارة أخرى سارت العلاقة بين تحالفات الإخوان والسادات حتى قام السادات بتشجيع نشاطات الإخوان لمواجهة المد الشيوعي، والناصري في المجتمع المصري مما أعطاهم الكثير من الفرص لتحقيق أهدافهم السياسية للتغلغل داخل أوصال الحياة السياسية والاجتماعية والنشاطات النقابية حتى باتت جماعة الإخوان المسلمين صداعًا في رأس حكم السادات خاصة بعد توقيعه لاتفاقية السلام .. التي كانت الفاصل القاسم النهائي في علاقة الإخوان بالسادات فانقلب عليهم بعدما ناهضوا اتفاقياته ونشاطاته من أجل تحقيق السلام وشجعوا القوى المختلفة معه على الانقلاب ضده فبدأ في اعتقالهم وسجنهم مع بقية الفئات المعارضة لاتفاقية السلام من أجل اتمام خطواتها دون أية عراقيل .. فكان اغتيال السادات هو الرد في حادث المنصة في 6 اكتوبر 1981 علي يد احد الفصائل التي أنتجها تنظيم الإخوان المسلمين.
بدايات عهد مبارك
استفادت جماعة الإخوان من مرونة الرئيس حسنى مبارك في بداية حكمه ومحاولته في لم الشمل على المستوى الداخلي والخارجي، ومن هنا كانت بداية الإخوان في حياء بتواجدها في المجتمع المصري وتغير المفاهيم الخاطئة التي رسخها عهد جمال عبد الناصر والسادات، وبدأت على الفور في الاندماج في الحياة العامة وذلك وفقا لما أمر به المرشد العام للإخوان وقتئذ عمر التلمساني الذي استغل فتح باب الانتخابات وفقا للقائمة الحزبية عام 1984، وتحالف مع حزب الوفد ودخل انتخابات مجلس الشعب تحت جناح حزب الوفد حيث نجحت "الإخوان" في الحصول على ثمانية مقاعد في البرلمان، مما فتح شهيتهم على خيار تشكيل حزب سياسي مستقل، كون الحزب سيوفر لهم قناة قانونية للعمل السياسي، ومع ذلك لم يكن هذا الخيار سهلا في ضوء نظرة الإخوان السلبية للثقافة السياسية القائمة على الحزبية.
دفع هذا النجاح الجماعة إلى إعداد مسودات لبرنامج حزبي، وفعلا تم تشكيل مسودتين، الأولى كانت برنامجا لحزب أطلق عليه حزب الإصلاح المصري، وهدفه، إصلاح شؤون الدولة المصرية بحيث تصبح قادرة على توفير الخدمات والعمل على ضمان الحرية والأمن لمواطنيها.
أما مسودة برنامج الحزب الثاني - والذي سمي بالشورى- فكان هدفه إقامة دولة مصرية إسلامية تجمع بين دولة إرشاد تدار على ضوء الإسلام ودولة رعاية اجتماعية.
وفي منتصف الثمانينيات عادت القلاقل الاجتماعية والدينية للظهور، وكان عام 1986 من أكثر الأعوام تطورا منذ وصول مبارك إلى السلطة، حيث شهدت القاهرة أسوأ موجة من الاضطرابات، ونزل مئات رجال الشرطة إلى الشوارع(انتفاضة الأمن المركزي)، وبدؤوا بنهب وإحراق الفنادق والسيارات والمنشآت التي تملكها الدولة.
ثم جاءت المسيرة الخضراء التي طالبت بتطبيق الشريعة وتطورت إلى أعمال عنف لتصعب الوضع على النظام السياسي الذي بدأ يعطي دورا أكبر للقوى الأمنية. فعندما سلم مبارك ملفات الدولة الداخلية للأمن وقد قام الأمن بدوره في قمع أية دعوة إصلاحية سواء حزبية أو إخوانية أو معارضة ونجح الأمن في إسكات كل صوت يطلب بالتغير مع تهميش وتمييع كل هذه الأصوات.
على الرغم من الأجواء الأمنية التي سيطرت على الدولة إلا أنها كانت وقفة للإخوان لإعادة الفكر وتطوير الذات بعد أن تأكدت بأن أي عنف من قبلها سوف يقابل بكل تصدى وحزم من قبل أمن الدولة، حيث غيرت الإخوان اتجاه العنف والتصادمات مع الأمن إلى القضاء المصري مما فتح هذا أفقا جديدا لحركة الإخوان المسلمين للحصول على الشرعية عبر المحاكم، وبدأت الحركة فعلا باستغلال المساحات المتوفرة في المجتمع، ووسعت من عملها في الجامعات والنقابات المهنية.
وسرعان ما أصبح الإخوان القوة الأكثر فاعلية في الجامعات، فقد فازوا في انتخابات الاتحادات الطلابية، وظلوا مسيطرين عليها حتى أواخر التسعينيات، وكذلك الأمر في النقابات المهنية التي كانت بالنسبة لهم أكثر أهمية من الجامعات، كون أعضاء النقابات المهنيين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ممن لديهم هموم أكثر تعقيدا من هموم الطلاب في الجامعات.
وقد اتجه الإخوان نحو توفير الخدمات والسلع أكثر من التركيز على الخطابات السياسية، وبدؤوا بتشكيل معارض لبيع السلع المعمرة كالغسالات والبرادات والأثاث المنزلي، ونجح هذا التوجه في تحقيق فوائض كبيرة في الميزانيات لأول مرة في تاريخ النقابات، الأمر الذي منحهم شعبية كبيرة.
مع نهاية الثمانينيات تنامت أعمال العنف من قبل الجماعات الإسلامية، وارتاب النظام من تحفظ الإخوان المسلمين في دعم حملة مبارك ضد عمليات الإرهاب.
إن تزايد الممارسات القمعية للنظام وضعت شرعيته على المحك بعدما أصبح عرضة للمساءلة نتيجة ضعف المؤسسات السياسية التمثيلية وتعطيل حكم القانون وغياب الإنجازات.
وفيما كان النظام يستخدم القمع مع المعارضين، لجأ إلى المؤسسات الدينية الرسمية، وشهدت وسائل الإعلام الرسمية أسلمة تدريجية لمجابهة التأثير المتطرف المتنامي للإسلاميين، حيث بدأ النظام بتوزيع وإعطاء تصاريح لإنشاء صحف إسلامية بهدف تقديم رؤية وسطية معتدلة للإسلام ودوره في المجتمع.
وفي سياق هذه التطورات كان الإخوان يحرزون تقدمًا في الانتخابات الطلابية، حيث فازوا عام 1987 بأغلبية المقاعد في الاتحادات الطلابية، والأمر نفسه حصل في النقابات، ويعود ذلك إلى إشرافهم الإداري والمالي المتفوق، وخدمات الرعاية الاجتماعية التي حققوها.
قوة التنظيم
أدت المشكلات التي واجهها مبارك مع عنف الإسلاميين إلى زيادة تدريجية في تطرف سياساته تجاه المجتمع مع المحافظة على تجاوب معتدل مع المعارضة السياسية.
طالبت المعارضة بإلغاء نتائج انتخابات عام 1984 لأنها اقتصرت على الأحزاب واستبعدت الأفراد المستقلين، ورفعت دعوى إلى المحكمة الدستورية العليا وطالبت بحل مجلس الشعب، الأمر الذي دفع مبارك عام 1986 إلى إدخال بعض التعديلات على القانون الانتخابي، ونتيجة لذلك حل مجلس الشعب وأجريت انتخابات تشريعية جديدة عام 1987. وحرص النظام على سيطرة الحزب الوطني الديمقراطي على البرلمان، وجاءت حصيلة الانتخابات كما كان متوقعا، حيث فاز الحزب الوطني بأغلبية 309 مقاعد من أصل 444 مقعدا، وبرغم فوز الحزب الوطني بالأغلبية وعدد مقاعد أكثر إلا أنه بمقارنة الأعوام السابقة فيعد الحزب الوطني هو الخاسر الأكبر، فهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها الحزب الحاكم منذ عام 1952 على أدنى عدد من المقاعد. حيث كان يفوز بـ الـ 444 مقعدا كاملة، وهذه التضحية الكبرى من قبل نظام مبارك لتعطي مساحة ما من الحرية الشكلية وتهدئة المعارضة، ورسالة أخرى للمجتمع الدولي ا نفى مصر حياة حزبية عادلة وانتخابات حرة نزيهة.
أما بالنسبة للإخوان فقد حصلوا في البرلمان الجديد على 36 مقعدًا، وكان الأعضاء الجدد أقل سنًا من الأعضاء السابقين وأكثر علما، ونظرا لأدائهم الناجح في البرلمان والمجتمع تحولوا رمز القوة والحق ومساندة الفقراء فهم فقط من يصححون الأوضاع داخل المجلس والمسمار القوى في ظهر الحكومة، أو هكذا كانت الصورة عنهم لدى عامة الشعب. وهذا لم يأتي من خلال مناقشة أعضاء الإخوان تحت قبة البرلمان للقضايا الدينية فقط، بل بدؤوا بمناقشة القضايا الأوسع التي تهم الجمهور، كمجال حقوق الإنسان ووضع قطاع الصحة والإعلام والتعليم... إلخ.
تسييس الشرعية
مع بداية التسعينيات من القرن الماضي بدا الصراع العلني حول شرعية وجود الإخوان السياسي على الساحة المصرية، حيث إن الإخوان المسلمين لم يكتفوا بمتراكمة شرعية مجتمعية، بل ذهبوا نحو تسييس هذه الشرعية، الأمر الذي أدخلهم في صراع حاد مع السلطة. وعليه قرر الإخوان مقاطعة الانتخابات البرلمانية عام 1990، وقد ارجع الإخوان سبب المقاطعة إلى الفساد السياسي واستمرار عمل النظام بقانون الطوارئ، وقد شكلت هذه المقاطعة التوتر الرسمي الأول بين الإخوان والنظام. حيث وضعت النظام أمام الرأي العام في موقف حرج ومأزق دولي في غياب الشفافية في التعامل مع التعددية والحرية السياسية في مصر، ومن جانب أخر كانت ورقة ضغط من الإخوان لنظام للحصول على بعض المكاسب أو الاتفاقيات الخاصة بين الإخوان والنظام.
وفي ظل غياب منابر سياسية رسمية للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، اتجه الإخوان نحو التسييس المتزايد للنقابات والجامعات، ولعب هذا التسييس دورا مؤثرا في النظام، ويعود ذلك إلى أداء الإخوان المدهش والمنظم في ميدان الخدمات الاجتماعية.
وخلال الخمس السنوات التي غاب فيها الإخوان عن البرلمان، زادت الحركة من تركيز أنشطتها في النقابات، وفي عام 1992 حققت الجماعة نجاحا غير متوقع في انتخابات مجلس نقابة المحامين، والأمر ذاته في عدد من النقابات من بينها نقابة المهندسين.
وفى ظل هذه الأحداث وابتعاد الإخوان عن البرلمان حاولت أن تستفيد من هذا الابتعاد إلى تكثيف جهودها في الظهور الشعبي تحت شعار (الإسلام هو الحل) وقد خدمت "الظروف" والأحداث العالمية والكوارث الطبيعية الإخوان لتتسيد الموقف العام ولتفصح عن ذاتها كقوة فاعلة له نظام وقوة نشطة في أنحاء الجمهورية، وذلك كان من خلال حادثتين هما:
الحادثة الأولى: في غزو العراق للكويت، ومن ثم ضرب العراق لخروجها من الكويت(حرب الخليج الثانية). كان موقف الإخوان متفقا مع موقف النظام في إدانة غزو العراق للكويت، لكن مع التدخل الأجنبي حدث انقسام بين الموقفين، إذ عارض الإخوان هذا التدخل، وقد وظفوا وجودهم القوي في النقابات للتعبير عن آرائهم السياسية المعارضة لموقف النظام، وبدأت النقابات بتشكيل تحالفات بين أنشطتها غير مسبوقة في تاريخ النقابات منذ عام 1952. مما بدا لنظام مبارك أن ثمة أمرًا خطيرًا تجهز وتعد له الإخوان.
الحادثة الثانية: في زلزال مصر 92، حيث شكلت الهزة الأرضية التي ضربت مصر عام 1992 حدثا آخر لم يكشف للدولة عن مدى قوة الهيكل التنظيمي للإخوان وحسب، بل أظهر كيف يمكن أن توظف تلك القوة سياسيا. فمرة أخرى وظف الإخوان مواردهم في النقابات وخارجها في إنقاذ ضحايا الزلزال، مستفيدين من وجودهم في نسيج المجتمع في المناطق الحضرية والريفية للتنسيق بين هذه المساحات لضمان نقل سريع لمواد الإغاثة. وتفاقم الوضع مع النظام عندما تحدثت المحطات الإخبارية العالمية عن الأداء الجيد للإخوان في عمليات الإغاثة، ثم زادت نقمة النظام على الإخوان عندما قاموا بتسييس عملهم الإنساني بوضع شعارات على خيم الإنقاذ كتب عليها "الإسلام هو الحل"، وقد بدا للنظام أن الإخوان يعملون كحكومة ظل. مما استوجب الأمر من قبل نظام مبارك إلى إجهاض هذه الجماعة والعمل على ضعفها وتفتيتها.
المواجهة
أجريت الانتخابات البرلمانية عام 1995 على أساس نظام الانتخابات السابقة القائم على المرشحين المستقلين، وليس على القوائم الحزبية. وقد أحرز الحزب الوطني نصرا كبيرا بحصوله على 417 مقعدا في مقابل ستة مقاعد لحزب الوفد وخمسة للتجمع وواحد للإخوان المسلمين، وشهدت انتخابات 1995 أسوأ التدخلات وأكثرها قمعا من قبل النظام لمنع المعارضة من الفوز، إذ ضيقت الشرطة على المئات، وحولت عددا من أعضاء الإخوان إلى المحاكمات العسكرية. ومما لا شك فيه فإن المحاكمات العسكرية وجهت ضربة قوية للتنظيم في الصراع مع النظام، وبدا الإخوان أمام خيارين: إما أن تلجأ الحركة إلى العنف وتضرب مصداقيتها الشعبية التي ميزتها عن المتطرفين، أو أن تمارس سياسة ضبط النفس إلى أن تمر العاصفة. وقد استقر رأي الإخوان على الخيار الثاني، مع عدم السلبية المطلقة تجاه ما يجري بحقها.
وزاد النظام في تصعيد حملته ضد الإخوان في الجامعات والنقابات المهنية، وأقر تعديلات قانونية تمنح صلاحيات للقضاة في الإشراف على الانتخابات النقابية، فضلا عن حق إسقاط ترشيح أي مرشح.
ثم قام النظام بعد ذلك بمحاربة الأصول المالية للحركة، وكان من أهم الخطوات التي اتخذها وقفه التبرعات التي كانت تمر عبر النقابات إلى الضحايا بعد حادثة الزلزال، وكان ذلك ضارا على صعيد عائدات النقابات، الأمر الذي أجبر المصريين على إيداع تبرعاتهم في حسابات حكومية، وقد نال نظام مبارك ما أراد وقد اضعف الإخوان بعد أن قص جناحها القوى في النقابات
محاولات التهدئة
جاءت انتخابات عام 2000 تحت إشراف قضائي كامل، وهي سابقة منذ تجربة التعددية الحزبية، واتسمت بدرجة عالية من النزاهة، ونتيجة للظروف التي حكمت علاقة الإخوان بالنظام خلال السنوات السابقة، قصر الإخوان مرشحيهم على 75 مرشحًا تجنبًا لاستفزاز السلطة، فاز منهم 17 نائبا فقط.
وفي انتخابات 2005، جاءت الأحداث الداخلية والعالمية في صف الإخوان، حيث شارك الإخوان بقوة في انتخابات 2005، وفاز الإخوان بـ88 مقعدا. وذلك لسببين: الأول، تزامن هذه الانتخابات مع الانتخابات الرئاسية، والسبب الثاني الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على مصر لتحقيق مستوى أعلى من النزاهة السياسية.
الجولة الأخيرة
شهدت هذه الفترة فترة الارتخاء واللعب بالمفردات السياسية والصفقات غير المعلنة من تحت المائدة ما بين الإخوان و نظام مبارك، الأمر الذي استفادت منه الإخوان ووظفت قدراتها على البناء الداخلي والانتشار الأكبر بين صفوف الشعب وقد خدمها في ذلك عدة عوامل منها:
1- على المستوى المحلى، يمر النظام بمرحلة انتقالية يمهد فيها لما بعد الرئيس مبارك، وهي مرحلة معقدة تتداخل في صياغتها مراكز قوى مختلفة، وكانت هذه الصفقة الأكبر بين النظام والإخوان إذا أعلن المرشد العام أنه لا يمانع من حكم جمال مبارك لمصر.
كما أعلن محمد بديع المرشد الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، أنه لن يدخل في أي مواجهة مع النظام خاصة فيما يتعلق بـ "ملف التوريث"، كما اتبع المرشد العام النهج السلمي فضلا عن أن تجنب وضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع الحكومة من خلال اتخاذ خطوات مثل الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الشوارع أو أي محاولة لتحويل الحركة إلي حزب سياسي رسمي. فضلا عن قوله: "إن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن يومًا عدوًا للنظام". كما رحبت من قبل الجماعة بشخص جمال مبارك وعدم ممانعة توليه حكم مصر إذا خرج من قصر أبيه مبارك ورشح نفسه كمستقل مثله مثل باقي الأعضاء الآخرين
وفى المقابل كان الخطاب الرسمي للدولة في إعلامها الإعلامي والصحافي ابتعدت عن تشويه الجماعة والسماح لها بالعمل وفقا لما هو مخطط وتحت عيون الأمن والإفراج عن بعض المعتقلين، كما تم تحويل القضايا المتهم فيها أعضاء الجماعة من المحاكم العسكرية إلى المحاكم العادية.
وهذا يؤكد ثمة صفقة تمت بين الطرفين لتهدئة الصراع بينهم وتخفيف حدة التوتر والإحراج الداخلي الذي تسببه الإخوان للنظام في خروجها مع المتظاهرين، فلم تشهد أي مظاهرة مصرية لحركة المعارضة الرافضة لتوريث جمال مبارك في مصر خلال هذه الفترة أي تواجد أخواني.
وفى الوقت نفسه جاء حديث المرشد الحالي محمد بديع غير حديث المرشد السابق مهد عاكف الذي كان يرفض تماما التوريث وشخص جمال مبارك. وبين تغير المسار هذا حول توريث جمال مبارك في موقف الجماعة قد يعطى مؤشر على تأكيد مرور صفقة هدنة بين النظام ومبارك والإخوان.
2- على المستوى الدولي: تخلي الولايات المتحدة عن أجندتها حول الإصلاح السياسي في المنطقة العربية. ومع ضعف إدارة اوباما إزاء الملف المصري. كانت الفرصة الذهبية للنظام مبارك في تهيئة المناخ العام لتوريث الحكم وعقد صفقات مع جهات المعارضة والأحزاب الشكلية ومن ثمة كانت الإخوان على أول قائمة هذه الصفقات في عقد الهدنة حتى يمر التوريث بسلام.
لكن ماذا سوف تستفيد حركة الإخوان من هذا؟ ربما أنها تعمل بمبدأ أو فقه التقية في التعايش السلمي مع من لا ملة له إلى أن تأتى الفرصة لتعلن خروجها وتفرض عصيانها المدني في ظل ضعف القوى المعارضة في مصر وترهل النظام المصري وتخبطه السريع في تمرير قضية التوريث.
وهذا ما تطرحه الأحداث الأخيرة التي جرت في انتخابات البرلمان المصري لعام 2010، لتهب جماعة الإخوان معترضا هذه المرة في محاولة منها لإثبات الذات والوجود على الساحة المصرية بعد أن ذهب بعض المحللين إلى نوم الجماعة في العسل وقبولها دور الضحية المستلذة بتعذيبها من سياط نظام مبارك لها في تهميشها وتسطيحها المخل الذي قام به نظام مبارك خلال الخمس سنوات الأخيرة.
عودة الصراع
شهدت انتخابات مجلس الشعب 2010 حالات تزوير وخروج القوى المعارضة من مقاعد البرلمان في الجولة الأولى، حيث خرج الوفد والإخوان من انتخابات اعتبرتها القوى المعارضة فاسدة ومزورة في حين تعتبرها القوى الرسمية والحزب الحاكم انتخابات حرة عادله، حيث فاز الحزب الوطني الحاكم بـ 209 في الجولة الأولى ومن المقرر أن يصل في الإعادة إلى بـ 398 مقعدا، في حين لم يحقق الإخوان المسلمون أي مقعد، حيث باغتت جماعة الإخوان المسلمين الجميع بإعلان انسحابها من الجولة الثانية لانتخابات مجلس الشعب جولة الإعادة .
وأصدرت الجماعة بيانا بررت فيه أسباب الانسحاب وقالت فيه ما حدث في هذا اليوم وما سبقه من أيام من تزوير وإرهاب وعنف على أيدي رجال الأمن وبلطجية الحزب الوطني، حتى وصل الأمر إلى التعدي على بعض القضاة والمستشارين، وقد جرت محاولات كثيرة لاستفزاز الإخوان المسلمين وجرهم إلى ممارسة عنف مضاد، وهو ما لم يستجب له الإخوان وأعلنوا- ولا يزالون يعلنون باستمرار- رفضهم الواضح وإدانتهم لأية ممارسات عنيفة، وقد رأى الشعب كل الجرائم التي رصدتها .
وأضاف وما حدث أثبت أن النظام مغتصب للسلطة مزور لإرادة الأمة مستمر في طريق الفساد والاستبداد، كما أن عدم المشاركة في جولة الإعادة هو إعلان لاحتجاجنا على هذا الاغتصاب والفساد ويزيد من عزلة النظام عن الشعب، ويثبت أنه يهدد مبدأ المواطنة ويكرس رفض الآخر، كما يكرس الفساد والديكتاتورية والاستبداد .
وأكد البيان: عدم مشاركتنا في هذه الجولة الانتخابية لا يعني تغييرًا في استراتيجيتنا الثابتة بالمشاركة في جميع الانتخابات، ولكنه موقف فرضته الظروف الحالية، وكل حالة تقدر بقدرها، وسوف نستمر في كل الإجراءات القانونية التي تلاحق المزورين والمفسدين لإبطال هذا المجلس المزور ولإحقاق الحق وإعادته إلى صاحبه الحقيقي وهو الشعب .
ومن خلال قراءة البيان هذا تتضح نقطتان:
أولا: خروج الجماعة عن ركب النظام الذي أراد لها أن تكون مجرد ديكور مسرحي لتهيئة الأجواء لتمرير التوريث عندما يطرح على مجلس الشعب، ورفض الإخوان هذا يأتي رفضا سياسيا لتمرير رسالة إلى نظام مبارك بأن اللعبة مازالت في يد الإخوان وعلى نظام مبارك أن يتعقل في معاملة الجماعة، وفقا لمقولة المرشد العام في البيان" وكل حالة تقدر بقدرها" والمعنى أن الإخوان، ووفق عُرفها ومرجعيتها سوف تتعامل مع الموقف كما تراه هي وفقا لتطبيق الشريعة الإسلامية من منظورِها، والتي تنص على الخروج على الوالي الفاسد، ولعل إشارة المرشد في البيان في قوله :"أن النظام مغتصب للسلطة مزور لإرادة الأمة مستمر في طريق الفساد والاستبداد"، وهذا معناه رفض تام لسلطة مبارك أو من سوف يورثه من خلال تمريره في مجلس الشعب الذي تم تزوير انتخاباته.
ثانيا: يأتي انسحاب الإخوان من مجلس الشعب في هذه الفترة التاريخية الحرجة في تاريخ مصر، رغبة منها في تأسيس عمل جماهيري يكون أكثر التصاقا بفئات الشعب حتى تمهد المشهد المصري لبروزها وتأصيل فكرة) الإسلام هو الحل)، وفى أول رد فعل لشباب الجامعات من الإخوان فقد خرجوا في مظاهرات داخل الجامعات المصرية بتنديد التزوير الذي حدث فى الانتخابات رافعين إشارات(لا لتزوير) (الإسلام هو الحل)، وهذه رسالة أخرى مفادها أن الإخوان سوف ينشطون مدنيا داخل ووسط عامة وفئات الشعب المختلفة.
وفى أول رد فعل على قرار انسحاب الإخوان فقد تضامنت معهم قوى المعارضة المختلفة وقد تضامن حزب الوفد مع الإخوان وقرر الانسحاب من جولة الإعادة في انتخابات برلمان 2010، أما على المستوى الرسمي من قبل نظام مبارك فلا تعليق يذكر غير تمسك الحزب الوطني بنزاهة الانتخابات وأن التاريخ سوف يسجلها لمصر في عدالة الانتخابات وحريتها.
وهكذا ينتهي الصراع بشكل مأسوي بين الطرفين(نظام مبارك - الإخوان) قبيل انتخابات الرئاسة في مايو 2011.
يتبع:
الجزء الثاني: موقف الجماعة الإسلامية