إعلان مراكش لحقوق الأقليات.. أحلام المعتدلين تصطدم بمتشددي العالم الإسلامي

الخميس 28/يناير/2016 - 02:28 م
طباعة إعلان مراكش لحقوق
 
يتميز العالم الإسلامي بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، بالتعدد المذهبي والعرقي والديني، فالتعـدد مصدر ثراء المجتمعـات وشـاهد علـى حضاراتها ومكوناتها التي تشكلت مع الزمن.
لكن رغم ميزاته الحضارية والثقافية، يمكن أن يكون هذا التنوع مصدر شقاء إذا ما تمّ العبث بمكوّناته المتعدّدة وإدخال الفتنة والشقاق بينها؛ وما أصاب المشرق العربي، في المرحلة الراهنة، من رياح الطائفية التي قد تعصف بالأقليات وتذهب بكل ما يحمي هؤلاء ويحترم عقائدهم هناك مثل ما حدث للإيزيديين والآشوريين والصابئة والمسيحيين في كل من سوريا والعراق، دليل على أن الأقليات الدينية خطر وفي خطر، خصوصًا بدخول محرّك جديد لها يتمثّل في التنظيمات المتشدّدة، التي يتركّز "جهادها" على استهداف الأقليّات؛ لذلك كان مؤتمر (حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي) الذي انعقد خلال أيام 25 و26 و27 يناير الجاري، بمدينة مراكش في المغرب.

إعلان مراكش

إعلان مراكش
دعا رجال الدين والشخصيات السياسية المشاركين في مؤتمر (حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي) بمراكش، الأربعاء 27 يناير، إلى إعمال مبدأ المواطنة لاستيعاب مختلف الانتماءات في العالم الإسلامي وكذلك دعم المبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين مختلف الطوائف الدينية.
وقال نصّ الإعلان الذي تلاه وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في المغرب، أحمد التوفيق: إن "الله رغّب في الإحسان إلى الإنسانية جمعاء وإلى البر بالآخرين، وإن الشريعة الإسلامية حريصة على الوفاء لكل المواثيق الدولية التي تدعم السلم بين بني البشر"، وذلك في اختتام مؤتمر "حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية" الذي نظمه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية بشراكة مع المملكة المغربية.
وتعود أسباب إصدار هذا الإعلان إلى "استقواء مجموعات إجرامية ليست لها أيّ شرعية، أعطت لنفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وقامت بممارسات اكتوت بها كل المجتمعات، وعرّضت المسلمين إلى الكراهية والافتراء. وإلى تعرّض الأقليات الدينية إلى الترويع والقتل في المنطقة"، وكذا إلى ضرورة تحرّك العلماء "للحفاظ على الأعراض وتحقيق السلم واسترجاع صورة الإسلام والحفاظ على وحدة الأمة".
ودعا الإعلان علماء المسلمين إلى تأصيل مفهوم المواطنة لاستيعاب كل الأقليات، والمؤسسات العلمية إلى القيام بمراجعات شجاعة للمناهج الدراسية للتصدي للثقافة المأزومة التي تغذي الفتن والحروب، والمسئولين السياسيين إلى اتخاذ تدابير سياسية وقانونية لغرض تحقيق المواطنة التعاقية وتوطيد أواصر التعايش المشترك.
كما دعا الإعلان المثقفين والمبدعين إلى تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية، والطوائف الدينية إلى إعادة إحياء التعايش المشترك ومعالجة الصدمات التي لحقتها من الأحداث الأخيرة، وممثلي الطوائف إلى التصدي لازدراء الأديان وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية.
واستند إعلان مراكش على مبادئ صحيفة المدينة التي أصدرت في عهد رسول الإسلام، بما أن هذه الوثيقة "ثابتة في الزمن، وتتفرّد عما قبلها وما بعدها، وتنبع من نظرة إنسانية، ولا تخالف نصًّا شرعيًّا. وأن كل بند منها يحث على الرحمة والعدل والحكمة والمصلحة العامة، كما أنها أساس مواطنة تعاقدية لمجتمع تعددي" فضلًا عن أن مقاصدها "تنسجم مع إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان".
واعتبر الإعلان أن هناك سياقات خاصة بأحكام شرعية جزئية، وهو ما يفترض "تكييف الأحكام ووضع كل مفهوم في مكانه، والوعي بأن المحرّمات في الشريعة قصدها درء المفاسد، وأن بعض التعاملات كانت في سياق تاريخي مختلف عن السياق الراهن"، خاتمًا بخلاصة أنه لا يجوز توظيف الدين في تبرير النيل من الأقليات في المجتمعات الإسلامية.

حضور قوي

حضور قوي
تميز المؤتمر، الذي نظمته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية (الإمارات العربية المتحدة) تحت رعاية الملك محمد السادس، بمشاركة حوالي 300 شخصية من علماء المسلمين ومفكريهم ومفتيهم على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم من أكثر من 120 بلدًا، إلى جانب ممثلي الأديان المعنية بموضوع المؤتمر من داخل العالم الإسلامي وخارجه، وممثلي الهيئات والمنظمات الإسلامية والدولية.
وشكل مؤتمر مراكش، الذي تميز بتنوع ومستوى المشاركين، لحظة قوية لترسيخ روح الاعتدال ولاستدامة احترام حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية، وشمل برنامجه عددًا من الجلسات العامة تطرقت، بالخصوص، إلى "التأطير والتأصيل لقضية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية" و"المواطنة والآخر في الرؤية الإسلامية" و"التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية".
وتناول المشاركون خلال هذه الجلسات إلى جانب عدد من الورشات- مجموعة من المواضيع همت "أسس المواطنة التعاقدية من خلال وثيقة المدينة المنورة"، و"عرض أعمال المستشرقين حول وثيقة المدينة"، و"آفاق المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر"، و"الآخر في الرؤية الإسلامية"، و"ضمانات المواطنة لدى الأديان"، و"التجربة التاريخية للمملكة المغربية في التعايش بين الأديان"، و"أسس وأهمية الوئام والمحبة بين المواطنين والتضامن بين الأديان"، و"الإسلاموفوبيا وغيرها من أنماط الكراهية وآفاق العمل المشترك".

كلمات المشاركين

كلمات المشاركين
وفي ختام الإعلان أكد الدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف المغربي، أنه "لا يجوز توظيف الدين في الإساءة لأي من الأقليات في الديار الإسلامية تحت أي ظرف".
ثم تلا الكاردينال مكورميك، أسقف واشنطن السابق، كلمة في الختام، رحب خلالها بالجهود المبذولة، مشددًا على أن "الإسلام والمسيحية يعيشان يدًا بيد منذ قديم الأزل بسلام في العديد من المجتمعات".
وبدوره أكد الدكتور شوقي علام- مفتي الجمهورية- أن الشريعة الإسلامية قد ضمنت الحقوق التي لم تفرق بين إنسان وإنسان، وضمت بين ثناياها كمًّا هائلاً من الحقوق التي يتساوى فيها المسلم وغير المسلم؛ باعتبارهما من جنس بشري واحد مصداقًا لقول الله تعالي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}؛ فقررت أن أصل البشر واحد، وقد جعلهم الله تعالى شعوبًا وقبائل لكي يسود بينهم الوئام والتعارف والمحبة، لا أن يسيطر عليهم التباغض والتناحر والتخاصم.
وشدد مفتي الجمهورية في كلمته على أن الإسلام قد كفل للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية حقوقها كاملة غير منقوصة، وجاء على رأس هذه الحقوق كفالة حرية الاعتقاد، والتي جسدتها القاعدة القرآنية في قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
وأكد فضيلة المفتي في كلمته أن الإسلام قد ألزم الدولة المسلمة أن ترعى حقوق الأقليات غير المسلمة المتواجدون على أراضيها من أي عدو خارجي؛ لأن لهم حق الدفاع عنهم ضد كل ما يؤذيهم، بل إن الإسلام أوجب على المسلمين فك الأسير من المعاهَدين.
كما أكد الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية، في كلمة ختامية على نجاح المؤتمر، ووجه الشكر لجميع العلماء الذين شاركوا في صياغة الإعلان.
وشدد على أن الإسلام بعث برسوله ليتمم مكارم الأخلاق، وأن مؤتمر مراكش هو مؤسس لمبدأ السلم والتعايش في العالم الإسلامي، وأنه دون السلم والتعايش يفنى البشر، مؤكدًا أنه لا بد من الاستفادة من أن الاختلافات بين البشر وعدم جعلها سببًا في الحروب، داعيًا على ضرورة التركيز على إعمار الأرض بالاستفادة من ذلك الاختلاف.
وأشار المفتي العام ورئيس النظارة الدينية المركزية في روسيا الاتحادية طلعت صفا تاج الدين، إلى ان هناك ارتباطا وثيقا بين أحوال الأقليات الإسلامية في الغرب، وأوضاع المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، مبديًا أسفه لعدم وجود وحدة أو تعاون بينهم، ومبيناً أنهم تركوا أهل فلسطين فريسة للظلم والاضطهاد والقتل من الاحتلال الإسرائيلي ولم يتحرك أحد، مشددًا على ضرورة العمل بوثيقة المدينة المنورة التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم لتأطير التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم، مطالبا أبناء الدين القويم باحترام بعضهم البعض حتى يحظوا بتقدير الآخرين.

الاقليات.. المشهد الآن

الاقليات.. المشهد
ما خرج عن مؤتمر مراكش حول الأقليات في العالم الإسلامي يمثل بشرة خير للدولة الوطنية، ولكن هذه الوثيقة التي استند إيها علماء الدين الإسلامي "الذين يمثلون التيار الوسطي المعتدل"، ليس لهم مكانة وقيمة عند المتطرفين والمتشددين الذين يأخذون تفسيرات متشددة ودموية ضد الأقليات في المنطقة والعالم الإسلامي أو خارج العالم الإسلامي.
المتشددون من القاعدة و"داعش" وغيرهم يأخذون فتاويهم من شيوخهم وعلمائهم وبالنسبة لهم فإن شيوخ وعلماء الامة الإسلامية والذين مثل طيف منهم في مؤتمر مراكش ما هم إلا علماء السلطة وليس علماء الدين الإسلامية.
ما خرج به مؤتمر مراكش هو ما يدعو إلى الإسلام، ولكن ما يدعو إليه المتشددون هو يمثلهم ويمثل أهدافهم.. لذلك وثيقة مراكش هي دستور لعلماء المتنورين ولكن لا تمثل شيئًا لمن يقتل ويسفك دماء الأقليات والمسلمين في المنطقة العربية والعالم.

شارك