في ليبيا.. الإخوان عقدة المسار السياسي ومصدر الإرهاب
الخميس 28/يناير/2016 - 02:57 م
طباعة

لا زال الاتفاق السياسي في ليبيا يشهد حالة ارتباك، قد تؤدي إلى فشل استمراره، وذلك في ظل تعنت الحكومتين المعترف بها دوليًّا في طبرق، والموازية لها المحسوبة على الإخوان المسلمين في طرابلس.
الإخوان عقدة الاتفاق

بينما يرفض البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا المادة الثامنة المطروحة من قبل البعثة الأممية لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، يوافق المؤتمر المنتهية ولايته المحسوب على الإخوان على نفس المادة، وكأن الأمور تسير عكس الاتجاه، فالإخوان أصبحوا يتعاملون بمنطق، "خالف تعرف"، بهدف الهيمنة والسيطرة على زمام الأمور.
وشكلت حكومة الوفاق الوطني في 19 يناير الجاري برئاسة فايز السراج؛ حيث شكلت من 32 وزيرًا؛ الأمر الذي اعترض عليه البرلمان الليبي وطالب السراج بتشكيل حكومة مصغرة في مدة أقصاها 10 أيام شريطة التوقيع على الاتفاق.
كما رفض البرلمان، المادة التي تنص على شغور المناصب الأمنية والعسكرية القيادية بمجرد حصول حكومة الوفاق على الثقة؛ ما يعني احتمال خسارة حفتر الذي يحظى بدعم عدد كبير من النواب، منصبه، ومن شأن هذه المادة أن تهدد موقع قائد القوات الموالية لهذا البرلمان الفريق أول ركن خليفة حفتر.
بينما يقبل هذه المادة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته "الإخواني"، والذي يسعى للإطاحة بالفريق خليفة حفتر من المؤسسة العسكرية تمامًا.
وذكرت أمس الأربعاء بوابة الحركات الإسلامية أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي المنتهية ولايته والموالي لميليشيات فجر ليبيا، نوري أبو سهمين، وخليفة الغويل الذي يترأس حكومة الإنقاذ في العاصمة طرابلس.
وذكرت مصادر دبلوماسية أن أبو سهمين والغويل، رئيس الحكومة المنبثقة عن المؤتمر، قد يواجهان، في مطلع الشهر المقبل، حظر سفر وتجميد أصولهما؛ لعرقلتهما جهود الأمم المتحدة لتشكيل حكومة الوحدة.
ووفق ذات المصادر فإنه يجري أيضًا بحث أسماء أخرى لفرض عقوبات عليها بشأن عرقلة جهود فايز السراج تشكيل حكومة وفاق وطني، وفق اتفاق وقعه فرقاء من ليبيا بإشراف الأمم المتحدة في منتصف ديسمبر.
يأتي ذلك بينما يتصاعد نفوذ الجماعات المسلحة على الأراضي الليبية، ومحاولة توحيدها للسيطرة على النفط الليبي، في وقت يتصاعد التهديد الجهادي المتمثل بتنظيم داعش الذي يسيطر على مدينة سرت شرق طرابلس، ويحاول التمدد نحو المناطق القريبة منها والغنية بآبار النفط وموانئ تصديره.
الأمم المتحدة تسن أنيابها

وتشير معلومات إلى أن الأمم المتحدة بدأت في "سن أنيابها" بعد تزايد العراقيل التي تواجه الاتفاق السياسي الذى ترعاه.. من جانبه نفى المبعوث الأممي لدى ليبيا، مارتن كوبلر، عزم الأمم المتحدة نشر وحدات من "القبعات الزرقاء" في العاصمة الليبية طرابلس لتأمين عمل حكومة الوفاق الوطني.
ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة بدأ صبرها ينفد أمام تعنت الأطراف الليبية، الذين لا يرون إلا مصالحهم الشخصية دون أدنى اعتبار لمصلحة البلاد، الذي قد تدخل في مرحلة حرجة الفترة المقبلة، قد تؤدي إلى تحولها لتجمعات مسلحة فقط، في ظل انتشار الإرهاب على أراضيها.
وتتزايد مخاوف النخبة السياسية من أن تتسبب عقدة المادة الـ8 من اتفاقية الصخيرات في إخفاق ما تحقق من العملية السياسية، ودفع الأمور للعودة إلى مربع الصفر.
وتزايدت المخاوف خلال الأيام القليلة الماضية، حتى بدأ صداها يتردد في شرق وغرب ليبيا، وجنوبها، وفي تونس حيث المقر المؤقت للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج الذي يسابق الوقت بحثًا عن تشكيلة حكومية جديدة تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتحظى بثقة البرلمان في طبرق.
البرلمان الليبي يتمسك بتعديل المادة 8

ويتمسك برلمان طبرق بتعديل المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات شريطة التوقيع، وذلك بعد اتضاح ملابساتها، والظروف التي أحاطت بصياغتها، والأهداف الكامنة وراءها.
في هذا السياق، أشارت مصادر ليبية إلى أن تلك المادة لم تكن سوى فخ نصبه أعضاء من جماعة إخوان ليبيا خلال اجتماع سري مع المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون في سبتمبر الماضي، في غفلة من أعضاء البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا؛ وذلك لإبعاد قائد الجيش الليبي الفريق أول ركن خليفة حفتر، موضحةً أن صياغة تلك المادة قام بها أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد عُرضت على ليون خلال ذلك الاجتماع السري الذي عُقد في أحد فنادق مدينة الصخيرات المغربية بحضور أشرف الشح الأمين العام لحزب التضامن الليبي، وعبدالرحمن السويحلي رئيس حزب الاتحاد من أجل الوطن، بالإضافة إلى محمد شعيب، وأبي بكر مصطفى بعيرة عن برلمان طبرق.
وتم تمرير تلك المادة وضمها إلى اتفاقية الصخيرات بعد أن غادر وفد البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا مدينة الصخيرات، بناء على طلب من رئيس البرلمان عقيلة صالح بسبب خلافات جوهرية سادت تلك الجولة من المفاوضات التي تمت قبل الإعلان عن اتفاق تونس الذي مهد للتوقيع على اتفاقية الصخيرات في 17 ديسمبر الماضي.
وكان البرلمان الليبي قد رفض منح ثقته لحكومة السراج، مطالبًا المجلس الرئاسي بتقليص عدد الوزراء وتعديل المادة الـ8 من الاتفاقية، التي تنص على نقل كل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية إلى مجلس رئاسة وزراء حكومة الوفاق بعد توقيع الاتفاق مباشرة، على أن يتخذ مجلس الوزراء قرارًا بشأنها خلال مدة لا تتجاوز عشرين يومًا، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدة ثلاثين يومًا.
ومع تعنت كلا الطرفين في التمسك برؤيته في تعديل المادة الثامنة من عدمه، فإن إمكانية التوصل إلى تعديل لهذه المادة، خاصة وأن المؤتمر الوطني رأى أن أي تعديل على تلك المادة هو "انتهاك صارخ للاتفاق ويعد انقلابًا"، وحذر بتصعيد الموقف، فيما رفض رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر ضمنيًّا إدخال أي تعديل عليها.
وقال كوبلر خلال مؤتمر صحفي عقده أمس بتونس، إنه وفقًا لقرار مجلس الأمن 2259 لا يستطيع أي طرف إدخال تعديلات على الاتفاقية خارج إطار الآليات المنصوص عليها، وبالتالي فإن تعديل المادة الـ8 لا يتم إلا بتوافق بين البرلمان ومجلس الدولة.
تعطيل المسار السياسي

ويرى مراقبون أن هذه المادة من شأنها تعطيل المسار السياسي وبالتالي عودة الأمور إلى المربع الصفر على ضوء تدهور الأوضاع الأمنية، وتعثر عمل لجنة الترتيبات الأمنية؛ بسبب موقف جماعة الإخوان الرافض لها.
وحذر كوبلر من تردي الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية، التي قال إنها أصبحت مرتعًا للميليشيات؛ ما تسبب في ارتفاع الجريمة وعمليات الخطف، وهو "أمر لا يمكن القبول باستمراره، وبالتالي لا بد من الإسراع في إيجاد منظومة أمنية وعسكرية قوية لوضع حد لهذه الفوضى، قائلا: ليبيا اليوم هي الدولة الوحيدة في العالم التي فيها ميليشيات مُسلحة تتلقى مخصصاتها المالية من البنك المركزي، وهذا أمر ناتج عن الفراغ السياسي والأمني والعسكري في البلاد؛ لذلك لا يجب بقاء السلاح خارجًا عن السيطرة".
وأكد مبعوث الأمم المتحدة أن التحدي الأمني يعد أبرز التحديات التي تواجه حكومة السراج المرتقبة التي يتعين أن تعمل من العاصمة طرابلس، ولفت إلى أن اللجنة الأمنية تعمل على توفير المناخ المناسب بالتنسيق مع الجنرال الإيطالي باولو سيرا، ولكنه نفى وجود نية لدى الأمم المتحدة في نشر قوات تابعة لها في طرابلس لتوفير ذلك المناخ.
ويكمن الخطر في نحو خمسة تجمعات كبرى شبه عسكرية، وتتميز بالدعم المالي والتسليح الجيد، مع وجود أجهزة لدى كلها منها مماثلة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية المعروفة في مختلف الدول، وساعد على تنامي المشكلة أمراء حرب وكتائب وميليشيات ظهرت في أعقاب سقوط القذافي.
ومع تصاعد الجدل حول المادة الـ8، وفي ظل عرقلة عمل حكومة الوفاق فإن الأوضاع ستنحدر يومًا بعد الآخر، مع تنامي وتوغل الجماعات المسلحة في البلاد، مستغلين حالة الارتباك التي تشهدها ليبيا، ويرجح محللون إمكانية العودة إلى مربع الصفر.